تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3<>
فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :
فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .
من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .
يثبت أهل السنة لله رحمة تليق بجلاله، دل عليها الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.
1 _ من الكتاب : و هي متنوعة فتكون :
أ _ بالاسم : كقوله تعالى {و هو الغفور الرحيم} [يونس 107].
ب _ بالصفة : كقوله تعالى {و ربك الغفور ذو الرحمة} [الكهف 58].
ج _ بالفعل : كقوله تعالى {يعذب من يشاء و يرحم من يشاء} [العنكبوت 21].
د _ باسم التفضيل : كقوله تعالى {و هو أرحم الراحمين} [يوسف 92].
2 _ من السنة : و هي متنوعة أيضا فتكون :
أ _ بالاسم : روى البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال : "قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
ب _ بالصفة : روى الحاكم في المستدرك أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله رحيم حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه، ثم لا يضع فيهما خيرا". صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1636).
ج _ بالفعل : روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة".
د _ باسم التفضيل : روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : "أترون هذه طارحة ولدها في النار" قلنا : لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال : "لله أرحم بعباده من هذه بولدها".
3 الإجماع : فقد اتفق السلف على إثبات صفة الرحمة لله تعالى إثباتا يلسق به.
4 _ العقل : الخيرات الكثيرة التي أنعم الله بها على عباده، و النقم الكثيرة التي تندفع عنهم بأمر الله، دال على إثبات الرحمة لله تعالى حيث قال عز و جل {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها} [الروم 50]. و هذا يشهد به العام و الخاص.
أقسام رحمة الله تعالى
رحمة الله على قسمين : عامة و خاصة.
1 _ العامة : و هي التي يرحم بها الخلائق كلها : إنسهم و جنهم، صالحهم و فاسدهم، و البهائم أيضا؛ حيث قال ربنا عز و جل {ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما} [غافر 7].
2 _ الخاصة : بالمؤمنين دون غيرهم؛ حيث قال تعالى {و كان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب 43].
الفرق بين الرحمة العامة و الخاصة
هناك فوراق بين الرحمة العامة و الخاصة منها :
1 _ رحمة الله بالمؤمنين رحمة إيمانية دينية دنيوية، أما رحمة الكافر فهي رحمة جسدية بدنية دنيوية.
2 _ رحمة الله بالمؤمنين متصلة بالآخرة، أما الكافر فرحمة الله به قاصرة على الدنيا، لا تدركهم يوم القيامة؛ بل يدركهم العدل.
أسباب نيل رحمة الله تعالى
من أسباب نيل رحمة الله تبارك و تعالى :
أ _ الإحسان : قال الله تعالى {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف 56].
ب _ الإيمان: قال تعالى {و كان بالمؤمنين رحيما} [الأحرزاب 43].
ج _ التقوى : قال تعالى {فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف 156].
شبه من أنكر صفة الرحمة و الرد عليها
أنكر الأشاعرة و غيرهم من أهل التعطيل صفة الرحمة، و أولوها بإرادة الإحسان أو بالإحسان، لشبه واهية و هي :
1 _ أن العقل لم يدل عليها.
2 _ أن الرحمة رقة و ضعف للمرحوم، و هذا لا يليق بالله تعالى.
أما الرد على الأولى فيكون من وجهين :
أ _ التسليم : نقول إن كان العقل لم يدل عليها، فإن السمع قد دل عليها، و انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، فإن كانت الرحمة لم تثبت العقل فقد ثبتت بالنقل.
ب _ المنع : فالقول بأن العقل لا يدل على الرحمة قول باطل، فإن العقل الصحيح دل عليها و قد تقدم الكلام عن هذا.
و من العجب أنهم أثبتوا صفة الإرادة بالسمع و العقل لأن التخصيص يدل عليها؛ و صفة الرحمة أكثر ذكرا في القرآن، كما أن دليلهم العقلي لا يفهمه إلا الجهابذة من طلبة العلم، بخلاف دليل الرحمة العقلي الذي يفهمه الخاص و العام.
أما الشبهة الثانية فالرد عليها : بأن الرحمة لا تستلزم الرقة و اللين، فنرى الملك ذو السلطان العظيم أقوى الناس و يكون رحيما بهم، و إن صح ادعاؤهم فإنه يكون في المخلوق، أما الخالق عز و جل يرحم مع مع كمال سلطانه و عزته و قوته.
يؤمنُ أهلُ السنةِ و الجماعة أن اللهَ تعالى يرضَى رضا حقيقيا يليقُ به عز و جل، و صفة الرضَا ثابتة بالكتابِ و السنة و الإجماع.
الكتاب : و قد تنوعت دلالتها :
1 _ باسم المصدرِ : قوله تعالى {و رضوانٌ منَ اللهِ أكبر} [التوبة 72].
2 _ بالفعل الماضي : قوله تعالى {رضيَ اللهُ عنهم و رضُوا عنه} [المائدة 119].
3 _ بالفعل المضارع : قوله تعالى {و إن تشكرُوا يرضهُ لكم} [الزمر 7].
السنة : و قد تنوعت دلالتها :
1 _ باسم المصدر : روى الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رضَا الربِّ في رضا الوالدِ وسخط الرب في سخطِ الوالد". حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2501).
