قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد (1433-1435هـ) الدرس السادس:
" أليس يا إخوان من متعه الله -سبحانه وتعالى- بالصحة وعرف مكانتها وعرف أيضا ما يترتب على المرض من آلام وأوجاع وأتعاب إلى غير ذلك أليس هو يحتاط لصحته؟ ويدعو الله -سبحانه وتعالى- أن يعافيه وأن يسلمه، ويتحاشى الأمراض؛ وأي طعام أو شراب أو نحو ذلكم يظن أنه يجلب له شيئا من هذه الأمراض يتحاشاه ويحتاط حفظا لصحته وحمية لبدنه؟
وهذا أمر يُعلم تعاهد الناس له وعنايتهم به حتى إن من الناس من يعمل لنفسه حمية من الأطعمة المباحة التي تشتهيها نفسه حفظا لصحته ورعاية لقَوام وسلامة بدنه ومقام حفظ الدين وحفظ العقيدة وحفظ التوحيد أعظم من مقام حفظ البدن وأجلّ، حفظ البدن ليسلم من الأمراض أمر مطلوب ولكن أعظم منه وأجل حفظ الأديان وحفظ العقيدة وحفظ التوحيد مما يثلمه أو ينقضه أو يهدمه، ويُتعجب من حال من يحتمي بالطيبات خوف مضرة بدنه ولا يحتمي من خبيث العقائد وسيء التعلقات بغير الله -تبارك وتعالى- خوفا أن يكُبَّه الله يوم القيامة في النار، يحتمي من الأطعمة خوف مضرتها ولا يحتمي من العقائد الباطلة والأعمال السيئة خوف معَرَّتها يوم يلقى الله -سبحانه وتعالى-.
الخوف من الشرك مطلب جليل ومقصد عظيم، والمسلم الذي عرف التوحيد وعرف مكانته وعرف قدره وعرف منزلته يخاف من ضده وهو الشرك خوفا شديدا مثله تماما، بل الأمر أشد، الذي عرف قيمة الصحة وأخذ بالأسباب التي يتقي بها الأمراض فالمقام في التوحيد أعظم والأمر أجل، من تأثرت صحته ببعض الأمراض قصارى ما في ذلك أنه يفقد هذه الحياة الدنيا، لكن من تلطخ بأمراض الشرك بالله خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، ولهذا يجب على الإنسان أن يحذر من الشرك أشد الحذر وأن يخافه على نفسه وعلى أهله وعلى أولاده، لاسيما أن الوسائل والطرائق لنشر الشرك وإشاعته بين الناس كثيرة جدا، من خلال وسائل كثيرة، كثرت في هذا الزمان، فيجب على العبد أن يكون على خوف من الشرك.
والإمام المجدد شيخ الإسلام ((محمد بن عبد الوهاب)) -رحمه الله تعالى- رجل ناصح نصحا عظيما، ويكتب عن نُصح وحرص على نفع الناس، وإنقاذهم من هذه الأخطار، وإبعادهم عن هذه الأضرار التي تجني على حياتهم في الدنيا والآخرة جناية عظيمة، فهذه الترجمة ترجمة عظيمة القدر ((باب الخوف من الشرك)).
والخوف من الشرك حتى تكون فعلا تحقق مقصود هذه الترجمة يحتاج منك أن تقوم بأمرين تداوم عليهما وتعتني بهما لتحقق فعلا الخوف من الشرك، لا يكفي أن يقول الإنسان أنا أخاف من الشرك، لا، لابد من أمرين تعتني بهما عناية مستمرة، وهذه العناية المستمرة بهذين الأمرين أمارة صدق خوف الإنسان من الشرك:
- أما الأمر الأول: الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وتكثر من الدعاء
وقد جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (لَشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ الله أَوَلَيْسَ الشِّرْكُ أَنْ يُجْعَلَ لِلَهِ نِدًّا وَهْوَ الخَالِقُ؟) قَالَ: (وَالذِّي نَفْسِي بِيَدِهِ لَشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتُمُوهُ أَذْهَبَ اللهُ عَنْكُم قَلِيلَ الشِّرْكِ وَكَثِيرَهُ؟) -انتبِهوا لهذا- قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ الله)، قَالَ: (تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ وَنَحْنُ نَعْلَمْ وَنَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لَا نَعْلَمُ)، هذا الدعاء يحتاج أن يواظب عليه العبد وأن يعتني به وأن يصدق مع الله في دعائه، اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك مما لا أعلم.
وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- كل يوم -وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام- كما ثبت في ((الأدب المفرد للبخاري)) وغيره كان كل يوم يقول ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)، وكان أكثر دعائه -عليه الصلاة والسلام-: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، وَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَة: (أَوَإِنَّ القُلُوبَ لَتَتَقَلَّبْ؟) قَالَ: (مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا هُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءْ فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ)، وكان كثير الدعاء -عليه الصلاة والسلام- لهذا (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
وثبت عنه كما في الصحيحين أنه كان يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي فَأَنْتَ الحَيُّ الذِّي لَا يَمُوتُ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُون).
وهاهو إمام الحنفاء خليل الرحمن عليه السلام يقول في دعائه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [ابراهيم:٣٥]؛ وهذا دعاء (وَاجْنُبْنِي)، يدعو الله، وسيأتي ذكر هذه الآية والكلام على معناها عند إيراد المصنف -رحمه الله تعالى- لها لهذه الترجمة.
فهذا الأمر الأول يعتني بالدعاء عناية دائمة مستمرة، يدعو الله أن يخلصه من الشرك، أن ينجيه من الشرك، أن يعيذه من الشرك، أن يجنبه من الشرك، أن يقيه من الشرك، يسأل الله ويلح والله -سبحانه والله- لا يخيب من دعاه.
- الأمر الثاني: أن يعرف الشرك وحقيقته معرفة من أراد إتقائه والبعد عنه
يعرف ماهو الشرك، وما حقيقة الشرك، وما الأمور التي فعلها يكون بها قد أشرك ووقع في الشرك، يعرف ذلك معرفة يقصد بها اتقاءه والبعد عنه، وقد قيل قديما: ((كَيْفَ يَتَّقِي مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي))، كيف يتقي الشرك من لا يدري ماهو الشرك؟ ولهذا لما جهل أقوام بالشرك ماهو وماهو حقيقته دخلوا في أنواع من صور الشرك وأعمال المشركين وهو لا يظن أنه قد وقع في الشرك أو في أمر يضاد التوحيد ويناقضه؛ ولهذا ترى في الناس من يقول لا إله إلا الله ويدعو غير الله ويستغيث بغير الله، يقول لا إله إلا الله وفي الوقت نفسه يقول مدد يا فلان أو أغثني يا فلان أو إن لم تأخذ بيدي من الذي يأخذ بيدي أو مالي من ألوذ به سواك، أو يقول غير ذلك، فإذا يحتاج من يخاف من الشرك أن يعرف ماهو الشرك حتى يتقيه ويحذر منه.
وهذه المعرفة مطلوبة؛ حذيفة بن اليمان كما في ((صحيح البخاري)) يقول: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني))، ولهذا قيل: ((تعلم الشر لا للشر لكن لتوقيه فإن من لم يعرف الشر من الناس يقع فيه))، إذا لم يعرف الشر يقع في الشر من حيث لا يشعر، العلماء -رحمهم الله- ومنهم هذا الإمام كتبوا كتبا بعنوان: ((الكبائر))، والكتاب من أوله إلى آخره يقول الكبيرة الأولى كذا الكبيرة الثانية الثالثة الرابعة ويعدد، ما فائدة الكبائر في الكتابة ولماذا يكتب هؤلاء الأئمة عن الكبائر؟ من أجل أن يعرفها الناس ليتقوها ويعرفوها ويتجنبوها ويدركوا خطرها وضررها، لأن من لا يدري ما يتقي كيف يتقي؟ إذا الصادق في الخوف من الشرك يعرف الشرك ماهو حتى يتجنبه حتى يحذره حتى يحذر أهله وولده منه ومن أعماله ومن أعمال المشركين.
