رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال شيخ الاسلام أبو العباس عبدالحليم ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية :
ثُمَّ رُسُلُهُ صَادِقُونَ مُصَدَّقُونَ; بِخِلَافِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ(1_), وَلِهَذَا قَالَ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات:180) (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (الصافات:181(
فَسَبَّحَ نَفْسَهَ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ, وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ; لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ مِن النَّقْصِ وَالْعَيْبِ(2_)
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيمَا وَصَفَ وسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (3_)
فَلَا عُدُولَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ; فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ, صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
.............................
(1_)في هذا بيان سبب وعلة وجوب الوقوف على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
لأن البيان التام هو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم،
*فإنه أعلم الخلق بالحق
* وأنصح الخلق للخلق
* وأفصح الخلق في بيان الحق
فما بينه من أسماء الله، وصفاته، وعلوه، وفوقيته هو الغاية في هذا الباب.
ويقول العلامة الهراس رحمه الله: وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا تَقْصُرُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهُ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ :
*إِمَّا لِجَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ
*وَإِمَّا لِعَدَمِ فَصَاحَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ
*وَإِمَّا لَكَذِبِهِ وَغِشِّهِ وَتَدْلِيسِهِ
وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَرِيئَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
ولهذا أجمع أهل الملل قاطبة على أن الرسل معصومون فيما يبلغونه عن الله تبارك وتعالى لم يقل أحد قط إن من أرسله الله يكذب عليه، وقد قال تعالى ما يبين أنه لا يقر كاذباً عليه قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44-47] فدل هذا على وجوب التسليم، والانقياد لما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
-إضافة:و- الصادق: المخبر بما طابق الواقع، فكل الرسل صادقون فيما أخبروا به.
ولكن: لابد أن يثبت السند إلى الرسل عليهم السلام، فإذا قالت اليهود: قال موسى كذا وكذا، فلا نقبل، حتى نعلم صحة سنده إلى موسى....
"مصدوقون" أو: "مصدقون": نسختان:
*أما على نسخة "مصدوقون"، فالمعنى أن ما أوحي إليهم، فهو صدق، والمصدوق: الذي أخبر بالصدق والصادق: الذي جاء بالصدق....
فالرسل مصدوقون، كل ما أوحي إليهم، فهو صدق، ما كذبهم الذي أرسلهم ولا كذبهم الذي أرسل إليهم، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19-21] .
*وأما على نسخة: "مصدقون"، فالمعنى أنه يجب على أممهم تصديقهم، وعلى هذا يكون معنى "مصدقون"، أي: شرعاً، يعني: يجب أن يصدقوا شرعاً، فمن كذب بالرسل أو كذبهم، فهو كافر
* ويجوز أن يكون "مصدقون" له وجه آخر، أي: أن الله تعالى صدقهم، ومعلوم أن الله تعالى صدق الرسل
صدقهم 1_ بقوله 2_ وبفعله:
1_ أما بقوله: فإن الله قال لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} [النساء: 166] ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1] ، فهذا تصديق بالقول.
2_أما تصديقه بالفعل، فبالتمكين له، وإظهار الآيات، فهو يأتي للناس يدعوهم إلا الإسلام، فإن لم يقبلوا، فالجزية، فإن لم يقبلوا، استباح دمائهم ونساءهم وأموالهم، والله تعالى يمكن له، ويفتح عليه الأرض أرضاً بعد أرض، وحتى بلغت رسالته مشارق الأرض ومغاربها، فهذا تصديق من الله بالفعل ...
-إضافة: قال البراك: فلا يكذب الرسل ظاهرا وباطنا إلا من لا عقل له، يعني ما عنده.
أما العقلاء فإنهم وإن جحدوا ظاهرا عنادا وحسدا وكبرا وما إلى ذلك فهم مصدقون لهم في الباطن، وإن كان هذا التصديق لا ينفعهم، من صدَّق الرسل في الباطن وأظهر تكذيبهم فهو الكفور، لا ينفعه تصديقه في الباطن اهـ. -
قوله: "بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون": فهؤلاء كاذبون أو ضالون، لأنهم قالوا مالا يعلمون.
