إطلاقاتُ الإمامِ ابنِ عبدِ الوهابِ للفظِ "الصحيحِ" فِي كتابِ التوحيدِ
الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين كالمبتدعة و المشركين، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له، إله الأولين و الآخرين، و قيوم السموات و الأرضين، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و خيرته من خلقه أجمعين.
اللهم صل على محمد، و على آل محمد، و أصحابه، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و سلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإن كتاب التوحيد الذي ألفه الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر و الثواب، و غفر له و من أجاب دعوته يوم الحساب؛ قد جاء بديعا في معناه من بيان التوحيد ببراهينه، و جمع جمل من أدلته لإيضاحه و تبيينه، فصار علما للموحدين، و حجة على الملحدين، فانتفع به الخلق الكثير، و الجم الغفير(1).
و قد شرح الكتاب شروحا متعددة منها المختصر و منها المطول، و قد كتبت بأساليب تتناسب مع العصر الذي ألفت فيه، و تلائم أهل ذلك العصر و هممهم العالية و جدهم و اجتهادهم(2).
و لا يزال العلماء و طلبة العلم يهتمون بهذا الكتاب شرحا و تدريسا و حفظا و تحقيقا، لما جعل الله تعالى من النفع الكبير و الخير الكثير.
و لا يزال العلماء يستنبطون منه الفوائد و النكت و اللطائف، و من ذلكم ما أشار إليه العلامة بن عثيمين رحمه الله تعالى في "القول المفيد على كتاب التوحيد"؛ فقد أشار إلى مسألة مهمة تتعلق بإطلاق المصنف رحمه الله لفظ "الصحيح" على بعض الأحاديث.
فقال رحمه الله كما في القول المفيد (1/157) : "قوله : (و في الصحيح) لم يفصح المؤلف رحمه الله بمراده بالصحيح؛ أهو صحيح البخاري أم صحيح مسلم، أم أن المراد له الحديث الصحيح؛ سواء كان في الصحيحين معا أم في أحدهما أم غيرهما، و ليس له اصطلاح يحمل عليه عند الإطلاق، و على هذا يبحث عن الحديث في مظانه، و قد ورد هذا التعبير في سياق المؤلف للحديث في مواضع أخرى".
و قد حاولت تتبع إطلاقات المصنف لهذا اللفظ على الأحاديث التي أوردها، فوجدت ما أطلق عليه لفظ الصحيح إما أن يكون موجودا في الصحيحين أو في أحدهما، و هذا لا يعني أنه غير موجود في الكتب الأخرى.
و عدد هذه الأحاديث التي أطلق عليها لفظ "الصحيح" تسعة عشر حديثا (19)، قسمتها إلى ثلاثة أقسام :
1 _ ما ورد في الصحيحين.
2 _ ما ورد عند البخاري دون مسلم.
3 _ ما ورد عند مسلم دون البخاري.
و المصنف رحمه الله قد يعطف على لفظ الصحيح أحاديث أخرى، فيقول : "في الصحيح" ثم يقول : "و فيه"، و هذا في ثلاثة مواضع –و سيتبين لاحقا إن شاء الله-.
و قد عزوت هذه الأحاديث إلى مصادرها مبينا مواضعها فيها معتمدا في ذلك على تحقيق دغش العجمي حفظه الله لكتاب التوحيد و على تخريجاته.
1 _ ما رواه الشيخان : و عدد هذه الأحاديث اثنى عشر (12)، و هي :
1 _ في باب : ما جاء في الرقى و التمائم.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر –أو قلادة- إلا قطعت".
رواه البخاري (4/59 رقم 3005)، و مسلم (3/1672 رقم 2115).
2 _ في باب : قول الله تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَ هُمْ يُخْلَقُونََ}.
قال رحمه الله : و في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال : شج النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد و كسرت رَباعيته. فقال : "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم" فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران 128].
رواه البخاري معلقا (5/99)، ز مسلم (3/1417 رقم 1791) موصولا.
3 _ في باب : قول الله تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَ هُمْ يُخْلَقُونََ}.
قال رحمه الله : و فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أنزل عليه {وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء 214]، فقال : "يا معشر قريش –أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أغني عنك من الله شيئا، و يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا".
رواه البخاري (4/6 رقم 2753)، و مسلم (1/192 رقم 206).
4 _ في باب : قول الله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
قال رحمه الله : في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده عبد الله بن أبي أمية، و أبو جهل. فقال له : "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له : أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه و سلم، فأعادا. فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب، و أبى أن يقول لا إلى إلا الله. فقال النبي صلى الله عليه و سلم : "لأستغفر نلك ما لم أنه عنك" فأنزل الله عز و جل {مَا كَانَ لِلنَّبْيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَن يَّسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كَانُوا أُوْلِي قًُرْبَى} [التوبة 113]، و أنزل الله في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَّشَاءُ} [القصص 56].
