الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعدُ:
فهذا محاولة لإعادة ما بُتر من شرح العلامة محمد أمان الجاميّ ـــرحمه الله تعالى " على الأصول الثلاثة " للشيخ المُجَدِد محمد بن عبد الوهاب ـــ رحمه الله تعالى ــــ وسيكون ـــ بإذن الله ـــ [متجدد] ،وعملي عليها أني أدرج ما بُتر وأنوه عليه إن كان كثيرًا وملفتًا وأحذف ما زيد مما ليس من كلام الشيخ وإني إذ أفعل ذلك أقول ما قال الصحابيّ الجليل ابن مسعود رضي الله عنه حينما قال لأصحاب الحلق : (( لأنتم أهدى مِن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلّم - فأنا أقول: لأنتم أعلم وأفقه من العلامة محمد أمان- رحمه الله - إذ تغيرون في كلامه وتحذفون وتزيدون ،وإني أدرج ما بتر وأحذف ما زيد أفعل ذلك بتتبعي للمادة الصوتية، استجابة للتنبيه الذي ورد على التفريغ من الشيخ عبد الله البخاري – سددّه الله . بنت عمر
الشرح:
العلامة محمد أمان الجاميّ ـــــ رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ) .
أما بعد :
فنستأنفُ في يومنا هذا درسًا في العقيدة فوقع الإختيار على رسالة صغيرةٍ في الحجم ، عظيمةٍ في المعنى والعلم ، محفوظة ــــ إنْ شاء الله ــــ عند صغار طلبة العلم قبل الكبار ، ألا وهي: "الأصول الثلاثة " للإمامِ المجدد ، مجدد القرن الثاني عشر" محمد بن عبد الوهاب " وقع الاختيار على هذه الرسالة تحقيقاً لرغبة كثير من طلبة العلم الذين يرغبون حفظ هذه الأصول وفهمها وتحقيقها ، والعمل بها ، والدعوة إليها ، لذلك نبدأ في هذا الكتيب ، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص فيما نقول وفيما نعمل ،فنبدأ في شرح ما قرأ الطالبُ ، وقبل ذلك نعرف تعريفاً يسيراً للمؤلف ، المؤلف مشهور لا يحتاج إلى التعريف ، ولكن بالنسبة لبعض صغار طلبة العلم ، وبعض الحضور ،مِن الذين لا يعرفون مِن َ المؤلفِ شيئًا ،وبناءً على العادة الجارية :التعريف بالمؤلف إذا أراد الإنسان أنْ يقرأ كتابًا مِنَ الكتب لبعض المؤلفين .
هذا المؤلف : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،ولد هذا العالم في بلدة العينية في نجد في سنة ِ ألف ومئة وخمسة عشر هـ .
ونشأ في حجر والده ، وكان والده مِن علماء البلد ،بل قاضٍ في البلد ،عالم مدرس على الطريقة القديمة في البيوت ،نشأ هذا الشاب نشأة عجيبة حيث حفظ القرآن قبل العاشرة من عمرة وبلغ الاحتلام قبل الثانية عشر من عمره ويأتي والده أنه في هذه السنة رأى أنّه أهل بأنْ يصلي بالناس فقدّمه لكي يصلي بالناس وهو ابن الثانية عشر من العمر وفي هذه السنة زوجه ،وعكف الشاب مع دراسته على والده عكف على دراسة كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم واستفاد لأن الله أعطاه من الذكاء ما وصفه المترجمون له بطريقة غربية وفذة قويّ الحافظة ذكيّ فَطِن ،عكف في طفولته على هذه الكتب ،مع ما يدرس على والده في الفقه على مذهب الإمام أحمد ،ثم تاقت نفسه ليرحل في طلب العلم لأنه استفاد من هذه الكتب ورأى أنّ البيئة التي يعيش فيها بيئة جاهلية صرفه ، إذ كانت الناس تعبد النخل، وتعبد القبور ،ويعبدون الجِنّ ، جاهلية جهلاء كالتي كانت قبل الإسلام مع الانتساب إلى الإسلام ،مع وجود العلماء بينهم ،استنكرت نفسية هذا الشاب هذه الجاهلية ،ولكنه كتمها في نفسه ولم يتكلم لأنه في نظر الناس طفل لا يستحق الإنكار والقيام بالإصلاح.
