الإرادة الكونية و الإرادة الشرعية من صحيحة الألبانى رحمه الله
172 - " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : يا ابن آدم ! كيف وجدت
مضجعك ؟ فيقول : شر مضجع ، فيقال له : لو كانت لك الدنيا و ما فيها أكنت مفتديا
بها ؟ فيقول : نعم ، فيقول : كذبت قد أردت منك أهون من هذا ، و أنت في صلب " و
في رواية : ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئا و لا أدخلك النار ، فأبيت إلا الشرك
، فيؤمر به إلى النار " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 282 :
رواه البخاري ( 2 / 333 و 4 / 239 ، 242 ) و مسلم ( 8 / 134 ، 135 ) و أحمد
( 3 / 127 ، 129 ) و كذا أبو عوانة و ابن حبان في صحيحيهما كما في " الجامع
الكبير " ( 3 / 95 / 1 ) من طريق أبي عمران الجوني - و السياق له عند مسلم
و قتادة ، كلاهما عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
و له طريق ثالث : عن ثابت عن أنس به نحوه .
عزاه الحافظ في " الفتح " ( 6 / 349 ) لمسلم و النسائي ، و لم أره عند مسلم ،
و أما النسائي ، فالظاهر أنه يعني " السنن الكبرى " له و الله أعلم .
* قوله : ( فيقول : كذبت ) قال النووي :
" معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك ، فأبيت فيكون
من معنى قوله تعالى : ( و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، و إنهم لكاذبون ) ،
و بهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى : ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا
و مثله معه لافتدوا به ) .
* قوله : ( قد أردت منك ) أي أحببت منك ، و الإرادة في الشرع تطلق و يراد بها ما
يعم الخير و الشر و الهدى و الضلال كما في قوله تعالى ( و من يرد الله أن يهديه
يشرح صدره للإسلام ، و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في
السماء ) . و هذه الإرادة لا تتخلف . و تطلق أحيانا و يراد بها ما يرادف الحب
و الرضا ، كما في قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ، و لا يريد بكم العسر ) ،
و هذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث ( أردت منك ) أي أحببت
و الإرادة بهذا المعنى قد تتخلف ، لأن الله تبارك و تعالى لا يجبر أحدا على
طاعته و إن كان خلقهم من أجلها ( فمن شاء فليؤمن ، و من شاء فليكفر ) ، و عليه
فقد يريد الله تبارك و تعالى من عبده ما لا يحبه منه . و يحب منه ما لا يريده ،
و هذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية أخذا من قوله
تعالى ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون ) ، و يسمى الإرادة
الأخرى المرادفة للرضا بالإرادة الشرعية ، و هذا التقسيم ، من فهمه انحلت له
كثير من مشكلات مسألة القضاء و القدر ، و نجا من فتنة القول بالجبر أو الاعتزال
و تفصيل ذلك في الكتاب الجليل " شفاء العليل في القضاء و القدر و الحكمة
و التعليل " لابن القيم رحمه الله تعالى .
قوله ( و أنت في صلب آدم ) .
قال القاضي عياض :
" يشير بذلك إلى قوله تعالى ( و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم )
الآية ، فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ، فمن وفى به بعد وجوده في
الدنيا فهو مؤمن ، و من لم يوف به فهو كافر ، فمراد الحديث : اردت منك حين أخذت
الميثاق ، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك " . ذكره في " الفتح " .