- فصل وإذا تأملت ما دعى الله سبحانه في كتابه عباده الى الفكر فيه..
اوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته واحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه فبهذا تعرف الى عباده وندبهم الى التفكر في آياته ونذكر لذلك امثلة مما ذكرها الله سبحانه في كتابه يستدل بها على غيرها فمن ذلك خلق الانسان وقدندب سبحانه الى التفكر فيه والنظر في غير موضع من كتابه كقوله تعالى فلينظر الانسان مم خلق وقوله تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وقال تعالى: ( يايها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا)وقال تعالى :( ايحسب الانسان ان يترك سدى الم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والانثى اليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى )وقال تعالى:(الم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين الى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون) وقال :( او لم ير الانسان انا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) وقال :(ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين) ..
وهذا كثير في القرآن يدعو العبد الى النظر والفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره إذ نفسه وخلقه من اعظم الدلائل على خالقه وفاطره واقرب شيء الى الانسان نفسه وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله ما تنقضي الاعمار في الوقوف على بعضه وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه ولو فكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن كفره قال الله تعالى قتل الانسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم اماته فاقبره ثم إذا شاء انشره فلم يكرر سبحانه على اسماعنا وعقولنا ذكر هذا لنسمع لفظ النطفة والعلقة والمضغة والتراب ولا لنتكلم بها فقط ولا لمجرد تعريفنا بذلك بل لامر وراء ذلك كله هو المقصود بالخطاب واليه جرى ذلك الحديث فانظر الان الى النطفة بعين البصيرة وهي قطرة من ماء مهين ضعيف مستقذر لو مرت بها ساعة من الزمان فسدت وانتنت كيف استخرجها رب الارباب العليم القدير من بين الصلب والترائب منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها واختلاف مجاريها الى ان ساقها الى مستقرها ومجمعها وكيف جمع سبحانه بين الذكر والانثى والقى المحبة بينهما وكيف قادهما بسلسلة الشهوة والمحبة الى الاجتماع الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه وكيف قدر اجتماع ذينك الماءين مع بعد كل منهما عن صاحبه وساقهما من اعماق العروق والاعضاء وجمعهما في موضع واحد جعل لهما قرارا مكينا لا يناله هواء يفسده ولا برد بحمده ولا عارض يصل اليه ولا آفة تتسلط عليه ثم قلب تلك ا لنطفة البيضاء المشربة علقة حمراء تضرب الى سواد ثم جعلها مضغة لحم مخالفة للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها ثم جعله عظاما مجردة لا كسوة عليها مباينة للمضغة في شكلها وهيأتها وقدرها وملمسها ولونها وانظر كيف قسم تلك الاجزاء المتشابهة المتساوية الى الاعصاب والعظام والعروق والاوتار واليابس واللين وبين ذلك ثم كيف ربط بعضها ببعض اقوى رباط وأشده وابعده عن الانحلال وكيف كساها لحما ركبه عليها وجعله وعاء لها وغشاء وحافظا وجعلها حاملة له مقيمة له فاللحم قائم بها وهي محفوظة به وكيف صورها فاحسن صورها وشق لها السمع والبصر والفم والانف وسائر المنافذ ومد اليدين والرجلين وبسطهما وقسم رؤسهما بالاصابع ثم قسم الاصابع بالانامل وركب الاعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والامعاء كل واحد منها له قدر يخصه ومنفعة تخصه ..
..يتبع إن شاء الله..
تعليق