الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فمن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله عزوجل أنها توقيفية ، فلا يثبتون لله تعالى من الأسماء الحسنى والصفات العليا إلا ما أثبته سبحانه في كتابه العزيز أو ما أثبته له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة من غير تكييف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل و يمرونها كما جاءت مع الإيمان بمعناها وقولهم في ذلك قول أئمة الهدى ممن سبقوهم فطوبى لمن بهديهم قد اهتدى ، ولم يأت دليل صحيح صريح في وصف إحدى يدي الله عز وجل بالشمال أو اليسار ؛ فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم :((كلتاهما يمين)).
والرواية في ذلك كما هي في صحيح مسلم لا تثبت كما سنبيّن ذلك بكلام النقاد أهل الشأن في ذلك، وهذه الفائدة استفدتها من الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله أثناء تعليقه على صحيح مسلم -وقد أكمله ولله الحمد-وقد ضعّف هذه الرواية وحكم عليها بالشذوذ ، كذلك ضعفها جمع من أهل العلم منهم ابن خزيمة والبيهقي والألباني ومحمد علي آدم الأثيوبي وغيرهم.
وقد وردت النصوص الشرعية بإثبات اليدين لله تعالى وأنها كلتا يديه يمين في غير ما دليل منها :
1 ـ قول الله تعالى :(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ]
2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض.1
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.2
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : أول ما خلق الله تعالى القلم ، فأخذه بيمينه ، وكلتا يديه يمين )).3
3 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ((لما خلق الله آدم ، ونفخ فيه من روحه ؛ قال بيده وهما مقبوضتان : خذ أيها شئت يا آدم ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يداه يمين مباركة ، ثم بسطها....4
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما خلق الله آدم و نفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه : يرحمك الله يا آدم ! اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم قالوا : و عليك السلام و رحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال : إن هذه تحيتك و تحية بنيك بينهم فقال الله له و يداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت قال : اخترت يمين ربي و كلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم و ذريته فقال أي رب ! ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود و قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زد في عمره قال : ذاك الذي كتبت له قال : أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال : أنت و ذاك ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد تعجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى و لكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته و نسي فنسيت ذريته فمن يومئذ أمر بالكتاب و الشهود .5
5 ـ وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله عز وجل .
قيل يا رسول الله من هم قال هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه.6
وأما الرواية الشاذة التي في صحيح مسلم التي مفادها إثبات اليسار أو الشمال لله تعالى هي مايلي :
أخرج مسلم في "صحيحه" ( 2788 ) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبدالله أخبرني عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوي الله عز و جل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟
أولا :
قد أعلّ أهل العلم هذه الرواية وآفتها عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف وقد انفرد بها عن بقية الرواة وإليك بعض أقوال أهل العلم في ذلك :
1 ـ قال ابن خزيمة في ((كتاب التوحيد)) (1/159) : ((باب : ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أن لخالقنا جل وعلا يدين ، كلتاهما يمينان ، لا يسار لخالقنا عز وجل ؛ إذ اليسار من صفة المخلوقين ، فجل ربنا عن أن يكون له يسار)).
وقال أيضا (1/197) : ((000 بل الأرض جميعا قبضة ربنا جل وعلا ، بإحدى يديه يوم القيامة ، والسماوات مطويات بيمينه ، وهي اليد الأخرى ، وكلتا يدي ربنا يمين ، لا شمال فيهما ، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار ؛ إذ كون إحدى اليدين يسارا إنما يكون من علامات المخلوقين ، جل ربنا وعز عن شبه خلقه))اهـ.
2 ـ وقال الحافظ البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/55) : ((ذكر (الشِّمال) فيه ، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم ، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ؛ لم يذكرا فيه الشِّمال. وروى ذكر الشِّمال في حديث آخر في غير هذه القصة ؛ إلا أنه ضعيف بمرة ، تفرد بأحدهما : جعفر بن الزبير ، وبالآخر : يزيد الرقاشي. وهما متروكان ، وكيف ذلك؟! وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمَّى كلتي يديه يَمِيناً)) اهـ.