2 _ بالفعلِ الماضي : روى أحمد في المسند عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن اللهَ عز وجل رضي لكم ثلاثًا، وكرهَ لكم ثلاثًا".
3 _ بالفعل المضارعِ : روى البخاري عن أنسِ بن مالك عن صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن العينَ تدمعُ، والقلبَ يحزنُ، ولا نقولُ إلا ما يرضَى رَبُّنَا، وإنا بفراقك يا إبراهيمُ لمحزونونَ".
الإجماع : فقد أجمعَ السلفُ على إثباتِ صفةِ الرضَا لربنا جل و علا.
رضَا الله متعلقٌ بالعملِ و العاملِ
الله تعالى يرضى عن العملِ و العاملِ :
1 _ عن العمل : قال تعالى {و إنْ تشكرُوا يرضهُ لكم} [الزمر 7]، و قال صلى الله عليه و سلم : "إنَّ الله رضِي لكم ثلاثا...، رضي لكم أن تعبدُوه و لا تشركُوا به شيئًا، و أن تنصحُوا لمنْ ولاهُ اللهُ أمرَكم، و أن تعتصمُوا بحبلِ الله جميعًا و لا تفرقوا" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
2 _ عن العامل : قال تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح 8].
الرضا منَ الصفاتِ الفعليةِ
الرضَا من صفاتِ الله تعالى الفعليةِ المتعلقةُ بمشيئتهِ.
أقسامُ رضَا الناسِ
1 _ الرضا عن اللهِ : قال تعالى {رضيَ اللهُ عنهم و رضُوا عنه}[المائدة 119].
2 _ رضا الناسِ بالله : روى مسلم في صحيحه عن سعد ابن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "منْ قالَ حين يسمعُ المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيتُ باللهِ ربًّا وبمحمدٍ رسولا، وبالإسلام دينًا، غفرَ له ذنبه".
3 _ رضا الناس بقضاءِ الله و قدرِه : قال صلى الله عليه و سلم : "وأسألكَ الرضَا بعد القضاءِ". رواه الحاكم في المستدرك من حديث عمار بن ياسر، و صححه الألباني رحمه الله في الجامع الصحيح (1301).
قال الله تعالى {و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه} [النساء 93]. فالله تعالى رتب الخلود في النار على القتل، و القتل ليس بكفر، و لا خلود في النار عند أهل السنة إلا بالكفر.
و الجواب عن هذه المسألة من ستة أوجه :
1 _ أن الآية في الكافر إذا قتل المؤمن، لكن الكافر جزاؤه جهنم خالدا فيها و إن لم يقتل، قال تعالى {إن الله أعد للكافرين سعيرا + خالدين فيها} [الأحزاب 64-65]؛ فهذا القول ليس بشيء.
2 _ أن الآية فيمن استحل القتل؛ لأن المستحل لدم المؤمن كافر. و لكن المستحل خالد في النار و إن لم يقتله. و هذا لا يستقيم أيضا.
3 _ أن هذه الجملة تقدير شرط، أي : جزاؤه جهنم خالدا فيها إن جازاه؛ لكن نقول : إن جازاه فجزاؤه الخلود في جهنم؛ فلم نخلص من المشكلة بعد.
4 _ أن الذي قتل مؤمنا متعمدا قد فعل سبب الخلود في النار، و قد يوجد المانع له من ذلك و هو الإيمان و قد لا يوجد، و ذلك لأن المؤمن لا يزال في فسحة ما لم يصب دما حرما، فإن أصاب دما حراما فقد يضيق به دينه حتى يخرج منه؛ فإن خرج منه فقد أتى بسبب الخلود و زال عنه المانع. فالوعيد في هذه الآية باعتبار المآل، فإن القتل سبب للكفر و الكفر سبب للخلود.
5 _ أن المراد بالخلود المكث الطويل، و ليس المرد به المكث الدائم، و هذا الذي عليه أكير العلماء، ففي اللغة يطلق الخلود و يراد المكث الطويل حيث يقال : فلان خالد في السجن، و السجن ليس بدائم. و ربنا لم يذكر الخلود الأبدي فيكون المراد أنه ماكث مكثا طويلا.
6 _ أن هذا من باب الوعيد الذي يجوز إخلافه؛ لأنه انتقال من العدل إلى الكرم و هذا من الكرم، فإذا توعد الله القاتل بهذا الوعيد ثم أخلفه فهو كرم منه. لكن نقول إن نفذ الوعيد فالإشكال باقٍ، و إن لم ينفذ فلا فائدة منه.
و أقرب الأوجه صحة من هذه الستة الوجه الخامس ثم الرابع.
1 _ قوله تعالى {و الذين لا يدعون مع اللع إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاما + يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا + إلا من تاب و عمل عملا صالحا فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان 68-70].
2 _ روى البخاري –و اللفظ له- و مسلم و غيرهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبا فسأله فقال له : هل من توبة؟ قال : لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال : قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له".
و قد صح عن ابن عباس و غيره أنه قال : أن القاتل ليس له توبة. لكن يوجه هذا بأن :
1 _ ابنَ عباس استبعد أن يتوب القاتل، و أنه لا يوفق للتوبة؛ فلا يسقط عنه الاثم.