فهذان مطلبان لابد منهما لتحقيق الخوف من الشرك: الدعاء ومعرفة الشرك وحقيقته؛ معرفةً من يقصد بذلك اتقاءه والحذر منه. "
" أليس يا إخوان من متعه الله -سبحانه وتعالى- بالصحة وعرف مكانتها وعرف أيضا ما يترتب على المرض من آلام وأوجاع وأتعاب إلى غير ذلك أليس هو يحتاط لصحته؟ ويدعو الله -سبحانه وتعالى- أن يعافيه وأن يسلمه، ويتحاشى الأمراض؛ وأي طعام أو شراب أو نحو ذلكم يظن أنه يجلب له شيئا من هذه الأمراض يتحاشاه ويحتاط حفظا لصحته وحمية لبدنه؟
وهذا أمر يُعلم تعاهد الناس له وعنايتهم به حتى إن من الناس من يعمل لنفسه حمية من الأطعمة المباحة التي تشتهيها نفسه حفظا لصحته ورعاية لقَوام وسلامة بدنه ومقام حفظ الدين وحفظ العقيدة وحفظ التوحيد أعظم من مقام حفظ البدن وأجلّ، حفظ البدن ليسلم من الأمراض أمر مطلوب ولكن أعظم منه وأجل حفظ الأديان وحفظ العقيدة وحفظ التوحيد مما يثلمه أو ينقضه أو يهدمه، ويُتعجب من حال من يحتمي بالطيبات خوف مضرة بدنه ولا يحتمي من خبيث العقائد وسيء التعلقات بغير الله -تبارك وتعالى- خوفا أن يكُبَّه الله يوم القيامة في النار، يحتمي من الأطعمة خوف مضرتها ولا يحتمي من العقائد الباطلة والأعمال السيئة خوف معَرَّتها يوم يلقى الله -سبحانه وتعالى-.
الخوف من الشرك مطلب جليل ومقصد عظيم، والمسلم الذي عرف التوحيد وعرف مكانته وعرف قدره وعرف منزلته يخاف من ضده وهو الشرك خوفا شديدا مثله تماما، بل الأمر أشد، الذي عرف قيمة الصحة وأخذ بالأسباب التي يتقي بها الأمراض فالمقام في التوحيد أعظم والأمر أجل، من تأثرت صحته ببعض الأمراض قصارى ما في ذلك أنه يفقد هذه الحياة الدنيا، لكن من تلطخ بأمراض الشرك بالله خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، ولهذا يجب على الإنسان أن يحذر من الشرك أشد الحذر وأن يخافه على نفسه وعلى أهله وعلى أولاده، لاسيما أن الوسائل والطرائق لنشر الشرك وإشاعته بين الناس كثيرة جدا، من خلال وسائل كثيرة، كثرت في هذا الزمان، فيجب على العبد أن يكون على خوف من الشرك.
والإمام المجدد شيخ الإسلام ((محمد بن عبد الوهاب)) -رحمه الله تعالى- رجل ناصح نصحا عظيما، ويكتب عن نُصح وحرص على نفع الناس، وإنقاذهم من هذه الأخطار، وإبعادهم عن هذه الأضرار التي تجني على حياتهم في الدنيا والآخرة جناية عظيمة، فهذه الترجمة ترجمة عظيمة القدر ((باب الخوف من الشرك)).
والخوف من الشرك حتى تكون فعلا تحقق مقصود هذه الترجمة يحتاج منك أن تقوم بأمرين تداوم عليهما وتعتني بهما لتحقق فعلا الخوف من الشرك، لا يكفي أن يقول الإنسان أنا أخاف من الشرك، لا، لابد من أمرين تعتني بهما عناية مستمرة، وهذه العناية المستمرة بهذين الأمرين أمارة صدق خوف الإنسان من الشرك:
- أما الأمر الأول: الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وتكثر من الدعاء
وقد جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (لَشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ الله أَوَلَيْسَ الشِّرْكُ أَنْ يُجْعَلَ لِلَهِ نِدًّا وَهْوَ الخَالِقُ؟) قَالَ: (وَالذِّي نَفْسِي بِيَدِهِ لَشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتُمُوهُ أَذْهَبَ اللهُ عَنْكُم قَلِيلَ الشِّرْكِ وَكَثِيرَهُ؟) -انتبِهوا لهذا- قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ الله)، قَالَ: (تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ وَنَحْنُ نَعْلَمْ وَنَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لَا نَعْلَمُ)، هذا الدعاء يحتاج أن يواظب عليه العبد وأن يعتني به وأن يصدق مع الله في دعائه، اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك مما لا أعلم.
وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- كل يوم -وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام- كما ثبت في ((الأدب المفرد للبخاري)) وغيره كان كل يوم يقول ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)، وكان أكثر دعائه -عليه الصلاة والسلام-: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، وَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَة: (أَوَإِنَّ القُلُوبَ لَتَتَقَلَّبْ؟) قَالَ: (مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا هُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءْ فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ)، وكان كثير الدعاء -عليه الصلاة والسلام- لهذا (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
وثبت عنه كما في الصحيحين أنه كان يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي فَأَنْتَ الحَيُّ الذِّي لَا يَمُوتُ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُون).
وهاهو إمام الحنفاء خليل الرحمن عليه السلام يقول في دعائه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [ابراهيم:٣٥]؛ وهذا دعاء (وَاجْنُبْنِي)، يدعو الله، وسيأتي ذكر هذه الآية والكلام على معناها عند إيراد المصنف -رحمه الله تعالى- لها لهذه الترجمة.
فهذا الأمر الأول يعتني بالدعاء عناية دائمة مستمرة، يدعو الله أن يخلصه من الشرك، أن ينجيه من الشرك، أن يعيذه من الشرك، أن يجنبه من الشرك، أن يقيه من الشرك، يسأل الله ويلح والله -سبحانه والله- لا يخيب من دعاه.
- الأمر الثاني: أن يعرف الشرك وحقيقته معرفة من أراد إتقائه والبعد عنه
يعرف ماهو الشرك، وما حقيقة الشرك، وما الأمور التي فعلها يكون بها قد أشرك ووقع في الشرك، يعرف ذلك معرفة يقصد بها اتقاءه والبعد عنه، وقد قيل قديما: ((كَيْفَ يَتَّقِي مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي))، كيف يتقي الشرك من لا يدري ماهو الشرك؟ ولهذا لما جهل أقوام بالشرك ماهو وماهو حقيقته دخلوا في أنواع من صور الشرك وأعمال المشركين وهو لا يظن أنه قد وقع في الشرك أو في أمر يضاد التوحيد ويناقضه؛ ولهذا ترى في الناس من يقول لا إله إلا الله ويدعو غير الله ويستغيث بغير الله، يقول لا إله إلا الله وفي الوقت نفسه يقول مدد يا فلان أو أغثني يا فلان أو إن لم تأخذ بيدي من الذي يأخذ بيدي أو مالي من ألوذ به سواك، أو يقول غير ذلك، فإذا يحتاج من يخاف من الشرك أن يعرف ماهو الشرك حتى يتقيه ويحذر منه.
وهذه المعرفة مطلوبة؛ حذيفة بن اليمان كما في ((صحيح البخاري)) يقول: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني))، ولهذا قيل: ((تعلم الشر لا للشر لكن لتوقيه فإن من لم يعرف الشر من الناس يقع فيه))، إذا لم يعرف الشر يقع في الشر من حيث لا يشعر، العلماء -رحمهم الله- ومنهم هذا الإمام كتبوا كتبا بعنوان: ((الكبائر))، والكتاب من أوله إلى آخره يقول الكبيرة الأولى كذا الكبيرة الثانية الثالثة الرابعة ويعدد، ما فائدة الكبائر في الكتابة ولماذا يكتب هؤلاء الأئمة عن الكبائر؟ من أجل أن يعرفها الناس ليتقوها ويعرفوها ويتجنبوها ويدركوا خطرها وضررها، لأن من لا يدري ما يتقي كيف يتقي؟ إذا الصادق في الخوف من الشرك يعرف الشرك ماهو حتى يتجنبه حتى يحذره حتى يحذر أهله وولده منه ومن أعماله ومن أعمال المشركين.
فهذان مطلبان لابد منهما لتحقيق الخوف من الشرك: الدعاء ومعرفة الشرك وحقيقته؛ معرفةً من يقصد بذلك اتقاءه والحذر منه. "