تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3<>
فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :
فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .
من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .
يقول الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله في رسالته - عوائق الطلب -(فـيا من آنس من نفسه علامة النبوغ والذكاء لا تبغ عن العلم بدلا ، ولا تشتغل بسواه أبدا ، فإن أبيت فأجبر الله عزاءك في نفسك،وأعظم أجر المسلمين فـيك،مــا أشد خسارتك،وأعظم مصيبتك)
رد: سلسلة معاملة السلف الصالح لأهل البدع [3 مطويات قيّمة جدّا]
منهج السلف الصالح في معاملة أهل البدعة والفرقـــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فإن الناظر إلى حال كثير ممن ينتسب إلى الدعوة والعلم الشرعي-في هذه الأزمنة- يلحظ جهل كثير منهم بمنهج السلف في معاملة أهل البدع، حتى أصبحنا نسمع من بعض أبناء هذه البلاد-بلاد التوحيد- من ينادي بمد الجسور مع أهل البدع؛ من صوفية وروافض وأشاعرة وخوارج وغيرهم، والتعاون معهم فأصبحنا نسمع من يقول: (نجتمع ونتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) ومن يقول:( وحدة الصف لا وحدة الرأي) ونسوا أو تناسوا أن الصف لا يتحد إلا بوحدة العقيدة ووحدة المنهج، وأصبحنا نسمع من يقول: الردود تقسي القلوب!! وهجر المبتدع لا يجوز أن يتعدى ثلاثة أيام!! وإذا ذكرت السيئات فلا تغفل عن الحسنات!!
ومن يقول عن كتب أهل البدع: خذ ما فيها من الخير ودع ما فيها من الشر!! إلى غير ذلك من الأقوال التي لم تعهد عن سلفنا الصالح ولا عن أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر.
ولذلك: أحببنا في هذه العجالة أن نورد شيئا من الأدلة من الكتاب والسنة والآثار عن سلف هذه الأمة التي تدلل على المنهج الحق في معاملة أهل الزيغ والبدع.
أولا: هجر السلف للمبتدعة والنهي عن مجالستهم :
وقـد بين الله عز وجل هذا الأصل العظيم في كتابه حيث قال: {وَإِذَا رَأيْتَ الذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرضْ عَنهمْ حَتى يُخُوضُواْ فِي حَديثٍ غَيرهِ وَإمّا يُنسينكَ الشيطَانُ فَلا تَقعدْ بَعدَ الذِّكرى مَعَ القَومِ الظالِمينَ}.
عن ابن عون قال: ( كان محمد بن سيرين يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء؛يرى أن هذه الآية أنزلت فيهم) (الإبانة لابن بطة(2/431))
وقال تعالى:{ وَقَدْ نزَّلَ عَلَيْكُم فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُستهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْره إِنَّكُمْ إِذاً مثلُهُم إنَّ الله جَامِعُ المنافِقِينَ وَالكَافِرِين فِي جَهَنَّمَ جَمِيعَا}.
قال الإمام محمد بن جرير الطبري-رحمه الله- في تفسيره:
( وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع؛ من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم ). (تفسير الطبري (4/32 ط. دار الكتب العلمية).
وقال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: ( فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية).
وقـد حذر رسول الله ﷺ من مجالستهم فقال:{ سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم }.( مقدمة صحيح مسلم، باب:4).
وعن عائشة ڤ قالت:( تلا رسول الله ﷺ هذه الآية:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٍ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْه ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولونَ آمَنا بهِ كُل من عِندِ رَبِّنا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُوا الألْبَاب} قالت: قال رسول الله ﷺ:{ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم } (رواه البخاري(4547) ومسلم(2665)
والسلف رحمهم الله كانوا ينهون عن مجالسة المبتدعة؛عملا بقوله تعالى:{ وَلا تَرْكَنُوا إِلى الذِينَ ظَلمٌوا فَتمسَّكمْ النَّارُ} ويعتبرون من يجالسهم منهم، ويلحقونه بهم.
فعن عائشة ڤ قالت: قال رسول الله ﷺ:{ الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف} (رواه البخاري(3336) ومسلم(263).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:{ الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل}( رواه الترمذي(237 وغيره، وحسنه الألباني).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:( إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه ومن هو مثله) ( الإبانة لابن بطة (2/476) ط.دار الراية).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:( من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومجلسه). ( الإبانة (2/464) ).
وقال الأوزاعي رحمه الله :( من ستر علينا بدعته لم تخف علينا ألفته). ( الإبانة (2/479) ).
وقال محمد بن عبيد الغلابي: ( يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة). (الإبانة (2/479) ).
وعن معاذ بن معاذ قال:( قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا في جليسه). ( الإبانة (2/479) ).
وقال ابن عون: ( من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع ). (الإبانة (2/473) ).
ولما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر في أمر الربيع بن صُبيح وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟ قالو: ما مذهبه إلا السنة! قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري. ( الإبانة (2/453) ).
ولما قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذكِر للإمام أحمد قال: ( انظروا على من نزل وإلى من يأوي) ( الإبانة (2/480) ).
وقال أبو داود: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجل من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أتركُ كلامه؟ قال: لا، أو تعلمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة،فإن ترك كلامـه وإلا: فألحقه به. قال ابن مسعود: المرء بخدنه (طبقات الحنابلة (1/160) ).
وقال مُفضَّل بن مهلهل:) لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بُدوِّ مجلسه، ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج من قلبك!!!) ( الإبانة (2/444) ).
ولما قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله { الرَّحْمنُ عَلى العَرشِ استَوى } كيف استوى؟! قال: (الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظـنك صاحب بدعـة) وأمَر بإخراجه. ( سير أعلام النبلاء (8/100) ط: مؤسسة الرسالة).
وقال أبو توبة: حدثنا أصحابنا أن ثوراً لقي الأوزاعي فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال:( يا ثور: لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنه الدين) ( سير أعلام النبلاء (6/344) ط: مؤسسة الرسالة)
وكان حماد بن سَلمة إذا جلس يقول:( من كان قدريا فليقم) (الآداب الشرعية.(1/250) ).