وقد ضعف هذه الرواية البيهقي من ناحية الإسناد فقال : " ذكر الشمال فيه ، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم ، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ، لم يذكرا فيه الشمال " .
وضعفها كذلك رحمه الله من ناحية المتن فقال : " وكيف يصح ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى كلتا يديه يمينا " .اهـ
3 ـ قال الألباني رحمه الله : وفي القبضتين أحاديث أخرى كنت خرجتها في المجلد الأول برقم (46 - 50 ). وليس في شيء منها ذكر الشمال ؛ إلا في رواية في حديث لابن عمر في طي السموات والأرض ؛ مذكور في "صحيح الجامع " برواية مسلم وابي داود عن ، تفرد بذكره عمر بن حمزة عن سالم عنه . قال البيهقي في "الأسماء " (ص324):
"وقد روي هذا الحديث نافع ، وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ، ولم يذكر فيه : "الشمال" ، ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يذكر فيه أحد منهم الشمال . وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة ؛ إلا أنه ضعيف بمرة تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير ، وبالآخر يزيد الرقاشي وهما متروكان ، وكيف يصح ذلك والصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سمى كلتا يديه يمينا ؟!.
قلت : معنى كلام البيهقي في ذكر "الشمال" في حديث ابن عمر المشار إليه أنه شاذ لمخالفته الثقات ال ين لم يذكروا ذلك ؛ لا في حديث ابن عمر ، ولا في حديث أبي هريرة وغيره ، وهذا الحكم بالشذوذ إنما يصح اصطلاحا فيما لو كان عمر بن حمزة ثقة عند العلماء ، لكن الواقع أنه ضعيف ؛ كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر وغيره ، ووصفه الإمام أحمد بقوله: "أحاديثه مناكير".
ومن مناكيره حديث "من أشر الناس .. الرجل يفضي إلى امرأته ثم ينشر سرها" الذي كنت تكلمت عليه في مقدمة "آداب الزفاف" الطبعة الجديدة ، ورددت فيها على ذاك المصري الجاني الذي نسبني بسبب ذلك إلى مخالفة الإجماع ! فهذا مثال آخر يؤكد ضعف عمر بن حمزة ، ومخالفته للثقات بشهادة الإمام البيهفي ، وعليه ؛ فتكون زيادته المذكورة : " الشمال " منكرة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسئل -رحمه الله- في ((مجلة الأصالة)) ( ع4 ، ص 68 ) ما نصه :كيف نوفق بين رواية : ((بشماله)) الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في ((صحيح مسلم)) وقوله صلى الله عليه وسلم : ((وكلتا يديه يمين))؟
فأجاب بقوله :
لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء ؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: ((000 وكلتا يديه يمين)) : تأكيد لقوله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد للتنزيه ، فيد الله ليست كيد البشر : شمال ويمين ، ولكن كلتا يديه سبحانه يمين.
وأمر آخر ؛ أن رواية : ((بشماله)) : شاذة ؛ كما بينتها في ((تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن)) (رقم 1).
ويؤكد هذا أن أبا داود رواه وقال : ((بيده الأخرى)) ، بدل : ((بشماله))، وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم : ((وكلتا يديه يمين)) ، والله أعلم)).اهـ
4 ـ ـ قال عبد الحق الإشبيلي رحمه الله : عمر هو ابن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، من جملة من عيب على مسلم الإخراج عنه ، وقد استشهد به البخاري ، وضعفه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما .اهـ7
قال النسائي : "ليس بالقوي" . "الضعفاء والمتروكين" الترجمة (470) .
و قال المزى : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : أحاديثه مناكير ."الكامل في الضعفاء"(5/19)
وذكره ابن حبان في الثقات وقال : "كان ممن يخطىء" (7/160) . وقال ابن عدي : "وهو ممن يكتب حديثه" . الكامل (5/20) . وقال الحافظ في التقريب : "ضعيف" .
