بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن رجب -رحمه الله- في كتابه جامع العلوم والحكم؛ شرح الحديث الثاني والعشرون :
جاء من مراسيل الحسن ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- : (( من قال : لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنَّة )) قيل : وما إخلاصها ؟ قال : (( أنْ تحجُزَكَ عمَّا حرَّم الله )) . وروي ذلك مسنداً من وجوه أخرَ ضعيفة .
ولعل الحسن أشار بكلامه الذي حكيناه عنه من قبلُ إلى هذا فإنَّ تحقق القلب بمعنى (( لا إله إلا الله )) وصدقه فيها ، وإخلاصه بها يقتضي أنْ يرسخَ فيه تألُّهُ الله وحده ، إجلالاً ، وهيبةً ، ومخافةً ، ومحبَّةً ، ورجاءً ، وتعظيماً ، وتوكُّلاً ، ويمتلئَ بذلك، وينتفيَ عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين ، ومتى كان كذلك ، لم يبقَ فيه محبَّةٌ ، ولا إرادةٌ ، ولا طلبٌ لغير ما يُريدُهُ الله ويحبُّه ويطلبه ، وينتفي بذلك مِنَ القلب جميعُ أهواءِ النُّفوس وإراداتها ، ووسواس الشيطان ، فمن أحب شيئاً وأطاعه ، وأحبَّ عليه وأبغض عليه ، فهو إلههُ ، فمن كان لا يحبُّ ولا يبغضُ إلا لله ، ولا يُوالي ولا يُعادي إلا له ، فالله إلههُ حقاً ، ومن أحبَّ لهواه ، وأبغض له ، ووالى عليه ، وعادى عليه ، فإلهه هواه ، كما قال تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) قالَ الحسن : هوَ الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه . وقال قتادة : هوَ الذي كلما هَوِيَ شيئاً ركبه ، وكلما اشتهى شيئاً أتاه ، لا يَحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى . ويُروى من حديث أبي أمامة مرفوعاً (( ما تحتَ ظلِّ السماء إلهٌ يُعبد أعظم عندَ الله من هوى متَّبع )) .
وكذلك مَنْ أطاعَ الشيطان في معصية الله ، فقد عبده ، كما قال الله : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .
فتبيَّن بهذا أنَّه لا يصحُّ تحقيقُ معنى قولِ : لا إله إلا الله ، إلاَّ لمن لم يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله ، ولا على إرادة ما لا يُريده الله ، ومتى كان في القلب شيءٌ مِنْ ذلك ، كان ذلك نقصاً في التوحيد ، وهو مِنْ نوع الشِّرك الخفيِّ . ولهذا قال مجاهدٌ في قوله تعالى : ( أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) قال : لا تحبُّوا غيري .
وفي " صحيح الحاكم " عن عائشة ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، قال : (( الشِّركُ أخفى من دبيب الذَّرِّ على الصَّفا في الليلة الظَّلماء )) ، وأدناه أنْ تُحِبَّ على شيءٍ مِنَ الجَوْرِ ، وتُبغِضَ على شيءٍ مِنَ العدل ، وهل الدِّينُ إلا الحبّ والبغض ؟ قال الله -عز وجل- : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) . وهذا نصٌّ في أنَّ محبةَ ما يكرهه الله ، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى ، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفيّ .
وخرَّج ابن أبي الدُّنيا من حديث أنس مرفوعاً : (( لا تزالُ لا إله إلا الله تمنعُ العبادَ مِنْ سخط الله ، ما لم يُؤْثِروا دُنياهم على صَفقةِ دينهم ، فإذا آثرُوا صفقةَ دُنياهم على دينهم ، ثم قالوا : لا إله إلا الله رُدَّتْ عليهم ، وقال الله : كذبتم )) .
فتبيَّن بهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- : (( من شهد أنْ لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرَّمه الله على النار )) ، وأنَّ من دخل النارَ من أهل هذه الكلمة ، فَلِقِلَّةِ صدقه في قولها ، فإنَّ هذه الكلمة إذا صدقت ، طهَّرت من القلب كلَّ ما سوى الله ، فمن صدق في قوله : لا إله إلا الله ، لم يُحبَّ سواه ، ولم يَرْجُ إلاَّ إيَّاه ، ولم يخشَ أحداً إلاَّ الله ، ولم يتوكَّل إلاَّ على الله ، ولم تبقَ له بقيَّةٌ من آثار نفسه وهواه ، ومتى بقي في القلب أثرٌ لسوى الله ، فمن قلَّة الصدق في قولها .
نارُ جهنَّم تنطفىء بنور إيمان الموحدين ، كما في الحديث المشهور : (( تقول النار للمؤمن : جُزْ يا مؤمنُ ، فقد أطفأ نورُك لهبي )) .
