الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين
أما بعد
والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين
أما بعد
فقد سألت الشيخ الفاضل أسامة بن عطايا العتيبي السؤال التالي :
الشيخ أسامة : أي نعم .
المتصل : السلام عليكم
الشيخ أسامة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل : كيف حالك شيخ
الشيخ أسامة : الحمد لله حياكم الله
المتصل : في سؤال للشيخ أسامة
الشيخ أسامة : تفضل
المتصل : طبعاً إني أسجل الآن
الشيخ أسامة : نعم
المتصل : ما صحة الأثر الذي أخرجه الامام عبدالله بن الامام أحمد في السنة عن عبدالله بن عمرو –رضي الله عنهما- أنه قال : [ خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ] ؟
وهل يلزم من إثبات هذا الأثر القول بالحلول والوحدة عياذاً بالله ؟
الشيخ أسامة : انتهى السؤال
المتصل : نعم
فقال الشيخ أسامة العتيبي حفظه الله ورعاه :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فسؤالك هو عن أثر عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال :
[ خلقت الملائكة من نور الذراعين والصدر ]
وهل يلزم من هذا الأثر الحلول ؟
فالجواب عن هذا السؤال من ناحيتين :
الناحية الأولى الناحية الإسنادية .
والناحية الثانية الناحية المتنية .
أما من الناحية الإسنادية فهذا الحديث قد رواه هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ...
وقد رواه عن هشام أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي (1)
وأبوخالد الأحمر (2)
وكذلك رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير (3)
وذكر أيضاً البيهقي أنه قد بلغه أن ابن عيينة قد رواه عن هشام (4)
فهذا الإسناد ظاهر الصحة وواضح في ذلك .
وقد أعله بعضهم من أنه قد يكون من رواية هشام في العراق حيث إنه وقعت منه أخطاء ولكن يرد ذلك أنه قد رواه أيضاً عنه محمد بن اسحاق وهو مدني ليس عراقياً وكذلك إن صحت الطريق إلى سفيان بن عيينة المكي
فعلى كل لا مغمز في اسناد هذا الأثر عند العلماء لذلك ما ضعفه فيما أعلم ولا تكلم فيه في هذا الإسناد أحد من العلماء المتقدمين وإنما ذكره البيهقي بسنده عن ابن جريج عن رجل عن عروة :..
فأعله بالجهالة لهذا الرجل وهذا كلامه بناءًا على ما وصل إليه من إسناد
ولكن ذاك الاسناد صحيح ، وهذا يدل على أن له أصل أي : من رواية ابن جريج عن رجل ، قد يكون هو هشام بن عروة فيكون هذا أيضاً تأكيد لصحة الأثر ولا يطعن فيه فالأثر من حيث الإسناد صحيح
أما من ناحية المتن فهو قول صحابي رضي الله عنه ومما لا يقال من ناحية الاجتهاد وإنما يقال بتوقيف .
وقد ذُكر أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان عنده من كتب أهل الكتاب وكان يحدث منها
وهذا ثبت أنه كان يحدث عن أهل الكتاب وليس خاصاً بـعبدالله بن عمرو بن العاص بل هذا جاء فيه الإذن من الرسول عليه الصلاة والسلام [ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ] (5)
فعبدالله بن عمرو بن العاص نعم قد روى عن أهل الكتاب ولكنه يسند عادةً إذا روى عن أهل الكتاب ثم إذا كان هذا الكلام مخالفاً للكتاب والسنة أو مخالفاً للعقيدة فما كان لأحد من السلف أن يروي للناس شيئاً مخالفاً للعقيدة فهم أجل وأعلى من أن ينشروا بين الناس عقيدةً غير صحيحة .
فلذلك هذا الأثر له حكم الرفع على الصحيح وأقل ما يقال أن هذا مما لا ينكره السلف لأن عبدالله بن عمرو قد رواه ورواه أهل السنة مثل عبدالله بن الامام أحمد بل أبوه قبل ذلك قد رواه ورواه العلماء وحدثوا به في كتبهم ومصنفاتهم مثل ابن منده في الرد على الجهمية وغيرهما وتلقوه بالقبول ولم ينكروه ولا نعلم أحداً من السلف أنكره
بل لما حدث به سريج بن يونس عن أبي خالد الأحمر وذكره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن عمرو [ خلقت الملائكة من نور ] ثم ضرب سريج على صدره . وقال : ضرب أبوخالد على صدره .