ثانيا :
الإمام مسلم رحمه الله ذكر هذه الرواية في الشواهد لا في الأصول ،وكما هو مقرر عند أهل الحديث أن الإمام مسلم يأتي بالحديث الصحيح للإستدلال ثم يدعمه أحيانا بالشواهد التي هي دون مرتبة الصحيح للتقوية وذكر بعض الزيادات الهامة للفائدة ،قال السيوطي كما في "التدريب"(1/12: ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون والمتوسطون في الحفظ والإتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه.اهـ
وذكر الحافظ في " النكت " ( 1 / 433 - 434 ) رأي الحاكم والبيهقي ثم قال : " ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد ابن سفيان صاحب مسلم قال : " صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها : هذا الذي قرأه على الناس ( يعني الصحيح )، والثاني : يدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق وأمثالهما، والثالث : يدخل فيه الضعفاء "8
وقال العلامة أبو عمرو رحمه الله كما في "صيانة صحيح مسلم"(1/94):عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضا والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها
وذكر منها :
أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه وبالمتابعة والاستشهاد اعتذر الحاكم أبو عبد الله في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق بن يسار وعبد الله بن عمر العمري والنعمان ابن راشد أخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين والله أعلم.اهـ
وهذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الحواشي :
1ـ أخرجه البخاري (6519)،ومسلم ( 2787 ).
2ـ أخرجه مسلم ( 1827 )
3ـ رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (106) ، والآجري في ((الشريعة)). وصححه الألباني في "الصحيحة"( 3136).
4ـ رواه ابن أبي عاصم في السنة (206) ، وابن حبان (6167) ، والحاكم (1/64) وصححه ، وعنه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/56) . والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لــ"ظلال السنة" (206).
5ـ أخرجه الترمذى (5/453 ، رقم 336 وقال : حسن غريب . والحاكم (1/132 ، رقم 214) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقى (10/147 ، رقم 20307)،و
6ـ أخرجه الطبرانى كما فى الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد قال المنذرى (2/261) : إسناده مقارب لا بأس به . وقال الهيثمى (10/77) : رجاله موثقون،وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"( 150.
7 ـ " الأحكام الكبرى "(1/236)
8 ـ انظر: "مقدمة شرح مسلم" للنووي ( ص 20 )، و"النكت" لابن حجر ( 1 / 372 ) .
فمن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله عزوجل أنها توقيفية ، فلا يثبتون لله تعالى من الأسماء الحسنى والصفات العليا إلا ما أثبته سبحانه في كتابه العزيز أو ما أثبته له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة من غير تكييف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل و يمرونها كما جاءت مع الإيمان بمعناها وقولهم في ذلك قول أئمة الهدى ممن سبقوهم فطوبى لمن بهديهم قد اهتدى ، ولم يأت دليل صحيح صريح في وصف إحدى يدي الله عز وجل بالشمال أو اليسار ؛ فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم :((كلتاهما يمين)).
والرواية في ذلك كما هي في صحيح مسلم لا تثبت كما سنبيّن ذلك بكلام النقاد أهل الشأن في ذلك، وهذه الفائدة استفدتها من الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله أثناء تعليقه على صحيح مسلم -وقد أكمله ولله الحمد-وقد ضعّف هذه الرواية وحكم عليها بالشذوذ ، كذلك ضعفها جمع من أهل العلم منهم ابن خزيمة والبيهقي والألباني ومحمد علي آدم الأثيوبي وغيرهم.
وقد وردت النصوص الشرعية بإثبات اليدين لله تعالى وأنها كلتا يديه يمين في غير ما دليل منها :
1 ـ قول الله تعالى :(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ]
2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض.1
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.2
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : أول ما خلق الله تعالى القلم ، فأخذه بيمينه ، وكلتا يديه يمين )).3
3 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ((لما خلق الله آدم ، ونفخ فيه من روحه ؛ قال بيده وهما مقبوضتان : خذ أيها شئت يا آدم ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يداه يمين مباركة ، ثم بسطها....4
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما خلق الله آدم و نفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه : يرحمك الله يا آدم ! اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم قالوا : و عليك السلام و رحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال : إن هذه تحيتك و تحية بنيك بينهم فقال الله له و يداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت قال : اخترت يمين ربي و كلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم و ذريته فقال أي رب ! ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود و قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زد في عمره قال : ذاك الذي كتبت له قال : أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال : أنت و ذاك ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد تعجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى و لكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته و نسي فنسيت ذريته فمن يومئذ أمر بالكتاب و الشهود .5
5 ـ وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله عز وجل .
