إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

مجموعة أسئلة متعلقة باستراق الشياطين للسمع (1) دعوة للمناقشة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مناقشة] مجموعة أسئلة متعلقة باستراق الشياطين للسمع (1) دعوة للمناقشة

    حياكم الله؛ إني أسعي -أيها الإخوة- لجمع ما يتعلق باستراق الشياطين للسمع من السماء الدنيا وحفظ النجوم لهذه السماء من ذلك، وقد صعب علي الجمع لما ظهر لي -بسبب فهمي القاصر- شيء من التعارض سواء في الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع أو في شروح العلماء للأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع، لذا أردت أن أضع ما أتوصل إليه أولا بأول لنتناقش فيه.

    وأول ما سنتناقش فيه -إن شاء الله تعالي- هو السؤال الآتي:

    السؤال الأول: هل ما يكلم الله -جل وعلا- به جبريل -عليه السلام- في هذه الحال ويسمعه الملائكة هو الوحي بمعناه اللغوي -الذي هو ما يلقيه الله -تعالى- إلى ملائكته من أمر ليفعلوه-(1) أم الوحي بمعناه الشرعي -الذي هو إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب-(2) أم تارة يكلمه بالوحي بمعناه اللغوي وتارة يكلمه بالوحي بمعناه الشرعي ؟
    الجواب: قلت: وهذا أشكل علي، والذي ظهر لي مبدئيا هو أن المراد بالوحي هنا هو الوحي بمعناه اللغوي؛ وذلك لما يلي:
    1ـ قول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "الوحي لا يعلمه أهل السماء، بل هو من الله إلى جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما الأمور القدرية التي يتكلم الله بها؛ فليست خاصة بجبريل. بل ربما يعلمها أهل السماء مفصلة، ثم يسمعها مسترقو السمع"(3)، فقوله -رحمه الله-: "الوحي لا يعلمه أهل السماء، بل هو من الله إلى جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-" يريد به الوحي بمعناه الشرعي -الذي هو إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب-، فلم يبق إذن إلا الوحي بمعناه اللغوي -الذي هو ما يلقيه الله -تعالى- إلى ملائكته من أمر ليفعلوه-.
    2ـ قول ابن كثير -رحمه الله-: "هذا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه -تعالى- إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السماوات كلامه، أُرْعِدُوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي"(4)، فقوله -رحمه الله-: "إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السماوات كلامه" يدل علي أن الوحي الذي كلم الله -جل وعلا- به جبريل -عليه السلام- هو الوحي بمعناه اللغوي، لأنه لو كان الوحي بمعناه الشرعي لما سمعه الملائكة، إذ إن الملائكة -كما قال العلامة ابن عثيمين- لا يعلمون الوحي.
    وهذا الذي ظهر لي في بادئ الأمر لا زال عندي فيه إشكال! وذلك لأن العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- قال في موضع آخر: "إن جبريل لا يخبر الملائكة بما أوحى الله إليه، بل يقول: قال الحق مبهما، ولهذا سمي عليه السلام بالأمين، والأمين: هو الذي لا يبوح بالسر"(5)، وقوله هذا يدل علي أن ما كلم الله -جل وعلا- به جبريل -عليه السلام- هو الوحي بمعناه الشرعي! وبهذا أكون لم أتحصل علي إجابة علي هذا السؤال.


    __________
    (1) أنظر: تعريف الوحي بمعناه اللغوي في أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة ص 123.
    (2) أنظر: تعريف الوحي بمعناه الشرعي في أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة ص 124.
    (3) أنظر: القول المفيد علي كتاب التوحيد 325/1.
    (4) أنظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 219.
    (5) أنظر: القول المفيد علي كتاب التوحيد 319/1.

  • #2
    رد: مجموعة أسئلة متعلقة باستراق الشياطين للسمع (1) دعوة للمناقشة

    هذا ما وجته مبحثين من رسالة ماجستير من جامعة الامام قسم العقيدة عالم الجن في ضوء الكتاب و السنة لعبد الكريم عبيدات و الكتاب موجود على النت و قد نقل موقع الدرر السنية في موسوعة العقيدة من الرسالة بتصرف و قد قدموا للموسوعة بمقدمة و نقلت من موقع الدررالسنية مع رجاء المعذرة اني لم أقراء المبحثين :

    الموسوعة العقدية » مقدمة

    مقدمة

    الحمد لله القائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56-58]
    والقائل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره المشركون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فإن توضيح العقيدة الإسلامية الصحيحة وبيانها والدعوة إليها من آكد الواجبات، لأنها هي الطريق لمعرفة الله، وأول واجب على العبد، ومن أجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وانقسم الناس بسببها إلى أشقياء وسعداء، وترتب على تحقيقها السعادة في الدنيا والآخرة، وخلقت من أجلها الجنة والنار.
    والعقيدة الصحيحة من أولى ما ينبغي الاهتمام بها، لا سيما مع كثرة الضلال فيها، واشتباه الحق بالباطل على كثير من المسلمين.
    وقد اهتم أئمة السنة وعلماء هذه الأمة بشأن العقيدة اهتماماً بالغاً فألَّفوا فيها كتباً كثيرة، منها المطول ومنها المختصر، ومنها الجامع، ومنها المقتصر، ولما كان الوقوف على أكثر هذه الكتب عسيراً، ولا يوجد برنامج أو موقع إلكتروني واحد يجمع كل ما يتعلق بعقيدة أهل السنة والجماعة، شرعنا بفضل الله وتوفيقه في مؤسسة الدرر السنية عبر موقعها الإلكتروني بجمع ما تفرق في كتب العقيدة والتوحيد، معتمدين في ذلك على أكثر من مائة وأربعين مرجعاً, على منهج أهل السنة والجماعة، القديم منها والمعاصر، وحرصنا أن تكون شاملة لجميع مسائل وموضوعات العقيدة، مع تحقيقها، وتنقيحها، والتأليف بينها، وتخريج أحاديثها، وتصنيفها تضنيفاً موضوعياً شجريًّا، مع الحرص على ذكر الكلام المنقول كما هو مع ذكر المرجع، إلا أنه أحيانا يتم التصرف في بعض المواضع ويشار إلى ذلك، ونسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وينفع به المسلمين.
    -------------------------
    الموسوعة العقدية » الكتاب العاشر: متفرقات في العقيدة » الباب السادس: الإيمان بالجن » الفصل السادس: الجن وعلم الغيب » المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

    المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

    كان الجن قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقون أخباء السماء، وهو ما يوحيه الله لملائكته، وأصل ذلك قوله تعالى إخباراً عنهم: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [ الجن: 9].
    قال القرطبي: (كان الجن يقعدون مقاعد لاستماع أخبار السماء، وهم المردة من الجن، كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها الله بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) .
    ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديثه الذي رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الملائكة تتحدث في العنان - والعنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشياطين فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القاروة، فيزيدون معها مائة كذبة)) .
    ومن ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري قال: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا:ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا: يوم كذا، كذا وكذا! فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)) .
    و في رواية عند مسلم في صحيحه: ((تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة, فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)) .
    وهكذا فإن الجن كان يستمعون لأخبار السماء، ثم يلقون ذلك إلى الكهان من الإنس، فيزيدون على الكلمة مائة كذبة من عندهم، فيصدق الناس ذلك، قال الماوردي: (فأما استراقهم للسمع فقد كانوا في الجاهلية قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقونه، ولذلك كانت الكهانة في الإنس لإلقاء الجن إليهم ما استرقوه من السمع في مقاعد لهم، كانوا يقربون فيها من السماء كما قال تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [ الجن: 9]) .
    وقال ابن جزى الكلبي في تفسير قوله تعالى: إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [ الصافات: 10]. (والمعنى: لا تسمع الشياطين أخبار السماء، إلا الشيطان الذي خطف الخطفة) .
    وقد اختلف العلماء في استراق الجن للسمع بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم:
    1- فقال قوم: إن استراق الجن لأخبار السماء قد زال بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك زالت الكهانة.
    2- وقال آخرون: إن استراقهم باق بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام .
    واختلفوا كذلك في أن الجن هل كانوا يرمون بالشهب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟
    أ- فقال قوم: لم تكن ترمى الجن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام. وقد نسب النسفي هذا القول للجمهور فقال: (والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم) .
    قال القرطبي: (وقال الكلبي وقوم: لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه خمسمائة عام، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث منعوا من السموات كلها وحرست بالملائكة والشهب، ومنعت من الدنو من السماء، وبه قال عطية العوفي عن ابن عباس، وهذا قول عبد الله بن سابور. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب) .
    ومما يؤيد هذا القول ما ورد عن ابن عباس قال: (كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوه فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين – أراه قال: بمكة – فلقوه فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض) .
    وذكر القرطبي وجها آخر عن ابن عباس قال: (وقد كانت الشياطين لا يحجبون عن السماء، فكانوا يدخلونها ويلقون أخبارها على الكهنة، فيزيدون عليها تسعاً، فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل، فإذا أرادوا شيئاً مما قالوه صدقوهم مما جاءوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب) .
    و في هذا دليل على أن الشياطين لم تكن ترمى بالشهب قبل بعثته عليه الصلاة والسلام.
    وتمسك من قال بأن الشهب لم يكن يرمى بها أيضاً قبل بعثة الرسول عليه السلام بظاهر قوله تعالى: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [الجن: 9].
    إذ قد دل على أن الجن لم تكن ترمى قبل المبعث حيث رتب الرمي على الاستماع بعد المبعث.
    وقد أنكر الجاحظ الرمي قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, وأنكر كل شعر ورد في الرمي فقال: (كل شعر روي فيه فهو مصنوع) .
    ب- وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً.
    فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب –أي السبب الذي من أجله منعوا من استراق السمع – إنما كان لكثرة الرجم، ومنعهم عن الاستراق بالكلية .
    وقيل: إنما زاد الرمي إنذاراً بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام .
    قال القرطبي: (وقال أوس بن حجر – وهو جاهلي:

    فأنقض كالدري يتبعه



    نقع يثور تخاله طنبا )

    قال بدر الدين الشبلي: (وقال السهيلي: ولكن القذف في النجوم كان قديما، وذلك موجود في أشعار القدماء من الجاهلية.. وذكر عبد الرزاق عن ابن شهاب أنه سئل عن هذا الرمي بالنجوم أكان في الجاهلية؟ قال: نعم ولكنه لما جاء الإسلام غلظ وشدد ).
    وقال ابن إسحاق: (حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث: " أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم – حين رمي بها – هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية أحد بني علاج، قال: وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا، فقالوا له: يا عمرو: ألم تر إلى ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا: فإن كانت معالم النجوم – التي يهتدى به في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس معايشهم – هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوما غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو؟) .
    وما ذكره ابن إسحاق فيه دليل على أن النجوم لم يكن يرمى بها قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إن ثقيفاً استغربت الأمر، وخافت أن يكون قد اقتربت نهاية العالم، حتى ذهبوا إلى عمرو بن أمية يخبرهم الأمر.
    القول الراجح:
    والراجح أن الرمي كان قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يكن في الشدة مثلما كان بعد مبعثه تمسكاً بحديث ابن عباس الآتي في كلام القرطبي، وهو ما رجحه ابن كثير والقرطبي وغيرهم.
    قال ابن كثير: (وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك) . وذكر أن ما ورد من استغراب الإنس والجن للرمي بعد المبعث فإنما كان لكثرة الشهب في السماء والرمي بها، حيث ظنوا أن ذلك لخراب العالم .
    وقال القرطبي: (والقول بالرمي أصح لقوله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن: 8]. وهذا إخبار عن الجن أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت منا ومنهم. ولما روي عن ابن عباس قال:((أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم. ومات رجل عظيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته. ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه، إذا قضى أمراً سبح حملة العرش. ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا. ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال. قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً به. حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا. فما جاءوا به على وجهه فهو حق. ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون)) .
    وهذا يدل على أن الرجم قبل المبعث، واشتدت الحراسة بعد المبعث، فمنعوا من ذلك أصلاً) .
    وقال بدر الدين الشبلي في قوله سبحانه: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [ الجن: 8]: (ولم يقل: حرست، دليل على أنه - أي الرمي - قد كان منه شيء، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ملئت حرساً شديداً وشهباً، وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم، ولتكون الآية أبين، والحجة أقطع) .
    وأما قوله تعالى: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [ الجن: 9]. فإنما يحمل على التشديد في حراسة السماء، فكل من يحاول من الشياطين استراق السمع بعد المبعث، فإن له شهاباً رصداً يرمى به، وذلك صيانة للوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أن يصل الشياطين إلى شيء منه.
    وعلى هذا يحمل قول ابن إسحاق المتقدم كذلك، فإن استغراب الحي من ثقيف وفزعهم للرمي إنما كان لكثرته وشدته.
    واختلف العلماء: هل كانت الشهب تأخذ الجن قبل استراق السمع أم بعد استراقهم؟
    1- فذهب بعضهم إلى أن الشهب تأخذهم قبل استراق السمع حتى لا يصل إليهم لانقطاع الكهانة بهم، وتكون الشهب منعاً من استراقه .
    2- وذهب آخرون منهم إلى أن الشهب تأخذهم بعد استراقه، وتكون الشهب عقاباً على استراقه .
    وبناء على ما تقدم: هل يقتل الشهاب الجني عند رميه به أم لا يقتله؟
    أ- فقال ابن عباس: (الشهاب يجرح, ويحرق, ويخبل, ولا يقتل، ولذلك عادوا لاستراق السمع بعد الإحراق، ولولا بقاؤهم لانقطع الاستراق بعد الاحتراق، ويكون ما يلقونه من السمع إلى الجن دون الإنس لانقطاع الكهانة عن الإنس) .
    ب- وقال الحسن وطائفة: (الشهاب يقتل بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن)، قال الشوكاني: (ذكره الماوردي ثم قال: والقول الأول أصح) .
    وظاهر القرآن أن الرمي يكون بعد الاستراق لعطفه عليه بالفاء الدالة على التعقيب في قوله تعالى: إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [ الحجر: 18]. وقوله: إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [ الصافات: 10]..
    ---------------------
    لموسوعة العقدية » الكتاب العاشر: متفرقات في العقيدة » الباب السادس: الإيمان بالجن » الفصل السادس: الجن وعلم الغيب » المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

    المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

    إن العلوم والأخبار التي يلقيها الجن إلى الإنس يمكن تقسيمها إلى قسمين:
    القسم الأول: ما يتعلق بالأمور الغيبية.
    القسم الثاني: ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية.
    أما بالنسبة للقسم الأول فيمكن تقسيمه إلى قسمين:
    أ- أن تكون من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها.
    ب- أن تكون من المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة أو من البشر، مما يطلع الله عليه من شاء من رسله.
    أما بالنسبة للقسم الأول: ... أنه من اختصاص الله، ولا يمكن لأي مخلوق في هذا العالم أن يعرف عنه شيئاً، سواء كان في ذلك الملائكة أو الجن أو الإنس، لأن الآيات القرآنية قد أخبرت أن علم ذلك لله وحده دون سواه، ولا يكون التحدث عن شيء من هذا الغيب إلا من قبيل الافتراء على الله، وهو يناقض الإيمان، ومدعيه كافر، لمعارضته الآيات القرآنية الدالة على اختصاص الله بذلك قال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 59] وقال: قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].
    أما بالنسبة للثاني: وهو المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء، وأصبحت معلومة لذوي الاختصاصات من الملائكة أو من البشر... إلخ.
    فقد تقدمت فيه الأحاديث من أن الله إذا قضى الأمر في السماء، بأن يتكلم بالأمر الذي يوحيه إلى جبريل بما أراده، فيلخص هذا القول ويمضي في الملائكة حتى يفزعوا منه، فيعلمون أن الله لا يقول إلا الحق، فيسمع مسترق السمع من الجن الكلمة، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقي الكلمة، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها الكاهن مائة كذبة .
    وفي الأحاديث الواردة بهذا الصدد دليل على أن الجن يسترقون السمع من الملائكة، وكانوا يقذفون بالشهب خصوصاً بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
    فما تسمعه الملائكة بعد إلقاء الأمر إلى جبريل قد خرج عن الغيب الذي اختص به الله، إذ علمت به الملائكة، فعندئذ تحاول الجن استماع ذلك، فربما يسمعون كلمة، وربما لا يسمعون، لأن الشهب لهم بالمرصاد.
    وأما قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: 26]. فقد قال القرطبي:
    (اختص الله بعلم الغيب فهو له وحده، إلا ما شاء الله من اطلاع بعض الرسل، لأنهم مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات، وقال العلماء رحمهم الله تعالى: لما تمدح الله سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم, ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه، ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه) .
    والآية لا تناقض ما تقدم من الأحاديث الدالة على استراق للسمع بعد أن يلقي الله كلامه إلى جبريل، لأن الجن قد منعوا من استراق السمع أصلاً، وما يستمعونه عندئذ لا يعتبر غيباً بالنسبة للملائكة ولمسترق السمع، كما حصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن صياد المتقدم.
    ومضمون الاستدلال في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين كذب ابن صياد وأن ما يقوله هو من الكهانة، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خبأ له سورة الدخان فأخبره شيطانه الذي يأتيه ببعض حروفها، لأنه لم يقدر أن يستطلع إلا ذلك، ولن يقدر على أكثر منه، لأن الله قد حفظ رسله من الشياطين بما أرصده لهم من الملائكة الذين يحرسونهم من الشياطين عن أن يتشبهوا بصور الملك، فإذا جاء أحدهم شيطان في صورة ملك قالوا: هذا شيطان فاحذره، وان جاء الملك قالوا: هذا رسول ربك .
    دلالة موت النبي سليمان عليه السلام على عدم معرفة الجن علم الغيب.
    قصه موت النبي سليمان عليه السلام فيها دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب، كما أخبر القرآن بذلك، قال تعالى:
    فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[ سبأ: 14].
    قال القرطبي في تفسير الآية: (أي: فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت, وذلك أنه كان متكئاً على عصا فانكسرت به بسبب أكل الأرضة لها – وهي دابة صغيرة تأكل الخشب – فوقع ميتا – فعلم موته بذلك، فكانت الأرضة دالة على موته، وكان قد سأل الله تعالى أن لا تعلم الجن بموته حتى تمضي عليه سنة) .
    وقد ذكر المفسرون أوجهاً لسبب طلب سليمان عليه السلام من ربه أن يعمي موته على الجن:
    فقال جماعة منهم: إنه طلب ذلك حتى يري الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، بخلاف ما كانوا يظنونه من أن الجن تعلم ذلك، وقد كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد.
    وقال آخرون: إن طلبه ذلك إنما كان لأن داود عليه السلام قد أسس بيت المقدس، فمات ولم يتمه، فأوصى سليمان بإتمام بنائه، فأمر سليمان الجن باتمام بنائه، فلما دنا أجله قال لأهله: لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد، وكان قد بقي لاتمامه سنة، فلبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي، واتكأ على عصاه فمات، ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد .
    واستنكر بعض المفسرين أن يمكن سليمان عليه السلام هذه المدة الطويلة – وهي سنة – دون أن يعلم به أحد من رعيته، وهو أمر لا يمكن أن يحدث مع إنسان عادي، فكيف يكون بنبي يكون له هذا الملك الواسع!.
    وبناء عليه فقد اعتبر هذا النفر أن معنى الآية: أن سليمان حين حان أجله وقضى الله عليه الموت – أي أوجب عليه الموت حين جاء وقته، كان سليمان حين مات قائماً بين الجن وهم بين يديه يعملون له – لم يعلموا بموته، وظلوا يعملون فيما أمرهم به، لم يدلهم على أنه قد مات إلا دابة الأرض التي كانت تأكل منسأته – أي عصاه – التي كان يتكئ عليه. فلما عبثت دابة الأرض بالعصا، زايلت موضعها وسقطت على الأرض، وخر سليمان على الأرض كذلك، وهنا علم الجن أن سليمان قد مات، فأخلوا مكانهم ومضوا إلى حيث يشاءون، ولو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أن سليمان قد مات ولو كان بعيداً عنهم، فكيف وهو تحت سلطانهم وبصرهم؟! .
    وربما كان السوس مسلطاً على العصا التي يحملها وهو لا يدري، فكان متكئاً عليها في مجلس من مجالسه، لم تتحمل طول اتكائه عليها، فانكسرت به حين مات، وثقل جسمه كما هو الشأن في كل ميت، وكانت الجن تمر عليه فتحسبه أنه في غفوة أو في سنة من النوم .
    وبناء على هذا القول في تفسير الآية فإن سليمان عليه السلام ما كان ليمكث هذه المدة الطويلة لا يعلم به أحد من رعيته، حتى تكون الأرضة هي التي كشفت ذلك بأكلها للعصا التي كان يتكئ عليها, وقد كان ميتاً قبل سقوطه بزمن طويل.
