قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله عند شرحه للأصول الثلاثة :
قال الشيخ رحمه الله (ودليل الاستغاثة قوله تعالى ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾[الأنفال:9]) الاستغاثة: طلب الغوث، والغوث يُفسَّر بأنه الإغاثة، المدد، النُّصرة ونحو ذلك، فإذا وقع مثلا أحد في غرق ينادي أَغثني أغثني، يطلب الإغاثة، يطلب إزالة هذا الشيء، يطلب النُّصرة.
الاستغاثة عبادة؛ وجه كونها عبادة أن الله جل وعلا قال هنا ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ وجه الاستدلال أنه أتى بها في معرض الثناء عليهم، وأنه رتّب عليها الإجابة، وما دام الله جل وعلا رتّب على استغاثتهم به إجابتَه جل وعلا دلّ على أنه يحبها، وقد رضيها منهم، فنتج أنها من العبادة، و﴿إِذْ﴾ هنا بمعنى حين ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ يعني حين ﴿تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾، وتلاحظ أنّ الآية هنا ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ وقبلها ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ الاستغاثة -كما ذكرتُ لك- والاستعاذة والاستعانة ونحو ذلك، تتعلق بالربوبية كثيرا، هنا ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ قال قبلها ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ لأن حقيقتها من مقتضيات الربوبية، من الذي يُغيث؟ هو المالك، هو المدبر، هو الذي يُصرِّف الأمر، وهو ربّ كل شيء جل وعلا.
الاستغاثة عمل ظاهر، ولهذا يجوز أن يستغيث المرء بمخلوق، لكن بشروطه، وهي أن يكون هذا المطلوب منه الغوث، أن يكون حيا، حاضرا، قادرا، يسمع..
فإذا لم يكن حيا كان ميّتا صارت الاستغاثة بهذا الميت كفرا، ولو كان يسمع ولو كان قادرا، [مثل الملائكة أو الجن]، قلنا أن يكون حيا حاضرا قادرا يسمع، صحيح؟ طيّب، إذا لم يكن حيا كان ميتا، ولو اعتقد المستغيث أنه يسمع وأنه قادر، فإنه إذ كان ميتا فإن الاستغاثة به شرك.
الأموات جميعا لا يقدرون على الإغاثة ؛ لكن قد يقوم بقلوب المشركين بهم أنهم يسمعون ، وأنهم أحياء مثل حال الشهداء، وأنهم يقدرون مثل ما يُزعم في حال النبي عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك.
فنقول: إذ كان ميتا فإنه لا يجوز الطلب منه.
قالوا: فما يحصل يوم القيامة من استغاثة الناس بآدم ثم استغاثتهم بنوح إلى آخر أنهم استغاثوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
نقول: هذا ليس استغاثة بأموات، يوم القيامة هؤلاء أحياء، يُبعث الناس ويُحيَوْن من جديد، كانوا في حياة ثم ماتوا ثم أعيدوا إلى حياة أخرى. فهي استغاثة بمن؟ بحي ، حاضر، قادر ، يسمع. بهذا ليس فيما احتجوا به من حال أولئك الأنبياء يوم القيامة حُجة على جواز الاستغاثة بغير الله جل وعلا، والاستغاثة بغير الله جل وعلا أعظم كفرا من كثير من المسائل التي صَرْفها لغير الله جل وعلا شرك.
إذن فالشروط:
1) أن يكون حيا: إذا كان ميّتا لا يجوز الاستغاثة به.
2) أن يكون حاضرا: إذا كان غائبا لا يجوز الاستغاثة به ؛ حي قادر لكنه غائب. مثل لو استغاث بجبريل عليه السلام فليس بحاضر، حي نعم ، وقادر قد يطلب منه ما يقدر عليه ، ولكنه ليس بحاضر. مثل أن يطلب من حيٍّ قادر من الناس ؛ يَطلب من ملك يملك أو أمير يستغيث به أغثني يا فلان، وهو ليس عنده، مع أنه لو كان عنده لأمكن بقوَّته، لكنه لما لم يكن حاضرا صارت الاستغاثة-تعلُّق القلب- بغير حاضر هذا شرك بالله جل وعلا.
