المطويات الدعوية ...169
قضية الصلب والتضارب بين الأناجيل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقبل دراسة هذه القضية علينا أن نقدم بقاعدة متفق عليها تحكم أحكام الناس في مختلف القضايا على مختلف المستويات- وهذه القاعدة تقول : أن كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
فحين تختلف شهادة شاهدين أمام قاض في محكمة ، فإن ما تفرضه عدالة المحكمة هو عدم الاعتداد بأي من الشهادتين إلى أن يأتي شاهد ثالث يؤيد شهادة أحد الشاهدين ، وإلا امتنع صدور حكم عادل .
والآن نذهب لمناقشة قضية الصلب كما تعرضها الأناجيل ، وهي التي تبدأ بمجموعة من الأحداث الخاصة بمحاولة قتل المسيح إلى أن تنتهي بتعليق شخص يصرخ يائسا على الصليب ، وما أعقب ذلك من تكفينه ودفنه .
1- مسح جسد المسيح بالطيب :
لقد اختلفت الأناجيل في هذه الحادثة البسيطة التي تعتبر مقدمة لأحداث الصلب . يقول إنجيل مرقس " كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه . . وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه .
وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا . لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها (14 : 1-005) .
وقد ذكر متى هذه الحادثة في (26 : 6-9) ، ولوقا في (7 : 36- 39) ، ويوحنا في (12 : 1-6) مع اختلافات بينهم في توقيتاتها وعناصرها الرئيسية .
يقول نينهام في هذه القصة : " نجد القديس يوحنا يذكرها مبكرا عما أورده القديس مرقس ببضعة أيام ، وكذلك يضعها القديس لوقا في موقع مختلف تماما من سيرة يسوع . . فبينما نجدها في إنجيل مرقس قد حدثت في منزل سمعان الأبرص من قرية بيت عنيا . . نجدها في إنجيل يوحنا قد حدثت في بيت مريم ومرثا ولعازر " تفسير إنجيل مرقس : ص370 .
ويمكن تلخيص اختلاف الأناجيل في هذه القصة كالآتي :
مكان الحادث :
في بيت سمعان الأبرص ( مرقس ومتى )- (في بيت فريسي ( لوقا )- في بيت الإخوة لعازر ومريم ومرثا ( يوحنا ) .
شخصية المرأة :
مجهولة ( مرقس ومتى )- خاطئة ( لوقا )- امرأة صديقة هي مريم أخت لعازر ( يوحنا ) .
ماذا فعلت :
دهنت رأس يسوع بالطيب ( مرقس ومتى )- دهنت رجليه بالطيب ( لوقا ويوحنا ) .
رد الفعل عند المشاهدين :
اغتاظ قوم لإسرافها ( مرقس )- اغتاظ التلاميذ ( متى )- كان تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع لشخصية المرأة ( لوقا )- اغتاظ يهوذا الإسخريوطي لإسرافها ( يوحنا ) .
2- التحضير للعشاء الأخير :
يقول مرقس : " وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح .
فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه . وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة . هناك أعدا لنا . فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما . فأعدا الفصح . ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر " (14 : 12-17) .
ويقول نينهام : (إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرة بأعدادها من رقم (12 إلى 16) إنما كانت في الواقع إضافة أدخلت فيما بعد إلى الرواية التي يتبعها القديس مرقس في هذا الجزء من إنجيله . ومن بين الأسباب لذلك الاعتقاد ما يأتي :
1- وصف اليوم الذي قيل : إن القصة حدثت فيه بأسلوب لا يستخدمه اليهودي العادي الذي كان معاصرا لها .
2- وصف أتباع يسوع في كل فقرة من هذا الإصحاح (الرابع عشر) بأنهم تلاميذه بينما أشير إليهم بإصرار في هذه الفقرة بأنهم الاثنا عشر .
3- أن كاتب العدد 17 (الذي يقول : " ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر) لا يعلم شيئا عن رحلة التلميذين التي ذكرت في العدد 13 ، فلو كان كاتب العدد 17 يعلم محتويات تلك الفقرة لكان عليه أن يتحدث عن : (العشرة وليس الاثني عشر ، أي أن العدد 17 كان يجب أن يقرأ هكذا : ولما كان المساء جاء مع العشرة) . . " تفسير إنجيل مرقس : ص376.