وقال الفضيل بن عياض:( من جلس مع صاحب بدعة فاحذروه ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب البدعة حصن من حديد) (الحلية (8/103) ).
وقال الإمام مالك:( لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم ولا يعاد مريضهم ولا تحدَّث عنهم الأحاديث). (كتاب: الجامع لابن أبي زيـد القيرواني، ص: 157 ط: دار الغرب الإسلامي)
وقال ابن عباس ﭭ:( لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب) ( الإبانة (2/43 ).
وقال مصعب ابن سعد رحمه الله:(لا تجالس مفتوناً، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتابعه، أو يؤذيك قبل أن تفارقه). ( الإبانة (2/45 ).
وقال أبي قلابة:( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين ) ( الشريعة للآجري،67 ط: مؤسسة الريان)
وكان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه، وقال لابنه:(أي بني: أدخل إصبعيك في أذنيك واشدُد، ولا تسمع من كلامه شيئا). ( الإبانة (2/446) ).
وقال رجل لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة، فولى أيوب، وجعل يشير بإصبعه:ولا نصف كلمة. ( الإبانة (2/472))
وقال أيوب:( لست برادٍِ عليهم بأشد من السكوت) ( الشريعة.ص:67)
وعـن أيوب قال: دخل رجل على ابن سيرين-من أكابر التابعين- فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله لا أزيد أن أقرأها ثم أخرج! فوضع إصبعيه في أذنيه ثم قال:( أعزم عليك إن كنت مسلماً إلا خرجت من بيتي) قال: فقال: يا أبا بكر لا أزيد على أن أقرأ آية ثم اخرج! فقام –ابن سيرين- لإزاره يشده وتهيأ للقيام، فأقبلنا على الرجل فقلنا: قد عزم عليك إلا خرجت، أفيحل لك أن تُخرج رجلا من بيته؟ قال: فخرج، فقلنا: يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية ثم خرج؟ قال:( إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ، ولكن خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد في إخراجه من قلبي فلا أستطيع) ( الاعتصام للشاطبي (2/182)).
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: جاء الحزامي إلى أبي وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خرج إليه ورآه أغلق الباب في وجهه ودخل. ( مناقب أحمد، لابن الجوزي ص.250 ط. دار هجر).
وقال عمرو بن قيس الملائي رحمه الله:( إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه) (الإبانة (1/205)).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه هجر كعب بن مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم حتى أمرهم بإعتزال أزواجهم بغير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء. وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عِسْل التميمي لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول،وتبين صدقه في التوبة فأمر المسلمين بمراجعته. فبهذا أو نحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مُسِراً لبدعة غير مكفرة فإن هذا لا يُهجر، وإنما يُهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً ) ( الفتاوى (24/174-175) ط. دار عالم الكتب).
رد: سلسلة معاملة السلف الصالح لأهل البدع [3 مطويات قيّمة جدّا]
ثانياً: التحذير من البدعة ومن أهلها والرد عليهم :
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في كل خطبة يحذر من البدع فيقول:{ أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة} ( رواه مسلم (867) ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة المتفق عليه: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وفي رواية: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}( خرجه البخاري(2697) ومسلم(171 ).
والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع لأمته التـحذير من أهل البدع بأعيانهم؛ فقد أشار صلى الله عليه وسلم على ذي الخويـصرة بقوله:{ إن من ضئضئي هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمِيَّة، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد}(رواه البخاري(3344) ومسلم(1064)) فحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه.
وعندما سأل النفر الثلاثة عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم تقالُّوها: فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {أنتم الذين قلتم كذا وكذا! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني} ( رواه البخاري (5063) ومسلم(1401) )
وهذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عندما أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقوم المتحلقين في المسجد وفي أيديهم حصاً يعدون به التكبير والتسبيح، قال له ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا ينقص من حسناتهم شيء! ثم مضى ابن مسعود حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصـاً نعد به التكـبير والتهليل والتسبيح! فقال: فعدوا سيئاتكم؛ فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلَكتكم؛ هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى مـلة هي أهدى من ملـة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير!!! قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. قال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنوننا يوم النَهروان مع الخوارج. (رواه الدارمي (210) )
وقال سفيان الثوري: ( البدعة أحب إلى إبليس من المعصية المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها) (شرح أصول السنة للألكائي (1/149) ).
وحدّث أبوإسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير قال: ( إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره)( الشريعة،70)
وقال الإمام أحمد:( لا غيبة لأصحاب البدع) ( طبقات الحنابلة (2/274) ) وعن إبراهيم قال:( ليس لصاحب بدعة غيبة)(الإبانة(2/449))
وعن الحسن قال:( ليس لصاحب بدعة غيبة، ولا لفاسق يعلن فسقه غيبة) (شرح أصول السنة للألكائي(1/15)
وقال إسماعيل بن عُلية في الجرح:( إن هذا أمانة ليس بغيبة) ( الكفاية للخطيب ص: 61).
وقال شُعبة: ( تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة) يعني:نذكر الجرح والتعديل.(الكفاية للخطيب البغدادي ص62)
وقال أبو إدريس الخولاني: (ألا إن أبا جميلة لا يؤمن بالقدر بالقدر فلا تجالسوه). ( الإبانة ( 2/449) ).
وقال إسماعيل ابن عُليَّة: قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكراً ذا كله: لا تجالسوا طلقاً؛ يعني لأنه مرجئ (الإبانة(2/450) )
وقال عاصم الأحول: جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه، فقلت: لا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض، فقال: يا أحول أوَلا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي أن يُذكر حتى يُحذر. (ميزان الإعتدال (5/330) ط. دار الكتب العلمية).