2 _ مرادَ ابن عباس أنه لا توبة من حق المقتول، إذ أن من قتل عمدا يتعلق به ثلاثة حقوق :
أ _ حق الله تعالى، و هذا ترفعه التوبة.
ب _ حق أولياء المقتول، و هذا يسقط بأن يسلم لهم نفسه للقصاص، أو يدفع الدية، أو يعفوا عنه.
ج _ حق المقتول، و هذا لا سبيل إلى التخلص منه في الدنيا.
لكن إذا تاب توبة نصوحا؛ فإنه يسقط حتى حق المقتول، لا إهدرا لحقه؛ و إنما يرفع الله درجات المقتول أو يعفوا عن ستئاته تفضلا منه و رحمة، فإن التوبة الخالصة لا تبقي شيئا.
يؤمنُ أهلُ السنةِ أن اللهَ تعالى يغضبُ على من يستحقُ الغضبَ، إثباتا يليقُ به جلَّ و علا، و مستندُهم في ذلك الكتابُ و السنةُ و الإجماعُ و العقلُ.
1 _ الكتابُ : تنوعت الأدلةُ فيه، فتارةً تكونُ بالفعلِ الماضي و تارة باسم المصدر :
أ _ بالفعل الماضي : كقوله تعالى {و منْ يقتلْ مؤمنًا متعمدًا فجزاؤُه جهنمُ خالدًا فيها و غضبَ اللهُ عليهِ وَ لعنَه} [النساء 93].
و كقوله تعالى {من لعنَه اللهُ و غضبَ عليهِ} [المائدة 60].
ب _ باسم المصدر : كقوله تعالى {و باؤوا بغضبٍ منَ اللهِ} [البقرة 61].
و كقوله تعالى { والخامسةُ أن غضبَ الله عليها إنْ كانَ منَ الصادقينَ} [النور 9].
و كقوله تعالى {و من يحلِلْ عليهِ غضبي فقدْ هوَى} [طه 81].
2 _ السنة : تنوعت دلالتها كذلك فيها، فتارةً تكونُ بالفعلِ الماضي و تارة بالفعل المضارعِ و تارة تكون باسم المصدر :
أ _ بالفعلِ الماضي : كما ثبتَ في حديث الشفاعةِ الطويل الذي رواه الشيخان و غيرهما من حديثِ أبي هريرة قال فيه صلى الله عليه و سلم : "ربي غضبَ غضبًا لم يغضبْ قبله مثله، ولا يغضبُ بعده مثله".
ب _ بالفعلِ المضارعِ : روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من لا يدعُو اللهَ يغضبْ عليهِ، وإن الله ليغضبُ على منْ يفعله، ولا يفعل ذلك أحدٌ غيره". صححه الألباني رحمه الله في المشكاة (223.
ج _ باسم المصدر : روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اشتدَّ غضبُ اللهِ على قوم فعلوا بنبيه، يشير إلى رباعيته، اشتد غضبُ الله على رجلٍ يقتلُه رسولُ الله في سبيل الله".
3 _ الإجماع : فقد أجمعَ سلفُ الأمة على إثباتِ صفةِ الغضبِ للهِ تعالى.
4 _ العقل : انتقامُ اللهِ تعالى منَ المجرمين دليل على غضبه عليهِم.
غضب الله يتعلق بالعمل و العامل
1 _ بالعمل : روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، قال : لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاح أسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس هذا منا، ليس لصارخ حظ، القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يُغْضِبُ الربَّ". سنده حسن كما الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز (ص40).
2 _ بالعامل : كقوله تعالى {من لعنَه اللهُ و غضبَ عليهِ} [المائدة 60].
صفةُ السخطِ
يثبت أهل السنة و الجماعة صفة السخط لله تعالى على الوجه الذي يليق به جل و علا، و قد عليها الكتابُ و السنة و الإجماعُ و العقل.
1 _ الكتاب : بأدلة متنوعة، بالفعل الماضي و اسم المصدر :
أ _ بالفعل الماضي : كقوله تعالى {لبئسَ ما قدمتْ لهم أنفسهُم أنْ سخطَ اللهُ عليهم و في العذابِ هم خالدونَ} [المائدة 80].
و قوله تعالى {ذلكَ بأنهُم اتَّبعُوا ما أسخطَ اللهَ} [محمد 28].
ب باسم المصدر : كقوله تعالى {أفمن اتبعَ رضوانَ اللهِ كمنْ باءَ بسخطٍ منَ اللهِ و في جهنمَ هم خالدونَ} [آل عمران 162].
2 _ السنة : بأدلة متنوعة أيضا، بالفعل الماضي و المضارع و اسم المصدر :
أ _ بالفعل الماضي: روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من التمسَ رضى اللهِ بسخط الناسِ رضي اللهُ عنه، وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناسِ بسخط الله سَخِطَ الله عليه، وأسخطَ عليه الناس". صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6010).
ب _ بالفعل المضارع : روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال : قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟..." جاء في آخره "وذلك المنافق وذلك الذي يَسْخَطُ الله عليه".
ج _ باسم المصدر : روى البخاري في صحيحه و غيره عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ من رضوانِ الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلمُ بالكلمة منْ سخطِ الله، لا يلقي لها بالا، يهوِي بها في جهنم".
