بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصَحْبه أجمعين ؛ أمَّا بعدُ : قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في سُورة النَّبأ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا(3﴾ ؛ من يطالع كُتب التَّفسير بالمأثور والمنقول عن الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وعن تابعيهم بإحسْان في معنى هـٰذه الآية الكَريمة يقف جليًّا على مكانة التَّوحيد في قلوب الصَّحـابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ، وعلى عظيم عنـايتهم به ، واهتمامهم بمقامه وشأنه ، وأنَّه أعظم المقاصد وأجلّها على الإطلاق ؛ فقد نُقِل عن غير واحد من الصَّحابة والتَّابعين في معنى قوله عزَّ جلَّ ﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾ : أي قَالَ « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ، وقالوا : هي منتهى الصَّواب ؛ أي أنَّ « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » هي الأساس الذي يُبنى عليه دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ولا صواب إلا ما بُني على « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ، وكل عمل يُبنى على غير هـٰذا الأساس فهو تباب وليس صواب ؛ لأنه ليس قائمًا على أساسه وعماده الذي لا قيام له إلا عليه ، فـ« لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » عليها قيام دين الله جلّ وعلا ، وهي في الدِّين كالأُصول في الأشجار والأسُس في البنيان ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾[إبراهيم:24] ؛ فكلمة التَّوحيد لهـٰذا الدِّين بمثابة الأصل الذي يُبنى عليه دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وقول الله جلَّ وعلا : ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ فيه أنّ الشُّفعاء ومن جملتهم الملائكة - ملائكة الرَّحمـٰن - لا يتكلمون عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالشَّفاعة إلا بإذنه ، والملائكة الذين يشفعون كُثر كما يدلّ عليه قول الله عزّ وجلّ : ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم:26] ، وما جاء في هـٰذه الآية مُطابق تمامًا لما جاء في آية النَّبأ ؛ ذِكْر شَرْطَي قبول الشَّفاعة وأنها لا تُقبل إلا بشرطين ، قال: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ إذْن الله للشَّافع ، ورضا الله عن المشفوع له ، فلا تكون شَّفاعةٌ عند الله إلَّا بهذين: 1- بإذنٍ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للشَّافع . 2- ورضاً منه جل وعلا عن المشفوع له.
ومثل هـٰذا تمامًا قوله في سورة النَّبأ: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ﴾ إذْنُ الله للشَّافع ﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾ رضاه عن المشفوع له بقوله الصّواب . وأساس الصَّواب التّوحيد ، فلا صواب إلا به، ولا قيام للدِّين إلا عليه ؛ فهو أساس الدين الذي عليه يُبنى .
مثل هـٰذا أيضا تفسير السَّلف لقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم:87] قال غير واحد : العهدُ « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ، وتفسير العهد والصواب بـ« لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » من أحسن التّفسير وأجوده وأدلِّه على مكانة « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ومكانة التَّوحيد لدى الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأنَّها أساس هـٰذا الدِّين الذي لا قيام للدّين إلا عليه ؛ فمن لم يأت يوم القيامة بالتَّوحيد برئ من العهد ولم يكن من أهل الصّواب فلا ينال شفاعةً مهما كان تعبُّده ، ولهذا أيضاً مر معنا قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾[الانفطار:19] ثلاث نكرات في سياق النَّفي وكلّها تفيد العموم ؛ لأنّ النَّكرة إذا جاءت في سياق الشَّرط أو سياق النَّهي أو سياق النَّفي تفيد العُموم ، ﴿ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ ﴾ أيَّ نفس مهما عظُم شأنها وعلت مكانتها، ﴿لِنَفْسٍ﴾ مهما أيضًا أحبَّت ذلك لها ورغبته لها ، ﴿لِنَفْسٍ شَيْئًا ﴾ولو يسيرًا ولو قليلا ، ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ فالأمر بيده فلا شفاعة عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلا بإذنٍ منه للشّافع ، ورضًا منه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن المشفوع له.