وكأن المؤلف يشير إلى أهل التحريف، لأن أهل التحريف قالوا على الله مالا يعلمون من وجهين:
قالوا: إنه لم يرد كذا وأراد كذا! فقالوا في السلب والإيجاب لما لا يعلمون.
مثلاً: قالوا: لم يرد بالوجه الحقيقي! فهنا قالوا على الله مالا يعلمون بالسلب
ثم قالوا: والمراد بالوجه الثواب! فقالوا على الله مالا يعلمون في الإيجاب.
وهؤلاء الذين يقولون على الله مالا يعلمون لا يكونون صادقين ولا مصدوقين ولا مصدقين بل قامت الأدلة على أنهم اهـ.
قال الشيخ صالح آل الشيخ:
-إضافة:و- القول على الله بلا علم أشد المحرمات ولهذا عنه تفرع كل ضلال ، وقد ذكر الله جل وعلا تحريمه في عدة آيات في كتابه جل وعلا اهـ.
وهنا تنبيه مهم أهل السنة والجماعة أخذوا بالكتاب والسنة فتجدهم على كلمة واحدة لا يختلفون وأما أهل البدع فجعلوا العقل مصدر التلقي وقدموه على النقل فلذلك تجدهم يضطربون هذا يثبت وهذا ينفي وهذا يقول مخالف للعقل وهذا يقول لا.
(2_) قال الشيخ صالح آل الشيخ:
تسبيح الله (سبحان الله) معناها تنزيه الله عن كل نقص وعيب وسوء
-إضافة:قالالشيخ صالح الفوزان: سبحان اسم مصدر من التسبيح وهو التنزيه.
قال الشيخ الهراس: وَأَصْلُهُ مِنَ السَّبْحِ ، الَّذِي هُوَ السُّرْعَةُ وَالِانْطِلَاقُ وَالْإِبْعَادُ ، وَمِنْهُ فَرَسٌ سَبُوحٌ ؛ إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الْعَدْوِ اهـ. -
وموارده في الكتاب والسنة خمسة :
* تنزيه الله جل وعلا عن الشريك في الربوبية كما ادعاه الملحدون .
* تنزيه الله جل وعلا عن الشريك في الألوهية كما ادعاه المشركون .
* تنزيه الله جل وعلا في أسمائه وصفاته أن تسلب معانيها اللائقة بها وتنزيه الله جل وعلا في أسمائه وصفاته عن مماثلة المخلوقين لها .
* تنزيه الله جل وعلا في أمره الكوني وقدره الكوني عن أن يكون بلا حكمة أو أن يكون عبثا كما ادعاه من قالوا خلقنا الله عبثا ، ومن نفوا الحكمة في الخلق والإيجاد وتقدير الأشياء .
* والخامس وهو الأخير : تنزيه الله جل وعلا في شرعه وأمره الديني عن النقص وعن منافاة الحكمة .
فالله جل وعلا ينزه نفسه بقوله {سُبْحَانَ رَبِّكَ} يعني تنزيها لله من كل سوء ادعاه المخالفون للرسل....
قال بعدها {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} بمعنى صاحب العزة ، بمعنى ذي العزة ، المتصف بالعزة .
*والعزة صفة لله جل وعلا ، ومن أسمائه سبحانه وتعالى العزيز .
والعزيز هو: الذي كملت له أوصاف العزة .
والعزة في الكتاب والسنة جاءت ـ يعني التي يتصف الله جل وعلا بها ـ جاءت على ثلاث معان :
* الأول العزة التي هي بمعنى الامتناع والغنى وعدم الحاجة ، الامتناع عمن يغالب أو عمن يسيء والغنى ـ هذه كلها معنى واحد ـ والغنى عن الخلق .
* والثاني العزة بمعنى القهر والغلبة .