أراد أنْ يرحل في طلب العلم كأن الله أراد أنْ يطلعه على كثير من البلدان المجاورة ليرى إنّ الجاهلية عمت وليست في بلده فقط ،خرج حاجاً فحج ثم جاء إلى المدينة ومكث في المدينة لطلب العلم ،وقيض الله له بعض علماء الحديث كالشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل السيف، آل سيف هذا كان في الأصل مِن نجْد مِن المجمعة سكن المدينة ، فصار مِن أعيان المدرسين في هذا المسجد ، وأحبه هذا الشيخ كثيراً ،لما يرى فيه من الذكاء ومِن الاهتمام بشؤون المسلمين والإصلاح ،وإعداد نفسه للإصلاح العام ، وقدمه لبعض المدرسين في هذا المسجد النبوي كالشيخ محمد حياة السندي ،والشيخ العجولي، والشيخ الإحسائي ، عددٍ مِن المدرسين ،ركز الشيخ الشاب في دراسته في هذا المسجد على علوم الحديث ،درس الكتب الصحاح ،ودرس مُسندَ الإمام الشافعي ،ودرس كثيراً، وكان في نفسه بعض التضايق عندما يرى ما يفعله الناس عند السلام على النبي ـــ عليه الصلاة والسلام ــــ عند قبره ،وكثيراً ما يقول للمشايخ أيش هذا يا شيخ ؟ ، ويقولون هذه بعض الجاهليات ، صبرَ وتعلمَ، تعلمَ وصبرَ وملك نفسه ، وذات مرة ذهب إلى القبر ليسلم ،ورأى تعلق الناس بالقبر وتمسحهم بالشبابيك ، وكان عند الشيخ محمد حياة السندي فرجع إليه فقال ما هذا يا شيخ ما هؤلاء ؟ ، قال : إنّ هؤلاء متبرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون ، هكذا رد الشيخ فوراً وأدرك الشاب بأنّ العمل مستنكرٌ حتى عند المشايخ ،ولكنهم عاجزون لا يستطيعون أنْ يعملوا شيئاً ، هكذا قضى برهةً من الزمن في هذه المدينة فأخذ الإجازة في الكتب التي أخذها عن الشيوخ ثم توجه إلى العراق إلى البصرة ولكنه عرج على بلده في طريقه ثم واصل سيره لأنه سمع بشيخ عالم محدث نحوي المجموعي في البصرة ، فرحل إليه ودرس عنده كثيراً واستفاد منه في علوم العربية وعلم الحديث وهنا رأى الشاب أنه نضج وأنه لا بد أن يبدأ في الدعوة والإصلاح وأن لم يبلغ مبلغ كبار العلماء لأنه يرى نفسه طالب ولكنه طالب مهيأ وعنده ركيزة طيبة من العلم بدأ يتصل بزملائه وبعض الشيوخ وبعض من تعّرف عليهم ويكتب إليهم الرسائل ويُنكر عبادة القبور وينكر كثيراً من المنكرات البارزة ،حتى عَرف بالبصرة مع كونه طالب علم ،لأنّه يحاول الإصلاح ،وتأثر بطريقته هذه شيخه "محمد المجموعي" لأنّه كان يحبه كثيرًا ، وكثيراً ما يتأثر الشيخ بالتلميذ إذا كان التلميذ نابغةً ورأى فيه أنّه ربما هو خيرٌ مِنه ، وهذا معروفٌ من قبلُ ، كما ثبت عن الإمام الشافعي أنه كان يقول للإمام أحمد : أنتم أعلم منا بعلم الحديث فإذا علمتم شيئاً أو بلغكم شيئاً من الحديث فأبلغونا ، في هذا الوقت كان