3 _ الإجماع : أجمعَ أهلُ السنةِ و الجماعةِ على إثباتِ صفةِ السخطِ لله تعالى إثباتًا يليقُ به.
4 _ العقل : انتقامُ اللهِ تعالى منَ المجرمين دليلٌ على سخطِه عليهِم.
سخط الله متعلق بالعمل و العامل
1 _ بالعمل : كقوله تعالى {ذلكَ بأنهُم اتَّبعُوا ما أسخطَ اللهَ} [محمد 28]. و ما روى البخاري في صحيحه و غيره عن أبي هريرة، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : "وإن العبد ليتكلمُ بالكلمة منْ سخطِ الله، لا يلقي لها بالا، يهوِي بها في جهنم".
2 _ بالعامل: كقوله تعالى {لبئسَ ما قدمتْ لهم أنفسهُم أنْ سخطَ اللهُ عليهم و في العذابِ هم خالدونَ} [المائدة 80]. و ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال : قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟..." جاء في آخره "وذلكَ المنافقُ وذلك الذي يَسْخَطُ اللهُ عليه".
الغضبُ و السَّخَطُ منَ الصفاتِ الفعليةِ
الغضبُ و السَّخَطُ منْ صفات الله تعالى الفعليةِ المتعلقةِ بمشيئته جلَّ و علا.
تأويلُ أهلِ البدعِ لصفتي الغضبِ و السخطِ و الردُّ عليهمْ
أهلُ التعطيلِ كالأشاعرةِ يؤولونَ صفة الغضبِ و السخطِ بـ :
أ _ المفعولِ المنفصل عنِ الله و هو الانتقام.
ب _ إرادةِ الانتقامِ لأنهم يقرونَ بصفةِ الإرادة.
و شبهُهم في ذلكَ أن :
1 _ العقلَ لم يدلَّ عليها.
2 _ حقيقةَ الغضبِ هو : غليانُ دمِ القلبِ، و هذا يُنزه عنه اللهُ تعالى.
الرد على الشبهةِ الأولى : من وجهين :
الوجهُ الأول : نسلمُ أن العقلَ لم يدل عليها، و لكنَّ النصَ دل عليها، فعي ثابتةٌ لله تعالى بالنص.
الوجه الثاني : أن العقلَ دل عليها خلافًا لما قرره أهل التعطيلِ، و قد تقدمَ هذا.
الرد على الشبهة الثانية : الصوابُ أنّ الغضب صفةٌ ينشأ عنها في ابنِ آدم غليانُ دمِ القلب، لأنّ ابن آدم أولاً يغضبُ، ثم بعد غضبه ينتج عنه غليانُ دم القلب.
و يظهرُ ذلك في احمرار الوجه و الانتفاخ وغيرها، و هذا أمر ينشأ منَ الغضبِ و ليس هو الغضبُ نفسه. وهذا الذي ينزهُ عنه الله تعالى.
صفةُ الأسفِ
يثبتُ أهلُ السنة صفةَ الأسفِ للهِ تعالى إثباتًا حقيقيًا يليقُ باللهِ تعالى، فإن هذه الصفةَ دلَّ عليها الكتابُ و السنةُ.
1 _ من الكتاب : قوله تعالى {فلمَّا آسفُونا انتقمنَا منهُم} [الزخرف 55].
2 _ من السنة : روى أبو داود في سننه و أحمد في المسند و غيرهما عن عبيد بن خالد السلمي، رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال مرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال مرة : عن عبيد ، قال : "موت الفجأة أخذة أسف". صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6631).
معنىالأسف
للأسفِ في اللغةِ معنيان :
1 _ بمعنى الحزن؛ كقوله تعالى عن يعقوب {يا آسفَى على يوسفَ} [يوسف 84]. و هذا ممتنعٌ بالنسبةِ لله تعالى.
2 _ بمعنى الغضب، و هذا الذي نثبتُه للهِ تعالى.
الردُّ على من جعلَ الغضبَ و السخطَ و الأسفَ هو الانتقام
فسر أهلُ التعطيل الغضبَ و السخطَ و الأسفَ بالانتقامِ أو إرادة الانتقامِ، و هذا غلط يكذبه القرآنُ، قال تعالى {فلمَّا آسفُونا انتقمنَا منهُم} [الزخرف 55]، أي : فلما أغضبونَا انتقمنَا منهم، فقد جعلَ الانتقامَ غير الغضبِ؛ لأن الشرطَ {آسفونَا} غير المشروطِ {انتقمنَا}، ففيه المغايرةُ بين الغضبِ و الانتقامِ؛ لأن الانتقامَ نتيجةٌ للغضبِ.
صفةُ الكراهةِ ثابتةٌ للهِ تعالى على الوجهِ الذي يليقُ به، بالكتابِ و السنة و الإجماع.
1 _ الكتاب : كقوله تعالى {و لكنْ كرهَ اللهُ انبعاثَهُم} [التوبة 46].
2 _ السنة : روى البخاري و مسلم عن كاتب المغيرة بن شعبة، قال : كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة : أن اكتبْ إليَّ بشيء سمعتَه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتبَ إليه : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ : "إنَّ الله كرهَ لكم ثلاثًا : قيلَ وقالَ، وإضاعةَ المالِ، وكثرةَ السؤالِ".
روى البخاري و مسلم عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "منْ أحب لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومن كرهَ لقاءَ اللهِ كرهَ اللهُ لقاءَه".