قيل يا رسول الله من هم قال هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه.6
وأما الرواية الشاذة التي في صحيح مسلم التي مفادها إثبات اليسار أو الشمال لله تعالى هي مايلي :
أخرج مسلم في "صحيحه" ( 2788 ) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبدالله أخبرني عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوي الله عز و جل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟
أولا :
قد أعلّ أهل العلم هذه الرواية وآفتها عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف وقد انفرد بها عن بقية الرواة وإليك بعض أقوال أهل العلم في ذلك :
1 ـ قال ابن خزيمة في ((كتاب التوحيد)) (1/159) : ((باب : ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أن لخالقنا جل وعلا يدين ، كلتاهما يمينان ، لا يسار لخالقنا عز وجل ؛ إذ اليسار من صفة المخلوقين ، فجل ربنا عن أن يكون له يسار)).
وقال أيضا (1/197) : ((000 بل الأرض جميعا قبضة ربنا جل وعلا ، بإحدى يديه يوم القيامة ، والسماوات مطويات بيمينه ، وهي اليد الأخرى ، وكلتا يدي ربنا يمين ، لا شمال فيهما ، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار ؛ إذ كون إحدى اليدين يسارا إنما يكون من علامات المخلوقين ، جل ربنا وعز عن شبه خلقه))اهـ.
2 ـ وقال الحافظ البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/55) : ((ذكر (الشِّمال) فيه ، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم ، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ؛ لم يذكرا فيه الشِّمال. وروى ذكر الشِّمال في حديث آخر في غير هذه القصة ؛ إلا أنه ضعيف بمرة ، تفرد بأحدهما : جعفر بن الزبير ، وبالآخر : يزيد الرقاشي. وهما متروكان ، وكيف ذلك؟! وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمَّى كلتي يديه يَمِيناً)) اهـ.
وقد ضعف هذه الرواية البيهقي من ناحية الإسناد فقال : " ذكر الشمال فيه ، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم ، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ، لم يذكرا فيه الشمال " .
وضعفها كذلك رحمه الله من ناحية المتن فقال : " وكيف يصح ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى كلتا يديه يمينا " .اهـ
3 ـ قال الألباني رحمه الله : وفي القبضتين أحاديث أخرى كنت خرجتها في المجلد الأول برقم (46 - 50 ). وليس في شيء منها ذكر الشمال ؛ إلا في رواية في حديث لابن عمر في طي السموات والأرض ؛ مذكور في "صحيح الجامع " برواية مسلم وابي داود عن ، تفرد بذكره عمر بن حمزة عن سالم عنه . قال البيهقي في "الأسماء " (ص324):
"وقد روي هذا الحديث نافع ، وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ، ولم يذكر فيه : "الشمال" ، ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يذكر فيه أحد منهم الشمال . وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة ؛ إلا أنه ضعيف بمرة تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير ، وبالآخر يزيد الرقاشي وهما متروكان ، وكيف يصح ذلك والصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سمى كلتا يديه يمينا ؟!.
قلت : معنى كلام البيهقي في ذكر "الشمال" في حديث ابن عمر المشار إليه أنه شاذ لمخالفته الثقات ال ين لم يذكروا ذلك ؛ لا في حديث ابن عمر ، ولا في حديث أبي هريرة وغيره ، وهذا الحكم بالشذوذ إنما يصح اصطلاحا فيما لو كان عمر بن حمزة ثقة عند العلماء ، لكن الواقع أنه ضعيف ؛ كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر وغيره ، ووصفه الإمام أحمد بقوله: "أحاديثه مناكير".