    وعلى الرغم من اختلاف الأقوال في المدة التي أمضاها سليمان ميتاً قبل علم الجن به، إلا أنها تتفق جميعاً على أن موته كان برهاناً على أن الجن مع ما لهم من القدرة على التنقل السريع بين أماكن نائية والانطلاق في آفاق فسيحة، فإنهم لا يعلمون الغيب، وذلك من خلال موت سليمان عليه السلام، بخلاف ما كانت تظن الجن ويظن الإنس كذلك، أنهم أقدر من الإنسان على النظر البعيد الذي يكشف ما سيأتي به الغد بالنسبة للإنسان، فعلم الغيب لله وحده.
    القسم الثاني: وهو ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية.
    بالنسبة لهذا القسم فإن الجن يمكن أن تخبر به الإنس، لأن الجن عندهم القدرة على الانطلاق في آفاق فسيحة, والتنقل بين الأماكن البعيدة، لما ميزهم الله بذلك عن الإنسان، فمثلاً: قد يسافر رجل من بلد إلى بد آخر, ويحمل بعض الأغراض معه، فإن الجن بحكم تنقلهم السريع يمكن أن يخبروا شخصاً آخر ممن يتصلون به عن الساعة التي تحرك فيها، و في أي شيء يركب، وما هي الأغراض التي يحملها فيكون هذا بالنسبة للإنسان غيباً من الغيوب لكونه لم يشاهده، ولم يبلغه بطريق من طرق العلم المعتادة، وأما بالنسبة للجن فهو واقع محسوس، وهو في واقع الأمر ليس من علم الغيب، وإنما هو مشاهدة، حيث كان عن واقع محسوس يراه الجن رأي العين، فهو حضور بالنسبة للجن, ولكنه غيب بالنسبة للإنسان البعيد عن موقع الحدث، حيث يرى الجن – ولا نرى نحن البشر – ما وراء الأبواب الموصدة أو الجدر القائمة ونحوها .
    وقد يخبرون الإنس عن الوقائع الماضية بحكم أعمارهم الطويلة التي تزيد على أعمار الإنس، فقد يخبرون شخصاً يعيش اليوم عن حدث وقع قبل مائة عام أو أكثر، وقد يموت الميت ويبقى قرينه من الجن، فيخبرون عن أحوال الميت، وقد حصل من ذلك الكثير كما ذكر ابن تيمية .
    وهذا الإخبار من قبل الجن للإنس عن الأحوال الماضية والأمور المغيبة عن الإنسان قد يكون الجني فيها صادقاً وقد يكون كاذباً، إذ أن في الجن من يشبهون الإنس في الصدق والكذب، بل إن صفاتهم بشكل عام تفوق صفات الإنس سوءا.
    ومن جهة أخرى فإنه لا يصح الوثوق بشيء من أخبارهم لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا، لكونه عالماً مغيباً عنا، ولفجور من تلقي إليهم الجن بهذه الأخبار، فيذيعونها بدورهم بين الناس، مع ما يصطنعونه من قبل أنفسهم من الكذب.
    وكثير من الناس في الجاهلية من كانت الجن تخبرهم ببعض الأمور التي تغيب عن الإنس.
    قال ابن تيمية: (والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه، وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات, ويعينه على بعض الأمور. وأمثال هؤلاء كثيرون) .
    وقال في موضع آخر: (والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته من فمن عبد الشمس والكواكب، كما يفعل أهل دعوة الكواكب، فإنه ينزل عليه الشيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور، ويسمون ذلك: روحانية الكواكب وهو شيطان.
    والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فإنه يضر أضعاف ما ينفعه، وعاقبة من أطاعه إلى شر، إلا أن يتوب الله عليه، وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب) .
    ومن هذا القبيل ما يخبر به بعض من يتصلون بالجن في الوقت الحاضر، حيث تخبرهم الجن عن بعض الوقائع التي تجري في أماكن بعيدة لا يراها الإنس، أو قد يخبرون عن اسم الشخص وما يتعلق بأحواله مما لا يعلمه إلا هو أو بعض المقربين له، فيخبره بهذه الأمور الجني الذي يأتيه، ثم يقوم الشخص بدوره بإخبار ذلك إلى بعض من يدخلون عليه، فيدهش الإنسان لهذه الأمور، وإنما هي في الواقع غيب بالنسبة له، ولمن لا يعلم ذلك من بني جنسه من الإنس الذي لا يعلمون مثل ذلك، ولكنها أمور مشهودة بالنسبة للجن، ووظيفتهم في هذه الحالة نقل هذه الأمور إلى من يخدمونهم من الإنس مقابل طاعتهم لهم، ولذلك فإنك تجد أكثر الذين يتعاملون من الجن مع الإنس تاركين للصلاة والعبادات الأخرى، مهينين للقرآن الكريم، كأن يكتبوه بنجاسة، أو يقلبون بعض الآيات القرآنية، أو يقرأون ويكتبون بعض الطلاسم والأدعية غير مفهومة المعنى، مما يرضاه الجن الكفرة مقابل جلب سحر، أو منع شخص عن زوجته، وغير ذلك مما هو واقع ومشاهد في كل عصر.
    ومن هؤلاء من يشترط على الداخل عليهم من الإنس أن لا يقرأ القرآن ولا يذكر اسم الله تعالى، وذلك لأن الشياطين التي يتعاملون معها تهرب عند قراءة القرآن أو سماع ذكر الله، قال ابن تيمية:
    (ولهذا من يكون إخباره عن شيطان فإنه لا يكاشف أهل الإيمان والتوحيد وأهل القلوب المنورة بنور الله، بل يهرب منهم, ويعترف أنه لا يكاشف هؤلاء وأمثالهم، وتعترف الجن والإنس – الذين خوارقهم بمعاونة الجن لهم – أنهم لا يمكنهم أن يظهروا هذه الخوارق بحضرة أهل الإيمان و القرآن, ويقولون: أحوالنا لا تظهر قدام الشرع والكتاب والسنة، وإنما تظهر عند الكفار والفجار، وهذا لأن أولئك أولياء الشيطان, ولهم شياطين يعاونون شياطين المخدومين, ويتفقون على ما يفعلونه من الخوارق الشيطانية) .
    فليحذر المسلم الدخول على أمثال هؤلاء، وليعلم أن الذي يخبرون به ليس من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وإنما هو من الأمور المشهودة للجن والغائبة عن الإنس.
    وإذا كانت الشياطين تخبر الكهان – وأمثالهم ممن يتصلون بالجن ويتعاملون معهم – ببعض الأمور، وقد يكون ذلك صادقاً أو كاذباً، فإنه لا يجوز تصديقهم أو إتيانهم ... وينبغي أن يعلم أن ما تخبر به الأنبياء من الأمور المشهود ليس مما تقدر عليه الشياطين، وإن قدر أنه من جنس ما تقدر الشياطين عليه، فالمميز في هذه الحال بين النبي والكاهن اختلاف حاليهما قولاً وعملاً.
    وكذلك بالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة، قد تخبر الأنبياء به مالا تقدر الشياطين على الإخبار به كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام: وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 49].
    قال أبو السعود في تفسيره: (أي أخبركم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها) .
    وقال ابن تيمية: (وبالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة والوقائع الماضية فإن الأنبياء عليهم السلام يخبرون منه بما لا يمكن للشياطين أن تخبر به، كما في إخبار المسيح في قوله تعالى: وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران: 49]، فإن الجن قد يخبرون بما يأكله بعض الإنس وبما يدخرونه، لكن الشياطين إنما تتسلط على ما لم يذكر اسم الله عليه، كما إذا دخل الإنسان بيته فإنهم يدخلون معه، وإذا أكل ولم يسم فإنهم يأكلون معه، أو قد يدخر الإنسان شيئاً ولا يذكر اسم الله عليه، فإن الجن تعرفه، وقد تسرق الجن بعض الأموال أو المتاع مما لم يذكر اسم الله عليه.
    وأما من ذكر اسم الله على ما تقدم فإنه لا سلطان للجن على ذلك بسرقته أو معرفة مكانه، والمسيح عليه السلام كان يخبر المؤمنين بما يأكلون ويدخرون مما ذكر اسم الله عليه والجن لا تعلم به) ..
    انضر هنا لمعرفة التحقيقات