وعن عقبة بن علقمة قال: كنت عند أرطأة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة ويخالطهم فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، فقال أرطأة: هو منهم لا يلبس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطأة، قال: فقدمت على الأوزاعي وكان كشافاً لهذه الأشياء إذا بلغته، فقال: صدق أرطأة والقول ما قال، هذا ينهى عن ذكرهم! ومتى يحذروا إذا لم يُـشَد بذكرهم! ( تاريخ دمشق (8/15). دار الفكر).
وقال يحيى بن سعيد القطان:(سألت سفيان الثوري وشعبة ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن الرجل تكون فيه تهمة أو ضعف، أسكت أو أبين؟ قالوا بين) ( شرح علل الترمذي (1/49) ط. دار العطاء)
وقال أبو سلمة الخزاعي:( سمعت حماد بن سلمة ومالك بن أنس وشريك بن عبد الله يقولون في الرجل يُحْدِث: تخبر بأمره) ( شرح علل الترمذي (1/ 49) ).
وقال محمد بن بندار السباك الجُرجاني:( قلت لأحمد بن حنبل: إنه ليشتد عليَّ أن أقول فلان ضعيف، فلان كذاب! فقال أحمد: إذا سكت أنت وسكت أنا فمن يعرِّف الجاهل الصحيح من السقيم؟) ( الكفاية للخطيب. ص:63)
وقال محمد بن سهل البخاري:(كنا عند القرباني فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا! فغضب وقال: كلامي في أهل البدع أحب إليّ من عبادة ستين سنة) (تلبيس إبليس، لابن الجوزي. ص:23)
وكتب أسد بن موسى:(وإياك أن يكون لك من البدع أخ أو جليس فإنه جاء في الأثر: من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه) ( الإعتصام للشاطبي (1/73) ).
قيل ليوسف ابن أسباط لما تكلم في رجل: أما تخاف أن تكون هذه غيبة! فقال: ( لما يا أحمق! أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم).
وذكر ابن المبارك رجلا فقال: (يكذب) فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن تغتاب!؟ قال: ( اسكت، إذا لم نبين كيف يُعرف الحق من الباطل؟) (شرح علل الترمذي. ابن رجب (1/349) )
وقال أبو صالح المروزي: سمعت رافع بن أشرس بن سلمة قال: كان يقال:( من عقوبة الكذاب ألا يقبل صدقه) وأنا أقول: ( من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر محاسنه).
(شرح علل الترمذي (1/50) )
وقال شيخ الإسلام بن تيمية:( فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم) ( الفتاوى (28/233) )
وقال:(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين؛ حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفـسدوا القـلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً) ( الفتاوى (28/ 231-232))
رد: سلسلة معاملة السلف الصالح لأهل البدع [3 مطويات قيّمة جدّا]
ثالثاً: التحذير من قراءة كتبهم:
فقـد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة كتب أهل الكتاب مع أنها لا تخلو من حق، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال:{ أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيـضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني} (أخرجه أحمد (14736) وحسنه الألباني في الإرواء 1589) ).
وقال الإمام أحمد:( إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب الأهواء قليلا ولا كثيرا؛ عليكم بأصحاب الآثار والسنن) ( السير (11/231) ).
وسئل أبا زرعة عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل: (إياك وهذه الكتب؛ هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك) فقيل له: في هذه الكتب عبرة!!! فقال: (من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء!؟ هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم... ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع).
( تهذيب التهذيب (2/124) ط: دار الكتب العلمية).
قال مالك:( لا يجوز الإيجارات في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع) (جامع بيان العلم وفضله (2/942) ).
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتابا فيه معايب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بلايا، فجاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة أعطني ذاك الكتاب، فأعطاه فأخذه سلام فأحرقه ( العلل ومعرفة الرجال (1/10 ).
قال ابن القيم:( وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها، وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الإخـتلاف. فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفريق بين الأمة!). (الطرق الحكيمة، لابن القيم.ص:327-32.
وقال:( والمقصود أن هذه الكتب المشتملة على الـكذب والبدعـة يجب إتلافها وإعدامها وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه). (الطرق الحكيمة، ص: 329 ).
وعـن علي بن أبي خالد أنه جاء للإمام أحمد فقال: إن هذا الشيخ هو جاري وقد نهيته عن رجل ويحب أن يسمع قولك فيه، إنه الحارث المحاسبي، وكنتَ رأيتني معه منذ سنين كثيرة فقلت لي لا تجالسه، فما تقول فيه؟!
قال: فرأيت الإمام أحمد قد إحمرَّ لونه وانتفخت أوداجه وعيناه وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ( ذاك! فعل الله به وفعل، ليس يعرف ذاك إلا من قد خبره وعرفه، أوَّهْ، أوَّه، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره؛ ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان... فأخرجهم إلى رأي جهم هلكوا بسببه).
فقال الشيخ: يا إمام، هذا الرجل يروي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ساكن خاشع من قصته وقصته؛ كيت وكيت...!!!!!
قال: فغضب الإمام أحمد، وجعل يقول: ( لا يغرك خشوعه ولينه ولا تغتر بتنكيس رأسه؛ فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من خبره، لا تكلمه ولا كرامة، كل من حدَّث بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكان مبتدعاً تجلس إليه!!! لا، ولا كرامة، ولا نُعْمى عين) وجعل يقول ذاك.. وذاك .. فعل الله به وفعل.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله-يعني الإمام أحمد- استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: (نعم) ( الآداب الشرعية (1/229) ط: الرسالة).
وقد طبق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذه السنة: "التحذير من كتب أهل البدع" وذلك عندما سئل عن كتب سيد قطب فقال:( ينبـغي أن تـمــزق) (شريط: شرح رياض الصالحين بتاريخ: يوم الأحد 18/7/1416 هـ).
وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي عن كتاب:"الخطوط العريضة" لعبد الرزاق الشايجي: ( فتواي في هذا الكتاب أن يحرق) (شريط: مَن وراء التفجيرات في أرض الحرمين).