قال ابن رجب -رحمه الله- في كتابه جامع العلوم والحكم؛ شرح الحديث الثاني والعشرون :
جاء من مراسيل الحسن ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- : (( من قال : لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنَّة )) قيل : وما إخلاصها ؟ قال : (( أنْ تحجُزَكَ عمَّا حرَّم الله )) . وروي ذلك مسنداً من وجوه أخرَ ضعيفة .
ولعل الحسن أشار بكلامه الذي حكيناه عنه من قبلُ إلى هذا فإنَّ تحقق القلب بمعنى (( لا إله إلا الله )) وصدقه فيها ، وإخلاصه بها يقتضي أنْ يرسخَ فيه تألُّهُ الله وحده ، إجلالاً ، وهيبةً ، ومخافةً ، ومحبَّةً ، ورجاءً ، وتعظيماً ، وتوكُّلاً ، ويمتلئَ بذلك، وينتفيَ عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين ، ومتى كان كذلك ، لم يبقَ فيه محبَّةٌ ، ولا إرادةٌ ، ولا طلبٌ لغير ما يُريدُهُ الله ويحبُّه ويطلبه ، وينتفي بذلك مِنَ القلب جميعُ أهواءِ النُّفوس وإراداتها ، ووسواس الشيطان ، فمن أحب شيئاً وأطاعه ، وأحبَّ عليه وأبغض عليه ، فهو إلههُ ، فمن كان لا يحبُّ ولا يبغضُ إلا لله ، ولا يُوالي ولا يُعادي إلا له ، فالله إلههُ حقاً ، ومن أحبَّ لهواه ، وأبغض له ، ووالى عليه ، وعادى عليه ، فإلهه هواه ، كما قال تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) قالَ الحسن : هوَ الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه . وقال قتادة : هوَ الذي كلما هَوِيَ شيئاً ركبه ، وكلما اشتهى شيئاً أتاه ، لا يَحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى . ويُروى من حديث أبي أمامة مرفوعاً (( ما تحتَ ظلِّ السماء إلهٌ يُعبد أعظم عندَ الله من هوى متَّبع )) .
وكذلك مَنْ أطاعَ الشيطان في معصية الله ، فقد عبده ، كما قال الله : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .
فتبيَّن بهذا أنَّه لا يصحُّ تحقيقُ معنى قولِ : لا إله إلا الله ، إلاَّ لمن لم يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله ، ولا على إرادة ما لا يُريده الله ، ومتى كان في القلب شيءٌ مِنْ ذلك ، كان ذلك نقصاً في التوحيد ، وهو مِنْ نوع الشِّرك الخفيِّ . ولهذا قال مجاهدٌ في قوله تعالى : ( أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) قال : لا تحبُّوا غيري .
وفي " صحيح الحاكم " عن عائشة ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، قال : (( الشِّركُ أخفى من دبيب الذَّرِّ على الصَّفا في الليلة الظَّلماء )) ، وأدناه أنْ تُحِبَّ على شيءٍ مِنَ الجَوْرِ ، وتُبغِضَ على شيءٍ مِنَ العدل ، وهل الدِّينُ إلا الحبّ والبغض ؟ قال الله -عز وجل- : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) . وهذا نصٌّ في أنَّ محبةَ ما يكرهه الله ، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى ، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفيّ .
وخرَّج ابن أبي الدُّنيا من حديث أنس مرفوعاً : (( لا تزالُ لا إله إلا الله تمنعُ العبادَ مِنْ سخط الله ، ما لم يُؤْثِروا دُنياهم على صَفقةِ دينهم ، فإذا آثرُوا صفقةَ دُنياهم على دينهم ، ثم قالوا : لا إله إلا الله رُدَّتْ عليهم ، وقال الله : كذبتم )) .
فتبيَّن بهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- : (( من شهد أنْ لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرَّمه الله على النار )) ، وأنَّ من دخل النارَ من أهل هذه الكلمة ، فَلِقِلَّةِ صدقه في قولها ، فإنَّ هذه الكلمة إذا صدقت ، طهَّرت من القلب كلَّ ما سوى الله ، فمن صدق في قوله : لا إله إلا الله ، لم يُحبَّ سواه ، ولم يَرْجُ إلاَّ إيَّاه ، ولم يخشَ أحداً إلاَّ الله ، ولم يتوكَّل إلاَّ على الله ، ولم تبقَ له بقيَّةٌ من آثار نفسه وهواه ، ومتى بقي في القلب أثرٌ لسوى الله ، فمن قلَّة الصدق في قولها .
نارُ جهنَّم تنطفىء بنور إيمان الموحدين ، كما في الحديث المشهور : (( تقول النار للمؤمن : جُزْ يا مؤمنُ ، فقد أطفأ نورُك لهبي )) .