روى الدارمي في سننه عن عبد الله بن جعفر، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله مع الدائن حتى يقضى دينه، ما لم يكن فيما يكره الله". صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1825).
3 _ الإجماع : أجمعَ السلفُ الصالح على إثباتِ صفةِ الكراهة للهِ تعالى إثباتا يليقُ به عزَّ و جل.
كراهة الله تعالى تتعلق بالعمل و العامل
1 _ بالعمل : قال الله تعالى {و لكنْ كرهَ اللهُ انبعاثَهُم} [التوبة 46]، و قوله تعالى {كلُّ ذلكَ كان سيِّئُه عندً ربكَ مكروهًا} [الإسراء 38}، و قوله صلى الله عليه و سلم : "إنَّ الله كرهَ لكم ثلاثًا".
2 _ بالعامل : روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
روى البخاري -و اللفظ له- و مسلم عن البراء رضي الله عنه، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله".
يثبتُ أهلُ السنةِ و الجماعة صفةَ المقتِ لله تعالى، إثباتًا يليقُ به، مستدلين بالكتابِ و السنة.
1 _ الكتاب : قال اللهُ تعالى {كبرَ مَقْتًا عندَ اللهِ أنْ تقولُوا ما لاتفعلونَ} [الصف 3]، و قال {إنَّ الذينَ كفرُوا يُنادَوْن لمقتُ اللهِ أكبرُ منْ مقتكم أنفسكُم} [غافر 10].
2 _ السنة : روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمارٍ المجاشعي، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ذات يوم في خطبته : "ألا إنَّ ربي أمرني أن أعلمَكم ما جهلتِم، مما علمني يومِي هذا، ... وإنَّ الله نظرَ إلى أهل الأرضِ، فمقَتَهم عرَبَهم وعَجَمهم، إلا بقايَا منْ أهلِ الكتابِ" الحديث.
معنى المقتِ و أنه متفاوتٌ
المقتُ : هو أشدُّ البغضِ، و هو متفاوتٌ لقوله تعالى {كبرَ مقتًا} [الصف 3].
يثبتُ أهلُ السنةِ و الجماعة مجيءَ الله و إتيانَه يومَ القيامة للفصلِ بين العبادِ على الوجهِ الذي يليق به، و أدلتُهُم في ذلك الكتابُ و السنة و الإجماع.
1 _ الكتاب : قال الله تعالى {هلْ ينظرونَ إلَّا أنْ يأتيهُم اللهُ في ظللٍ منَ الغمامِ} [البقرة 201]، و قال {هلْ ينظرونَ إلَّا أنْ تأتيهم الملائكةُ أو يأتيَ ربُّكَ} [الأنعام 157]، و قال تعالى {و جاءَ ربّكَ و الملكُ صفًّا صفًّا} [الفجر 21].
2 _ من السنة : روى البخاري عن أبي هريرة أن الناسَ قالوا : يا رسولَ الله هلْ نرى ربنا يوم القيامة؟ قال : "هل تمارونَ في القمرِ ليلةَ البدرِ ليس دونه سحابٌ" قالوا : لا يا رسولَ الله، ... وتبقى هذه الأمة فيها منافقُوها، فيأتِيهم اللهُ فيقول : أنا ربُّكم، فيقولون هذا مكانُنا حتى يأتينا ربُّنا، فإذا جاءَ ربُّنا عرفنَاه، فيأتيَهم اللهُ فيقول : أنا ربُّكم، فيقولون : أنتَ ربُّنا" الحديث.
و روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري : أن أناسًا في زمنِ النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسولَ اللهِِ هلْ نرى ربنا يوم القيامة؟ ... فكذلكَ مثل الأولِ حتى إذا لم يبقَ إلا من كان يعبدُ الله من برٍّ، أو فاجر، أتاهُم ربُّ العالمينَ في أدنى صورة من التي رأوه فيها" الحديث.
3 _ الإجماع : أجمعَ أهلُ السنةِ على إثباتِ المجيءِ لله تعالى، و هو مجيءٌ حقيقيٌ يليقُ به جلَّ و علا.
مجيءُ اللهِ و إتيانُه مطلقٌ وَ مقيدٌ
المجيءُ و الإتيان المضافُ إلى اللهِ نوعانِ :
1 _ مطلقٌ : و هو مجيئُه و إتيانُه هوَ سبحانه، كما قالَ تعالى {هلْ ينظرونَ إلَّا أنْ يأتيَهم اللهُ} [البقرة 201]، و قوله {و جاءَ ربّكَ} [الفجر 21].
2 _ مقيدٌ : كمجيءِ رحمتِه، أو أمره،كقولِه تعالى {حتَّى يأْتيَ اللهُ بأمرِه} [البقرة 109]، و قوله {فعسَى اللهُ أنْ يأْتيَ بالفتحِ أوْ أمرٍ منْ عندِه} [المائدة 52]، روى البخاري –واللفظ له- و مسلم عن حذيفة بن اليمان قال : كان الناسُ يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخيرِ، وكنت أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركني، فقلتُ يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءَنا اللهُ بهذا الخيرِ" الحديث.
