المملكة العربية السعودية – الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة – كلية الدعوة – قسم العقيدة
الكتاب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية
المؤلف: الدكتور أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أشرف بن قيصر السلفي الأفغاني (المتوفى: 1420هـ)
مؤسس الجامعة الاثرية ببشاور
الناشر: دار الصميعي (أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من الجامعة الإسلامية) نالت مرتبة الشرف الاولى ، و كانت لجنة المناقشة من فضيلة الشيخ د.صالح بن عبد الله العبود مشرفا ، و فضيلة الشيخ د. علي الحذيفي إمام الحرمين مناقشا ، و د.غالب العواجي مناقشا .
قد قام الباحث بتصحيح جميع الأخطاء التي لوحظت عليه
الطبعة: الأولى - 1416 هـ - 1996 م
عدد الأجزاء: 3 في ترقيم مسلسل واحد
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الشاملة
استدلال القبورية بقصة هاجر رضي الله عنها.
والقصة: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما ترك ابنه إسماعيل صلى الله عليه وسلم، وزوجه هاجر رضي الله عنها بوادي مكة قبل أن يبني فيها الكعبة، وقبل ظهور ماء زمزم، ولم يكن بمكة يومئذ أحد ولا ماء، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه
ماء، فجعلت أم إسماعيل ترضع ابنها وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش إسماعيل عليه السلام، وجعل يتمرغ من شدة العطش، فوجدت هاجر الصفا أقرب جبل إليها، فقامت عليها لترى أحداً، فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا ثم أتت المروة، فقامت عليها فلم تر أحداً، فعلت ذلك سبعاً، ( «فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً..؛ فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء ... ؛ فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله» ... ) الحديث.
وفي لفظ: ( ... «فإذا هي بصوت فقالت: أغث إن كان عندك خير. فإذا جبريل» ... ) الحديث.
قلت:
هذه القصة أقوى الأدلة على الإطلاق للقبورية فيما أعلم، فإن فيها تنصيصاً على الاستغاثة بالغائب عن البصر * وعلى طلب الغوث والمدد من
الغائب عن النظر *.
ولا أعلم للقبورية دليلاً يكون في القوة والتنصيص مثل هذه القصة، ثم يزيد هذا الدليل قوة على قوة أن البخاري رحمه الله رواه في صحيحه.
ولذا قال ابن جرجيس هاشاً باشاً في صدد استدلاله بهذه القصة، على جواز الاستغاثة بالأموات * وطلب الغوث والمدد منهم عند الكربات *:
(فلو كان طلب الغوث من غير الله شركاً لما جاز لها استعماله، ولما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ولما نقله الصحابة من بعده، [ولما] ذكره المحدثون، [و] لا سيما البخاري الذي أجمعت الأمة على أن ما بعد كتاب الله أصح من كتابه.
فإن هذا الغائب الذي طلبت منه الغوث - وإن كان في الحقيقة هو ملك - لكن في حال غيبته محتمل أن يكون شيطاناً، ومحتمل أن يكون جنياً، ومحتمل أن يكون ملكاً، ومحتمل أن يكون إنساناً.
والمانعون لا يجوزون الاستغاثة بالغائب مطلقاً، لا بنبي مرسل، ولا ملك مقرب، كالميت، كما صرحوا به في مواضع، فلو يعلم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك محذوراً - لوجب التنبيه عليه، خصوصاً إذا كان شركاً أكبر مخرجاً من الملة) .
قلت:
هذا هو كان تقرير القبورية للاستدلال بهذه القصة على جواز
الاستغاثة بالأموات، ولكن سرعان ما ينتبه من دقق النظر في هذه القصة إلى أن القبورية في استدلالهم بهذه القصة على جواز الاستغاثة بالأموات عند الكربات * لمن أعظم أصحاب التمويهات والتلبيسات * كما سيظهر الآن الجواب * الذي يقطع دابر أهل الارتياب *:
الجواب:
أن هذه القصة لا صلة لها بالاستغاثة بالغائب الذي لا يقدر ولا ينفع * أو الميت الذي لا يعلم ولا يرى ولا يسمع *
كما لا علاقة لها بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله.
بل تدل على جواز الطلب من الحي الحاضر فيما يقدر عليه، فإن هاجر قد سمعت جبريل الحي الحاضر، فطلبت منه ما كان يقدر عليه وإن لم تكن تراه، ومن ظن غير ذلك فقد افترى على أمنا هاجر، وتقول على أهل بيت النبوة * وبهت أهل الصفوة والفتوة *.
وأتى بتمويه وتحريف * وجاء بتلبيس وتخريف *.
قال العلامتان: نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وابن أخيه شكري الآلوسي (1342هـ) ، واللفظ للأول:
(إن كلامنا فيمن يستغاث به عند إلمام ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، أو لسؤال ما لا يعطيه ويمنعه إلا الله سبحانه.
