بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الشيخ حافظ الحكمي: كانت الدعوة أولاً سراً نحو ثلاث سنين ثم أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدع بها جهراً.
يقول الشيخ أبو همام محمد الصومعي تعليقاً على كلام الشيخ حافظ الحكمي: بما أن السرية كانت في بداية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فهل يكون هذا دليلاً لمن يتكتمون في دعوتهم في عصرنا هذا ويعقدون الجلسات السرية.
الجواب: أن هذا لا يصلح أن يكون دليلاً لهم لأمور منها:
أنَّا لسنا في جاهلية، فالحمد لله الإسلام منتشر وظاهر، فنحن في اليمن على سبيل المثال دعوة السلفيين قائمة على قدم وساق يدعون إلى الله ويعلمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجدون مضايقات أبدا، وإن وجدوا فإنما يحصل ذلك من أصحاب هذه السرية لا مِن الدولة، فالفارق واضح وجلي بين السرية التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلم والسرية التي في عصرنا، ومع هذا فالسرية في عهد النبوة كانت لوقتٍ محددِ كما تقدم ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالصدع بالدعوة فهي كانت عبارة عن توطئة وتهيئة للصدع بذلك، ونحن في عصرنا نصدع بالدعوة إلى الكتاب والسنة بكل يُسر فلماذا السرية؟
وإننا لو نظرنا بعين الإنصاف إلى السرية عند أهلها في هذا العصر نجدها مباينةً تماماً للسرية التي كانت في عصر النبوة لأن السرية في عصرنا ليست من أجل الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من أجل إزالة حاكم من منصبه وقلب الحكم وإعطائه لشخص آخر، وعلى إثر ذلك تُسفك الدماء ويُقتل الرجال وتُرمل النساء ويُيتَّم الأطفال، فهذه آثار السرية فهي إذن من خلال عواقبها ضد الإسلام وأهله، أما السرية في عهده صلى الله عليه وسلم فهو لمصلحة الإسلام وفي عصر جاهلي ومع هذا فقد حذر صلى الله عليه وسلم عن السرية في هذا الباب كما جاء عند ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني، قال: "اعبد الله ولا تشرك به شيئاً وأقم الصلاة وآت الزكاة وصم رمضان وحج البيت واعتمر واسمع وأطع وعليك بالعلانية وإياك والسِّر" (2).
وعلماؤنا يحذرون من هذه السريات لأنهم يدركون مخاطرها.
قال شيخنا العلامة أحمد بن يحيى النجمي مفتي عام جنوب المملكة السعودية رحمه الله في كتابه الماتع "المورد العذب الزلال" (ص216): السرية والتكتم في دعوتهم – يعني الحزبيين – بدون حاجة إليه فالدولة مسلمة تؤيد الدعوة وتعين عليها وتضع مرتبات لأهلها والمجتمع مسلم، يؤيد كل دعوة إصلاحية ويتضافر معها، فما هو الداعي للسرية إلا أن عندهم في دعوتهم أموراً غير تعليم الأحكام الشرعية، يريدون التكتم عليها حتى يصلوا إلى مآربهم.
-------------------------------------------
(1): تأليف أبي همام محمد بن علي الصومعي البيضاني، وهذا الكتاب يُطبع لأول مرة.
(2): حديث حسن وجود إسناده العلامة الألباني في تحقيقه لكتاب السنة.
نقلتُ لكم هذه الفائدة
من كتاب
نثر الجواهر المضية على كتاب آمالي في السيرة النبوية للحافظ الحكمي
تأليف
أبي همام محمد بن علي الصومعي البيضاني
ص54-56
تعليق