    تعليق


    • #3
      رد: مجموعة أسئلة متعلقة باستراق الشياطين للسمع (1) دعوة للمناقشة

      هذا ما وجته مبحثين من رسالة ماجستير من جامعة الامام قسم العقيدة عالم الجن في ضوء الكتاب و السنة لعبد الكريم عبيدات و الكتاب موجود على النت و قد نقل موقع الدرر السنية في موسوعة العقيدة من الرسالة بتصرف و قد قدموا للموسوعة بمقدمة و نقلت من موقع الدررالسنية مع رجاء المعذرة اني لم أقراء المبحثين و لم أختصر :

      الموسوعة العقدية » مقدمة

      مقدمة

      الحمد لله القائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56-58]
      والقائل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]
      وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره المشركون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
      أما بعد:
      فإن توضيح العقيدة الإسلامية الصحيحة وبيانها والدعوة إليها من آكد الواجبات، لأنها هي الطريق لمعرفة الله، وأول واجب على العبد، ومن أجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وانقسم الناس بسببها إلى أشقياء وسعداء، وترتب على تحقيقها السعادة في الدنيا والآخرة، وخلقت من أجلها الجنة والنار.
      والعقيدة الصحيحة من أولى ما ينبغي الاهتمام بها، لا سيما مع كثرة الضلال فيها، واشتباه الحق بالباطل على كثير من المسلمين.
      وقد اهتم أئمة السنة وعلماء هذه الأمة بشأن العقيدة اهتماماً بالغاً فألَّفوا فيها كتباً كثيرة، منها المطول ومنها المختصر، ومنها الجامع، ومنها المقتصر، ولما كان الوقوف على أكثر هذه الكتب عسيراً، ولا يوجد برنامج أو موقع إلكتروني واحد يجمع كل ما يتعلق بعقيدة أهل السنة والجماعة، شرعنا بفضل الله وتوفيقه في مؤسسة الدرر السنية عبر موقعها الإلكتروني بجمع ما تفرق في كتب العقيدة والتوحيد، معتمدين في ذلك على أكثر من مائة وأربعين مرجعاً, على منهج أهل السنة والجماعة، القديم منها والمعاصر، وحرصنا أن تكون شاملة لجميع مسائل وموضوعات العقيدة، مع تحقيقها، وتنقيحها، والتأليف بينها، وتخريج أحاديثها، وتصنيفها تضنيفاً موضوعياً شجريًّا، مع الحرص على ذكر الكلام المنقول كما هو مع ذكر المرجع، إلا أنه أحيانا يتم التصرف في بعض المواضع ويشار إلى ذلك، ونسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وينفع به المسلمين.
      -------------------------
      الموسوعة العقدية » الكتاب العاشر: متفرقات في العقيدة » الباب السادس: الإيمان بالجن » الفصل السادس: الجن وعلم الغيب » المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

      المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

      كان الجن قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقون أخباء السماء، وهو ما يوحيه الله لملائكته، وأصل ذلك قوله تعالى إخباراً عنهم: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [ الجن: 9].
      قال القرطبي: (كان الجن يقعدون مقاعد لاستماع أخبار السماء، وهم المردة من الجن، كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها الله بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) .
      ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديثه الذي رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الملائكة تتحدث في العنان - والعنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشياطين فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القاروة، فيزيدون معها مائة كذبة)) .
      ومن ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري قال: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا:ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا: يوم كذا، كذا وكذا! فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)) .
      و في رواية عند مسلم في صحيحه: ((تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة, فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)) .
      وهكذا فإن الجن كان يستمعون لأخبار السماء، ثم يلقون ذلك إلى الكهان من الإنس، فيزيدون على الكلمة مائة كذبة من عندهم، فيصدق الناس ذلك، قال الماوردي: (فأما استراقهم للسمع فقد كانوا في الجاهلية قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقونه، ولذلك كانت الكهانة في الإنس لإلقاء الجن إليهم ما استرقوه من السمع في مقاعد لهم، كانوا يقربون فيها من السماء كما قال تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [ الجن: 9]) .
      وقال ابن جزى الكلبي في تفسير قوله تعالى: إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [ الصافات: 10]. (والمعنى: لا تسمع الشياطين أخبار السماء، إلا الشيطان الذي خطف الخطفة) .
      وقد اختلف العلماء في استراق الجن للسمع بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم:
      1- فقال قوم: إن استراق الجن لأخبار السماء قد زال بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك زالت الكهانة.
      2- وقال آخرون: إن استراقهم باق بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام .
      واختلفوا كذلك في أن الجن هل كانوا يرمون بالشهب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟
      أ- فقال قوم: لم تكن ترمى الجن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام. وقد نسب النسفي هذا القول للجمهور فقال: (والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم) .
      قال القرطبي: (وقال الكلبي وقوم: لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه خمسمائة عام، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث منعوا من السموات كلها وحرست بالملائكة والشهب، ومنعت من الدنو من السماء، وبه قال عطية العوفي عن ابن عباس، وهذا قول عبد الله بن سابور. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب) .
      ومما يؤيد هذا القول ما ورد عن ابن عباس قال: (كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوه فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين – أراه قال: بمكة – فلقوه فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض) .
      وذكر القرطبي وجها آخر عن ابن عباس قال: (وقد كانت الشياطين لا يحجبون عن السماء، فكانوا يدخلونها ويلقون أخبارها على الكهنة، فيزيدون عليها تسعاً، فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل، فإذا أرادوا شيئاً مما قالوه صدقوهم مما جاءوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب) .
      و في هذا دليل على أن الشياطين لم تكن ترمى بالشهب قبل بعثته عليه الصلاة والسلام.
      وتمسك من قال بأن الشهب لم يكن يرمى بها أيضاً قبل بعثة الرسول عليه السلام بظاهر قوله تعالى: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [الجن: 9].
      إذ قد دل على أن الجن لم تكن ترمى قبل المبعث حيث رتب الرمي على الاستماع بعد المبعث.
      وقد أنكر الجاحظ الرمي قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, وأنكر كل شعر ورد في الرمي فقال: (كل شعر روي فيه فهو مصنوع) .
      ب- وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً.
      فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب –أي السبب الذي من أجله منعوا من استراق السمع – إنما كان لكثرة الرجم، ومنعهم عن الاستراق بالكلية .
      وقيل: إنما زاد الرمي إنذاراً بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام .
      قال القرطبي: (وقال أوس بن حجر – وهو جاهلي:

