الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،و الصلاة و السلام على نبينا وقدوتنا محمد الأمين، و على آله و صحبه والتابعين، ومن تبعهم بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
سأضع في هذه الصفحة - إن شاء الله - ما تيسر لي جمعه لفوائد و درر العلامة و شيخ الإسلام الإمام الآجري -رحمه الله تعالى- ، عبر مكتبته العلمية النافعة الماتعة، فالله ندعو أن يجزيه عن أمة محمداً صلى الله عليه وسلم خيراً، وأن يغفر له و يرحمه إن ربي لسميع الدعاء.
أبتدئ مستعينة بالله:
[ الفائدة الأولى ]
فإن الله عَزوَجَل وَتَقَدسَت أَسْمَاؤُهُ، اِخْتَص مِنْ خَلْقِه مَنْ أَحَب، فَهَدَاهُم للإيمَانِ، ثم اخْتَص مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ أَحَب، فَتَفَضلَ عَلَيْهِم ، فَعَلمَهُم الِْكتَابَ وَالْحِكْمة وَفَقههُم فيِ الديِن، وَعَلمَهُم التأْوِيَل وَفَضلَهُم عَلى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وذَلِكَ فِي كُل زَمَانٍ وَأَوَانٍ، رَفَعَهُم بِالِعلْمِ وَزَينَهُم بِالْحِلْمِ، بِهِمْ يُعْرَفُ الْحَلاَلًُ مِنَ الحرامِ، وَالْحَق مِنَ البَاطِلِ، والضار مِنَ النافِعِ، وَالحَسَنَ مِنَ الَقبِيحِ.
فضلهم عظيم، وخطرهم جزيل، ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العباد، وأعلى درجة من الزهاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون ، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج.
الطاعَةُ لَهُم مِنْ جَمِيع الخَلْقِ وَاجِبَة، وَالَمعْصِية لَهُم مُحَرمة، مَن أطاعَهُم رَشَدَ، وَمَنْ عصَاهَم عَنَدَ، مَا وَرَدَ عَلى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرٍِ اشْتَبَه عَلَيْه، حَتى وَقَفَ فيِه فَبِقَوْلِ الَعُلَمَاء يَعْمَل، وَعَنْ رَأْيِهِم يَصْدُر، وَمَا وَرَدَ عَلَى أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ من حكم لا عِلْمَ لَهُمْ به فَبِقَولهم يَعْملوُن، وعَنْ رأيهم يَصْدُرون، وَمَا أَشْكَلَ عَلَى قُضَاة المسِلمين منْ حكْم، فِبقول العلماء يحكمونَ، وعَلَيْهِ يعولون، فَهُم سرَاجُ الِعَبِاد، وَمَنَارُ الِبلاَد، وَقِوَامُ الأمة، ويَنَابيِعُ الْحِكْمَة، هُم غَيْظُ الشْيطَانِ، بهم تَحْيَا قُلُوبُ أَهْلِ الحق، وَتَمُوتُ قُلُوبُ أهْلِ الزيْغِ، مَثَلُهُم فِي الَأرْض كمَثَلِ النجُومِ فِي السمِاء، يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر واَلبحر، إذَا انْطَمَسَتِ النجُوم تَحَيرُوا، وَإِذَا أَسْفَرْ عَنْهَا الظلَامُ أَبْصَرُوا. اهـ [أخلاق العلماء ص/9-10]
[ الفائدة الثانية ]
ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّ النَّفْسَ إِذَا رَكِبَتْ مَا تَهْوَى مِمَّا قَدْ نُهِيَتْ عَنْهُ , فَإِنَّهَا سَتَلُومُ صَاحِبَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ , تَقُولُ: لِمَ فَعَلْتَ؟ لِمَ قَصَّرْتَ؟ لِمَ بَلَّغْتَنِي مَا أُحِبُّ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ عَطَبِي؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 1] الآية فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَذَرًا مِنْ عَدُوٍّ يُرِيدُ قَتْلَهُ، أَوْ أَخْذَ مَالِهِ، أَوِ انْتِهَاكَ عِرْضِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ أَلْزَمْتَنِي هَذَا الْحَذَرَ مِنَ النَّفْسِ حَتَّى جَعَلْتَهُ أَشَدَّ حَالًا مِنْ عَدُوٍّ وَقَدْ تَبَيَّنْتُ عَدَاوَتَهُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ عَدُوَّكَ الَّذِي يُرِيدُ قَتْلَكَ، أَوْ أَخْذَ مَالِكَ، أَوِ انْتِهَاكَ عِرْضِكَ، إِنْ ظَفِرَ مِنْكَ بِمَا يُؤَمَّلُهُ مِنْكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُكَفِّرُ عَنْكَ بِهِ السَّيِّئَاتِ، وَيَرْفَعُ لَكَ بِهِ الدَّرَجَاتِ، وَلَيْسَ النَّفْسُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ إِنْ ظَفَرَتْ مِنْكَ بِمَا تَهْوَى مِمَّا قَدْ نُهِيَتْ عَنْهُ، كَانَ فِيهِ هَلَكَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَالْفَضِيحَةُ مَعَ شِدَّةِ الْعُقُوبَةِ , وَسُوءُ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْآخِرَةِ.اهـ [أدب النفوس 1/250]
تعليق