الإمام أحمد تلميذاً عند الإمام الشافعي ، هكذا تأثر " المجموعي" بابن عبد الوهاب ، وأخيراً قامت قائمة الجاهلية مِن المتصوفة فأُمِر بإخراجه فأخرج من البصرة إلى الزبير وفي الطريق لاقى صعوبة حتى كاد يهلك من الظمأ ؛لأنه يمشي على رجليه في الظهيرة ، ولكن الله قيض له من يحمله على حماره معه إلى البلد فسَلِم َولم يهلكْ، فدرس في الإحساء على شيخٍ شافعيّ، ثم رجع إلى الشام وتجول في بلاد الشام ، ولكن المصادر لم تذكرْ شيوخه في الشام، إلا أنّ زيارتَهُ للحجاز والعراق والشام والمنطقة الشرقية كل ذلك أفادته فائدة ـــ زيادةً على العلم ـــــ"معرفة أحوال المسلمين والجاهلية التي عمت وطمت"، وأخيراً قرر الشاب العودة إلى بلده للعمل ،فرجع فبدأ حياته العلمية في بلده حُرَيمِلة ، ولكنّه أوذي حتى خاف من بعض السفهاء أنْ يفتكوا به، فخرج خائفاً يترقب وله أسوة بالأنبياء في ذلك، خرج إلى العينية مسقط رأسه، وأميرُ العينية رحبَ به ،والشيخ شرحَ له دعوته بأنّ هذه دعوة إسلامية عامة ،تحتاج منك الصبر إذا أردت أنْ تؤَازِر هذه الدعوة ،لا بد أن تؤذى هل تصبر ؟ قال الأمير : إنّه يصبر ، وفعلاً صبر معه وغَيْر كثيراً من المنكرات، أزال كثيراً من الأشجار التي كانت تُعبد، أراد اللهُ أنْ تَقدمتْ امرأةٌ ارتكبت فاحشة الزنا فطلبت التطهير، واعترفت وأصرت على الاعتراف ،فأقام عليها الشيخ الحدّ، مِن هنا طار صيته ،وانتشر خبره في المنطقة ،واستنكر أُمراء المنطقة هذا التصرف، فكانوا يُسمَّوْنَه المُطوع، قالوا: هذا المُطوع جاء بأمر جديدٍ مُستنكَر ، وكان مِنْ أشدِّهم أمير الإحساء ،شدّدوا على أمير العينية إنْ لم يخرج من بلده هذا المطوع ، وأنّه سوف يحصل كذا وكذا، هدَدّوه تهديدًا ، واضطُر إلى أنْ يُخْرَج مِن بلده ،فخرجَ،فتوجه إلى الدرعيّة ، كأن الله يسوقُ هذه النّعمة لشخصٍ آخَر غير أمير العُيينة ؛ فنزل الشيخ في بيت "ابن سلويلم" في الدرعية ، وعَلِمَ محمدٌ بن سعود بوصوله،لأنّ خبره انتشر في المنطقة كلها ، كان معروفًا بالسماع ولمّا عَلِم أخذ بعض أصحابه فذهب إليه في بيت ابن سويلم ولمْ يَدْعُهُ إلى منزله فزارهُ وتعرف عليه وهدى اللهُ الأسرةَ ، طلبت الأسرة رجالاً ونساءً مِنَ الإمام "محمد بن سعود" أنْ يؤازر هذا الرجل ،وأن يتبنى هذه الدعوة ،فاليعتبرها نعمةً سِيقَتْ إليه، وفعلاً آزر وأعلن مؤازرته للدعوة ،والشيخ نصحه كما نصح لأمير العينية ، وبيّن له صعوبة هذه الدعوة وأنها دعوةً عامة لا تترك شيئاً من الجاهليات لا في العقيدة ولا في الأحكام ،تجديد عام للدعوة المحمديه ،واستعدَّ الأميرُ محمدٌ بن سعود لمؤازرةِ الدعوة ،وتعاهدا ، مِنْ هنا قام العمل الجاد في الدعوة .