* والثالث العزة بمعنى القوة ، طبعا معنى القوة الخاصة ، قوة لا يقوى عليها قوة لا يند عنها شيء
وهذه هي التي ذكرها ابن القيم هذه المعاني الثلاث في النونية....
قال (عَمَّا يَصِفُونَ)
يعني عن الذي يصفون والمفعول به - الذي هو الضمير - محذوف
يعني (عما) عن الذي يصفونه يعني هو الله جل وعلا به .
ومن هم الواصفون الذين نزه الله جل وعلا نفسه عن وصفهم ؟
هم الذين لم يستجيبوا للرسل .
فقال (وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)
وذلك لأن المرسلين أنزل الله جل وعلا عليهم السلام , وهو جل وعلا السلام ، من أسمائه السلام ، وهو الذي يعطي السلامة .
وقال هنا عن نفسه {سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} فهو الذي جعل الأنبياء والمرسلين أهل للسلامة .
*والسلامة متبعضة : هناك سلامة في القول في صحته ومطابقته للواقع ، وسلامة في الفهم ، وسلامة في العبودية ، وسلامة في الاعتقاد ، وسلامة في التبليغ .
فجهات السلامة كثيرة ، والله جل وعلا أعطاها عباده المرسلين .
ولهذا قال هنا {سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} وأفاد الإعطاء التعدية بـ(على) ...
*وفي قوله (على) ما يفيد أن السلامة صارت عليهم وقد أحاطت بهم .
قال (وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ...
العالمون جمع العالم ، والعالم كل ما سوى الله جل وعلا ، فكل ما سوى الله جل وعلا عالم.
*وسمي عالما من العلامة ، لأنه علامة على أنه مربوب وأن له ربا خالقا *أو من العلم لأن به علم ما لله جل وعلا من الحق والأسماء والصفات كما قال الشاعر :
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد
(3_) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
بين المؤلف رحمه الله في هذه الجملة أن الله تعالى جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، وذلك لأن تمام الكمال لا يكون إلا بثبوت صفات الكمال وانتفاء ما يضادها من صفات النقص، فأفادنا رحمه الله أن الصفات قسمان:
1 صفات مثبتة: وتسمى عندهم: الصفات الثبوتية.
2 وصفات منفية: ويسمونها: الصفات السلبية، من السلب وهو النفي.
*ولا حرج من أن نسميها سلبية، وإن كان بعض الناس توقف وقال: لا نسميها سلبية، بل نقول: منفية.
فنقول: ما دام السلب في اللغة بمعنى النفي، فالاختلاف في اللفظ ولا يضر....
فالمثبتة: كل ما أثبته الله لنفسه، وكلها صفات كمال، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ومن كمالها أنه لا يمكن أن يكون ما أثبته دالاً على التمثيل، لأن المماثلة للمخلوق نقص.
*وإذا فهمنا هذه القاعدة، عرفنا ضلال أهل التحريف، الذين زعموا أن الصفات المثبتة تستلزم التمثيل، ثم أخذوا ينفونها فراراً من التمثيل..
*-إضافة:و- نقول: إن الصفات توقيفية على المشهور عند أهل العلم، كالأسماء، فلا تصف الله إلا بما وصف به نفسه.
*وحينئذ نقول: الصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: صفة كمال مطلق، وصفة كمال مقيد، وصفة نقص مطلق.
أما صفة الكمال على الإطلاق، فهي ثابتة لله عز وجل، كالمتكلم، والفعال لما يريد، والقادر.. ونحو ذلك.
وأما صفة الكمال بقيد، فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيداً، مثل: المكر، والخداع، والاستهزاء.. وما أشبه ذلك، فهذه الصفات كمال بقيد، إذا كانت في مقابلة من يفعلون ذلك، فهي كمال، وإن ذكرت مطلقة، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل...