وقد سئل العلامة صالح الفوزان سؤالا يقول: ما هو القول الحق في قراءة كتب المبتدعة وسماع أشرطتهم؟ فقال: ( لا يجوز قراءة كتب المبتدعة ولا سماع أشرطتهم إلا لمن يريد أن يرد عليهم). ( الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص:70)
وقد سئل العلامة أحمد النجمي: س: بالنسبة للكتب الفقهية للجبرين هل تـنشر؟!!
فقال: ابن جبرين يا جماعة هو إخواني، إخواني محترق، وأنا أبغاكم تقرؤون كتاب: "رد الجواب".
ويعلم الله عالم الغيب والشهادة أني ما رددت عليه ذلك الرد إلا غيرةً على التوحيد ونصراً للحق.
والله أنا في الحقيقة لو الرأي رأيي أن كتب المبتدعة ما ينبغي أن تنشر؛ لأن الواحد منهم يريد أن ينصر مذهبه، حتى لو ما يكون إلا أن الذي يتتلمذ عليه أو على كتبه يرى أنه صاحب حق وأنه...وأنه..علماً بأن هذا الأمر فيه من هو من أهل السنة قد عمل هذا الشيء، ولا نحتاج إلى كتبه) (شريط: الصواعق النازلة على الأفكار الباطلة).
الله أكبر: أين الذين يدافعون عن كتب أهل البدع بحجة ما فيها من الخير! أين هم من كلام هؤلاء الأئمة! هلا طبقوا كلامهم وساروا على منهج السلف!!.
رابعاً: تأديبهم والشدة عليهم
فهذا عمر بن الخطاب قد شج رأس صبيغ بن عِسْل لما كان يسأل عن المتشابه في القرآن:
فعن سليمان بن يسار أن رجلاً من بني تميم يقال له: صبيغ بن عسل قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخيل، فلما دخل عليه جلس، قال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر: وأنا عبد الله عمر، وأومأ إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، وجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي (شرح أصول السنة للالكائي (4/702-703)ط. دار طيبة) ثم كتب إلى البصرة:لا تجالسوا صبيغاً.(الآداب الشرعية(ا/250) )
وكان سمُرة بن جندب رضي الله عنه شديداً على الخوارج فكانوا يطعنون عليه ( الإصابة لابن حجر (3/150) ط. دار الكتب العلمية).
قال ابن القيم: (وقد كان ابن عباس شديداً على القدرية، وكذلك الصحابة). (شفاء العليل.ص.70 ط. دار الكتاب العربي).
قال الفضيل بن عياض:( من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام). (شرح السنة للبربهاري ص.193 ط. دار الصميعي).
وقال الشـاطبي: ( فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسـدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: إلتفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى إتباعه على بدعته دون إتباع أهل السنة على سنتهم.
الثانية: أنه إذا وُقِّر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء، وعلى كل حال: فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه).(الاعتصام للشاطبي (1/165) ط .دار الخاني)
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني حاكياً مذهب السلف أهل الحديث:(واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم) (عقيدة السلف أصحاب الحديث ص.123ط.مكتبة الغرباء الأثرية)
وقال أبو عبد الله محمد بن مفرج:( كان أبو جعفر أحمد بن عون الله محتسباً على أهل البدع غليظاً عليهم مذلاً لهم طالباً لمساوئهم مسارعاً في مضارتهم شديد الوطأة عليهم مشـرداً لهم إذا تمكن منهم، غير مبقٍ عليهم، وكان كل من كان منهم خائفاً منه على نفسه متوقياً، لا يداهن أحداً منهم على حال، ولا يُسالمه، وإن عثر لأحدِ منهم على منكر وشهد عليه عنده بانحراف عن السنة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه، وعيَّره بذكر السوء في المحافل، وأغرى به حتى يهلكه، أو ينزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده، ولم يزل دءوباً على هذا جاهداً فيه ابتغاء وجه الله إلى أن لقي الله عز وجل...) ( تاريخ دمشق(5/11 ط. دار الفكر).
وهذا الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم يذكرنا بشدة السلف على أهل البدع؛ وذلك عندما أصدر حكماً حازماً في مؤلف كتاب: (أبو طالب مؤمن قريش!) حتى أعلن عن توبته وكتبها. وجاء في حكمه -رحمه الله- :
أولاً: مصادرة نسخ الكتاب وإحراقها، كما صرح العلماء بذلك في حكم كتب المبتدعة.
ثانيا:ُ تعزير جامع الكتاب بسجنه سـنة كاملة وضربه كل شهرين عشرين جلدة في السوق مدة السنة المشار إليها بحضور مندوب من هيئة الأمر بالمعروف مع مندوب الإمارة والمحكمة.
ثالثاً: استتابته؛ فإن تاب وأعلن توبته وكتب كتابة ضد ما كتبه في كتابه المذكور ، ونشرت في الصحف.
رابعاً: فصله من عمله وعدم توظيفه في جميع الوظائف الحكومية؛ لأن هذا من التعزير). (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (12/187-18
قـال ابن وهب: سمعت مالكاً إذا جاءه بعض أهل الأهواء يقول:
( أما أنا فعلى بينة من ربي وأما أنت فشاك، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه) (الإعتصام للشاطبي (1/89)).
خامساً: البراءة منهم ومن بدعتهم وعدم الدفاع عنهم
فهذا عبد الله بن عمر يقول عن القدرية:( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) ( رواه مسلم ( ).
وعن عطاء قال: أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو ينزع في زمزم قد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت: قد تُـكُـلِّم في القدر، قال: أوَ فعلوها؟! فقلت: نعم، قال: ( فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: { ذُوقواْ مَسَّ سَـقَرٍ إِنَّا كُل شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم، إن أريتني أحدهم فقأت عينيه بإصبعي هاتين) (شرح أصول السنة للألكائي (4/712) ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن يوالي الإتحادية -وهي قاعدة عامة في جميع أهل البدع-: ( ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عُرف بمساندتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يُدرى ما هو؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب؟! وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشائخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً ويصدون عن سبيل الله)(مجموع الفتاوى(2/132))
وقـد سئل سماحة الشيخ ابن باز في شرحه لفضل الإسلام عن الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب:( نعم، ما فيه شك؛ من أثنى عليهم ومدحهم هو داع لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية).