      فأنقض كالدري يتبعه



      نقع يثور تخاله طنبا )

      قال بدر الدين الشبلي: (وقال السهيلي: ولكن القذف في النجوم كان قديما، وذلك موجود في أشعار القدماء من الجاهلية.. وذكر عبد الرزاق عن ابن شهاب أنه سئل عن هذا الرمي بالنجوم أكان في الجاهلية؟ قال: نعم ولكنه لما جاء الإسلام غلظ وشدد ).
      وقال ابن إسحاق: (حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث: " أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم – حين رمي بها – هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية أحد بني علاج، قال: وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا، فقالوا له: يا عمرو: ألم تر إلى ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا: فإن كانت معالم النجوم – التي يهتدى به في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس معايشهم – هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوما غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو؟) .
      وما ذكره ابن إسحاق فيه دليل على أن النجوم لم يكن يرمى بها قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إن ثقيفاً استغربت الأمر، وخافت أن يكون قد اقتربت نهاية العالم، حتى ذهبوا إلى عمرو بن أمية يخبرهم الأمر.
      القول الراجح:
      والراجح أن الرمي كان قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يكن في الشدة مثلما كان بعد مبعثه تمسكاً بحديث ابن عباس الآتي في كلام القرطبي، وهو ما رجحه ابن كثير والقرطبي وغيرهم.
      قال ابن كثير: (وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك) . وذكر أن ما ورد من استغراب الإنس والجن للرمي بعد المبعث فإنما كان لكثرة الشهب في السماء والرمي بها، حيث ظنوا أن ذلك لخراب العالم .
      وقال القرطبي: (والقول بالرمي أصح لقوله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن: 8]. وهذا إخبار عن الجن أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت منا ومنهم. ولما روي عن ابن عباس قال:((أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم. ومات رجل عظيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته. ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه، إذا قضى أمراً سبح حملة العرش. ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا. ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال. قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً به. حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا. فما جاءوا به على وجهه فهو حق. ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون)) .
      وهذا يدل على أن الرجم قبل المبعث، واشتدت الحراسة بعد المبعث، فمنعوا من ذلك أصلاً) .
      وقال بدر الدين الشبلي في قوله سبحانه: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [ الجن: 8]: (ولم يقل: حرست، دليل على أنه - أي الرمي - قد كان منه شيء، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ملئت حرساً شديداً وشهباً، وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم، ولتكون الآية أبين، والحجة أقطع) .
      وأما قوله تعالى: فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا [ الجن: 9]. فإنما يحمل على التشديد في حراسة السماء، فكل من يحاول من الشياطين استراق السمع بعد المبعث، فإن له شهاباً رصداً يرمى به، وذلك صيانة للوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أن يصل الشياطين إلى شيء منه.
      وعلى هذا يحمل قول ابن إسحاق المتقدم كذلك، فإن استغراب الحي من ثقيف وفزعهم للرمي إنما كان لكثرته وشدته.
      واختلف العلماء: هل كانت الشهب تأخذ الجن قبل استراق السمع أم بعد استراقهم؟
      1- فذهب بعضهم إلى أن الشهب تأخذهم قبل استراق السمع حتى لا يصل إليهم لانقطاع الكهانة بهم، وتكون الشهب منعاً من استراقه .
      2- وذهب آخرون منهم إلى أن الشهب تأخذهم بعد استراقه، وتكون الشهب عقاباً على استراقه .
      وبناء على ما تقدم: هل يقتل الشهاب الجني عند رميه به أم لا يقتله؟
      أ- فقال ابن عباس: (الشهاب يجرح, ويحرق, ويخبل, ولا يقتل، ولذلك عادوا لاستراق السمع بعد الإحراق، ولولا بقاؤهم لانقطع الاستراق بعد الاحتراق، ويكون ما يلقونه من السمع إلى الجن دون الإنس لانقطاع الكهانة عن الإنس) .
      ب- وقال الحسن وطائفة: (الشهاب يقتل بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن)، قال الشوكاني: (ذكره الماوردي ثم قال: والقول الأول أصح) .
      وظاهر القرآن أن الرمي يكون بعد الاستراق لعطفه عليه بالفاء الدالة على التعقيب في قوله تعالى: إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [ الحجر: 18]. وقوله: إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [ الصافات: 10]..
      ---------------------
      لموسوعة العقدية » الكتاب العاشر: متفرقات في العقيدة » الباب السادس: الإيمان بالجن » الفصل السادس: الجن وعلم الغيب » المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

      المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

      إن العلوم والأخبار التي يلقيها الجن إلى الإنس يمكن تقسيمها إلى قسمين:
      القسم الأول: ما يتعلق بالأمور الغيبية.
      القسم الثاني: ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية.
      أما بالنسبة للقسم الأول فيمكن تقسيمه إلى قسمين:
      أ- أن تكون من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها.
      ب- أن تكون من المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة أو من البشر، مما يطلع الله عليه من شاء من رسله.
      أما بالنسبة للقسم الأول: ... أنه من اختصاص الله، ولا يمكن لأي مخلوق في هذا العالم أن يعرف عنه شيئاً، سواء كان في ذلك الملائكة أو الجن أو الإنس، لأن الآيات القرآنية قد أخبرت أن علم ذلك لله وحده دون سواه، ولا يكون التحدث عن شيء من هذا الغيب إلا من قبيل الافتراء على الله، وهو يناقض الإيمان، ومدعيه كافر، لمعارضته الآيات القرآنية الدالة على اختصاص الله بذلك قال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 59] وقال: قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].
      أما بالنسبة للثاني: وهو المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء، وأصبحت معلومة لذوي الاختصاصات من الملائكة أو من البشر... إلخ.
      فقد تقدمت فيه الأحاديث من أن الله إذا قضى الأمر في السماء، بأن يتكلم بالأمر الذي يوحيه إلى جبريل بما أراده، فيلخص هذا القول ويمضي في الملائكة حتى يفزعوا منه، فيعلمون أن الله لا يقول إلا الحق، فيسمع مسترق السمع من الجن الكلمة، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقي الكلمة، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها الكاهن مائة كذبة .
      وفي الأحاديث الواردة بهذا الصدد دليل على أن الجن يسترقون السمع من الملائكة، وكانوا يقذفون بالشهب خصوصاً بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
      فما تسمعه الملائكة بعد إلقاء الأمر إلى جبريل قد خرج عن الغيب الذي اختص به الله، إذ علمت به الملائكة، فعندئذ تحاول الجن استماع ذلك، فربما يسمعون كلمة، وربما لا يسمعون، لأن الشهب لهم بالمرصاد.
      وأما قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: 26]. فقد قال القرطبي:
      (اختص الله بعلم الغيب فهو له وحده، إلا ما شاء الله من اطلاع بعض الرسل، لأنهم مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات، وقال العلماء رحمهم الله تعالى: لما تمدح الله سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم, ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه، ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه) .
      والآية لا تناقض ما تقدم من الأحاديث الدالة على استراق للسمع بعد أن يلقي الله كلامه إلى جبريل، لأن الجن قد منعوا من استراق السمع أصلاً، وما يستمعونه عندئذ لا يعتبر غيباً بالنسبة للملائكة ولمسترق السمع، كما حصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن صياد المتقدم.
      ومضمون الاستدلال في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين كذب ابن صياد وأن ما يقوله هو من الكهانة، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خبأ له سورة الدخان فأخبره شيطانه الذي يأتيه ببعض حروفها، لأنه لم يقدر أن يستطلع إلا ذلك، ولن يقدر على أكثر منه، لأن الله قد حفظ رسله من الشياطين بما أرصده لهم من الملائكة الذين يحرسونهم من الشياطين عن أن يتشبهوا بصور الملك، فإذا جاء أحدهم شيطان في صورة ملك قالوا: هذا شيطان فاحذره، وان جاء الملك قالوا: هذا رسول ربك .
      دلالة موت النبي سليمان عليه السلام على عدم معرفة الجن علم الغيب.
      قصه موت النبي سليمان عليه السلام فيها دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب، كما أخبر القرآن بذلك، قال تعالى:
      فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[ سبأ: 14].
      قال القرطبي في تفسير الآية: (أي: فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت, وذلك أنه كان متكئاً على عصا فانكسرت به بسبب أكل الأرضة لها – وهي دابة صغيرة تأكل الخشب – فوقع ميتا – فعلم موته بذلك، فكانت الأرضة دالة على موته، وكان قد سأل الله تعالى أن لا تعلم الجن بموته حتى تمضي عليه سنة) .
      وقد ذكر المفسرون أوجهاً لسبب طلب سليمان عليه السلام من ربه أن يعمي موته على الجن:
      فقال جماعة منهم: إنه طلب ذلك حتى يري الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، بخلاف ما كانوا يظنونه من أن الجن تعلم ذلك، وقد كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد.
      وقال آخرون: إن طلبه ذلك إنما كان لأن داود عليه السلام قد أسس بيت المقدس، فمات ولم يتمه، فأوصى سليمان بإتمام بنائه، فأمر سليمان الجن باتمام بنائه، فلما دنا أجله قال لأهله: لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد، وكان قد بقي لاتمامه سنة، فلبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي، واتكأ على عصاه فمات، ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد .
      واستنكر بعض المفسرين أن يمكن سليمان عليه السلام هذه المدة الطويلة – وهي سنة – دون أن يعلم به أحد من رعيته، وهو أمر لا يمكن أن يحدث مع إنسان عادي، فكيف يكون بنبي يكون له هذا الملك الواسع!.
      وبناء عليه فقد اعتبر هذا النفر أن معنى الآية: أن سليمان حين حان أجله وقضى الله عليه الموت – أي أوجب عليه الموت حين جاء وقته، كان سليمان حين مات قائماً بين الجن وهم بين يديه يعملون له – لم يعلموا بموته، وظلوا يعملون فيما أمرهم به، لم يدلهم على أنه قد مات إلا دابة الأرض التي كانت تأكل منسأته – أي عصاه – التي كان يتكئ عليه. فلما عبثت دابة الأرض بالعصا، زايلت موضعها وسقطت على الأرض، وخر سليمان على الأرض كذلك، وهنا علم الجن أن سليمان قد مات، فأخلوا مكانهم ومضوا إلى حيث يشاءون، ولو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أن سليمان قد مات ولو كان بعيداً عنهم، فكيف وهو تحت سلطانهم وبصرهم؟! .
      وربما كان السوس مسلطاً على العصا التي يحملها وهو لا يدري، فكان متكئاً عليها في مجلس من مجالسه، لم تتحمل طول اتكائه عليها، فانكسرت به حين مات، وثقل جسمه كما هو الشأن في كل ميت، وكانت الجن تمر عليه فتحسبه أنه في غفوة أو في سنة من النوم .
      وبناء على هذا القول في تفسير الآية فإن سليمان عليه السلام ما كان ليمكث هذه المدة الطويلة لا يعلم به أحد من رعيته، حتى تكون الأرضة هي التي كشفت ذلك بأكلها للعصا التي كان يتكئ عليها, وقد كان ميتاً قبل سقوطه بزمن طويل.