وأما صفة النقص على الإطلاق، فهذه لا يوصف الله بها بأي حال من الأحوال، كالعاجز والخائن والأعمى والأصم، لأنها نقص على الإطلاق، فلا يوصف الله بها وانظر إلى الفرق بين خادع وخائن، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] ، فأثبت خداعه لمن خادعه لكن قال في الخيانة: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال: 71] ولم يقل: فخانهم، لأن الخيانة خداع في مقام الائتمان، والخداع في مقام الائتمان نقص، وليس فيه مدح أبداً فإذاً، صفات النقص منفية عن الله مطلقاً.
* والصفات المأخوذة من الأسماء هي كمال بكل حال ويكون الله عز وجل قد أتصف بمدلولها، فالسمع صفة كمال دل عليها اسمه السميع، فكل صفة دلت عليها الأسماء، فهي صفة كمال مثبته لله على سبيل الإطلاق، وهذه تجعلها قسماً منفصلاً، لأنه ليس فيها تفصيل، وغيرها تنقسم إلى الأقسام الثلاثة التي سلف ذكرها.
*إذا قال قائل: فهمنا الصفات وأقسامها، فما هو الطريق لإثبات الصفة مادمنا نقول: إن الصفات توقيفية؟
فنقول: هناك عدة طرق لإثبات الصفة:
الطريق الأول: دلالة الأسماء عليها، لأن كل اسم، فهو متضمن لصفة..
الطريق الثاني: أن ينص على الصفة، مثل الوجه، واليدين، والعينين ... وما أشبه ذلك...
الطريق الثالث: أن تؤخذ من الفعل، مثل: المتكلم- الظاهر الشيخ يقصد صفة الكلام-، فأخذها من {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] .
هذه هي الطرق التي تثبت بها الصفة اهـ.
يقول الشيخ صالح آل الشيخ:
وهذا فيه بيان لقاعدة أهل السنة والجماعة في ذلك بأعظم وأوضح استدلال بأنهم يجمعون في عقائدهم في الأسماء والصفات بين النفي والإثبات .
وعندهم النفي يكون مجملا كما أجمله الله جل وعلا .
وعندهم الإثبات يكون مفصلا كما فصله الله جل وعلا .
-إضافة: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لهذا نجد أن صفات النفي تأتي كثيراً عامة، غير مخصصة بصفة معينة، والمخصص بصفة لا يكون إلا لسبب.
وقال في موضع آخر: أما إذا كان مفصلاً، فلا تجده إلا لسبب، كقوله {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] ، رداً لقول من قال: إن لله ولداً وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] كذلك وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] ، لأنه قد يفرض الذهن الذي لا يقدر الله حق قدره أن هذه السماوات العظيمة والأرض العظيمة إذا كان خلقها في ستة أيام، فسيلحقه التعب، فقال: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] ، أي: من تعب وإعياء اهـ.
يقول الشيخ الهراس رحمه الله: وَلِهَذَا كَانَ النَّفْيُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يَأْتِي مُجْمَلًا فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ ؛ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ ؛ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْإِجْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ . -
*وأما النفي المفصل الذي جاء في القرآن كقوله {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ... فإن النفي لا يكون كمالا ولا يمدح به المنفي إلا إذا كان النفي يراد به إثبات كمال الضد.
الله جل وعلا نفى عن نفسه الظلم والغرض من ذلك إثبات كمال ضد صفة الظلم وهو العدل ...
* وقد يكون النفي لإثبات صفة واحدة وقد يكون النفي لإثبات صفتين معا - يعني النفي يكون المراد منه إثبات الصفتين جميعا - ...
فقوله هنا في هذا النفي {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ} يراد به إثبات كمال ضد العجز وكمال ضد العجز يكون بكمال صفتين :
1_ وهي صفة العلم
2_ وصفة القدرة ولهذا قال جل وعلا في آخر هذه الآية قال {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}
وقد تقرر أن كلمة (إنه) في القرآن من أساليب التعليل لما قبلها إذا كان خبرا أو أمرا أو نهيا أو حكما أو استفهاما ، يكون ما بعد إن تعليل لما قبلها .
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} ما علة ذلك ؟
قال {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} وهذا فيه ظهور أن النفي هنا أريد به إثبات كمال ضده.