ويختلف متى مع مرقس في قصة الإعداد للعشاء ، إذ أنه يجعل التلاميذ جميعا- كما يقول جون فنتون في ص 414 من تفسيره- يشتركون في هذا الإعداد ، فهو يقول : " قال يسوع لتلاميذه اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له . المعلم يقول إن وقتي قريب . عندك أصنع الفصح مع تلاميذي . ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح " ( 26 : 18- 19 ) .
3- توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب :
يقول جون فنتون : " يتفق متى مع مرقس ( وكذلك لوقا 22 : 8 ) في أن العشاء الأخير كان هو الفصح . وعلى العكس من ذلك نجد الإنجيل الرابع يجعل الفصح يؤكل في المساء بعد موت يسوع " .
ويرى أغلب العلماء أن توقيت كل من متى ومرقس ( ولوقا ) ، صحيح وأن يوحنا قد غير ذلك لأسباب عقائدية " تفسير إنجيل متى : ص415.
ذلك أن يوحنا يقرر أن العشاء الأخير الذي حضره يسوع مع تلاميذه كان قبل الفصح ؛ فهو يقول : " أما يسوع قبل عيد الفصح . . فحين كان العشاء . . قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ " ( 13 : 1- 5 ) .
وكذلك يقرر يوحنا أنهم قبضوا على يسوع في مساء اليوم السابق لأكل الفصح ، وذلك في قوله : " ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية ، وكان صبح ، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح " ( 18 : 28 ) .
إن اختلاف الأناجيل في العشاء الأخير وتوقيته ترتب عليه اختلافهم في نقطة جوهرية تعتبر واحدة من أهم عناصر قضية الصلب ، ألا وهي تحديد يوم الصلب .
فإذا أخذنا برواية مرقس ومتى ولوقا لكان يسوع قد أكل الفصح مع تلاميذه مساء الخميس ، ثم كان القبض بعد ذلك بقليل في مساء الخميس ذاته ، ولذلك يكون الصلب قد حدث يوم الجمعة .
أما الأخذ برواية يوحنا فإنه يعني أن القبض كان مساء الأربعاء ، وأن الصلب حدث يوم الخميس .
فهل حدث الصلب يوم الخميس أم يوم الجمعة ؟ !!
من كتاب "مناظرة بين الإسلام والنصرانية"
أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات
http://www.ahlos-sunnah.com/matwyat
قضية الصلب والتضارب بين الأناجيل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقبل دراسة هذه القضية علينا أن نقدم بقاعدة متفق عليها تحكم أحكام الناس في مختلف القضايا على مختلف المستويات- وهذه القاعدة تقول : أن كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
فحين تختلف شهادة شاهدين أمام قاض في محكمة ، فإن ما تفرضه عدالة المحكمة هو عدم الاعتداد بأي من الشهادتين إلى أن يأتي شاهد ثالث يؤيد شهادة أحد الشاهدين ، وإلا امتنع صدور حكم عادل .
والآن نذهب لمناقشة قضية الصلب كما تعرضها الأناجيل ، وهي التي تبدأ بمجموعة من الأحداث الخاصة بمحاولة قتل المسيح إلى أن تنتهي بتعليق شخص يصرخ يائسا على الصليب ، وما أعقب ذلك من تكفينه ودفنه .
1- مسح جسد المسيح بالطيب :
لقد اختلفت الأناجيل في هذه الحادثة البسيطة التي تعتبر مقدمة لأحداث الصلب . يقول إنجيل مرقس " كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه . . وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه .
وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا . لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها (14 : 1-005) .
وقد ذكر متى هذه الحادثة في (26 : 6-9) ، ولوقا في (7 : 36- 39) ، ويوحنا في (12 : 1-6) مع اختلافات بينهم في توقيتاتها وعناصرها الرئيسية .
يقول نينهام في هذه القصة : " نجد القديس يوحنا يذكرها مبكرا عما أورده القديس مرقس ببضعة أيام ، وكذلك يضعها القديس لوقا في موقع مختلف تماما من سيرة يسوع . . فبينما نجدها في إنجيل مرقس قد حدثت في منزل سمعان الأبرص من قرية بيت عنيا . . نجدها في إنجيل يوحنا قد حدثت في بيت مريم ومرثا ولعازر " تفسير إنجيل مرقس : ص370 .
ويمكن تلخيص اختلاف الأناجيل في هذه القصة كالآتي :
مكان الحادث :
في بيت سمعان الأبرص ( مرقس ومتى )- (في بيت فريسي ( لوقا )- في بيت الإخوة لعازر ومريم ومرثا ( يوحنا ) .