وأما فيما عدا ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس،
واستغاثة بعضهم ببعض - فهذا شيء لا نمنعه ولا ننكره.
كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] [بل] نعد منعه جنوناً، كما نعد إباحة ما لا يقدر عليه إلا الله شركاً وضلالاً) .
قلت:
هذا جواب عام عن هذه القصة وعن كل ما استدل به القبورية من هذا القبيل.
وأما الجواب الخاص عن هذه القصة - فهو ما يلي:
قال العلامة شكري الآلوسي مبيناً مخازي ابن جرجيس في التشبث بهذه القصة:
والجواب عن سخافة هذا العراقي أن يقال:
(إن هذه القصة من أقوى الدلائل على أن سيدنا إبراهيم وآل بيته صلى الله تعالى عليه وعليهم أجمعين - قد بلغوا من الوثوق بالله والالتجاء إليه - ما لا يمكن بيانه، ولا يسعنا شرحه........
وقد ترك ولده الذي هو من أعز الناس عليه، مع أمه، في أرض قفراء غبراء، لا ماء فيها ولا مرعى، ولا أنيس ولا جليس، مع شيء نزر من التمر
والماء، ثم انصرف إلى أهله بالشام، ثقة بأن الله تعالى سيخلفه على أهله، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.....
وانظر إلى حسن ظن أهل بيته بالله تعالى؛ فإن هاجر لما رأت منه العزيمة على السفر إلى دياره - قالت له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، حتى قال لها: إن ذلك بأمر الله، فقالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت؛ علماً منها أنه سبحانه خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وبقيت صابرة على ما تكابده من قضاء الله وقدره، على ما تراه من حال ولدها، وشدة ما يقاسيه من الجوع والعطش، وهو يومئذ ابن سنتين، حتى أشرف على الهلاك، وجعل يشهق ويعلو صوته وينخفض، كالذي ينازع الموت، فقامت تسعى سعي الإنسان الجهود، وتنتظر فرج الله، فسعت سبع مرات، وهي تتشوف بريد الفرج.
وكانت كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها، فتشاهده في حال الموت....
فلما أشرفت على المروة في المرة الأخيرة - سمعت صوتاً وأيقنت بحصول ما كانت ترجوه من الله تعالى، وتيقنت أنه من رسل رب الأرض والسماء، قالت: قد أسمعت * وتحققت الذي قد أزمعت * وعرفت أنك حاضر * وإن لم ترمقك النواضر *.
فأغثني إن كان عندك خير * فقد لحقنا الجوع والعطش، والضر
والضير *.
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحثه بعقبه حتى ظهر الماء بإذن الحكيم الأحكم.... فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن هنا بيتاً لله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله....
وفي حديث علي عند الطبراني بإسناد حسن:
((فناداها جبريل فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كاف)) .
فقد تبين أن هاجر لم تطلب إلا ممن هو حاضر محسوس، ليس ما طلبته مما اختص طلبه بالله سبحانه، فإنها طلبت من صاحب الصوت ما يسد جوعتها، ويروي غلتها، كما يقول المنقطع في الطريق العادم الزاد والماء - إذا مر عليه أحد أو أحس به:
أغثني بما عندك من ماء وطعام * وأعطني مما تفضل الله به عليك من الإنعام *.
أفيقال لهذا: إنه طلب ما لا يقوم عليه إلا الله * والتجأ في شدته إلى من سواه *؟ .
وفي زعم هذا العراقي: أن هاجر رضي الله عنها طلبت من غائب
مخلوق شيئاً منع المانعون طلبه من غيره سبحانه، حتى احتمل عنده أن يكون المستغاث به المطلوب منه شيطاناً، والعياذ بالله تعالى.
فانظر إلى هذا الجهل الوخيم * والتجاسر العظيم * حتى نسب ما نسب إلى بيت النبوة * وأهل الصفوة والفتوة * فقاتل الله أهل الكفر والضلال * كيف لعب الشيطان بعقولهم حتى أوردهم المهالك والأهوال *؟ .
ولا بدع من هذا العراقي أن يصدر منه ما صدر * فقد بلغ به الكفر والجهل والوقاحة إلى حد لا يمكن أن يذكر *.
نسأل الله تعالى العفو والعافية * وقلوباً عن أكدار الجهل صافية *) .