قال شيخ الاسلام أبو العباس عبدالحليم ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية :
ثُمَّ رُسُلُهُ صَادِقُونَ مُصَدَّقُونَ; بِخِلَافِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ(1_), وَلِهَذَا قَالَ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات:180) (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (الصافات:181(
فَسَبَّحَ نَفْسَهَ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ, وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ; لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ مِن النَّقْصِ وَالْعَيْبِ(2_)
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيمَا وَصَفَ وسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (3_)
فَلَا عُدُولَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ; فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ, صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
.............................
(1_)في هذا بيان سبب وعلة وجوب الوقوف على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
لأن البيان التام هو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم،
*فإنه أعلم الخلق بالحق
* وأنصح الخلق للخلق
* وأفصح الخلق في بيان الحق
فما بينه من أسماء الله، وصفاته، وعلوه، وفوقيته هو الغاية في هذا الباب.
ويقول العلامة الهراس رحمه الله: وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا تَقْصُرُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهُ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ :
*إِمَّا لِجَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ
*وَإِمَّا لِعَدَمِ فَصَاحَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ
*وَإِمَّا لَكَذِبِهِ وَغِشِّهِ وَتَدْلِيسِهِ
وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَرِيئَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
ولهذا أجمع أهل الملل قاطبة على أن الرسل معصومون فيما يبلغونه عن الله تبارك وتعالى لم يقل أحد قط إن من أرسله الله يكذب عليه، وقد قال تعالى ما يبين أنه لا يقر كاذباً عليه قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44-47] فدل هذا على وجوب التسليم، والانقياد لما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
-إضافة:و- الصادق: المخبر بما طابق الواقع، فكل الرسل صادقون فيما أخبروا به.
ولكن: لابد أن يثبت السند إلى الرسل عليهم السلام، فإذا قالت اليهود: قال موسى كذا وكذا، فلا نقبل، حتى نعلم صحة سنده إلى موسى....
"مصدوقون" أو: "مصدقون": نسختان:
*أما على نسخة "مصدوقون"، فالمعنى أن ما أوحي إليهم، فهو صدق، والمصدوق: الذي أخبر بالصدق والصادق: الذي جاء بالصدق....
فالرسل مصدوقون، كل ما أوحي إليهم، فهو صدق، ما كذبهم الذي أرسلهم ولا كذبهم الذي أرسل إليهم، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19-21] .
*وأما على نسخة: "مصدقون"، فالمعنى أنه يجب على أممهم تصديقهم، وعلى هذا يكون معنى "مصدقون"، أي: شرعاً، يعني: يجب أن يصدقوا شرعاً، فمن كذب بالرسل أو كذبهم، فهو كافر
* ويجوز أن يكون "مصدقون" له وجه آخر، أي: أن الله تعالى صدقهم، ومعلوم أن الله تعالى صدق الرسل
صدقهم 1_ بقوله 2_ وبفعله:
1_ أما بقوله: فإن الله قال لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} [النساء: 166] ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1] ، فهذا تصديق بالقول.
2_أما تصديقه بالفعل، فبالتمكين له، وإظهار الآيات، فهو يأتي للناس يدعوهم إلا الإسلام، فإن لم يقبلوا، فالجزية، فإن لم يقبلوا، استباح دمائهم ونساءهم وأموالهم، والله تعالى يمكن له، ويفتح عليه الأرض أرضاً بعد أرض، وحتى بلغت رسالته مشارق الأرض ومغاربها، فهذا تصديق من الله بالفعل ...
-إضافة: قال البراك: فلا يكذب الرسل ظاهرا وباطنا إلا من لا عقل له، يعني ما عنده.
أما العقلاء فإنهم وإن جحدوا ظاهرا عنادا وحسدا وكبرا وما إلى ذلك فهم مصدقون لهم في الباطن، وإن كان هذا التصديق لا ينفعهم، من صدَّق الرسل في الباطن وأظهر تكذيبهم فهو الكفور، لا ينفعه تصديقه في الباطن اهـ. -
قوله: "بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون": فهؤلاء كاذبون أو ضالون، لأنهم قالوا مالا يعلمون.