معنَى قولِه تعَالى {يأتيهُم اللهُ في ظللٍ منَ الغمامِ}
معناه : يأتيَهم مع الظللِ؛ لأنَّ "في" للمصاحبةِ، وليستْ للظرفيةِ قطعًا؛ لأنها لوْ كانتْ للظرفيةِ، لكانت الظُّلَلُ محيطةً بالله، و معلومٌ أن الله لا يحيطُ به شيءٌ من مخلوقاتِه.
مسألةٌ : كيفَ يجيءُ اللهُ تعالى؟
إنَّ الله أخبرنا عن مجيئهِ و لم يخبرنَا عن كيفيةِ مجيئهِ، و كيفيةُ مجيئهِ لا تعلمُ إلا بِـ : مشاهدتِها، أو مشاهدةِ نظيرها، أو خبرِ الصادق عنها، و هذه لا توجدُ في صفاتِ الله تعالى، و كذلك إذا جهلت كيفيةُ الذاتِ جهلتْ كيفيةُ الصفات.
و من الأدب مع اللهِ أن نقول : يجيءُ بوجهٍ يليقُ بجلالِه و عظمته،و لا نعلمُ عن كيفيتِه شيئًا.
مخالفُوا أهلِ السنةِ و الردُّ عليهِم
خالفَ المحرفةُ و المعطلةُ أهلَ السنةِ في صفةِ المجيءِ و الإتيانِ، فقالوا :
أ _ إنَّ اللهَ لا يأتي؛ لأننا إذا أثبتنَا إتيانَه أثبتنَا أنه جسمٌ، و الأجسامُ متماثلةٌ.
لكن يردُّ عليهم بأن َّ :
1 _ هذا قياسٌ في مقابل النصِّ، فهو باطلٌ.
2 _ لا مانعَ من مجيءِ اللهِ بنفسِه على الكيفيةِ التي يريدها.
3 _ إثباتُ مجيءِ الله تعالى، لا يستلزم التمثيلَ؛ لأن الإتيانَ يختلفُ حتّى في المخلوقِ.
ب _ أنَّ المعنى : مجيءُ و إتيانُ أمرِ الله تعالى؛ لأن الله قال {أتَى أمرُ اللهِ} [النحل 1]، وقال تعالى {فعسَى اللهُ أنْ يأْتيَ بالفتحِ أوْ أمرٍ منْ عندِه} [المائدة 52].
و يردُّ عليهم بأنَّ :
1 _ هذا الدليلَ عليهِم لا لهمْ؛ لأنَّ اللهَ لمَّا أرادَ مجيءَ الأمرِ عبَّرَ به، و لما أرادَ مجيئَه هوَلم يعبِّر بالأمرِ.
2 _ الأياتِ الأخرَى ليس فيها إجمالٌ، حتى نقول : إنها بُينتْ بهذه الآيةِ، بل هي واضحةٌ.
3 _ أما قوله {فعسَى اللهُ أنْ يأْتيَ بالفتحِ أوْ أمرٍ منْ عندِه} [المائدة 52]؛ فإنَّ المرادَ إتيانُ الفتحِ و الأمرِ، لكن أضافَ الإتيانَ به إلى نفسِه؛ لأنه من عندِه، و هذا معروفٌ في اللغةِ العربيةِ.
يثبتُ أهلُ السنةِ أنَّ للهِ تعالى وجهًا حقيقيًا يليقُ بجلالهِ و عظمتِه، موصوفًا بالجلالِ و الإكرمِ، و أدلتهم في ذلكَ الكتابُ، و السنةُ، و الإجماعُ.
1 _ الكتاب : قال الله تعالى {وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن 27]، و قال {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص 88].
2 _ السنة : روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال : "إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". و له عنه أيضا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "جنتان من فضة آنيتهما، وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما، وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".
3 _ الإجماع : فقد اتفقَ أهلُ السنةِ على إثباتِ صفةِ الوجهِ للهِ تعالى إثباتًا يليقُ بهِ.
الوجهُ منَ الصفاتِ الذاتيةِ الخبريةِ
وجهُ اللهِ منْ صفاتِه الذاتية الخبريةِ، التي هي بالنسبةِ لنا أبعاضٌ وَ أجزاء، و لا نقولُ إنه منَ الصفاتِ المعنويةِ لأننا نوافقُ منْ تأوله تحريفًا، و لا نقولُ أنه بعضٌ أو جزء من اللهِ لأن في ذلك توهم نقصٍ له تعالى.
معنى قوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
قال الله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص 88]، في ذلك معنيان :
1 _ كلُّ شيءِ فان و زائلٌ، إلا وجهُ اللهِ تعالى؛ فإنهُ باقٍ. و هذا أقوهمَا.
2 _ كلُّ شيئٍ فان و زائلٌ، إلا الأعمال التي أريدَ بها وجهُاللهِ، لدلالةِ السياقِ حيثُ قال {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص 88] أي : لا تشركْ باللهِ؛ لأن عملَكَ و إشراكَك ضائعٌ، إلا ما أخلصتَه للهِ؛ فإنهُ يبقَى.
و يمكنُ حملُ الآيةِ على المعنييْنِ، إذ لا تعارضَ بينهما؛ فيقالُ : كلُّ شيءٍ يفنى إلا وجه اللهِ، و كلُّ عملٍ ضائعٌ إلا ما أريدَ به وجه اللهٍ. و على كِلا المعنيينِ ففي الآيةِ دليلٌ على ثبوتِ وجهِ اللهِ.