أولًا : تطبيق عمليّ محليًا ، فصارت الدرعية عاصمة للدعوة، يهاجر إليها طلّابُ العلمِ لطلب العلم وللتعبد هناك قُرْب الشيخ الداعية المسلم ،انطلقت الدعوة من هناك وسارت مسيرتها ،وبدأ الشيخ يكتب إلى الأمراء والأعيان في الأقطار يشرح دعوته ، موقفه من الأئمة الأربعة ،موقفه من الصحابة ،موقفه من نصوص الصفات ،موقفه في باب التوسل ،وهكذا الدعيات التي كانت تعملُ ضدّ الدعوة أراد الشيخ أنْ يُخَفِيفَها بهذه الرسائل التي كان يبْعث بها في الأقطار ، هكذا بدأت الدعوة واستمرت إلى أن وصلَتْ إلى هذه المدينة النبوية وعمت الجزيرة ولكنّ الدعايات لا تزال تنتشر في الآفاق ،هناك مذهبٌ خامس هناك الوهابية هناك وهناك ، ولكنْهم دأبوا وتعودوا على عدم الردُود يسمعون كل ما يقال لكنْ لا يردّون، يعملون فصارَ العمل هو الردّ ، أُلَّفَتْ الكتب ضدّ هذه الدعوة وانتشرت في العالم ،فعرفت أكثر النّاس هذه الدعوة على غير حقيقتها على أنّها دعوة مناوأة للأئمة الأربعة وللأولياء وأنها لا تحترم رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ والصحابة، إلى غير ذلك من الدعايات التي أخذت تتبخر شيئاً فشيئاً إلى أنْ [ تبددتْ ] في مثل هذا الوقت [ ما بقي هو] شِبَه خجلٍ ـــ إذا كانوا يعرفون يخجلون ـــ ، لأنّ الدعوة دخلتْ في مناطق ما كان يُظن تصل في مناطق كانت تُسمّى مجاهل إفريقية ،توجد هناك الآن مدارس كثيرة تَدْرُس نفس المنهج المقرّر في المدارسِ السعودية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية وانتشرت في القارة الهندية وانتشرتْ في كثيرٍ مِنْ الدول العربية إلى أنْ خَرجَتْ من الديار الإسلامية وفَتَحَتْ لها أبواباً في نفوس النّاس وفي صدور النّاس من أوروبا وأمريكا وانتشرت وعمت، لذلك تلكمُ الهمساتُ التي تسمعونها الآن هنا وهناك مِنْ خلف الأبواب ، وفي ظلامِ الليل ضدّ هذه الدعوة إنّما هي حركةُ الشاةِ المذبوحةِ، الشاةُ المذبوحةُ إنّما تتحركُ لتموت لا لتحيا ، فلتعلموا ذلك ، ولاتتعثروا بما يُقالُ أو يُشاع ، ضدّ هذه الدعوة أحيانًا على ألسنة مشايخِ الطرق وعلماء الكلام والمتأثرين بهم والمُصفقين معهم إنّما هي كما قلتُ: حركة الشاة المذبوحة لتموت لا لتحيا ، والدعوة ماشية بحمد الله تعالى، ونحنُ نحمدُ اللهَ كيفما نرى شبابنا في هذا المصير مصيرٌ نحمدُ الله عليه ، شبابُنا صغارُ الشبابِ بدل مِن أنْ يفكروا في هذه الإجازات ليقضونها في المناطق الباردة ، في المتنزهات في حديقة الحيونات وأمثال ذلك ، في اللعبِ واللهو ، فإذا هم يرغبون على أنْ يصبروا على الدراسة والتعبد في المسجدين الشريفين : في المسجد الحرام والمسجد النبويّ ، ويواصلون دراستهم غير النظامية ، ليجمعوا بين الدّراسة النظامية والدراسة غير النظامية التي تُدرسُ لوجه اللهِ وحده ،واختاروا مِن بَين تلكمُ الدروس "درسًا في العقيدة " نحن هنا ننصح فنقول :ادرسوا العقيدة وادرسوا الأحكام وادرسوا فروع اللغة العربية وادرسوا علوم الحديث و علوم القرآن وكل علمٍ نافعٍ يكونُ مساعداً لفهمِ الكتاب والسنة ،لئلا تضيقوا مجالكم أو لئلا تضيقوا مجالَ طلبِ العلم ، بل وسعوا ، توسعوا في طلبِ العلم وعلى كل مَنْ تجدون عنده فرصةً مِنْ المشايخ في مثلِ هذه الإجازة ، عليكم أن تنتهزوا فرصة الشباب وفرصة الفراغ ، وفرصة الصحة ، هذه نِعمٌ لا تُعْرف إلا بعد زوالها ، نعمة الفراغ ، نعمة الشباب ، نعمة الصحة ، ونعمة الأمنِ والأمان ، هذه النعم انتهزوا ، واشغلوا أوقاتكم بطلبِ العلمِ ، فطلبُ العلم نوع من الجهاد ،أنتم في جهادٍ طالما تطلبون العلم ، بهذا العلم تعرفون قيمة الجهاد في سبيل الله ، متى يكونُ المجاهدُ مجاهدًا في سبيلِ الله ؟ هناك لو قُتل ، تعرفون ذلك بالعلم ، العلم قبل القول والعمل .
ملاحظة
مابين [...] كلمات أضفتها للسياق ، فمن عنده اعتراض بعلم ٍعلى أنّها إضافة ليست في محلها فلينبهني وأنا أحذفها بإذن الله.