كما أنهم استفادوا مثل هذا الفعل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله لما قال : [ إن الله كان سميعاً بصيراً ورفع أصبعيه على عينه وعلى الأذن ] (6) يعني : تحقيقاً للصفة لا التشبيه
كما قال صلى الله عليه وسلم : [ إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ] (7) فشبه الرؤية بالرؤية وليس المرئي كالمرئي وكذلك هنا حقق الصفة بمعناها اللغوي بالمعنى المفهوم
ولكن الكيفية لا يعلمها الا الله ولذلك هذا الأثر وجدنا أن أهل السنة قد تلقوه بالقبول وما علم عن أحد من السلف إنكار هذا الكلام أو هذا الأثر
بل إن الإمام ابن قتيبة -رحمه الله- ذكر هذا من اعتراضات الجهمية وأهل الكلام أنهم يذكرون هذا الأثر عن عبدالله بن عمرو بن العاص وينكرونه على أهل السنة ( وكذلك فعل البيهقي لأنه كان متأثراً بالأشاعرة
فكان يورد مثل هذه الإيرادات ومثل هذه الإشكالات أما السلفيون فما كانوا ينكرون هذا الأثر .
الأمر الثاني .. طبعاً الأمر الأول : الإسناد
الأمر الثاني : عن رواية عبدالله بن عمرو بن العاص ومن ناحية أنه لا يُخالف العقل ولا الشرع قبل ذلك وليس فيه أي نكارة
الأمر الثالث : الكلام على ما تضمنه هذا الأثر :
فهذا الأثر يتضمن مسألتين :
المسألة الأولى وهي إثبات صفة الذراعين لله وإثبات صفة الصدر وليس في الكتاب والسنة ما يمنع ذلك أو يحرمه
فليس في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفي هاتين الصفتين وكذلك لم يرد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في إثبات صفة الصدر أما الذراع فقد تكلم السلف في هذه المسألة وفي [ ذراع الجبار ] (9) وكذا .. هذا كلام معروف عن السلف وهذه مسألة معروفة صفة الذراع .
أما الكلام على صفة الصدر فهي التي لم أقف على شيء غير هذا الأثر عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
فهذا الأثر من ناحية المتن من حسن ظنه بالصحابي وأنه لا يتكلم بالباطل وغلب على ظنه أن هذا الأثر له حكم الرفع فإنه لا حرج عليه أن يثبت لله عزوجل صفة الذراعين وصفة الصدر لهذا الأثر ولا يجوز أن ينكر عليه لأنه استند إلى الأثر فلا ينكر هذا الا من تأثر بالجهمية واستعظم أن يوصف الله سبحانه تعالى بوصف ثبوتي مما يظن أن فيه تشبيه لمجرد الاشتراك في الاطلاق هذه المسألة الأولى في المتن وهي إثبات صفتي الذراعين و الصدر
المسألة الثانية وهي قوله [ من نور الذراعين والصدر ] فما يفهمه بعض الجهال الذين هم أشبه بالروافض المشبهة القدماء من أن الملائكة خلقت من صفة الله يعني : أنها حالة في صفات الله أو صفة الله حالة فيها !!