الكتاب مصورهنا
------------
تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري ، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ، دار النشر : مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة - 1417 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : أبو عبدالرحمن محمد بن علي عجالوقول هاجر أغث إن كان عندك خير أو غواث إن جعل قولها حجة في الشرع فإنما يدل على الجواز وإن لم يجعل حجة في الشرع وهو الصواب فإنها ليست نبية فلا يدل على جوازهتلخيص كتاب الاستغاثة جزء 1 صفحة 283
الكتاب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية
المؤلف: الدكتور أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أشرف بن قيصر السلفي الأفغاني (المتوفى: 1420هـ)
مؤسس الجامعة الاثرية ببشاور
الناشر: دار الصميعي (أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من الجامعة الإسلامية) نالت مرتبة الشرف الاولى ، و كانت لجنة المناقشة من فضيلة الشيخ د.صالح بن عبد الله العبود مشرفا ، و فضيلة الشيخ د. علي الحذيفي إمام الحرمين مناقشا ، و د.غالب العواجي مناقشا .
قد قام الباحث بتصحيح جميع الأخطاء التي لوحظت عليه
الطبعة: الأولى - 1416 هـ - 1996 م
عدد الأجزاء: 3 في ترقيم مسلسل واحد
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الشاملة
استدلال القبورية بقصة هاجر رضي الله عنها.
والقصة: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما ترك ابنه إسماعيل صلى الله عليه وسلم، وزوجه هاجر رضي الله عنها بوادي مكة قبل أن يبني فيها الكعبة، وقبل ظهور ماء زمزم، ولم يكن بمكة يومئذ أحد ولا ماء، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه
ماء، فجعلت أم إسماعيل ترضع ابنها وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش إسماعيل عليه السلام، وجعل يتمرغ من شدة العطش، فوجدت هاجر الصفا أقرب جبل إليها، فقامت عليها لترى أحداً، فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا ثم أتت المروة، فقامت عليها فلم تر أحداً، فعلت ذلك سبعاً، ( «فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً..؛ فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء ... ؛ فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله» ... ) الحديث.
وفي لفظ: ( ... «فإذا هي بصوت فقالت: أغث إن كان عندك خير. فإذا جبريل» ... ) الحديث.
قلت:
هذه القصة أقوى الأدلة على الإطلاق للقبورية فيما أعلم، فإن فيها تنصيصاً على الاستغاثة بالغائب عن البصر * وعلى طلب الغوث والمدد من
الغائب عن النظر *.
ولا أعلم للقبورية دليلاً يكون في القوة والتنصيص مثل هذه القصة، ثم يزيد هذا الدليل قوة على قوة أن البخاري رحمه الله رواه في صحيحه.
ولذا قال ابن جرجيس هاشاً باشاً في صدد استدلاله بهذه القصة، على جواز الاستغاثة بالأموات * وطلب الغوث والمدد منهم عند الكربات *:
(فلو كان طلب الغوث من غير الله شركاً لما جاز لها استعماله، ولما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ولما نقله الصحابة من بعده، [ولما] ذكره المحدثون، [و] لا سيما البخاري الذي أجمعت الأمة على أن ما بعد كتاب الله أصح من كتابه.
فإن هذا الغائب الذي طلبت منه الغوث - وإن كان في الحقيقة هو ملك - لكن في حال غيبته محتمل أن يكون شيطاناً، ومحتمل أن يكون جنياً، ومحتمل أن يكون ملكاً، ومحتمل أن يكون إنساناً.
والمانعون لا يجوزون الاستغاثة بالغائب مطلقاً، لا بنبي مرسل، ولا ملك مقرب، كالميت، كما صرحوا به في مواضع، فلو يعلم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك محذوراً - لوجب التنبيه عليه، خصوصاً إذا كان شركاً أكبر مخرجاً من الملة) .
قلت:
هذا هو كان تقرير القبورية للاستدلال بهذه القصة على جواز
الاستغاثة بالأموات، ولكن سرعان ما ينتبه من دقق النظر في هذه القصة إلى أن القبورية في استدلالهم بهذه القصة على جواز الاستغاثة بالأموات عند الكربات * لمن أعظم أصحاب التمويهات والتلبيسات * كما سيظهر الآن الجواب * الذي يقطع دابر أهل الارتياب *:
الجواب:
أن هذه القصة لا صلة لها بالاستغاثة بالغائب الذي لا يقدر ولا ينفع * أو الميت الذي لا يعلم ولا يرى ولا يسمع *
كما لا علاقة لها بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله.
بل تدل على جواز الطلب من الحي الحاضر فيما يقدر عليه، فإن هاجر قد سمعت جبريل الحي الحاضر، فطلبت منه ما كان يقدر عليه وإن لم تكن تراه، ومن ظن غير ذلك فقد افترى على أمنا هاجر، وتقول على أهل بيت النبوة * وبهت أهل الصفوة والفتوة *.
وأتى بتمويه وتحريف * وجاء بتلبيس وتخريف *.
قال العلامتان: نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وابن أخيه شكري الآلوسي (1342هـ) ، واللفظ للأول:
(إن كلامنا فيمن يستغاث به عند إلمام ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، أو لسؤال ما لا يعطيه ويمنعه إلا الله سبحانه.