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا منهج السلف الصالح بين يديك؛ فتدبره بإخلاص وتجرد واعمل به إن كنت تريد الصلاح لهذه الأمة.
فــلا يُصــلح آخر هــذه الأمــة إلا مـا صلــح بـه أولها. منهج السلف الصالح في معاملة أهل البدعة والفرقـــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فإن الناظر إلى حال كثير ممن ينتسب إلى الدعوة والعلم الشرعي-في هذه الأزمنة- يلحظ جهل كثير منهم بمنهج السلف في معاملة أهل البدع، حتى أصبحنا نسمع من بعض أبناء هذه البلاد-بلاد التوحيد- من ينادي بمد الجسور مع أهل البدع؛ من صوفية وروافض وأشاعرة وخوارج وغيرهم، والتعاون معهم فأصبحنا نسمع من يقول: (نجتمع ونتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) ومن يقول:( وحدة الصف لا وحدة الرأي) ونسوا أو تناسوا أن الصف لا يتحد إلا بوحدة العقيدة ووحدة المنهج، وأصبحنا نسمع من يقول: الردود تقسي القلوب!! وهجر المبتدع لا يجوز أن يتعدى ثلاثة أيام!! وإذا ذكرت السيئات فلا تغفل عن الحسنات!!
ومن يقول عن كتب أهل البدع: خذ ما فيها من الخير ودع ما فيها من الشر!! إلى غير ذلك من الأقوال التي لم تعهد عن سلفنا الصالح ولا عن أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر.
ولذلك: أحببنا في هذه العجالة أن نورد شيئا من الأدلة من الكتاب والسنة والآثار عن سلف هذه الأمة التي تدلل على المنهج الحق في معاملة أهل الزيغ والبدع.
أولا: هجر السلف للمبتدعة والنهي عن مجالستهم :
وقـد بين الله عز وجل هذا الأصل العظيم في كتابه حيث قال: {وَإِذَا رَأيْتَ الذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرضْ عَنهمْ حَتى يُخُوضُواْ فِي حَديثٍ غَيرهِ وَإمّا يُنسينكَ الشيطَانُ فَلا تَقعدْ بَعدَ الذِّكرى مَعَ القَومِ الظالِمينَ}.
عن ابن عون قال: ( كان محمد بن سيرين يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء؛يرى أن هذه الآية أنزلت فيهم) (الإبانة لابن بطة(2/431))
وقال تعالى:{ وَقَدْ نزَّلَ عَلَيْكُم فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُستهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْره إِنَّكُمْ إِذاً مثلُهُم إنَّ الله جَامِعُ المنافِقِينَ وَالكَافِرِين فِي جَهَنَّمَ جَمِيعَا}.
قال الإمام محمد بن جرير الطبري-رحمه الله- في تفسيره:
( وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع؛ من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم ). (تفسير الطبري (4/32 ط. دار الكتب العلمية).
وقال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: ( فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية).
وقـد حذر رسول الله ﷺ من مجالستهم فقال:{ سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم }.( مقدمة صحيح مسلم، باب:4).
وعن عائشة ڤ قالت:( تلا رسول الله ﷺ هذه الآية:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٍ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْه ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأْوِلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولونَ آمَنا بهِ كُل من عِندِ رَبِّنا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُوا الألْبَاب} قالت: قال رسول الله ﷺ:{ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم } (رواه البخاري(4547) ومسلم(2665)
والسلف رحمهم الله كانوا ينهون عن مجالسة المبتدعة؛عملا بقوله تعالى:{ وَلا تَرْكَنُوا إِلى الذِينَ ظَلمٌوا فَتمسَّكمْ النَّارُ} ويعتبرون من يجالسهم منهم، ويلحقونه بهم.
فعن عائشة ڤ قالت: قال رسول الله ﷺ:{ الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف} (رواه البخاري(3336) ومسلم(263).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:{ الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل}( رواه الترمذي(237 وغيره، وحسنه الألباني).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:( إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه ومن هو مثله) ( الإبانة لابن بطة (2/476) ط.دار الراية).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:( من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومجلسه). ( الإبانة (2/464) ).
وقال الأوزاعي رحمه الله :( من ستر علينا بدعته لم تخف علينا ألفته). ( الإبانة (2/479) ).
وقال محمد بن عبيد الغلابي: ( يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة). (الإبانة (2/479) ).
وعن معاذ بن معاذ قال:( قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا في جليسه). ( الإبانة (2/479) ).
وقال ابن عون: ( من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع ). (الإبانة (2/473) ).
ولما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر في أمر الربيع بن صُبيح وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟ قالو: ما مذهبه إلا السنة! قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري. ( الإبانة (2/453) ).
ولما قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذكِر للإمام أحمد قال: ( انظروا على من نزل وإلى من يأوي) ( الإبانة (2/480) ).
وقال أبو داود: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجل من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أتركُ كلامه؟ قال: لا، أو تعلمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة،فإن ترك كلامـه وإلا: فألحقه به. قال ابن مسعود: المرء بخدنه (طبقات الحنابلة (1/160) ).
وقال مُفضَّل بن مهلهل:) لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بُدوِّ مجلسه، ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج من قلبك!!!) ( الإبانة (2/444) ).
ولما قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله { الرَّحْمنُ عَلى العَرشِ استَوى } كيف استوى؟! قال: (الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظـنك صاحب بدعـة) وأمَر بإخراجه. ( سير أعلام النبلاء (8/100) ط: مؤسسة الرسالة).
وقال أبو توبة: حدثنا أصحابنا أن ثوراً لقي الأوزاعي فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال:( يا ثور: لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنه الدين) ( سير أعلام النبلاء (6/344) ط: مؤسسة الرسالة)
وكان حماد بن سَلمة إذا جلس يقول:( من كان قدريا فليقم) (الآداب الشرعية.(1/250) ).