المراد بالوجه منقوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
إذا قلنا المرادُ بالوجهِ الذات، دونَ إثباتِ صفةِ الوجهِ، فهذا تحريف، و هوَ قولُ أهلِ التحريفِ. و إذا قلنا أن المرادَ الصفةَ دون الذاتِ، فيصير المعنى : أنّ اللهَ فان إلا وجهُه.
فالصوابُ أنْ نقولَ المرادُ : إلا ذاتُه المتصفةُ بالوجهِ، و عبرَ في الآيةِ بالوجهِ عنِ الذاتِ؛ لأن لهُ وجهًا.
قولُ المحرفةِ في صفةِ الوجهِ و الردُّ عليهِم
فسرَ أهلُ التحريفِ الوجهَ بالثوابِ، أي : كلُّ شيءٍ يفنَى إلا ثوابُ اللهِ.
2 _ هذَا التفسيرَ مخالفٌ لإجماعِ السلفِ، فلم يقلْ أحدٌ منهم أنَّ المرادَ هو الثوابُ.
3 _ الثوابَ لا يمكنُ وصفُه بهذهِ الصفاتِ العظيمةِ، فلا يمكنُ أن نقولَ : جزاءُ المتقينَ ذو جلالٍ و إكرام.
4 _ قال النبي صلى الله عليه و سلم : "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"، فهل الثوابُ له هذا النورَ الذي يحرقُ ما انتهَى إليه بصرُ اللهِ؟!.
5 _ تفسيرَهم للوجهِ بالثوابِ، يجعلهُ منْ بابِ الممكنِ الذي يجوزُ وجودُه و عدمُه، فإنَّ الثوابَ شيءٌ مخلوقٌ قابل للعدمِ و الوجودِ، و هو حادثٌ بعدَ أن لم يكنْ، و قابلٌ للعدمِ، و لو لا وعدُ الله ببقائهِ لكانَ من حيثُ العقل جائز أن يرتفعَ.
معنى قولهِ تعالى {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
قال الله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة 115]، اختلفَ المفسرونَ في تفسيرٍ هذه الآيةِ :
1 _ منهم منْ قالَ : المرادُ الجهةُ؛ لقوله تعالى {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة 148]، فالمرادُ : فثمَّ جهةُ اللهِ التي يقبلُ اللهُ صلاتَكم إليها.
2 _ و منهم منْ قالَ : المرادُ وجهُ اللهِ الحقيقي، أي : إلى أيِّ جهةٍ تتوجهونَ فثمَّ وجهُ اللهِ؛ لأن اللهَ محيطٌ بكلِّ شيءٍ؛ و لأن الله المصلي إذا قامَ للصلاةِ فإن اللهَ يكونُ قبلَ وجهِه، حتى و إن كانت القبلةُ خلفهُ. و هذا هوَ الصحيحُ.
و المعنى الأولُ لا يخالفُه، فإنه إذا توجَّه المصلي إلى اللهِ في صلاتِه، فهيَ جهةُ اللهِ التي يقبلُ اللهُ صلاتهُ إليها، فثمَّ وجهُ اللهِ حقًّا.
اللهُ مُكْرِمٌ و مُكْرَمٌ
الله تعالى مكرِمٌ لعبادِه المطيعِينَ لهُ بالثوابِ، و هوَ مكرَمٌ من عبادهِ الذين يعبدونَهُ و يتذللونَ له، و هو غنيٌّ عنهم سبحانَه و تعالى.
يثبتُ أهلُ السنةِ صفةَ اليدين للهِ تعالى إثباتا يليقُ به جل و علا، بدليلِ الكتابِ و السنة و الإجماع.
1 _ الكتاب : قال اللهُ تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص 75]، و قال {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة 64].
2 _ السنة : روى البخاريُ عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : "يد الله ملأى لا يغيضها نفقةٌ، سحاءُ الليلَ و النهار، و قال : أرأيتم ما أنفقَ منذُ خلق السمواتِ والأرض، فإنه لم يَغِضْ ما في يده، وقال : عرشُه على الماء، وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع".
3 _ الإجماع : أجمعَ السلفُ على إثباتِ صفة اليدين للهِ تعالى إثباتا يليق به.
أمرُ الله إبليسَ بالسجودِ لآدم باعتبارِ أن اللهَ خلقَه بيديه
قال اللهُ تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص 75]، أمرَ الله تعالى إبليسَ و الملائكةَ بالسجودِ لآدم باعتبار وصفِه الذي لم يشاركْهُ فيه أحدٌ، و هو خلقُ اللهِ إياه بيديه، لا باعتبار شخصِه؛ لأنه عبرَ عنه بِـ "ما"، و إذا عُبر بهذه عما يَعْقِل، فإنه يرادُ معنى الصفة لا معنى العين و الشخص.
الجمعُ بينَ ورودِ صفةِ اليدِ على سبيلِ الإفرادِ و التثنيةِ و الجمعِ
وردتْ صفةُ اليدِ في النصوصِ الشرعيةِ مفردةً و مثناة و جمعًا.
1 _ الإفرادُ : كقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ فيما رواه البخاري عن أبي هريرة : "يدُ اللهِ ملأى لا يغيضُها نفقةٌ، سحاءُ الليلَ و النهار".