رواه البخاري (2/95 رقم 1360)، و مسلم (1/54 رقم 24).
5 _ في باب : ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده.
قال رحمه الله : في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأيتها بأرض الحبشة و ما فيها من الصور، فقال : "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله".
رواه البخاري (1/59 رقم 434)، و مسلم (1/375 رقم 52.
6 _ في باب : من سب الدهر فقد آذى الله.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار".
رواه البخاري (6/133 رقم 4826)، و مسلم (4/1762 رقم 2246/5).
7 _ في باب : التسمي بقاضي القضاة و نحوه.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله".
رواه البخاري (8/45 رقم 6206)، و مسلم (3/1688 رقم 2143).
8 _ في باب : لا يقال السلام على الله.
قال رحمه الله : في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال : كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا : السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام".
رواه البخاري (1/ 167 رقم 835)، و مسلم (1/301 رقم 402).
9 _ في باب : قول اللهم اغفر لي إن شئت.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له".
رواه البخاري (8/74 رقم 6339)، و مسلم (4/2063 رقم 2679/9).
10 _ في باب : لا يقال عبدي و أمتي.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يقل أحدكم : أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل : سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم : عبدي و أمتي، وليقل : فتاي وفتاتي وغلامي".
رواه البخاري (3/150 رقم 2552)، و مسلم (4/1765 رقم 2249).
11 _ في باب : ما جاء في كثرة الحلف.
قال رحمه الله : و في الصحيح عمران بن حصين رضي الله عنهم، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، -قال عمران فلا أدري : أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا- ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن".
رواه البخاري (5/2 رقم 2652)، و مسلم (4/1962).
12 _ في باب : ما جاء في كثرة الحلف.
قال رحمه الله : و فيه عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" قال إبراهيم : "وكانوا يضربوننا على الشهادة، والعهد و نحن صغار".
رواه البخاري (3/171 رقم 2652)، و مسلم (4/1962 رقم 2533).
2 _ ما تفرد به البخاري عن مسلم : و عدد هذه الأحاديث خمسة (5)، و هي :
1 _ في باب : {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَ هُمْ يُخْلَقُونَ}.
قال رحمه الله : و فيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر : "اللهم العن فلانا و فلانا" بعدما يقول : "سمع الله لمن حمده ربنا و لك الحمد" فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران 128].
رواه البخاري (5/66 رقم 4069).
2 _ في باب : من الشرك النذر لغير الله تعالى.
قال رحمه الله : و في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "من نذر أن يطيع الله فليطعه و من نذر أن يعصي الله فلا يعصه".
أخرجه البخاري، كتاب الأيمان و النذور، باب : النذر في الطاعة، حديث (6696).
3 _ في باب : {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك. حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم؟ قالوا : الحق و هو العي الكبير. فيسمعها مسترق السمع" و مسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه فحرفها و بدد بين أصابعه "فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها و ربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة. فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا و كذا : كذا و كذا. فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء".
رواه البخاري (6/80 رقم 4701).
4 _ في باب : ما جاء أن سبب كفر بني آدم هو الغلو في الصالحين.
قال رحمه الله : في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {وَ قَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لَا تَذَرُّنَ وَدًّا وَ لَا سُوَاعًا وَ لَا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْرًا} [نوح 23] قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت".
رواه البخاري (6/160 رقم 4920).
5 _ في باب : من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع".
رواه البخاري (4/24 رقم 2887).
3 _ ما تفرد به مسلم عن البخاري : و عدد هذه الأحاديث اثنان (2)، و هي :
1 _ في باب : تفسير التوحيد و شهادة آلا إله إلا الله.
قال رحمه الله : و في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم؛ أنه قال : "من قال لا إله إلا الله، و كفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله و دمه و حسابه على الله عز و جل".
رواه مسلم (1/53 رقم 23) عن ابي مالك عن أبيه عن طارق بن أشيم رضي الله عنه.
2 _ في باب : ما جاء في اللَّو.
قال رحمه الله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن ، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
رواه مسلم (4/2052 رقم 2664).
و الله أعلم، و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم على نبينا محمد، و أسأل الله أن يختم لنا و لكم بالتوحيد؛ آمين(3).
كتبه
يوسف صفصاف
الخميس 17 شعبان 1436
الموافق 04 جوان 2015
الهامش :
(1) مقدمة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ لكتاب فتح المجيد.
(2) مقدمة الشيخ محمد القرعاوي لكتاب الجديد في شرح كتاب التوحيد.
(3) خاتمة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله لكتاب القول المفيد.
تعليق