وقال الفضيل بن عياض:( من جلس مع صاحب بدعة فاحذروه ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب البدعة حصن من حديد) (الحلية (8/103) ).
وقال الإمام مالك:( لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم ولا يعاد مريضهم ولا تحدَّث عنهم الأحاديث). (كتاب: الجامع لابن أبي زيـد القيرواني، ص: 157 ط: دار الغرب الإسلامي)
وقال ابن عباس ﭭ:( لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب) ( الإبانة (2/43 ).
وقال مصعب ابن سعد رحمه الله:(لا تجالس مفتوناً، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتابعه، أو يؤذيك قبل أن تفارقه). ( الإبانة (2/45 ).
وقال أبي قلابة:( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين ) ( الشريعة للآجري،67 ط: مؤسسة الريان)
وكان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه، وقال لابنه:(أي بني: أدخل إصبعيك في أذنيك واشدُد، ولا تسمع من كلامه شيئا). ( الإبانة (2/446) ).
وقال رجل لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة، فولى أيوب، وجعل يشير بإصبعه:ولا نصف كلمة. ( الإبانة (2/472))
وقال أيوب:( لست برادٍِ عليهم بأشد من السكوت) ( الشريعة.ص:67)
وعـن أيوب قال: دخل رجل على ابن سيرين-من أكابر التابعين- فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله لا أزيد أن أقرأها ثم أخرج! فوضع إصبعيه في أذنيه ثم قال:( أعزم عليك إن كنت مسلماً إلا خرجت من بيتي) قال: فقال: يا أبا بكر لا أزيد على أن أقرأ آية ثم اخرج! فقام –ابن سيرين- لإزاره يشده وتهيأ للقيام، فأقبلنا على الرجل فقلنا: قد عزم عليك إلا خرجت، أفيحل لك أن تُخرج رجلا من بيته؟ قال: فخرج، فقلنا: يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية ثم خرج؟ قال:( إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ، ولكن خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد في إخراجه من قلبي فلا أستطيع) ( الاعتصام للشاطبي (2/182)).
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: جاء الحزامي إلى أبي وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خرج إليه ورآه أغلق الباب في وجهه ودخل. ( مناقب أحمد، لابن الجوزي ص.250 ط. دار هجر).
وقال عمرو بن قيس الملائي رحمه الله:( إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه) (الإبانة (1/205)).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه هجر كعب بن مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم حتى أمرهم بإعتزال أزواجهم بغير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء. وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عِسْل التميمي لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول،وتبين صدقه في التوبة فأمر المسلمين بمراجعته. فبهذا أو نحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مُسِراً لبدعة غير مكفرة فإن هذا لا يُهجر، وإنما يُهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً ) ( الفتاوى (24/174-175) ط. دار عالم الكتب).
ثانياً: التحذير من البدعة ومن أهلها والرد عليهم :
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في كل خطبة يحذر من البدع فيقول:{ أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة} ( رواه مسلم (867) ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة المتفق عليه: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وفي رواية: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}( خرجه البخاري(2697) ومسلم(171 ).
والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع لأمته التـحذير من أهل البدع بأعيانهم؛ فقد أشار صلى الله عليه وسلم على ذي الخويـصرة بقوله:{ إن من ضئضئي هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمِيَّة، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد}(رواه البخاري(3344) ومسلم(1064)) فحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه.
وعندما سأل النفر الثلاثة عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم تقالُّوها: فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {أنتم الذين قلتم كذا وكذا! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني} ( رواه البخاري (5063) ومسلم(1401) )
وهذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عندما أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقوم المتحلقين في المسجد وفي أيديهم حصاً يعدون به التكبير والتسبيح، قال له ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا ينقص من حسناتهم شيء! ثم مضى ابن مسعود حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصـاً نعد به التكـبير والتهليل والتسبيح! فقال: فعدوا سيئاتكم؛ فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلَكتكم؛ هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى مـلة هي أهدى من ملـة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير!!! قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. قال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنوننا يوم النَهروان مع الخوارج. (رواه الدارمي (210) )
وقال سفيان الثوري: ( البدعة أحب إلى إبليس من المعصية المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها) (شرح أصول السنة للألكائي (1/149) ).
وحدّث أبوإسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير قال: ( إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره)( الشريعة،70)
وقال الإمام أحمد:( لا غيبة لأصحاب البدع) ( طبقات الحنابلة (2/274) ) وعن إبراهيم قال:( ليس لصاحب بدعة غيبة)(الإبانة(2/449))
وعن الحسن قال:( ليس لصاحب بدعة غيبة، ولا لفاسق يعلن فسقه غيبة) (شرح أصول السنة للألكائي(1/15)
وقال إسماعيل بن عُلية في الجرح:( إن هذا أمانة ليس بغيبة) ( الكفاية للخطيب ص: 61).
وقال شُعبة: ( تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة) يعني:نذكر الجرح والتعديل.(الكفاية للخطيب البغدادي ص62)
وقال أبو إدريس الخولاني: (ألا إن أبا جميلة لا يؤمن بالقدر بالقدر فلا تجالسوه). ( الإبانة ( 2/449) ).
وقال إسماعيل ابن عُليَّة: قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكراً ذا كله: لا تجالسوا طلقاً؛ يعني لأنه مرجئ (الإبانة(2/450) )
وقال عاصم الأحول: جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه، فقلت: لا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض، فقال: يا أحول أوَلا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي أن يُذكر حتى يُحذر. (ميزان الإعتدال (5/330) ط. دار الكتب العلمية).
وعن عقبة بن علقمة قال: كنت عند أرطأة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة ويخالطهم فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، فقال أرطأة: هو منهم لا يلبس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطأة، قال: فقدمت على الأوزاعي وكان كشافاً لهذه الأشياء إذا بلغته، فقال: صدق أرطأة والقول ما قال، هذا ينهى عن ذكرهم! ومتى يحذروا إذا لم يُـشَد بذكرهم! ( تاريخ دمشق (8/15). دار الفكر).