وكأن المؤلف يشير إلى أهل التحريف، لأن أهل التحريف قالوا على الله مالا يعلمون من وجهين:
قالوا: إنه لم يرد كذا وأراد كذا! فقالوا في السلب والإيجاب لما لا يعلمون.
مثلاً: قالوا: لم يرد بالوجه الحقيقي! فهنا قالوا على الله مالا يعلمون بالسلب
ثم قالوا: والمراد بالوجه الثواب! فقالوا على الله مالا يعلمون في الإيجاب.
وهؤلاء الذين يقولون على الله مالا يعلمون لا يكونون صادقين ولا مصدوقين ولا مصدقين بل قامت الأدلة على أنهم اهـ.
قال الشيخ صالح آل الشيخ:
-إضافة:و- القول على الله بلا علم أشد المحرمات ولهذا عنه تفرع كل ضلال ، وقد ذكر الله جل وعلا تحريمه في عدة آيات في كتابه جل وعلا اهـ.
وهنا تنبيه مهم أهل السنة والجماعة أخذوا بالكتاب والسنة فتجدهم على كلمة واحدة لا يختلفون وأما أهل البدع فجعلوا العقل مصدر التلقي وقدموه على النقل فلذلك تجدهم يضطربون هذا يثبت وهذا ينفي وهذا يقول مخالف للعقل وهذا يقول لا.
(2_) قال الشيخ صالح آل الشيخ:
تسبيح الله (سبحان الله) معناها تنزيه الله عن كل نقص وعيب وسوء
-إضافة:قالالشيخ صالح الفوزان: سبحان اسم مصدر من التسبيح وهو التنزيه.
قال الشيخ الهراس: وَأَصْلُهُ مِنَ السَّبْحِ ، الَّذِي هُوَ السُّرْعَةُ وَالِانْطِلَاقُ وَالْإِبْعَادُ ، وَمِنْهُ فَرَسٌ سَبُوحٌ ؛ إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الْعَدْوِ اهـ. -
وموارده في الكتاب والسنة خمسة :
* تنزيه الله جل وعلا عن الشريك في الربوبية كما ادعاه الملحدون .
* تنزيه الله جل وعلا عن الشريك في الألوهية كما ادعاه المشركون .
* تنزيه الله جل وعلا في أسمائه وصفاته أن تسلب معانيها اللائقة بها وتنزيه الله جل وعلا في أسمائه وصفاته عن مماثلة المخلوقين لها .
* تنزيه الله جل وعلا في أمره الكوني وقدره الكوني عن أن يكون بلا حكمة أو أن يكون عبثا كما ادعاه من قالوا خلقنا الله عبثا ، ومن نفوا الحكمة في الخلق والإيجاد وتقدير الأشياء .
* والخامس وهو الأخير : تنزيه الله جل وعلا في شرعه وأمره الديني عن النقص وعن منافاة الحكمة .
فالله جل وعلا ينزه نفسه بقوله {سُبْحَانَ رَبِّكَ} يعني تنزيها لله من كل سوء ادعاه المخالفون للرسل....
قال بعدها {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} بمعنى صاحب العزة ، بمعنى ذي العزة ، المتصف بالعزة .
*والعزة صفة لله جل وعلا ، ومن أسمائه سبحانه وتعالى العزيز .
والعزيز هو: الذي كملت له أوصاف العزة .
والعزة في الكتاب والسنة جاءت ـ يعني التي يتصف الله جل وعلا بها ـ جاءت على ثلاث معان :
* الأول العزة التي هي بمعنى الامتناع والغنى وعدم الحاجة ، الامتناع عمن يغالب أو عمن يسيء والغنى ـ هذه كلها معنى واحد ـ والغنى عن الخلق .
* والثاني العزة بمعنى القهر والغلبة .