3) أن يكون قادرًا: إذا لم يكن قادرا فالاستغاثة به شرك، ولو كان حيا حاضرا يسمع، مثل لو استغاث بمخلوق بما لا يقدر عليه، وهو حي حاضر يسمعه، وتعلق القلبُ -قلب المستغيث- على هذا النحو، تعلق قلبُه بأن هذا يستطيع ويقدر أن يغيثه، بمعنى ذلك أنه استغاث بمن لا يقدر على الإغاثة، فتعلق القلب بهذا المستغاث به ، فصارت الاستغاثة وهي طلب الغوث شركا على هذا النحو.
وكذلك يسمعُ: لو كان حيا قادرا، ولكنه لا يسمع، حاضر لا يسمع كالنائم ونحوه، كذلك لا تجوز الاستغاثة به.
وقد تلتبس بعض المسائل بهذه الشروط في أنها في بعض الحالات تكون شركا أكبرا، وفي بعض الحالات يكون منهي عنها من ذرائع الشرك، ونحو ذلك. مثل الذي يسأل ميت، يسأل أعمى بجنبه أو مشلول بجنبه أن يغيثه ونحو ذلك.
المقصود أن العلماء اشترطوا لجواز الاستغاثة بغير الله جل وعلا : أن يكون المستغاث به حيا حاضرا قادرا يسمع.
وقال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله :
الاستغاثة طلب الغوث و هو الدعاء حال الشدة يفرق بين الاستغاثة و الدعاء فالدعاء أعم الدعاء يكون في الشدة و في الرخاء أما الاستغاثة فلا تكون إلا في الشدة و الاستغاثة بالله عزوجل خالص حقه سبحانه و تعالى « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ» هذه الآية ضمن ما اخبر الله سبحانه و تعالى عن أهل بدر فذكر أن من نعمته عليهم انه أجابهم حين استغاثوه حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث بالله فإنه استجاب له و أمده بالملائكة و نصره على المشركين مع قلة عدد المسلمين و عدتهم و كثرة عدد المشركين و عدتهم؛ و السؤال هل يستغاث بالمخلوق تذكروا ما مضى بالاستعانة، يستغاث بالمخلوق بشروط أولا: أن تكون الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق عادةً و عرفاً لا شعوذة و خرافه وأن يكون حياً حاضراً قادراً .نعم.
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله عند شرحه لحديث «إنه لا يستغاث بي: «قوله: «إنه لا يستغاث بي»، ظاهر هذه الجملة النفي مطلقاً، ويحتمل أن المراد: لا يستغاث به في هذه القضية المعينة.
فعلى الأول: يكون نفي الاستغاثة من باب سد الذرائع والتأدب في اللفظ ، وليس من باب الحكم بالعموم، لأن نفي الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ليس على إطلاقه ، بل تجوز الاستغاثة به فيما يقدر عليه.
أما إذا قلنا: إن النفي عائد إلى القضية المعينة التي استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم منها، فإنه يكون على الحقيقة ، أي: على النفي الحقيقي، أي: لا يستغاث بي في مثل هذه القضية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل المنافقين معاملة المسلمين ، ولا يمكنه حسب الحكم الظاهر للمنافقين أن ينتقم من هذا المنافق انتقاماً ظاهراً، إذ إن المنافقين يستترون، وعلى هذا، فلا يستغاث للتخلص من المنافق إلا بالله.
المراجع :
القول المفيد ج1\269
تفريغ لأشرطة شرح الأصول الثلاثة للعلامة صالح آل الشيخ ، والعلامة عبيد الجابري.
المصدر
القول المفيد ج1\269
تفريغ لأشرطة شرح الأصول الثلاثة للعلامة صالح آل الشيخ ، والعلامة عبيد الجابري.
المصدر