وقال يحيى بن سعيد القطان:(سألت سفيان الثوري وشعبة ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن الرجل تكون فيه تهمة أو ضعف، أسكت أو أبين؟ قالوا بين) ( شرح علل الترمذي (1/49) ط. دار العطاء)
وقال أبو سلمة الخزاعي:( سمعت حماد بن سلمة ومالك بن أنس وشريك بن عبد الله يقولون في الرجل يُحْدِث: تخبر بأمره) ( شرح علل الترمذي (1/ 49) ).
وقال محمد بن بندار السباك الجُرجاني:( قلت لأحمد بن حنبل: إنه ليشتد عليَّ أن أقول فلان ضعيف، فلان كذاب! فقال أحمد: إذا سكت أنت وسكت أنا فمن يعرِّف الجاهل الصحيح من السقيم؟) ( الكفاية للخطيب. ص:63)
وقال محمد بن سهل البخاري:(كنا عند القرباني فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا! فغضب وقال: كلامي في أهل البدع أحب إليّ من عبادة ستين سنة) (تلبيس إبليس، لابن الجوزي. ص:23)
وكتب أسد بن موسى:(وإياك أن يكون لك من البدع أخ أو جليس فإنه جاء في الأثر: من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه) ( الإعتصام للشاطبي (1/73) ).
قيل ليوسف ابن أسباط لما تكلم في رجل: أما تخاف أن تكون هذه غيبة! فقال: ( لما يا أحمق! أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم).
وذكر ابن المبارك رجلا فقال: (يكذب) فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن تغتاب!؟ قال: ( اسكت، إذا لم نبين كيف يُعرف الحق من الباطل؟) (شرح علل الترمذي. ابن رجب (1/349) )
وقال أبو صالح المروزي: سمعت رافع بن أشرس بن سلمة قال: كان يقال:( من عقوبة الكذاب ألا يقبل صدقه) وأنا أقول: ( من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر محاسنه).
(شرح علل الترمذي (1/50) )
وقال شيخ الإسلام بن تيمية:( فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم) ( الفتاوى (28/233) )
وقال:(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين؛ حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفـسدوا القـلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً) ( الفتاوى (28/ 231-232))
ثالثاً: التحذير من قراءة كتبهم:
فقـد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة كتب أهل الكتاب مع أنها لا تخلو من حق، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال:{ أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيـضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني} (أخرجه أحمد (14736) وحسنه الألباني في الإرواء 1589) ).
وقال الإمام أحمد:( إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب الأهواء قليلا ولا كثيرا؛ عليكم بأصحاب الآثار والسنن) ( السير (11/231) ).
وسئل أبا زرعة عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل: (إياك وهذه الكتب؛ هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك) فقيل له: في هذه الكتب عبرة!!! فقال: (من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء!؟ هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم... ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع).
( تهذيب التهذيب (2/124) ط: دار الكتب العلمية).
قال مالك:( لا يجوز الإيجارات في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع) (جامع بيان العلم وفضله (2/942) ).
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتابا فيه معايب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بلايا، فجاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة أعطني ذاك الكتاب، فأعطاه فأخذه سلام فأحرقه ( العلل ومعرفة الرجال (1/10 ).
قال ابن القيم:( وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها، وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الإخـتلاف. فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفريق بين الأمة!). (الطرق الحكيمة، لابن القيم.ص:327-32.
وقال:( والمقصود أن هذه الكتب المشتملة على الـكذب والبدعـة يجب إتلافها وإعدامها وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه). (الطرق الحكيمة، ص: 329 ).
وعـن علي بن أبي خالد أنه جاء للإمام أحمد فقال: إن هذا الشيخ هو جاري وقد نهيته عن رجل ويحب أن يسمع قولك فيه، إنه الحارث المحاسبي، وكنتَ رأيتني معه منذ سنين كثيرة فقلت لي لا تجالسه، فما تقول فيه؟!
قال: فرأيت الإمام أحمد قد إحمرَّ لونه وانتفخت أوداجه وعيناه وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ( ذاك! فعل الله به وفعل، ليس يعرف ذاك إلا من قد خبره وعرفه، أوَّهْ، أوَّه، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره؛ ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان... فأخرجهم إلى رأي جهم هلكوا بسببه).
فقال الشيخ: يا إمام، هذا الرجل يروي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ساكن خاشع من قصته وقصته؛ كيت وكيت...!!!!!
قال: فغضب الإمام أحمد، وجعل يقول: ( لا يغرك خشوعه ولينه ولا تغتر بتنكيس رأسه؛ فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من خبره، لا تكلمه ولا كرامة، كل من حدَّث بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكان مبتدعاً تجلس إليه!!! لا، ولا كرامة، ولا نُعْمى عين) وجعل يقول ذاك.. وذاك .. فعل الله به وفعل.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله-يعني الإمام أحمد- استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: (نعم) ( الآداب الشرعية (1/229) ط: الرسالة).
وقد طبق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذه السنة: "التحذير من كتب أهل البدع" وذلك عندما سئل عن كتب سيد قطب فقال:( ينبـغي أن تـمــزق) (شريط: شرح رياض الصالحين بتاريخ: يوم الأحد 18/7/1416 هـ).
وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي عن كتاب:"الخطوط العريضة" لعبد الرزاق الشايجي: ( فتواي في هذا الكتاب أن يحرق) (شريط: مَن وراء التفجيرات في أرض الحرمين).
وقد سئل العلامة صالح الفوزان سؤالا يقول: ما هو القول الحق في قراءة كتب المبتدعة وسماع أشرطتهم؟ فقال: ( لا يجوز قراءة كتب المبتدعة ولا سماع أشرطتهم إلا لمن يريد أن يرد عليهم). ( الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص:70)
وقد سئل العلامة أحمد النجمي: س: بالنسبة للكتب الفقهية للجبرين هل تـنشر؟!!
فقال: ابن جبرين يا جماعة هو إخواني، إخواني محترق، وأنا أبغاكم تقرؤون كتاب: "رد الجواب".