وأما فيما عدا ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس،
واستغاثة بعضهم ببعض - فهذا شيء لا نمنعه ولا ننكره.
كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] [بل] نعد منعه جنوناً، كما نعد إباحة ما لا يقدر عليه إلا الله شركاً وضلالاً) .
قلت:
هذا جواب عام عن هذه القصة وعن كل ما استدل به القبورية من هذا القبيل.
وأما الجواب الخاص عن هذه القصة - فهو ما يلي:
قال العلامة شكري الآلوسي مبيناً مخازي ابن جرجيس في التشبث بهذه القصة:
والجواب عن سخافة هذا العراقي أن يقال:
(إن هذه القصة من أقوى الدلائل على أن سيدنا إبراهيم وآل بيته صلى الله تعالى عليه وعليهم أجمعين - قد بلغوا من الوثوق بالله والالتجاء إليه - ما لا يمكن بيانه، ولا يسعنا شرحه........
وقد ترك ولده الذي هو من أعز الناس عليه، مع أمه، في أرض قفراء غبراء، لا ماء فيها ولا مرعى، ولا أنيس ولا جليس، مع شيء نزر من التمر
والماء، ثم انصرف إلى أهله بالشام، ثقة بأن الله تعالى سيخلفه على أهله، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.....
وانظر إلى حسن ظن أهل بيته بالله تعالى؛ فإن هاجر لما رأت منه العزيمة على السفر إلى دياره - قالت له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، حتى قال لها: إن ذلك بأمر الله، فقالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت؛ علماً منها أنه سبحانه خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وبقيت صابرة على ما تكابده من قضاء الله وقدره، على ما تراه من حال ولدها، وشدة ما يقاسيه من الجوع والعطش، وهو يومئذ ابن سنتين، حتى أشرف على الهلاك، وجعل يشهق ويعلو صوته وينخفض، كالذي ينازع الموت، فقامت تسعى سعي الإنسان الجهود، وتنتظر فرج الله، فسعت سبع مرات، وهي تتشوف بريد الفرج.
وكانت كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها، فتشاهده في حال الموت....
فلما أشرفت على المروة في المرة الأخيرة - سمعت صوتاً وأيقنت بحصول ما كانت ترجوه من الله تعالى، وتيقنت أنه من رسل رب الأرض والسماء، قالت: قد أسمعت * وتحققت الذي قد أزمعت * وعرفت أنك حاضر * وإن لم ترمقك النواضر *.
فأغثني إن كان عندك خير * فقد لحقنا الجوع والعطش، والضر
والضير *.
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحثه بعقبه حتى ظهر الماء بإذن الحكيم الأحكم.... فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن هنا بيتاً لله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله....
وفي حديث علي عند الطبراني بإسناد حسن:
((فناداها جبريل فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كاف)) .
فقد تبين أن هاجر لم تطلب إلا ممن هو حاضر محسوس، ليس ما طلبته مما اختص طلبه بالله سبحانه، فإنها طلبت من صاحب الصوت ما يسد جوعتها، ويروي غلتها، كما يقول المنقطع في الطريق العادم الزاد والماء - إذا مر عليه أحد أو أحس به:
أغثني بما عندك من ماء وطعام * وأعطني مما تفضل الله به عليك من الإنعام *.
أفيقال لهذا: إنه طلب ما لا يقوم عليه إلا الله * والتجأ في شدته إلى من سواه *؟ .
وفي زعم هذا العراقي: أن هاجر رضي الله عنها طلبت من غائب
مخلوق شيئاً منع المانعون طلبه من غيره سبحانه، حتى احتمل عنده أن يكون المستغاث به المطلوب منه شيطاناً، والعياذ بالله تعالى.
فانظر إلى هذا الجهل الوخيم * والتجاسر العظيم * حتى نسب ما نسب إلى بيت النبوة * وأهل الصفوة والفتوة * فقاتل الله أهل الكفر والضلال * كيف لعب الشيطان بعقولهم حتى أوردهم المهالك والأهوال *؟ .
ولا بدع من هذا العراقي أن يصدر منه ما صدر * فقد بلغ به الكفر والجهل والوقاحة إلى حد لا يمكن أن يذكر *.
نسأل الله تعالى العفو والعافية * وقلوباً عن أكدار الجهل صافية *) .
الكتاب مصورهنا
------------
تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري ، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ، دار النشر : مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة - 1417 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : أبو عبدالرحمن محمد بن علي عجالوقول هاجر أغث إن كان عندك خير أو غواث إن جعل قولها حجة في الشرع فإنما يدل على الجواز وإن لم يجعل حجة في الشرع وهو الصواب فإنها ليست نبية فلا يدل على جوازهتلخيص كتاب الاستغاثة جزء 1 صفحة 283