ومن مناكيره حديث "من أشر الناس .. الرجل يفضي إلى امرأته ثم ينشر سرها" الذي كنت تكلمت عليه في مقدمة "آداب الزفاف" الطبعة الجديدة ، ورددت فيها على ذاك المصري الجاني الذي نسبني بسبب ذلك إلى مخالفة الإجماع ! فهذا مثال آخر يؤكد ضعف عمر بن حمزة ، ومخالفته للثقات بشهادة الإمام البيهفي ، وعليه ؛ فتكون زيادته المذكورة : " الشمال " منكرة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسئل -رحمه الله- في ((مجلة الأصالة)) ( ع4 ، ص 68 ) ما نصه :كيف نوفق بين رواية : ((بشماله)) الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في ((صحيح مسلم)) وقوله صلى الله عليه وسلم : ((وكلتا يديه يمين))؟
فأجاب بقوله :
لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء ؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: ((000 وكلتا يديه يمين)) : تأكيد لقوله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد للتنزيه ، فيد الله ليست كيد البشر : شمال ويمين ، ولكن كلتا يديه سبحانه يمين.
وأمر آخر ؛ أن رواية : ((بشماله)) : شاذة ؛ كما بينتها في ((تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن)) (رقم 1).
ويؤكد هذا أن أبا داود رواه وقال : ((بيده الأخرى)) ، بدل : ((بشماله))، وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم : ((وكلتا يديه يمين)) ، والله أعلم)).اهـ
4 ـ ـ قال عبد الحق الإشبيلي رحمه الله : عمر هو ابن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، من جملة من عيب على مسلم الإخراج عنه ، وقد استشهد به البخاري ، وضعفه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما .اهـ7
قال النسائي : "ليس بالقوي" . "الضعفاء والمتروكين" الترجمة (470) .
و قال المزى : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : أحاديثه مناكير ."الكامل في الضعفاء"(5/19)
وذكره ابن حبان في الثقات وقال : "كان ممن يخطىء" (7/160) . وقال ابن عدي : "وهو ممن يكتب حديثه" . الكامل (5/20) . وقال الحافظ في التقريب : "ضعيف" .
ثانيا :
الإمام مسلم رحمه الله ذكر هذه الرواية في الشواهد لا في الأصول ،وكما هو مقرر عند أهل الحديث أن الإمام مسلم يأتي بالحديث الصحيح للإستدلال ثم يدعمه أحيانا بالشواهد التي هي دون مرتبة الصحيح للتقوية وذكر بعض الزيادات الهامة للفائدة ،قال السيوطي كما في "التدريب"(1/12: ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون والمتوسطون في الحفظ والإتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه.اهـ
وذكر الحافظ في " النكت " ( 1 / 433 - 434 ) رأي الحاكم والبيهقي ثم قال : " ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد ابن سفيان صاحب مسلم قال : " صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها : هذا الذي قرأه على الناس ( يعني الصحيح )، والثاني : يدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق وأمثالهما، والثالث : يدخل فيه الضعفاء "8
وقال العلامة أبو عمرو رحمه الله كما في "صيانة صحيح مسلم"(1/94):عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضا والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها
وذكر منها :
أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه وبالمتابعة والاستشهاد اعتذر الحاكم أبو عبد الله في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق بن يسار وعبد الله بن عمر العمري والنعمان ابن راشد أخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين والله أعلم.اهـ
وهذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكتبه :
عبد الحميد الهضابي
16 / 04 /1435
عبد الحميد الهضابي
16 / 04 /1435
الحواشي :
1ـ أخرجه البخاري (6519)،ومسلم ( 2787 ).
2ـ أخرجه مسلم ( 1827 )
3ـ رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (106) ، والآجري في ((الشريعة)). وصححه الألباني في "الصحيحة"( 3136).
4ـ رواه ابن أبي عاصم في السنة (206) ، وابن حبان (6167) ، والحاكم (1/64) وصححه ، وعنه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/56) . والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لــ"ظلال السنة" (206).
5ـ أخرجه الترمذى (5/453 ، رقم 336 وقال : حسن غريب . والحاكم (1/132 ، رقم 214) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقى (10/147 ، رقم 20307)،و
6ـ أخرجه الطبرانى كما فى الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد قال المنذرى (2/261) : إسناده مقارب لا بأس به . وقال الهيثمى (10/77) : رجاله موثقون،وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"( 150.
7 ـ " الأحكام الكبرى "(1/236)
8 ـ انظر: "مقدمة شرح مسلم" للنووي ( ص 20 )، و"النكت" لابن حجر ( 1 / 372 ) .