أما بعدُ:
فهذا محاولة لإعادة ما بُتر من شرح العلامة محمد أمان الجاميّ ـــرحمه الله تعالى " على الأصول الثلاثة " للشيخ المُجَدِد محمد بن عبد الوهاب ـــ رحمه الله تعالى ــــ وسيكون ـــ بإذن الله ـــ [متجدد] ،وعملي عليها أني أدرج ما بُتر وأنوه عليه إن كان كثيرًا وملفتًا وأحذف ما زيد مما ليس من كلام الشيخ وإني إذ أفعل ذلك أقول ما قال الصحابيّ الجليل ابن مسعود رضي الله عنه حينما قال لأصحاب الحلق : (( لأنتم أهدى مِن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلّم - فأنا أقول: لأنتم أعلم وأفقه من العلامة محمد أمان- رحمه الله - إذ تغيرون في كلامه وتحذفون وتزيدون ،وإني أدرج ما بتر وأحذف ما زيد أفعل ذلك بتتبعي للمادة الصوتية، استجابة للتنبيه الذي ورد على التفريغ من الشيخ عبد الله البخاري – سددّه الله . بنت عمر
الشرح:
العلامة محمد أمان الجاميّ ـــــ رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ) .
أما بعد :
فنستأنفُ في يومنا هذا درسًا في العقيدة فوقع الإختيار على رسالة صغيرةٍ في الحجم ، عظيمةٍ في المعنى والعلم ، محفوظة ــــ إنْ شاء الله ــــ عند صغار طلبة العلم قبل الكبار ، ألا وهي: "الأصول الثلاثة " للإمامِ المجدد ، مجدد القرن الثاني عشر" محمد بن عبد الوهاب " وقع الاختيار على هذه الرسالة تحقيقاً لرغبة كثير من طلبة العلم الذين يرغبون حفظ هذه الأصول وفهمها وتحقيقها ، والعمل بها ، والدعوة إليها ، لذلك نبدأ في هذا الكتيب ، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص فيما نقول وفيما نعمل ،فنبدأ في شرح ما قرأ الطالبُ ، وقبل ذلك نعرف تعريفاً يسيراً للمؤلف ، المؤلف مشهور لا يحتاج إلى التعريف ، ولكن بالنسبة لبعض صغار طلبة العلم ، وبعض الحضور ،مِن الذين لا يعرفون مِن َ المؤلفِ شيئًا ،وبناءً على العادة الجارية :التعريف بالمؤلف إذا أراد الإنسان أنْ يقرأ كتابًا مِنَ الكتب لبعض المؤلفين .
هذا المؤلف : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،ولد هذا العالم في بلدة العينية في نجد في سنة ِ ألف ومئة وخمسة عشر هـ .
ونشأ في حجر والده ، وكان والده مِن علماء البلد ،بل قاضٍ في البلد ،عالم مدرس على الطريقة القديمة في البيوت ،نشأ هذا الشاب نشأة عجيبة حيث حفظ القرآن قبل العاشرة من عمرة وبلغ الاحتلام قبل الثانية عشر من عمره ويأتي والده أنه في هذه السنة رأى أنّه أهل بأنْ يصلي بالناس فقدّمه لكي يصلي بالناس وهو ابن الثانية عشر من العمر وفي هذه السنة زوجه ،وعكف الشاب مع دراسته على والده عكف على دراسة كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم واستفاد لأن الله أعطاه من الذكاء ما وصفه المترجمون له بطريقة غربية وفذة قويّ الحافظة ذكيّ فَطِن ،عكف في طفولته على هذه الكتب ،مع ما يدرس على والده في الفقه على مذهب الإمام أحمد ،ثم تاقت نفسه ليرحل في طلب العلم لأنه استفاد من هذه الكتب ورأى أنّ البيئة التي يعيش فيها بيئة جاهلية صرفه ، إذ كانت الناس تعبد النخل، وتعبد القبور ،ويعبدون الجِنّ ، جاهلية جهلاء كالتي كانت قبل الإسلام مع الانتساب إلى الإسلام ،مع وجود العلماء بينهم ،استنكرت نفسية هذا الشاب هذه الجاهلية ،ولكنه كتمها في نفسه ولم يتكلم لأنه في نظر الناس طفل لا يستحق الإنكار والقيام بالإصلاح.
