لا تتوقف عند حدود توحيد الربوبيه
الشيخ:د.محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى
التحميل المباشر
*********
لا تتوقف عند حدود توحيد الرّبوبية
للشيخ محمد سعيد رسلان – حفظه الله-
*****************
ألا تعلم أنّ النّاس مهما صنعوا , ومهما رجعوا إلى ربّهم تبارك وتعالى ظاهرا , من غير إلقاء أسِمّة القلوب في يد الشّرع, فلا تصح لهم توبة, لابدّ أن تعرف ربّك ,وأن تعرف كيف توحده, لا تتوقف عند حدود إثبات أنه مالك الملك , وخالق الخلق , ومدبّر الأمر , وهو الذي يحيي ويميت..., فإن هذا لم ينازع فيه أبو جهل, ومَن دونه من صناديد ورؤوس الكفر كلّهم كانوا يقِرّون أن الله هو خالق الخلق, وهو رزاقهم , وهوالذي يدبّر أمورهم, وهو الذي يميتهم و يحييهم ...,أتحسب أنّ المشركين كانوا يعتقدون أن هُبل ,أو اللاَّت, أو مَناة, أو العُزّى كانت تخلق بعوضة؟ أتحسب أنّ المشركين كانوا يعتقدون أنّ تلك الأصنام ترزق أحدا , أو تدبر أمرا , أو ترد غائبا؟ إنهم كانوا يعتقدون أنها لا تفعل شيئا من ذلك , ولكن اِتّخذوها وُسطاء بينهم وبين الله , قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله فهذا شركهم , كانوا يقولون لا نعبدونهم إلا ليقرّبونا إلى الله زُلفى , هذا كفرهم وشركهم ,ما تظن أنّهم كانوا يعتقدون أنّ أحد أصنامهم يخلقُ جناح ذبابة.., كانوا يعتقدون أنّها عاجزة وأنّها لا تفعلُ من ذلك شيئا.-فما هو موطن النّزاع إذًا بين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمشركين الكافرين؟ ولِما؟ أحلّ الله دماءهم , وأحلّ الله نساءهم , وأحلّ الله ذراريهم , ودورهم , وأرضهم , وأموالهم , لمِا؟لما كتب الله عليهم الخلود في النّار , فلا يخرجون منها أَبَدَ الأبِيدِ لما ؟وهم يقرون بأنّ الله هو خالقهم , وخالق أصنامهم , وخالق السّموات والأرضِ , وأنّه هو الّذي يرزقُ , وأنّه هو الّذي يملكُ , وأنّه هو الذي يدبّرُ الأمرَ, لما؟؟..._لأنّهم صرفوا العِبادة لله ولغيرِالله , وأحبّوا الله وأحبّوا معه غيره , فكانوا يعبدون الله ويعبدون معه سواه , يطوفون بالبيت ملبّين , يقول قائلهم -كما في صحيح مسلم- (لبّيك اللّهم لبّيك , لبّيك لا شريك لك لبّيك , إلاّ شريكا هو لك مَلَكْتَهُ وما ملك)._ إذاً هم يقرّون أنّ الله تبارك وتعالى يملك أصنامهم , يملك شركاءهم , وهو خلقهم وخلق أصنامهم وآلهتهم._لا تتوقف عند هذه الحدود , لأنك إن توقفت عندها فما زاد ايمانك على إيمان أبي جهل , كإيمان المشركين الأولين..._هذا توحيد الرّبوبية ولكن , اِجعل العبادة كلّها لله , لا تصرف منها شيئا لغير الله,_اجتهد في أن تكون عبادات القلب , مِنَ الخوف , والإنابة , والمحبة , والخشوع والإخْبَات , والتوكّل , وما وراء ذلك من عبادات القلب أن تكون لله._إيّاك أن تحب مع الله أحدا , أحب في الله , أحب لله , من أجل الله ربّ العالمين , ولكن , من أحب مع الله فقد أشرك بالله ربّ العالمين._عليك أن تجتهد في أن تجعل لسانك , رطبا بذكر الله , إجتهد في ألا يقع من لسانك لفظٌ يتضمّن شركا بالله , لاَ تحلف إلا بالله , من حلف بغير الله فقد أشرك , وفي رواية ’’فقد كفر’’ , وفي رواية ’’فقد أشرك وكفر’’._إيّاك أن تتكلم بكلمة توبق عليك آخرتك , تدمّر عليك مستقبلك الحقيقي , فإنّ كلمة واحدة , يمكن أن تهوي بها في النّار , أبعد مما بين السّماء والأرض- كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- في حديث أبو هريرة , في المُتَوَاخِيَيْنِ ,(رجل كان عابدا صالحا راهبا متبتّلا , وله صديق صاحب أخ , مسرف على نفسه, فكان كلّما مرّ به , يقول: له اِتّقِ الله أقلع عن الذنوب عد إلى الله اِفعل الطّاعات , فلا يُقلع عن المعاصي , ولا يكفّ عن السيّئات , فلما كَثُرَ ذلك منه قال: والله لاَ يَغْفِرُ اللهُ لك ,فقال الله جلّ وعلا: مَنْ هذا المُتَأَلِي عَلَيَّ -أي الحالف- ألاّ أغفر لفلان؟, فقد غفرت له , وأحبطت عملك ), فصار عمل العابد محبطا , وغفر الله رب العالمين للمحلوف عليه ألاّ يغفر الله له , "فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فتكلم بكلمة أوبقت" -أي أهلكت وأفسدت عليه آخرته-._إتّق الله , لاَ تزكّي نفسك فهذا من التزكّية الممنوعة , (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)-آية-._إيّاكَ أن تعتقد , بل أن تظنَّ , أنّ لك على أحدٍ حقّا , بل للنّاس الحقّ عليك ,فينبغي عليك ألاّ تَشْمَخَ بأنفك , فواضع لربّك , واجعل قلبك بزمامه في يد الشّرع , يُصَرِّفُهُ كيف شاء , فإنّ أصحاب النّبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- , كانوا في غاية التّواضع لله , في غاية الإخبات لله, في غاية الخشوع لله....