يوضِّح هـٰذا الفهم للآية - فهم الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم للآية - حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صحيح البخاري أنه قال للنبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قال: « مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» ؛ فمن جاء يوم القيامة معه التَّوحيد والإخلاص وتحقيق « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » فاز برضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحظي بشفاعة الشُّفعاء من الأنبياء والملائكة وغيرهم ممن يأذن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لهم بالشَّفاعة. فـ« لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » هي أساس الدِّين الذي عليه يبنى . ومن أعظم المصائب والبَليَّات في المنتمين للإسلام والمنتسبين له : أنّ توحيدهم لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أضاعه أئمة الضّلال ودعاة الباطل تحت مفاهيم خاطئة للشّفاعة ، ولهـٰذا يمارسون ممارساتٍ شركية كثيرة وتعلّقاتِ بغير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى باطلة ، وإذا قيل لهم: ماذا تصنعون؟ قالوا : نستشفع ونطلب منهم الشفاعة. ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس:18] ، يمارسون عبادات يتوجهون بها إلى غير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فإذا سئلوا عن ذلك قالوا : هـٰؤلاء شفعاء ، أي اتخذناهم شفعاء يشفعون لنا عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ؛ وهـٰذا أبطل الباطل وأضل الضَّلال وأشنعه على الإطلاق. وفي هـٰذا المقام العظيم الذي هو أعظم المقامات وأجلّها على الإطلاق تأتي مهمّة طلبة العلم النبهاء والدُّعاة إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى المصلحين في تصحيح هـٰذه المفاهيم ، ولو فتَّش المفتِّش منهم ونظر النَّاظر إلى بعض قرابته من أب أو أمِّ أو خال أو عمِّ أو غير ذلك لربّما وجد أن بعضهم قد دخلت عليه مثل هـٰذه الدواخل الباطلة ، ممّا يُعظِم المسؤُولية والأمَانة في تحقيق هـٰذا الواجب نُصحاً للنَّاس ؛ نُصحًا للأب والأمّ والعمّ والخال والأخ والقريب والجار في بيان هـٰذا الأساس الذي هو أعظم الأسس في التأكيد على التَّوحيد وبيان معنى كلمة « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » وإيراد الآيات القرآنية والأحاديث النَّبوية التي تبيِّن التَّوحيد وتوضِّح معناه ليُنقَل هـٰؤلاء من التعلُّقات الباطلة التي وصلت إليهم عن طريق دعاة الضَّلال ، قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ» . وأذكر مرةً تحدَّثتُ إلى رجلٍ من إحدى الدول حول هـٰذا الموضوع سمعته يدعو النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من دون الله فلما انتهيت من ذكر الآيات والأحاديث الموضِّحة لهـٰذا الأمر وأن الدعاء عبادة لا تُصرف إلا لله جل وعلا، قال لي: " لا أحد قال لي مثل هـٰذا الكلام " ، ممَّا يدلّ على أنّ قريبين جدًّا من الخير وحريصين عليه وطامعين في فضل الله ونواله ويرجون جنته ويخافون عقابه ، لـٰكن دخل عليهم أئمة الضَّلال بالشبهات فأفسدت عليهم أعمالهم . خلاصة القول : المسؤولية عظيمة والواجب جسيم ، وأعانكم الله جميعاً ووفقكم وسدَّد خطاكم ، وألهمنا وإياكم الصواب في القول والسداد في العمل ، وهدانا إليه صراطاً مستقيما ، وأصلح لنا شأننا كله إنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى غفور رحيم جوادٌ كريم .
كلمة للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى
التَّوحيد مُنتهى الصَّواب
وقول الله جلَّ وعلا : ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ فيه أنّ الشُّفعاء ومن جملتهم الملائكة - ملائكة الرَّحمـٰن - لا يتكلمون عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالشَّفاعة إلا بإذنه ، والملائكة الذين يشفعون كُثر كما يدلّ عليه قول الله عزّ وجلّ : ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم:26] ، وما جاء في هـٰذه الآية مُطابق تمامًا لما جاء في آية النَّبأ ؛ ذِكْر شَرْطَي قبول الشَّفاعة وأنها لا تُقبل إلا بشرطين ، قال: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ إذْن الله للشَّافع ، ورضا الله عن المشفوع له ، فلا تكون شَّفاعةٌ عند الله إلَّا بهذين: 1- بإذنٍ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للشَّافع . 2- ورضاً منه جل وعلا عن المشفوع له.
ومثل هـٰذا تمامًا قوله في سورة النَّبأ: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ﴾ إذْنُ الله للشَّافع ﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾ رضاه عن المشفوع له بقوله الصّواب . وأساس الصَّواب التّوحيد ، فلا صواب إلا به، ولا قيام للدِّين إلا عليه ؛ فهو أساس الدين الذي عليه يُبنى .