      وعلى الرغم من اختلاف الأقوال في المدة التي أمضاها سليمان ميتاً قبل علم الجن به، إلا أنها تتفق جميعاً على أن موته كان برهاناً على أن الجن مع ما لهم من القدرة على التنقل السريع بين أماكن نائية والانطلاق في آفاق فسيحة، فإنهم لا يعلمون الغيب، وذلك من خلال موت سليمان عليه السلام، بخلاف ما كانت تظن الجن ويظن الإنس كذلك، أنهم أقدر من الإنسان على النظر البعيد الذي يكشف ما سيأتي به الغد بالنسبة للإنسان، فعلم الغيب لله وحده.
      القسم الثاني: وهو ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية.
      بالنسبة لهذا القسم فإن الجن يمكن أن تخبر به الإنس، لأن الجن عندهم القدرة على الانطلاق في آفاق فسيحة, والتنقل بين الأماكن البعيدة، لما ميزهم الله بذلك عن الإنسان، فمثلاً: قد يسافر رجل من بلد إلى بد آخر, ويحمل بعض الأغراض معه، فإن الجن بحكم تنقلهم السريع يمكن أن يخبروا شخصاً آخر ممن يتصلون به عن الساعة التي تحرك فيها، و في أي شيء يركب، وما هي الأغراض التي يحملها فيكون هذا بالنسبة للإنسان غيباً من الغيوب لكونه لم يشاهده، ولم يبلغه بطريق من طرق العلم المعتادة، وأما بالنسبة للجن فهو واقع محسوس، وهو في واقع الأمر ليس من علم الغيب، وإنما هو مشاهدة، حيث كان عن واقع محسوس يراه الجن رأي العين، فهو حضور بالنسبة للجن, ولكنه غيب بالنسبة للإنسان البعيد عن موقع الحدث، حيث يرى الجن – ولا نرى نحن البشر – ما وراء الأبواب الموصدة أو الجدر القائمة ونحوها .
      وقد يخبرون الإنس عن الوقائع الماضية بحكم أعمارهم الطويلة التي تزيد على أعمار الإنس، فقد يخبرون شخصاً يعيش اليوم عن حدث وقع قبل مائة عام أو أكثر، وقد يموت الميت ويبقى قرينه من الجن، فيخبرون عن أحوال الميت، وقد حصل من ذلك الكثير كما ذكر ابن تيمية .
      وهذا الإخبار من قبل الجن للإنس عن الأحوال الماضية والأمور المغيبة عن الإنسان قد يكون الجني فيها صادقاً وقد يكون كاذباً، إذ أن في الجن من يشبهون الإنس في الصدق والكذب، بل إن صفاتهم بشكل عام تفوق صفات الإنس سوءا.
      ومن جهة أخرى فإنه لا يصح الوثوق بشيء من أخبارهم لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا، لكونه عالماً مغيباً عنا، ولفجور من تلقي إليهم الجن بهذه الأخبار، فيذيعونها بدورهم بين الناس، مع ما يصطنعونه من قبل أنفسهم من الكذب.
      وكثير من الناس في الجاهلية من كانت الجن تخبرهم ببعض الأمور التي تغيب عن الإنس.
      قال ابن تيمية: (والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه، وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات, ويعينه على بعض الأمور. وأمثال هؤلاء كثيرون) .
      وقال في موضع آخر: (والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته من فمن عبد الشمس والكواكب، كما يفعل أهل دعوة الكواكب، فإنه ينزل عليه الشيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور، ويسمون ذلك: روحانية الكواكب وهو شيطان.
      والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فإنه يضر أضعاف ما ينفعه، وعاقبة من أطاعه إلى شر، إلا أن يتوب الله عليه، وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب) .
      ومن هذا القبيل ما يخبر به بعض من يتصلون بالجن في الوقت الحاضر، حيث تخبرهم الجن عن بعض الوقائع التي تجري في أماكن بعيدة لا يراها الإنس، أو قد يخبرون عن اسم الشخص وما يتعلق بأحواله مما لا يعلمه إلا هو أو بعض المقربين له، فيخبره بهذه الأمور الجني الذي يأتيه، ثم يقوم الشخص بدوره بإخبار ذلك إلى بعض من يدخلون عليه، فيدهش الإنسان لهذه الأمور، وإنما هي في الواقع غيب بالنسبة له، ولمن لا يعلم ذلك من بني جنسه من الإنس الذي لا يعلمون مثل ذلك، ولكنها أمور مشهودة بالنسبة للجن، ووظيفتهم في هذه الحالة نقل هذه الأمور إلى من يخدمونهم من الإنس مقابل طاعتهم لهم، ولذلك فإنك تجد أكثر الذين يتعاملون من الجن مع الإنس تاركين للصلاة والعبادات الأخرى، مهينين للقرآن الكريم، كأن يكتبوه بنجاسة، أو يقلبون بعض الآيات القرآنية، أو يقرأون ويكتبون بعض الطلاسم والأدعية غير مفهومة المعنى، مما يرضاه الجن الكفرة مقابل جلب سحر، أو منع شخص عن زوجته، وغير ذلك مما هو واقع ومشاهد في كل عصر.
      ومن هؤلاء من يشترط على الداخل عليهم من الإنس أن لا يقرأ القرآن ولا يذكر اسم الله تعالى، وذلك لأن الشياطين التي يتعاملون معها تهرب عند قراءة القرآن أو سماع ذكر الله، قال ابن تيمية:
      (ولهذا من يكون إخباره عن شيطان فإنه لا يكاشف أهل الإيمان والتوحيد وأهل القلوب المنورة بنور الله، بل يهرب منهم, ويعترف أنه لا يكاشف هؤلاء وأمثالهم، وتعترف الجن والإنس – الذين خوارقهم بمعاونة الجن لهم – أنهم لا يمكنهم أن يظهروا هذه الخوارق بحضرة أهل الإيمان و القرآن, ويقولون: أحوالنا لا تظهر قدام الشرع والكتاب والسنة، وإنما تظهر عند الكفار والفجار، وهذا لأن أولئك أولياء الشيطان, ولهم شياطين يعاونون شياطين المخدومين, ويتفقون على ما يفعلونه من الخوارق الشيطانية) .
      فليحذر المسلم الدخول على أمثال هؤلاء، وليعلم أن الذي يخبرون به ليس من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وإنما هو من الأمور المشهودة للجن والغائبة عن الإنس.
      وإذا كانت الشياطين تخبر الكهان – وأمثالهم ممن يتصلون بالجن ويتعاملون معهم – ببعض الأمور، وقد يكون ذلك صادقاً أو كاذباً، فإنه لا يجوز تصديقهم أو إتيانهم ... وينبغي أن يعلم أن ما تخبر به الأنبياء من الأمور المشهود ليس مما تقدر عليه الشياطين، وإن قدر أنه من جنس ما تقدر الشياطين عليه، فالمميز في هذه الحال بين النبي والكاهن اختلاف حاليهما قولاً وعملاً.
      وكذلك بالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة، قد تخبر الأنبياء به مالا تقدر الشياطين على الإخبار به كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام: وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 49].
      قال أبو السعود في تفسيره: (أي أخبركم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها) .
      وقال ابن تيمية: (وبالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة والوقائع الماضية فإن الأنبياء عليهم السلام يخبرون منه بما لا يمكن للشياطين أن تخبر به، كما في إخبار المسيح في قوله تعالى: وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران: 49]، فإن الجن قد يخبرون بما يأكله بعض الإنس وبما يدخرونه، لكن الشياطين إنما تتسلط على ما لم يذكر اسم الله عليه، كما إذا دخل الإنسان بيته فإنهم يدخلون معه، وإذا أكل ولم يسم فإنهم يأكلون معه، أو قد يدخر الإنسان شيئاً ولا يذكر اسم الله عليه، فإن الجن تعرفه، وقد تسرق الجن بعض الأموال أو المتاع مما لم يذكر اسم الله عليه.
      وأما من ذكر اسم الله على ما تقدم فإنه لا سلطان للجن على ذلك بسرقته أو معرفة مكانه، والمسيح عليه السلام كان يخبر المؤمنين بما يأكلون ويدخرون مما ذكر اسم الله عليه والجن لا تعلم به) ..
      انضر هنا لمعرفة التحقيقات

      تعليق

      يعمل...
      X