* والثالث العزة بمعنى القوة ، طبعا معنى القوة الخاصة ، قوة لا يقوى عليها قوة لا يند عنها شيء
وهذه هي التي ذكرها ابن القيم هذه المعاني الثلاث في النونية....
قال (عَمَّا يَصِفُونَ)
يعني عن الذي يصفون والمفعول به - الذي هو الضمير - محذوف
يعني (عما) عن الذي يصفونه يعني هو الله جل وعلا به .
ومن هم الواصفون الذين نزه الله جل وعلا نفسه عن وصفهم ؟
هم الذين لم يستجيبوا للرسل .
فقال (وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)
وذلك لأن المرسلين أنزل الله جل وعلا عليهم السلام , وهو جل وعلا السلام ، من أسمائه السلام ، وهو الذي يعطي السلامة .
وقال هنا عن نفسه {سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} فهو الذي جعل الأنبياء والمرسلين أهل للسلامة .
*والسلامة متبعضة : هناك سلامة في القول في صحته ومطابقته للواقع ، وسلامة في الفهم ، وسلامة في العبودية ، وسلامة في الاعتقاد ، وسلامة في التبليغ .
فجهات السلامة كثيرة ، والله جل وعلا أعطاها عباده المرسلين .
ولهذا قال هنا {سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} وأفاد الإعطاء التعدية بـ(على) ...
*وفي قوله (على) ما يفيد أن السلامة صارت عليهم وقد أحاطت بهم .
قال (وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ...
العالمون جمع العالم ، والعالم كل ما سوى الله جل وعلا ، فكل ما سوى الله جل وعلا عالم.
*وسمي عالما من العلامة ، لأنه علامة على أنه مربوب وأن له ربا خالقا *أو من العلم لأن به علم ما لله جل وعلا من الحق والأسماء والصفات كما قال الشاعر :
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد
(3_) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
بين المؤلف رحمه الله في هذه الجملة أن الله تعالى جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، وذلك لأن تمام الكمال لا يكون إلا بثبوت صفات الكمال وانتفاء ما يضادها من صفات النقص، فأفادنا رحمه الله أن الصفات قسمان:
1 صفات مثبتة: وتسمى عندهم: الصفات الثبوتية.
2 وصفات منفية: ويسمونها: الصفات السلبية، من السلب وهو النفي.
*ولا حرج من أن نسميها سلبية، وإن كان بعض الناس توقف وقال: لا نسميها سلبية، بل نقول: منفية.
فنقول: ما دام السلب في اللغة بمعنى النفي، فالاختلاف في اللفظ ولا يضر....
فالمثبتة: كل ما أثبته الله لنفسه، وكلها صفات كمال، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ومن كمالها أنه لا يمكن أن يكون ما أثبته دالاً على التمثيل، لأن المماثلة للمخلوق نقص.
*وإذا فهمنا هذه القاعدة، عرفنا ضلال أهل التحريف، الذين زعموا أن الصفات المثبتة تستلزم التمثيل، ثم أخذوا ينفونها فراراً من التمثيل..
*-إضافة:و- نقول: إن الصفات توقيفية على المشهور عند أهل العلم، كالأسماء، فلا تصف الله إلا بما وصف به نفسه.
*وحينئذ نقول: الصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: صفة كمال مطلق، وصفة كمال مقيد، وصفة نقص مطلق.
أما صفة الكمال على الإطلاق، فهي ثابتة لله عز وجل، كالمتكلم، والفعال لما يريد، والقادر.. ونحو ذلك.
وأما صفة الكمال بقيد، فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيداً، مثل: المكر، والخداع، والاستهزاء.. وما أشبه ذلك، فهذه الصفات كمال بقيد، إذا كانت في مقابلة من يفعلون ذلك، فهي كمال، وإن ذكرت مطلقة، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل...
