حكم الإنكار العلني على ولاة الأمر ردًّا على «ناصر العمر»
السؤال:
يقول السّائل: ظهر بعضُ دُعاة الفتنة وتكلّم في إحدى تغريداتِهِ أنّ الإنكار العلني على وُلاة الأمر من منهج السّلف الصّالح، فما رأيكم بهذه المقولة؟
الجواب:
الحمدُ للهِ؛ والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فهذا كَذِبٌ على السّلف الصّالح –رضي الله عنهُم وأرضاهم-، بلِ السّلف الصّالِح –رضي الله مُلتزِمُون بحديث النّبيّ –صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- وهُوَ قولُه:(من كانَت عندَهُ نصيحَة لذِي سُلطَان فلا يُبْدِهِ علانيةً ولكن لِيأخُذ بيده وَلْيُخلُ بهِ وَلْيُحدِّثهُ فيما بينَهُ وبينَهُ، فإن قَبِلَ فَذَاكَ وإلاّ كان قد أدَّى الذي عليهِ) هذا هُوَ نصُّ الحديث، انظروا إلى قول النّبيّ –صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-:(من كان عندَهُ نصيحَة لذِي سُلطَان...) إيش؟ (...فلا يُبْدِهِ علانيةً...) تعرفون حينئذ مصداق هذه المقالة من كذِبها، النّبيّ يقول –صلّى الله عليه وسلّم-:(...فلا يُبْدِهِ علانيةً...) وهذا يقول: الإنكار عليهم علانية من منهج السّلف!! معناه: أنّ السّلف الصّالح –رضي الله عنهُم- كانوا على خلاف قول النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-؛ وكفى بهذا شُنْعَةً وعيبًا وذمًّا للسّلف الصّالِح –حاشاهُم رضي الله عنهُمْ وأرضاهُم-.
وإنّما هذا دأبُ من لم يتأدَّب بالأحاديث النّبويّة ولا بمنهج السّلف الصّالح –رضي الله عنهم جميعًا-، بل هذا الحديث الذي سمعتُم قبل قليلٍ جاء في بعض ألفاظه:(فإن كان يسمَع منك) ما كُلّ أحد يقول: أنا أنصح السّلطان! ما كُلّ أحد يستمع إليه السّلطان! السّلطان يسمَع من العُلَماء ويسمَع من الوُزرَاء ويسمَع من الأُمرَاء ويسمَع من وُجهَاء النّاس الصّالحين ذوي الكَرَم والفضل والمروءة أصحاب الخبرة والتّجربة؛ ما هو كلّ واحد يقول: أنا أنصح للسُّلطان! إذا كان يقبَل منك فائتِهِ ولا تُبدِهِ علانيةً.
وهؤلاء قد يتمسّكونَ بأحاديث فيه الإنكار العلني على الأُمرَاء مثل ما جرى من أبي سعيد مع مروان؛ –رضي الله تعالى عنه- أبو سعيد الخُدريّ حينما قدّم الخُطبَة على الصّلاة في العيد فجبذه قال: لا؛ الصّلاة ثُمّ الخطبة؛ قال: قد ذهب ما هُنالِك؛ فقال: أمّا هذا فقد أدّى الذي عليهِ؛ هذا واحد.
النّصّ الثّاني:(أفضَلُ الجهاد كلمةُ حقٍّ عند سُلطانٍ جائرٍ) ونحنُ نقول بالحديث هذا ونقول بالحديث هذا؛ قُول: تفضّل الله يعينك تعال عندَ السّلطان إذا طلع على المنبر وجُرّه بثوبه ولاّ ببشته جُرّه! وقُل لهُ: هاه؛ كذَا! روح عند السّلطان في محضره ومجلسه ومُره وانهَهُ، ما هُو أما النّاس أبعَد ما تكون عن السُّلطان!
هذا ينطبقُ عليه قول القائل:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ *** طلب الطّعن وحدهُ والنِّزالا
هاه؛ من ينزل؟! ما عندَهُ أحد! في الخلاَ الخالي! وإلاّ يكون في أقصى البلاد ويُلقي الكلمة ويخرج يتوارى من الشّجاعة! هذا ما هو صحيح.
وَلْيُعْلَم كما قال الإمام أحمَد –رحمهُ الله تعالى ورضيَ عنهُ- أنّ السّلاطين ليسُوا كغيرهِم؛ فالإنكار عليهم إنّما يكون على سبيل الوعظ والتّخويف؛ يُخوّفون بالله ويُلقى له الإنكار على سبيل الموعظة؛ قادمٌ بين يدي الله؛ ستلقَى الله جلّ وعلا، أيُّها السّلطان خاف الله في رعيَّتِك، الله سائلك عمّن استرعاك عليهم ونحو ذلك..
قال الإمام أحمد: (تدرُون لماذا؟) انظر العلّة؛ قال:(لأنّ السُّلطَان بيدِهِ السّيف والشّيطان ينزَغ) لو غزّه الشّيطان وقضى عليك بسببِ سوء خطابك، من الذي تسبَّب فيه؟! أنتَ؛ أنتَ أيُّها المُسيء في الخطاب!
فالسّلاطين لهُم حقوق، والنّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- يقول في الحديث الصّحيح:(السُّلطَان ظلُّ الله في الأرض، من أكرمه أكرمهُ الله، ومن أهانَهُ أهانَهُ الله) وهذا حديث صحيح.
هَيْبَةُ السّلاطين يا إخوتي وأبنائي وأحبَّتِي وبناتِي كذلك المُستمعات هيبةُ السّلاطين إذا ذَهَبَت من القلوب اختلّ الأمن؛ كُلّ واحد يفعَل ما يشاء! فيضطرب الأمن وتعيش البلاد فوضى؛ ولا أحتاج إلى كثير من الكلام في هذه النّقطة نحنُ نرى ونُشاهِد ما حلّ ببعض بُلْدَان المُسلِمين ممّن جاورنا.
أسألُ اللهَ جلّ وعلا أن يَصْرِفَ عن بلدنا هذه كُلّ سُوءٍ وبلاء، وأن يرفَع البلاء والسُّوء الذي نَزَل بِبُلْدَان إخواننا المُسلِمين، وأن يُؤمِّننا في أوطانِنا، وأن يُصلِح أحوالنا وأحوال أُمرائنا ووُلاة أمرنا، إنّه جوادٌ كريمٌ.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبدِهِ ورسولهِ نبيِّنا مُحمّد وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ بإحسَان.اهـ
(للتحميل)
وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
18 / جمادى الأولى / 1434هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
تعليق