ويعلم الله عالم الغيب والشهادة أني ما رددت عليه ذلك الرد إلا غيرةً على التوحيد ونصراً للحق.
والله أنا في الحقيقة لو الرأي رأيي أن كتب المبتدعة ما ينبغي أن تنشر؛ لأن الواحد منهم يريد أن ينصر مذهبه، حتى لو ما يكون إلا أن الذي يتتلمذ عليه أو على كتبه يرى أنه صاحب حق وأنه...وأنه..علماً بأن هذا الأمر فيه من هو من أهل السنة قد عمل هذا الشيء، ولا نحتاج إلى كتبه) (شريط: الصواعق النازلة على الأفكار الباطلة).
الله أكبر: أين الذين يدافعون عن كتب أهل البدع بحجة ما فيها من الخير! أين هم من كلام هؤلاء الأئمة! هلا طبقوا كلامهم وساروا على منهج السلف!!.
رابعاً: تأديبهم والشدة عليهم
فهذا عمر بن الخطاب قد شج رأس صبيغ بن عِسْل لما كان يسأل عن المتشابه في القرآن:
فعن سليمان بن يسار أن رجلاً من بني تميم يقال له: صبيغ بن عسل قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخيل، فلما دخل عليه جلس، قال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر: وأنا عبد الله عمر، وأومأ إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، وجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي (شرح أصول السنة للالكائي (4/702-703)ط. دار طيبة) ثم كتب إلى البصرة:لا تجالسوا صبيغاً.(الآداب الشرعية(ا/250) )
وكان سمُرة بن جندب رضي الله عنه شديداً على الخوارج فكانوا يطعنون عليه ( الإصابة لابن حجر (3/150) ط. دار الكتب العلمية).
قال ابن القيم: (وقد كان ابن عباس شديداً على القدرية، وكذلك الصحابة). (شفاء العليل.ص.70 ط. دار الكتاب العربي).
قال الفضيل بن عياض:( من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام). (شرح السنة للبربهاري ص.193 ط. دار الصميعي).
وقال الشـاطبي: ( فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسـدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: إلتفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى إتباعه على بدعته دون إتباع أهل السنة على سنتهم.
الثانية: أنه إذا وُقِّر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء، وعلى كل حال: فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه).(الاعتصام للشاطبي (1/165) ط .دار الخاني)
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني حاكياً مذهب السلف أهل الحديث:(واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم) (عقيدة السلف أصحاب الحديث ص.123ط.مكتبة الغرباء الأثرية)
وقال أبو عبد الله محمد بن مفرج:( كان أبو جعفر أحمد بن عون الله محتسباً على أهل البدع غليظاً عليهم مذلاً لهم طالباً لمساوئهم مسارعاً في مضارتهم شديد الوطأة عليهم مشـرداً لهم إذا تمكن منهم، غير مبقٍ عليهم، وكان كل من كان منهم خائفاً منه على نفسه متوقياً، لا يداهن أحداً منهم على حال، ولا يُسالمه، وإن عثر لأحدِ منهم على منكر وشهد عليه عنده بانحراف عن السنة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه، وعيَّره بذكر السوء في المحافل، وأغرى به حتى يهلكه، أو ينزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده، ولم يزل دءوباً على هذا جاهداً فيه ابتغاء وجه الله إلى أن لقي الله عز وجل...) ( تاريخ دمشق(5/11 ط. دار الفكر).
وهذا الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم يذكرنا بشدة السلف على أهل البدع؛ وذلك عندما أصدر حكماً حازماً في مؤلف كتاب: (أبو طالب مؤمن قريش!) حتى أعلن عن توبته وكتبها. وجاء في حكمه -رحمه الله- :
أولاً: مصادرة نسخ الكتاب وإحراقها، كما صرح العلماء بذلك في حكم كتب المبتدعة.
ثانيا:ُ تعزير جامع الكتاب بسجنه سـنة كاملة وضربه كل شهرين عشرين جلدة في السوق مدة السنة المشار إليها بحضور مندوب من هيئة الأمر بالمعروف مع مندوب الإمارة والمحكمة.
ثالثاً: استتابته؛ فإن تاب وأعلن توبته وكتب كتابة ضد ما كتبه في كتابه المذكور ، ونشرت في الصحف.
رابعاً: فصله من عمله وعدم توظيفه في جميع الوظائف الحكومية؛ لأن هذا من التعزير). (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (12/187-18
قـال ابن وهب: سمعت مالكاً إذا جاءه بعض أهل الأهواء يقول:
( أما أنا فعلى بينة من ربي وأما أنت فشاك، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه) (الإعتصام للشاطبي (1/89)).
خامساً: البراءة منهم ومن بدعتهم وعدم الدفاع عنهم
فهذا عبد الله بن عمر يقول عن القدرية:( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) ( رواه مسلم ( ).
وعن عطاء قال: أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو ينزع في زمزم قد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت: قد تُـكُـلِّم في القدر، قال: أوَ فعلوها؟! فقلت: نعم، قال: ( فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: { ذُوقواْ مَسَّ سَـقَرٍ إِنَّا كُل شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم، إن أريتني أحدهم فقأت عينيه بإصبعي هاتين) (شرح أصول السنة للألكائي (4/712) ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن يوالي الإتحادية -وهي قاعدة عامة في جميع أهل البدع-: ( ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عُرف بمساندتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يُدرى ما هو؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب؟! وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشائخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً ويصدون عن سبيل الله)(مجموع الفتاوى(2/132))
وقـد سئل سماحة الشيخ ابن باز في شرحه لفضل الإسلام عن الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب:( نعم، ما فيه شك؛ من أثنى عليهم ومدحهم هو داع لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية).
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا منهج السلف الصالح بين يديك؛ فتدبره بإخلاص وتجرد واعمل به إن كنت تريد الصلاح لهذه الأمة.
فــلا يُصــلح آخر هــذه الأمــة إلا مـا صلــح بـه أولها.
تعليق