وأما صفة النقص على الإطلاق، فهذه لا يوصف الله بها بأي حال من الأحوال، كالعاجز والخائن والأعمى والأصم، لأنها نقص على الإطلاق، فلا يوصف الله بها وانظر إلى الفرق بين خادع وخائن، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] ، فأثبت خداعه لمن خادعه لكن قال في الخيانة: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال: 71] ولم يقل: فخانهم، لأن الخيانة خداع في مقام الائتمان، والخداع في مقام الائتمان نقص، وليس فيه مدح أبداً فإذاً، صفات النقص منفية عن الله مطلقاً.
* والصفات المأخوذة من الأسماء هي كمال بكل حال ويكون الله عز وجل قد أتصف بمدلولها، فالسمع صفة كمال دل عليها اسمه السميع، فكل صفة دلت عليها الأسماء، فهي صفة كمال مثبته لله على سبيل الإطلاق، وهذه تجعلها قسماً منفصلاً، لأنه ليس فيها تفصيل، وغيرها تنقسم إلى الأقسام الثلاثة التي سلف ذكرها.
*إذا قال قائل: فهمنا الصفات وأقسامها، فما هو الطريق لإثبات الصفة مادمنا نقول: إن الصفات توقيفية؟
فنقول: هناك عدة طرق لإثبات الصفة:
الطريق الأول: دلالة الأسماء عليها، لأن كل اسم، فهو متضمن لصفة..
الطريق الثاني: أن ينص على الصفة، مثل الوجه، واليدين، والعينين ... وما أشبه ذلك...
الطريق الثالث: أن تؤخذ من الفعل، مثل: المتكلم- الظاهر الشيخ يقصد صفة الكلام-، فأخذها من {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] .
هذه هي الطرق التي تثبت بها الصفة اهـ.
يقول الشيخ صالح آل الشيخ:
وهذا فيه بيان لقاعدة أهل السنة والجماعة في ذلك بأعظم وأوضح استدلال بأنهم يجمعون في عقائدهم في الأسماء والصفات بين النفي والإثبات .
وعندهم النفي يكون مجملا كما أجمله الله جل وعلا .
وعندهم الإثبات يكون مفصلا كما فصله الله جل وعلا .
-إضافة: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لهذا نجد أن صفات النفي تأتي كثيراً عامة، غير مخصصة بصفة معينة، والمخصص بصفة لا يكون إلا لسبب.
وقال في موضع آخر: أما إذا كان مفصلاً، فلا تجده إلا لسبب، كقوله {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] ، رداً لقول من قال: إن لله ولداً وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] كذلك وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] ، لأنه قد يفرض الذهن الذي لا يقدر الله حق قدره أن هذه السماوات العظيمة والأرض العظيمة إذا كان خلقها في ستة أيام، فسيلحقه التعب، فقال: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] ، أي: من تعب وإعياء اهـ.
يقول الشيخ الهراس رحمه الله: وَلِهَذَا كَانَ النَّفْيُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يَأْتِي مُجْمَلًا فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ ؛ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ ؛ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْإِجْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ . -
*وأما النفي المفصل الذي جاء في القرآن كقوله {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ... فإن النفي لا يكون كمالا ولا يمدح به المنفي إلا إذا كان النفي يراد به إثبات كمال الضد.
الله جل وعلا نفى عن نفسه الظلم والغرض من ذلك إثبات كمال ضد صفة الظلم وهو العدل ...
* وقد يكون النفي لإثبات صفة واحدة وقد يكون النفي لإثبات صفتين معا - يعني النفي يكون المراد منه إثبات الصفتين جميعا - ...
فقوله هنا في هذا النفي {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ} يراد به إثبات كمال ضد العجز وكمال ضد العجز يكون بكمال صفتين :
1_ وهي صفة العلم
2_ وصفة القدرة ولهذا قال جل وعلا في آخر هذه الآية قال {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}
وقد تقرر أن كلمة (إنه) في القرآن من أساليب التعليل لما قبلها إذا كان خبرا أو أمرا أو نهيا أو حكما أو استفهاما ، يكون ما بعد إن تعليل لما قبلها .
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} ما علة ذلك ؟
قال {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} وهذا فيه ظهور أن النفي هنا أريد به إثبات كمال ضده.
تعليق