أراد أنْ يرحل في طلب العلم كأن الله أراد أنْ يطلعه على كثير من البلدان المجاورة ليرى إنّ الجاهلية عمت وليست في بلده فقط ،خرج حاجاً فحج ثم جاء إلى المدينة ومكث في المدينة لطلب العلم ،وقيض الله له بعض علماء الحديث كالشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل السيف، آل سيف هذا كان في الأصل مِن نجْد مِن المجمعة سكن المدينة ، فصار مِن أعيان المدرسين في هذا المسجد ، وأحبه هذا الشيخ كثيراً ،لما يرى فيه من الذكاء ومِن الاهتمام بشؤون المسلمين والإصلاح ،وإعداد نفسه للإصلاح العام ، وقدمه لبعض المدرسين في هذا المسجد النبوي كالشيخ محمد حياة السندي ،والشيخ العجولي، والشيخ الإحسائي ، عددٍ مِن المدرسين ،ركز الشيخ الشاب في دراسته في هذا المسجد على علوم الحديث ،درس الكتب الصحاح ،ودرس مُسندَ الإمام الشافعي ،ودرس كثيراً، وكان في نفسه بعض التضايق عندما يرى ما يفعله الناس عند السلام على النبي ـــ عليه الصلاة والسلام ــــ عند قبره ،وكثيراً ما يقول للمشايخ أيش هذا يا شيخ ؟ ، ويقولون هذه بعض الجاهليات ، صبرَ وتعلمَ، تعلمَ وصبرَ وملك نفسه ، وذات مرة ذهب إلى القبر ليسلم ،ورأى تعلق الناس بالقبر وتمسحهم بالشبابيك ، وكان عند الشيخ محمد حياة السندي فرجع إليه فقال ما هذا يا شيخ ما هؤلاء ؟ ، قال : إنّ هؤلاء متبرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون ، هكذا رد الشيخ فوراً وأدرك الشاب بأنّ العمل مستنكرٌ حتى عند المشايخ ،ولكنهم عاجزون لا يستطيعون أنْ يعملوا شيئاً ، هكذا قضى برهةً من الزمن في هذه المدينة فأخذ الإجازة في الكتب التي أخذها عن الشيوخ ثم توجه إلى العراق إلى البصرة ولكنه عرج على بلده في طريقه ثم واصل سيره لأنه سمع بشيخ عالم محدث نحوي المجموعي في البصرة ، فرحل إليه ودرس عنده كثيراً واستفاد منه في علوم العربية وعلم الحديث وهنا رأى الشاب أنه نضج وأنه لا بد أن يبدأ في الدعوة والإصلاح وأن لم يبلغ مبلغ كبار العلماء لأنه يرى نفسه طالب ولكنه طالب مهيأ وعنده ركيزة طيبة من العلم بدأ يتصل بزملائه وبعض الشيوخ وبعض من تعّرف عليهم ويكتب إليهم الرسائل ويُنكر عبادة القبور وينكر كثيراً من المنكرات البارزة ،حتى عَرف بالبصرة مع كونه طالب علم ،لأنّه يحاول الإصلاح ،وتأثر بطريقته هذه شيخه "محمد المجموعي" لأنّه كان يحبه كثيرًا ، وكثيراً ما يتأثر الشيخ بالتلميذ إذا كان التلميذ نابغةً ورأى فيه أنّه ربما هو خيرٌ مِنه ، وهذا معروفٌ من قبلُ ، كما ثبت عن الإمام الشافعي أنه كان يقول للإمام أحمد : أنتم أعلم منا بعلم الحديث فإذا علمتم شيئاً أو بلغكم شيئاً من الحديث فأبلغونا ، في هذا الوقت كان