بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد، فهذا مقتطف من كتاب "دعائم منهاج النبوة" للشيخ الدكتور محمد بن سعيد رسلان، حفظه الله تعالى، ذكر فيه أن طريق الخلاص بالاتباع وترك الابتداع، وأن جماع الدين
أصلان، ألا نعبد إلا الله، وألا نعبده إلا بما شرع، فقال :
طَرِيقُ الْخَلَاصِ بِالاتِّبَاعِ وَتَرْكِ الابتِدَاعِ
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ الله : (( وَجِمَاعُ الدِّينِ أَصْلَانِ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ، وَأَلَّا نَعْبُدَهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ، لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف : 110] ))[1].
فَأمر الله تعالى في هذه الآية أن يكون العمل صالحا، أي : موافقا للسنة، ثم أمر أن يخلصه صاحبه لله رب العالمين.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية العظيمة: ((وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصا لله، صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) [2]
وقال شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ الله : (( العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإن الإسلام مبني على أصلين :
أحدهما : أن نعبد الله وحده لا شريك له.
والثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع، كما قال تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية : 18، 19].
وقال تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى : 21].
فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، من واجب ومستحب، لا نعبده بالأمور المبتدعة.
وليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده؛ فلا يصلي إلا لله، ولا يصوم إلا لله، ولا يحج إلا بيت الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يخاف إلا الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يحلف إلا بالله)) [3].
فلا بد في كل عبادة من تجريد التوحيد للعزيز المجيد بأن يكون العمل خالصا لله، ومن تجريد المتابعة للمعصوم صلى الله عليه وسلم، وهما شرطا قبول العمل عند الله عز وجل.
فإياك وإعمال العقل فيما لا مجال له فيه، وإياك والتأويل الفاسد، إياك ومناهج أهل الزيغ والضلال والانحراف والبدعة، تمسك بغرز سلفك الصالحين من أصحاب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان.
فطريق الخلاص والنجاة إنما هو بالاتباع وترك الإبتداع.
هذا الذي قاله شيخ الإسلام، والذي قاله الحافظ ابن كثير، ورد مثله عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى [4]، ويتبين من هذا جميعه، أنه لابد لصحة أي عمل نريد أن نتقرب به إلى الله، تبارك وتعالى، من شرطين رئيسين، ولا بد من وجودهما مجتمعين، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، وهما :
1 : إخلاص العبادة لله وحده.
2 : تجريد المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى : {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر : 2]
وقال تعالى : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص : 77].ه
وقال صلى الله علي وسلم كما في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه تعالى : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه)). [5].
فالإخلاص لا يتأتى مع الشرك أو الرياء، أو إرادة الإنسان بعمله الدنيا، ولا بد أن يكون العامل قد قصد بعمله وجه الله تعالى وحده، وهذا ما يتعلق بالشرط الأول.
وأما الشرط الثاني : فمعناه أن يكون العمل الذي نتقرب به إلى الله موافقا لما شرعه الله في كتابه، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأي عمل لا يتوفر فيه هذان الشرطان، فهو مردود على عامله، مضروب به وجهه، قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3].
أكمل الله لنا الدين قبل أن ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فليس الدين بحاجة إلى من يزيد فيه أو ينقص منه، فالدين كامل، والعقيدة كاملة، و الشريعة كاملة، وهي واضحة مفصلة، لا لبس فيها ولا غموض، فعليك بالأثر، ودع عنك بنيات الطريق، ودع الأهواء جانبا، واحذر الزيغ والابتداع والضلال، والزم غرز أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم.
وقد جاءت نصوص كثيرة تأمر بالاتباع وتحذر من الابتداع، وتنهى عن الإحداث في الدين، قال تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب : 21].
وقال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [الحشر : 7].
وقال سبحانه : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران : 31].
وقال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران : 32].
وقال تعالى : { فلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور : 63].
وقال تعالى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء : 65].
وأما السنة : فقد مر حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))[6].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله، وسنتي))[7].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))؛ يعني : فهو مردود عليه. هذه رواية مسلم (171.
ورواية الصحيحين : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[8].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله))[9].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى))، قيل : يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال : ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))[10].
__________________________________________________ ______________________________________
[1] : مجموع الفتاوى (234/10).
[2] : تفسير ابن كثير (205/5).
[3] : مجموع الفتاوى (63/1).
[4] : قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى : (({ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك : 2]. قال : أخلصه وأصوبه. قيل : يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟! قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوبا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب : أن يكون على السنة)).((حلية الأولياء)) (95/7).
[5] : أخرجه مسلم (2975) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
[6] : أخرجه أحمد (16692)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجة (44)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
[7] : أخرجه مالك في الموطإ مرسلا (1661)، وحسنه الألباني في ((التوسل)) (ص : 12).
[8] : أخرجه البخاري (2697)، ومسلم, من حديث عائشة رضي الله عنها.
[9] : البخاري (1737)، ومسلم (1835)، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
[10] : البخاري (7280), من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
تعليق