الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
السؤال للفتوى رقم 265
جاء في الحديث المشهورِ الذي رواه البخاري: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا…» في آخره: «وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ»، فهل يعتبر التردُّد صفةً لله عزّ وجلّ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ حقيقةَ التردّد أن يكون الشيءُ الواحدُ مُرادًا من وجهٍ مكروهًا من وجهٍ مع لزوم ترجيح أحد الجانبين، مثل إرادة المريض لدوائه الكريه وحصول الترجيح بتناوله مع كُرْهِهِ له، وكذلك ترجيح القتال مع كرههم له أو التزام الطاعات مع حصول المكاره في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216]، وقولِه صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: «حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ»(١- أخرجه مسلم في «صفة القيامة والجنة والنار» (730، والترمذي في «صفة الجنة» (2757)، وأحمد (12875)، من حديث أنس رضي الله عنه)، ومنه يتبيَّنُ أنّ الله تعالى يحبّ محبوبَه الذي يتقرَّب إليه بالفرائض والنوافل، فيحبّ ما يحبُّه ويكره ما يكرهه، فالله تعالى يكره أن يسيء لمحبوبه بالموت لأنّه يكرهه، غير أنّ الله تعالى قضى بالموت، فكلّ ما قضى به فهو يريده ولا بدّ من حصوله، وحصوله مع مساءة لمحبوبه، فصار الموت مرادًا لله تعالى من وجه، مكروهًا له من وجه وهذا معنى التردُّد مع ترجيح إرادة الموت وكراهة مساءة عبده. وضمن هذا المنظور يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فبيّن -سبحانه- أنّه يتردّد، لأنّ التردّدَ تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحبّ ما يحبّ عبدُه، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال: «وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ»(٢- أخرجه البخاري في «الرقاق» (6502)، والبيهقي (2150، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وهو -سبحانه- قد قضى بالموت، فسمّى ذلك تردّدًا ثمّ بيّن أنّه لابدّ من وقوع ذلك»(٣- «مجموع الفتاوى»: (10/58-59)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 30 جمادى الثانية 1426ﻫ الموافق ﻟ: 5 أوت 2005م
------------------------------------
١- أخرجه مسلم في «صفة القيامة والجنة والنار» (730، والترمذي في «صفة الجنة» (2757)، وأحمد (12875)، من حديث أنس رضي الله عنه.
٢- أخرجه البخاري في «الرقاق» (6502)، والبيهقي (2150، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٣- «مجموع الفتاوى»: (10/58-59).
الرابط: http://www.ferkous.com/rep/Ba15.php
السؤال للفتوى رقم 265
جاء في الحديث المشهورِ الذي رواه البخاري: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا…» في آخره: «وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ»، فهل يعتبر التردُّد صفةً لله عزّ وجلّ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ حقيقةَ التردّد أن يكون الشيءُ الواحدُ مُرادًا من وجهٍ مكروهًا من وجهٍ مع لزوم ترجيح أحد الجانبين، مثل إرادة المريض لدوائه الكريه وحصول الترجيح بتناوله مع كُرْهِهِ له، وكذلك ترجيح القتال مع كرههم له أو التزام الطاعات مع حصول المكاره في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216]، وقولِه صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: «حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ»(١- أخرجه مسلم في «صفة القيامة والجنة والنار» (730، والترمذي في «صفة الجنة» (2757)، وأحمد (12875)، من حديث أنس رضي الله عنه)، ومنه يتبيَّنُ أنّ الله تعالى يحبّ محبوبَه الذي يتقرَّب إليه بالفرائض والنوافل، فيحبّ ما يحبُّه ويكره ما يكرهه، فالله تعالى يكره أن يسيء لمحبوبه بالموت لأنّه يكرهه، غير أنّ الله تعالى قضى بالموت، فكلّ ما قضى به فهو يريده ولا بدّ من حصوله، وحصوله مع مساءة لمحبوبه، فصار الموت مرادًا لله تعالى من وجه، مكروهًا له من وجه وهذا معنى التردُّد مع ترجيح إرادة الموت وكراهة مساءة عبده. وضمن هذا المنظور يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فبيّن -سبحانه- أنّه يتردّد، لأنّ التردّدَ تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحبّ ما يحبّ عبدُه، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال: «وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ»(٢- أخرجه البخاري في «الرقاق» (6502)، والبيهقي (2150، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وهو -سبحانه- قد قضى بالموت، فسمّى ذلك تردّدًا ثمّ بيّن أنّه لابدّ من وقوع ذلك»(٣- «مجموع الفتاوى»: (10/58-59)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 30 جمادى الثانية 1426ﻫ الموافق ﻟ: 5 أوت 2005م
------------------------------------
١- أخرجه مسلم في «صفة القيامة والجنة والنار» (730، والترمذي في «صفة الجنة» (2757)، وأحمد (12875)، من حديث أنس رضي الله عنه.
٢- أخرجه البخاري في «الرقاق» (6502)، والبيهقي (2150، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٣- «مجموع الفتاوى»: (10/58-59).
الرابط: http://www.ferkous.com/rep/Ba15.php