فهذا لا يفهمه أحد من أهل السنة وما يفهمه الا الحلولية من الغلاة الذين لا يفهمون الكتاب ولا السنة فما معنى هذا الكلام إذاً :
إذاً لا يفهم أحد أن الملائكة خلقت من صفة الله أو من الله فليس شيء من خلق الله حال فيه شيء من صفات الله عزوجل بل الله جل وعلا يقول لهذه المخلوقات كن فيكون الا أشياء محدودة ورد فيها الحديث أن الله خلقها بيده مثل آدم وغرس جنة عدن بيده وكذلك كتب التوراة بيده (10)
فهذا الحديث أو هذا الأثر .. إذاً ماذا يفهم منه [ خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ] ما هو هذا النور هل هذا النور مخلوق ؟
أم هذا النور غير مخلوق ؟
فإن قيل أن المراد بهذا النور صفة الله يعني : من نور الذراعين والصدر
فتكون هنا "من" بمعنى : الباء أي : بنور الذراعين والصدر
كما أن الله تبارك وتعالى خلق آدم بيده كذلك لا مانع أن يخلق بنوره هذه الملائكة أو هذه المخلوقات
فيكون رب العزة والجلال بصفته خلق مخلوقاً بصفته كما خلق آدم بيده فلا يلزم منه أن آدم فيه شيء من يد الله أو الملائكة فيها شيء من نور الله الذاتي هذا إذا أخذ بالأثر على ظاهره
أنه من نور الذراعين والصدر : أي أنه خلق بـ نور الذراعين والصدر
وقد جاء في لغة العرب أن "من" تأتي بمعنى الباء كقول القائل : أخذته من يده يعني : أخذته بيده يعني : أخذت بيده ، فهنا تأتي من بمعنى الباء (11) .
أو يقال من نور الذراعين والصدر : أي من نور الحجاب الذي هو بين الله وبين خلقه ولكن هذا النور الذي هو نور الحجاب الذي يكون أمام صدر الله عزوجل وأمام ذراعيه فيكون خلق الملائكة من هذا النور المخلوق
وقد ورد حديث عن أنس رضي الله عنه أن [ الملائكة خلقت من نور الحجاب ] لكن هذا فيه أبان بن أبي عياش وهو متروك ، فما يحتج بهذا الحديث الوراد عن أنس رضي الله عنه من طريق أبان بن أبي عياش
لكن يحمل هذا الحديث إذا فسر من : أنه يعني للتبعيض ، أو أن الملائكة خلقت من هذا النور فهي بعضه أن المراد بهذا النور هو نور مخلوق وهو نور الحجاب أو أي نور من الأنورار التي خلقها الله عزوجل مقابل أو أمام صدر الله سبحانه وتعالى أو ذراعيه
هذا هو خلاصة ما يتعلق بأثر عبدالله بن عمرو بن العاص وعلى كل من لم يصح عنده الأثر فلا ينبغي له أن ينكر على من صح عنده الأثر أو يتهمه بشيء لأن هذا موجود في كتب السلف وهذا فيه اتهام لأهل السنة أنهم يروون أحاديث التشبيه و حاشاهم من ذلك مثل إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وأئمة السنة الذين رووا هذا الأثر وبهذا القدر أكتفي والله تعالى أعلم .
المتصل : جزاك الله خيراً وبارك الله فيك .
الشيخ أسامة : وجزاكم وبارك فيكم وحياكم الله .
_______________________
(1) أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في السنة (987) وابن منده في الرد على الجهمية (7
(2) أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في السنة (1085)
(3) أخرجه ابن منده في الرد على الجهمية (77)
(4) ذكره البيهقي في الأسماء والصفات تحت حديث (744)
(5) أخرجه البخاري في صحيحه (3274) والترمذي في جامعه (2669) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما
(6) أخرجه الدارمي في النقض وأبوداود في سننه (4730) وابن خزيمة في التوحيد (49) وابن بطة في الإبانة الكبرى (87) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (529) من حديث أبي هريرة وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم يلزمه إخراجه .
(7) أخرجه البخاري في صحيحه (547) ومسلم في صحيحه (633) من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه .
( وقد ذكر الإمام الدارمي أيضاً إنكار الجهمية لهذا الأثر في النقض (2-647)
(9) أخرجه أحمد في المسند (8410) وابن حبان في صحيحه (7486) والحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وصححه الشيخ الألباني في ظلال الجنة وقد ورد موقوفاً عن ابن مسعود رضي الله عنه في السنة لعبدالله (1127)
(10) أخرج الدارمي في النقض بإسناده عن مُجَاهِدٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : "خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ:- الْعَرْشُ، وَالْقَلَمُ، وَعَدْنٌ، وَآدَمُ ثُمَّ قَالَ لِسَائِرِ الْخَلْقِ : كن فَكَانَ" وقال الذهبي : إسناده جيد . وقال الشيخ الألباني : سنده صحيح على شرط مسلم .
(11) وقيل منه قوله تعالى { يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ }
منقول للفائدة
تعليق