مثل هـٰذا أيضا تفسير السَّلف لقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم:87] قال غير واحد : العهدُ « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ، وتفسير العهد والصواب بـ« لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » من أحسن التّفسير وأجوده وأدلِّه على مكانة « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ومكانة التَّوحيد لدى الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأنَّها أساس هـٰذا الدِّين الذي لا قيام للدّين إلا عليه ؛ فمن لم يأت يوم القيامة بالتَّوحيد برئ من العهد ولم يكن من أهل الصّواب فلا ينال شفاعةً مهما كان تعبُّده ، ولهذا أيضاً مر معنا قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾[الانفطار:19] ثلاث نكرات في سياق النَّفي وكلّها تفيد العموم ؛ لأنّ النَّكرة إذا جاءت في سياق الشَّرط أو سياق النَّهي أو سياق النَّفي تفيد العُموم ، ﴿ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ ﴾ أيَّ نفس مهما عظُم شأنها وعلت مكانتها، ﴿لِنَفْسٍ﴾ مهما أيضًا أحبَّت ذلك لها ورغبته لها ، ﴿لِنَفْسٍ شَيْئًا ﴾ولو يسيرًا ولو قليلا ، ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ فالأمر بيده فلا شفاعة عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلا بإذنٍ منه للشّافع ، ورضًا منه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن المشفوع له.
يوضِّح هـٰذا الفهم للآية - فهم الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم للآية - حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صحيح البخاري أنه قال للنبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قال: « مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» ؛ فمن جاء يوم القيامة معه التَّوحيد والإخلاص وتحقيق « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » فاز برضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحظي بشفاعة الشُّفعاء من الأنبياء والملائكة وغيرهم ممن يأذن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لهم بالشَّفاعة. فـ« لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » هي أساس الدِّين الذي عليه يبنى . ومن أعظم المصائب والبَليَّات في المنتمين للإسلام والمنتسبين له : أنّ توحيدهم لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أضاعه أئمة الضّلال ودعاة الباطل تحت مفاهيم خاطئة للشّفاعة ، ولهـٰذا يمارسون ممارساتٍ شركية كثيرة وتعلّقاتِ بغير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى باطلة ، وإذا قيل لهم: ماذا تصنعون؟ قالوا : نستشفع ونطلب منهم الشفاعة. ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس:18] ، يمارسون عبادات يتوجهون بها إلى غير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فإذا سئلوا عن ذلك قالوا : هـٰؤلاء شفعاء ، أي اتخذناهم شفعاء يشفعون لنا عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ؛ وهـٰذا أبطل الباطل وأضل الضَّلال وأشنعه على الإطلاق. وفي هـٰذا المقام العظيم الذي هو أعظم المقامات وأجلّها على الإطلاق تأتي مهمّة طلبة العلم النبهاء والدُّعاة إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى المصلحين في تصحيح هـٰذه المفاهيم ، ولو فتَّش المفتِّش منهم ونظر النَّاظر إلى بعض قرابته من أب أو أمِّ أو خال أو عمِّ أو غير ذلك لربّما وجد أن بعضهم قد دخلت عليه مثل هـٰذه الدواخل الباطلة ، ممّا يُعظِم المسؤُولية والأمَانة في تحقيق هـٰذا الواجب نُصحاً للنَّاس ؛ نُصحًا للأب والأمّ والعمّ والخال والأخ والقريب والجار في بيان هـٰذا الأساس الذي هو أعظم الأسس في التأكيد على التَّوحيد وبيان معنى كلمة « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » وإيراد الآيات القرآنية والأحاديث النَّبوية التي تبيِّن التَّوحيد وتوضِّح معناه ليُنقَل هـٰؤلاء من التعلُّقات الباطلة التي وصلت إليهم عن طريق دعاة الضَّلال ، قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ» . وأذكر مرةً تحدَّثتُ إلى رجلٍ من إحدى الدول حول هـٰذا الموضوع سمعته يدعو النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من دون الله فلما انتهيت من ذكر الآيات والأحاديث الموضِّحة لهـٰذا الأمر وأن الدعاء عبادة لا تُصرف إلا لله جل وعلا، قال لي: " لا أحد قال لي مثل هـٰذا الكلام " ، ممَّا يدلّ على أنّ قريبين جدًّا من الخير وحريصين عليه وطامعين في فضل الله ونواله ويرجون جنته ويخافون عقابه ، لـٰكن دخل عليهم أئمة الضَّلال بالشبهات فأفسدت عليهم أعمالهم . خلاصة القول : المسؤولية عظيمة والواجب جسيم ، وأعانكم الله جميعاً ووفقكم وسدَّد خطاكم ، وألهمنا وإياكم الصواب في القول والسداد في العمل ، وهدانا إليه صراطاً مستقيما ، وأصلح لنا شأننا كله إنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى غفور رحيم جوادٌ كريم .