الإمام أحمد تلميذاً عند الإمام الشافعي ، هكذا تأثر " المجموعي" بابن عبد الوهاب ، وأخيراً قامت قائمة الجاهلية مِن المتصوفة فأُمِر بإخراجه فأخرج من البصرة إلى الزبير وفي الطريق لاقى صعوبة حتى كاد يهلك من الظمأ ؛لأنه يمشي على رجليه في الظهيرة ، ولكن الله قيض له من يحمله على حماره معه إلى البلد فسَلِم َولم يهلكْ، فدرس في الإحساء على شيخٍ شافعيّ، ثم رجع إلى الشام وتجول في بلاد الشام ، ولكن المصادر لم تذكرْ شيوخه في الشام، إلا أنّ زيارتَهُ للحجاز والعراق والشام والمنطقة الشرقية كل ذلك أفادته فائدة ـــ زيادةً على العلم ـــــ"معرفة أحوال المسلمين والجاهلية التي عمت وطمت"، وأخيراً قرر الشاب العودة إلى بلده للعمل ،فرجع فبدأ حياته العلمية في بلده حُرَيمِلة ، ولكنّه أوذي حتى خاف من بعض السفهاء أنْ يفتكوا به، فخرج خائفاً يترقب وله أسوة بالأنبياء في ذلك، خرج إلى العينية مسقط رأسه، وأميرُ العينية رحبَ به ،والشيخ شرحَ له دعوته بأنّ هذه دعوة إسلامية عامة ،تحتاج منك الصبر إذا أردت أنْ تؤَازِر هذه الدعوة ،لا بد أن تؤذى هل تصبر ؟ قال الأمير : إنّه يصبر ، وفعلاً صبر معه وغَيْر كثيراً من المنكرات، أزال كثيراً من الأشجار التي كانت تُعبد، أراد اللهُ أنْ تَقدمتْ امرأةٌ ارتكبت فاحشة الزنا فطلبت التطهير، واعترفت وأصرت على الاعتراف ،فأقام عليها الشيخ الحدّ، مِن هنا طار صيته ،وانتشر خبره في المنطقة ،واستنكر أُمراء المنطقة هذا التصرف، فكانوا يُسمَّوْنَه المُطوع، قالوا: هذا المُطوع جاء بأمر جديدٍ مُستنكَر ، وكان مِنْ أشدِّهم أمير الإحساء ،شدّدوا على أمير العينية إنْ لم يخرج من بلده هذا المطوع ، وأنّه سوف يحصل كذا وكذا، هدَدّوه تهديدًا ، واضطُر إلى أنْ يُخْرَج مِن بلده ،فخرجَ،فتوجه إلى الدرعيّة ، كأن الله يسوقُ هذه النّعمة لشخصٍ آخَر غير أمير العُيينة ؛ فنزل الشيخ في بيت "ابن سلويلم" في الدرعية ، وعَلِمَ محمدٌ بن سعود بوصوله،لأنّ خبره انتشر في المنطقة كلها ، كان معروفًا بالسماع ولمّا عَلِم أخذ بعض أصحابه فذهب إليه في بيت ابن سويلم ولمْ يَدْعُهُ إلى منزله فزارهُ وتعرف عليه وهدى اللهُ الأسرةَ ، طلبت الأسرة رجالاً ونساءً مِنَ الإمام "محمد بن سعود" أنْ يؤازر هذا الرجل ،وأن يتبنى هذه الدعوة ،فاليعتبرها نعمةً سِيقَتْ إليه، وفعلاً آزر وأعلن مؤازرته للدعوة ،والشيخ نصحه كما نصح لأمير العينية ، وبيّن له صعوبة هذه الدعوة وأنها دعوةً عامة لا تترك شيئاً من الجاهليات لا في العقيدة ولا في الأحكام ،تجديد عام للدعوة المحمديه ،واستعدَّ الأميرُ محمدٌ بن سعود لمؤازرةِ الدعوة ،وتعاهدا ، مِنْ هنا قام العمل الجاد في الدعوة .
