بسم الله الرحمن الرحيم
امتدح الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أهل الإخلاص في كتابه الكريم، الذين أخلصوا له العبادة، وأفردوه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بذلك واتبعوا ما جاءت به الرسل عليهم السلام، وقد ختمهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بمحمد -صَلَوَاتُ الله وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-، ومن هؤلاء الذين اختارهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وجعل لهم شأنا عظيما عنده، وإن كانوا من حيث المكانة الدنيوية دونا دنيا لا دين، دونا في الدنيا أما في الدين فهم قمة، وهذا اصطفاء من الله -عَزَّ وَجَلَّ- واختيار، فقد قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم آمرا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الكهف: 28 ما أحسن هذا الكلام، وما أبرك هذا الكلام، وهو كلام ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهنيئا ثم هنيئا لمن جاء هذا الخطاب في شأنه، هنيئا لهم حيث أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أرشد نبيه إلى هذا الصنف المبارك وأن يصبّر نفسه معهم، ثم إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- زكاهم من عنده (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) تزكية إلهية (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) الكهف: 28 ، لا تتعداهم إلى غيرهم، (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف: 28 .
إخواني في الله إن الأمر يحتاج من المسلم أن يتأمله ويتدبره، فإذا ما حصل له المقصود، فعليه أن يسعى جاهدا لعله يتشبه بالقوم بهذا الصنف المبارك، وهذا الأمر يسره الله -جَلَّ وَعَلاَ- للذكر والأنثى، للغني والفقير، للراعي والرعية، للجن والإنس، هذا الأمر يسره الله للجميع، ولم يجعله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لطائفة دون أخرى، أو لصنف دون آخر أبدا، إنما هي صفاتهم، تقوم بالشخص فيتشبه بالقوم، إلا أن هذا الصنف كما سمعتم يدعون الله -جَلَّ وَعَلاَ- دعاء مسألة ودعاء عبادة، قد تعلقت قلوبهم برب العالمين، منها أيضا أنهم لا يبغون في أعمالهم أحدا ولا يتزلفون بها إلى أحد، ولا يرجون من ورائها من حطام الدنيا ولا قيد أنملة، ولا مثقال حبة خردل، لذلك الله -جَلَّ وَعَلا- زكاهم (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) تزكية من الله لهم أنهم في قمة الإخلاص لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهذا الصنف المبارك يقول قولا ويعتقد ذلك القول، وتقوم الجوارح بالعمل بمقتضى ذلك الإعتقاد، وبمقتضى ذلك القول، اسمعوا إلى آية أخرى قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم مخبرا عن هذا الصنف المبارك: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) الإنسان: 9 - 10 هذا قولهم، وذاك إعتقادهم وقد قاموا وأنفقوا من أموالهم، وأطعموا الجائع والمحتاج وكسوه وقاموا بمساعدته بما يستطيعون، ويقولون مع الإعتقاد، ومع القول، ومع الفعل (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) فلما علم الله أنهم قالوا صادقين، واعتقدوا ذلك صادقين، وعملوا ذلك صادقين قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) الإنسان: 11 هذه أمور يجتبي الله -عَزَّ وَجَلَّ- لها من يشاء، وهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- القائل (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) الأنعام: 124 وكما سمعت يا عبد الله هذا الأمر لا يعرف صاحب اللون الأبيض ويترك الأسود، هذا الأمر يناله ذاك الأعجمي أو العربي، الأبيض أو الأسود، الفقير أو الغني، المالك أو المملوك، الراعي أو الرعية، الذكر أو الأنثى، هذا الأمر جعله الله -عَزَّ وَجَلَّ- سهلا لمن سهله عليه، قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ) الأنفال: 23 وقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في آية أخرى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) محمد: 21 فالله يعلم من هو الصادق من غيره، لذلك يكلم صاحب الصدق بالإعتقاد؛ باعتقاده وفي قوله وفي عمله كما سمعنا، وهذا الصنف المبارك هم الذين أهلهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لجنته، هذا الصنف المبارك هم الذين أهلهم الله أن يسكنوا الجنان التي فيها كما قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الحديث القدسي من حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم: « أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىَ قَلْبِ بَشَرٍ » واقرؤوا إن شئتم -يقول أبو هريرة- (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة: 17 أعمال في قمة الصدق والإخلاص، والمتابعة للنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، أقوال كذلك إعتقادات.
مفرغ من صوتية لفضيلة الشيخ محمد بن صالح الصوملي حفظه الله
بعنوان " يخلق ما يشاء ويختار "
بعنوان " يخلق ما يشاء ويختار "
تعليق