شخصية المرأة :
مجهولة ( مرقس ومتى )- خاطئة ( لوقا )- امرأة صديقة هي مريم أخت لعازر ( يوحنا ) .
ماذا فعلت :
دهنت رأس يسوع بالطيب ( مرقس ومتى )- دهنت رجليه بالطيب ( لوقا ويوحنا ) .
رد الفعل عند المشاهدين :
اغتاظ قوم لإسرافها ( مرقس )- اغتاظ التلاميذ ( متى )- كان تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع لشخصية المرأة ( لوقا )- اغتاظ يهوذا الإسخريوطي لإسرافها ( يوحنا ) .
2- التحضير للعشاء الأخير :
يقول مرقس : " وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح .
فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه . وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة . هناك أعدا لنا . فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما . فأعدا الفصح . ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر " (14 : 12-17) .
ويقول نينهام : (إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرة بأعدادها من رقم (12 إلى 16) إنما كانت في الواقع إضافة أدخلت فيما بعد إلى الرواية التي يتبعها القديس مرقس في هذا الجزء من إنجيله . ومن بين الأسباب لذلك الاعتقاد ما يأتي :
1- وصف اليوم الذي قيل : إن القصة حدثت فيه بأسلوب لا يستخدمه اليهودي العادي الذي كان معاصرا لها .
2- وصف أتباع يسوع في كل فقرة من هذا الإصحاح (الرابع عشر) بأنهم تلاميذه بينما أشير إليهم بإصرار في هذه الفقرة بأنهم الاثنا عشر .
3- أن كاتب العدد 17 (الذي يقول : " ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر) لا يعلم شيئا عن رحلة التلميذين التي ذكرت في العدد 13 ، فلو كان كاتب العدد 17 يعلم محتويات تلك الفقرة لكان عليه أن يتحدث عن : (العشرة وليس الاثني عشر ، أي أن العدد 17 كان يجب أن يقرأ هكذا : ولما كان المساء جاء مع العشرة) . . " تفسير إنجيل مرقس : ص376.
ويختلف متى مع مرقس في قصة الإعداد للعشاء ، إذ أنه يجعل التلاميذ جميعا- كما يقول جون فنتون في ص 414 من تفسيره- يشتركون في هذا الإعداد ، فهو يقول : " قال يسوع لتلاميذه اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له . المعلم يقول إن وقتي قريب . عندك أصنع الفصح مع تلاميذي . ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح " ( 26 : 18- 19 ) .
3- توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب :
يقول جون فنتون : " يتفق متى مع مرقس ( وكذلك لوقا 22 : 8 ) في أن العشاء الأخير كان هو الفصح . وعلى العكس من ذلك نجد الإنجيل الرابع يجعل الفصح يؤكل في المساء بعد موت يسوع " .
ويرى أغلب العلماء أن توقيت كل من متى ومرقس ( ولوقا ) ، صحيح وأن يوحنا قد غير ذلك لأسباب عقائدية " تفسير إنجيل متى : ص415.
ذلك أن يوحنا يقرر أن العشاء الأخير الذي حضره يسوع مع تلاميذه كان قبل الفصح ؛ فهو يقول : " أما يسوع قبل عيد الفصح . . فحين كان العشاء . . قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ " ( 13 : 1- 5 ) .
وكذلك يقرر يوحنا أنهم قبضوا على يسوع في مساء اليوم السابق لأكل الفصح ، وذلك في قوله : " ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية ، وكان صبح ، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح " ( 18 : 28 ) .
إن اختلاف الأناجيل في العشاء الأخير وتوقيته ترتب عليه اختلافهم في نقطة جوهرية تعتبر واحدة من أهم عناصر قضية الصلب ، ألا وهي تحديد يوم الصلب .
فإذا أخذنا برواية مرقس ومتى ولوقا لكان يسوع قد أكل الفصح مع تلاميذه مساء الخميس ، ثم كان القبض بعد ذلك بقليل في مساء الخميس ذاته ، ولذلك يكون الصلب قد حدث يوم الجمعة .
أما الأخذ برواية يوحنا فإنه يعني أن القبض كان مساء الأربعاء ، وأن الصلب حدث يوم الخميس .
فهل حدث الصلب يوم الخميس أم يوم الجمعة ؟ !!
من كتاب "مناظرة بين الإسلام والنصرانية"
أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات
http://www.ahlos-sunnah.com/matwyat