أولًا : تطبيق عمليّ محليًا ، فصارت الدرعية عاصمة للدعوة، يهاجر إليها طلّابُ العلمِ لطلب العلم وللتعبد هناك قُرْب الشيخ الداعية المسلم ،انطلقت الدعوة من هناك وسارت مسيرتها ،وبدأ الشيخ يكتب إلى الأمراء والأعيان في الأقطار يشرح دعوته ، موقفه من الأئمة الأربعة ،موقفه من الصحابة ،موقفه من نصوص الصفات ،موقفه في باب التوسل ،وهكذا الدعيات التي كانت تعملُ ضدّ الدعوة أراد الشيخ أنْ يُخَفِيفَها بهذه الرسائل التي كان يبْعث بها في الأقطار ، هكذا بدأت الدعوة واستمرت إلى أن وصلَتْ إلى هذه المدينة النبوية وعمت الجزيرة ولكنّ الدعايات لا تزال تنتشر في الآفاق ،هناك مذهبٌ خامس هناك الوهابية هناك وهناك ، ولكنْهم دأبوا وتعودوا على عدم الردُود يسمعون كل ما يقال لكنْ لا يردّون، يعملون فصارَ العمل هو الردّ ، أُلَّفَتْ الكتب ضدّ هذه الدعوة وانتشرت في العالم ،فعرفت أكثر النّاس هذه الدعوة على غير حقيقتها على أنّها دعوة مناوأة للأئمة الأربعة وللأولياء وأنها لا تحترم رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ والصحابة، إلى غير ذلك من الدعايات التي أخذت تتبخر شيئاً فشيئاً إلى أنْ [ تبددتْ ] في مثل هذا الوقت [ ما بقي هو] شِبَه خجلٍ ـــ إذا كانوا يعرفون يخجلون ـــ ، لأنّ الدعوة دخلتْ في مناطق ما كان يُظن تصل في مناطق كانت تُسمّى مجاهل إفريقية ،توجد هناك الآن مدارس كثيرة تَدْرُس نفس المنهج المقرّر في المدارسِ السعودية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية وانتشرت في القارة الهندية وانتشرتْ في كثيرٍ مِنْ الدول العربية إلى أنْ خَرجَتْ من الديار الإسلامية وفَتَحَتْ لها أبواباً في نفوس النّاس وفي صدور النّاس من أوروبا وأمريكا وانتشرت وعمت، لذلك تلكمُ الهمساتُ التي تسمعونها الآن هنا وهناك مِنْ خلف الأبواب ، وفي ظلامِ الليل ضدّ هذه الدعوة إنّما هي حركةُ الشاةِ المذبوحةِ، الشاةُ المذبوحةُ إنّما تتحركُ لتموت لا لتحيا ، فلتعلموا ذلك ، ولاتتعثروا بما يُقالُ أو يُشاع ، ضدّ هذه الدعوة أحيانًا على ألسنة مشايخِ الطرق وعلماء الكلام والمتأثرين بهم والمُصفقين معهم إنّما هي كما قلتُ: حركة الشاة المذبوحة لتموت لا لتحيا ، والدعوة ماشية بحمد الله تعالى، ونحنُ نحمدُ اللهَ كيفما نرى شبابنا في هذا المصير مصيرٌ نحمدُ الله عليه ، شبابُنا صغارُ الشبابِ بدل مِن أنْ يفكروا في هذه الإجازات ليقضونها في المناطق الباردة ، في المتنزهات في حديقة الحيونات وأمثال ذلك ، في اللعبِ واللهو ، فإذا هم يرغبون على أنْ يصبروا على الدراسة والتعبد في المسجدين الشريفين : في المسجد الحرام والمسجد النبويّ ، ويواصلون دراستهم غير النظامية ، ليجمعوا بين الدّراسة النظامية والدراسة غير النظامية التي تُدرسُ لوجه اللهِ وحده ،واختاروا مِن بَين تلكمُ الدروس "درسًا في العقيدة " نحن هنا ننصح فنقول :ادرسوا العقيدة وادرسوا الأحكام وادرسوا فروع اللغة العربية وادرسوا علوم الحديث و علوم القرآن وكل علمٍ نافعٍ يكونُ مساعداً لفهمِ الكتاب والسنة ،لئلا تضيقوا مجالكم أو لئلا تضيقوا مجالَ طلبِ العلم ، بل وسعوا ، توسعوا في طلبِ العلم وعلى كل مَنْ تجدون عنده فرصةً مِنْ المشايخ في مثلِ هذه الإجازة ، عليكم أن تنتهزوا فرصة الشباب وفرصة الفراغ ، وفرصة الصحة ، هذه نِعمٌ لا تُعْرف إلا بعد زوالها ، نعمة الفراغ ، نعمة الشباب ، نعمة الصحة ، ونعمة الأمنِ والأمان ، هذه النعم انتهزوا ، واشغلوا أوقاتكم بطلبِ العلمِ ، فطلبُ العلم نوع من الجهاد ،أنتم في جهادٍ طالما تطلبون العلم ، بهذا العلم تعرفون قيمة الجهاد في سبيل الله ، متى يكونُ المجاهدُ مجاهدًا في سبيلِ الله ؟ هناك لو قُتل ، تعرفون ذلك بالعلم ، العلم قبل القول والعمل .
ملاحظة
مابين [...] كلمات أضفتها للسياق ، فمن عنده اعتراض بعلم ٍعلى أنّها إضافة ليست في محلها فلينبهني وأنا أحذفها بإذن الله.
تعليق