2 _ التثنيةُ : كقوله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة 64] و قال الله تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص 75]، و قالَ صلى الله عليه و سلم فيما رواه مسلمٌ عن ابن عمرٍو : "و كلتا يديْه يمين".
3 _ الجمعُ : كقول الله تعالى {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس 71].
أما الإفرادُ : فنقول فيه : أنَّ المفردَ لا يمنعُ التعددَ إذا ثبتَ التعددُ؛ لأن المفردَ المضافَ يفيدُ العمومَ.
و قد قال الله تعالى {وَ إْنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم 34] {نِعْمَتَ} مفردٌ مضاف فيفيد العمومَ، فيشملُ نعمًا كثيرةً.
أما المثنى : فنقول أنَّ الله تعالى ليسَ له إلا يدانِ اثنتان.
فقد قال الله تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص 75]، و المقامُ هنا مقامُ تشريف، و لو كان اللهُ خلقه بأكثرَ من ذلك لذكرَه؛ لأنه كلما ازدادتْ الصفةُ التي خلقه بها كلما ازدادَ تعظيمًا.
و قال تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة 64]، فالمقامُ هنَا مقامٌ يقتضي كثرةَ النعمِ، و كلما كانت وسيلةُ العطاءِ أكثر كَثُرَ العطاءُ، فلو كان له أكثرَ من يدين لذكر ذلك.
و قد ثبت في السنةِ قولُه صلى الله عليه و سلم : "يطوِي اللهُ السمواتِ بيمينِه و الأرضَ بيدِه الأخرى" رواه الشيخان عن أبي هريرة، و قال : "و كلتَا يديْه يمين" رواه مسلم عن ابن عمرو. فهذا يدلُّ على أنهما يدَان اثنتان.
و قد ثبتَ الإجماعُ عند السلفِ أن للهِ تعالى يدان اثنتان فقط بدونِ زيادةٍ.
أما الجمع : كمَا في قوله تعالى {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس 71]، فنقولُ الجمع منْ أحدِ وجهين :
1 _ أن أقلَّ الجمعِ اثنان، كما في قوله تعالى {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم 4]، فالقلوبُ جمعٌ و هما امرأتان، فقوله {أَيْدِينَا} لا تدلُّ على أكثرَ من اثنينِ، و حينئذ تطابقُ التثنيةَ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.
2 _ و لكنَّ جمهورَ أهل اللغة على أن أقلَّ الجمعِ ثلاثة.
و المرادُ بـ {أَيْدِينَا} التعظيمُ، أي : تعظيمُ هذه اليدِ.
و المرادُ باليد نفسُ الذاتِ التي لها يدٌ و لا تدلُّ على الكثرةِ و التعدد، قال الله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم 41]، أي : بما كسبُوا، فالكسبُ قد يكون باليدِ و اللسانِ و غيرها.
فهناك فرقٌ بينَ قوله تعالى {مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}[يس 71]و قوله{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص 75]، فالله تعالى لفتَ الأنظارَ للأنعامِ و بَيَّنَ خلقَه لها، و ليسَ المراد أنهُ خلقها بيديْه، و إلا فلا فرقَ بين آدمَ و الأنعام من هذه الحيثية التي ميزهُ بها.
خالفَ أهلُ التعطيلِ منَ الجهميةِ و المعتزلةِ أهلَ السنةِ و الجماعة، في صفة اليدِ، فقالوا المرادُ باليدِ :
1 _ القوةُ، و الدليلُ ما رواه مسلمٌ عن النواسِ بن سمعان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "أوحَى اللهُ إلى عيسَى : إني قد أخرجتُ عبادًا لي، لا يدانِ لأحدٍ بقتالِهم" الحديث، و المعنى : لا قوةَ لأحدٍ بقتالِهم.
2 _ النعمةُ، و الدليلُ قولُ رسولِ قريش -و هو عروةُ بنُ مسعودٍ- إلى النبي صلى الله عليه و سلم زمنَ الحديبيةِ لأبي بكرٍ : "أما والذي نفسي بيدِه، لولا يدٌ كانتْ لك َعندي لم أجْزِكَ بها لأجبتُكَ" رواه البخاري عن المسور بن مخرمة، ومروان. و يعني : نعمة.
3 _ أنه يلزمُ من هذا القولِ أن النعمةَ نعمتان فقط منْ قوله تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص 75]، و نعمُ الله كثيرةٌ لا تحصى.
و يلزمُ من أن للهِ تعالى قوتَان، و القوةُ قوةٌ واحدةٌ.
4 _ أنه لو كان المرادُ باليدِ القوةُ، لما كان لآدمَ فضلٌ على إبليسَ، و لا على الحيواناتِ، لأنهم كلهم خلقوا بالقوةِ.
و لما صحَّ الاحتجاجُ على إبليسَ؛ فإنه مخلوقٌ بالقوةِ أيضا.
5 _ أن اليدَ تنوعتْ وجوهُ ذكرِها في النصوصِ فيمنعُ أن يُراد بها النعمة أو القوة، فقد ذكر فيها الأصابعَ و القبضَ و البسطَ و الكف و اليمينَ، و القوةُ و النعمةُ لا توصفان بهذا الوصفِ.
تعليق