بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى(7/414): وأما ما ذكره من أن الإسلام ينقص كما ينقص الإيمان فهذا أيضا حق كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة؛ فإن من نقص من الصلاة والزكاة أو الصوم أو الحج شيئا فقد نقص من إسلامه بحسب ذلك. ومن قال: إن الإسلام هو الكلمة فقط وأراد بذلك أنه لا يزيد ولا ينقص فقوله خطأ. ورد الذين جعلوا الإسلام والإيمان سواء إنما يتوجه إلى هؤلاء؛ فإن قولهم في الإسلام يشبه قول المرجئة في الإيمان. ولهذا صار الناس في الإيمان والإسلام على - ثلاثة أقوال -:
- فالمرجئة يقولون: الإسلام أفضل؛ فإنه يدخل فيه الإيمان.
- وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام سواء وهم المعتزلة والخوارج وطائفة من أهل الحديث والسنة وحكاه محمد بن نصر عن جمهورهم وليس كذلك.
- والقول الثالث أن الإيمان أكمل وأفضل وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة في غير موضع وهو المأثور عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ثم هؤلاء منهم من يقول: الإسلام مجرد القول والأعمال ليست من الإسلام. والصحيح أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها.
حكم الاستثناء فيه:
وأحمد إنما منع الاستثناء فيه على قول الزهري: هو الكلمة. هكذا نقل الأثرم والميموني وغيرهما عنه. وأما على جوابه الآخر الذي لم يختر فيه قول من قال: الإسلام الكلمة فيستثنى في الإسلام كما يستثنى في الإيمان فإن الإنسان لا يجزم بأنه قد فعل كل ما أمر به من الإسلام. وإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» و «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلى خَمْسٍ»فجزمه بأنه فعل الخمس بلا نقص كما أمر كجزمه بإيمانه. فقد قال تعالى: (ادخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَة) أي الإسلام كافة أي في جميع شرائع الإسلام.
وتعليل أحمد وغيره من السلف ما ذكروه في اسم الإيمان يجيء في اسم الإسلام
- فإذا أريد بالإسلام الكلمة فلا استثناء فيه كما نص عليه أحمد وغيره.
- وإذا أريد به من فعل الواجبات الظاهرة كلها فالاستثناء فيه كالاستثناء في الإيمان.
ولما كان كل من أتى بالشهادتين صار مسلما متميزا عن اليهود والنصارى تجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين كان هذا مما يجزم به بلا استثناء فيه فلهذا قال الزهري: الإسلام الكلمة. وعلى ذلك وافقه أحمد وغيره وحين وافقه لم يرد أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدها فإن الزهري أجل من أن يخفى عليه ذلك؛ ولهذا أحمد لم يجب بهذا في جوابه الثاني خوفا من أن يظن أن الإسلام ليس هو إلا الكلمة؛ ولهذا لما قال الأثرم لأحمد: فإذا قال: أنا مسلم فلا يستثني؟ قال نعم: لا يستثني إذا قال: أنا مسلم. فقلت له أقول: هذا مسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» وأنا أعلم أنه لا يسلم الناس منه فذكر حديث معمر عن الزهري قال: فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل. فبين أحمد أن الإسلام إذا كان هو الكلمة فلا استثناء فيها فحيث كان هو المفهوم من لفظ الإسلام فلا استثناء فيه ولو أريد بالإيمان هذا كما يراد ذلك في مثل قوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ) فإنما أريد من أظهر الإسلام فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة.