السّنّة والشيعة كيف يجتمعان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أهداني أخ كريم في الدّين (وفي وطن أُسِّس على الدعوة إلى السنة من أول يوم) مقالاً نُشِر في جريدة المدينة ملحق الرسالة في 1428/1/7هـ لأحد أساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود (عن إلحاح الأستاذ حسن الصفّار في الدّعوة إلى وحدة أهل السنة مع الشيعة، وإلحاحه في تجنّب بحث التّناقض الصّارخ في الاعتقاد والمنهاج بين الطائفتين)، وأنا في حاجة لهدايا مثل هذه لمقاطعتي الجرايد.
وشكرت الله ثم شكرت أخي الكبير على ما برّني به بين حين وآخر مما يرى لي الاهتمام به، وقد عَرَفْته قبل ستّين سنة ولم أكن تجاوزت مرحلة الطّفولة، وكان ركناً من أركان المؤسّسة التّعليميّة متميزاً بخُلُقه العظيم، وقد احتفظ بموقعه من إدارة المؤسّسة التّعليميّة سنوات بعد تحوّلها إلى وزارة. ثم ارتقى فبلغ أعلى درجات السلّم الإداري وتجاوز أقصى درجات السّنّ الوظيفي ولم ينقص ذلك شيئاً من درجات أخلاقه العالية وسعيه للإصلاح داخل حدود وظيفته الحكوميّة وخارجها. بارك الله في عمره وعمله ووقته.
وشكرت الله ثم شكرت أخي كاتب المقال على تميّزه ببحث مستقبل علاقة السنة بالشيعة على نحوٍ غفل عنه المُفْرِطون والمفَرِّطون، فلم يوفّق إليه من يناهض الشيعة لمجرد انتمائه الوراثي اللفظي للسّنّة دون سعي لإصلاح حاله أو حالهم، ولم يوفّق إليه من يغازل الشيعة لمجرّد الابتعاد عن وصف التعصّب والشدّة والاقتراب من وصف الوسطيّة والتّسامح، أو للاستفادة من جوائز دولة الآيات الشيعية مادّيّة أو معنويّة، جهلاً أو تهاوناً بحدود الولاء والبراء لشرع الله، وتميُّزها عن حدود المعاملة بالحسنى للجميع كما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعامل المشرك والمنافق والكتابي، وينهاهم عن مخالفة شرع الله.
أ) تَمَيَّز الكاتب (زاده الله توفيقاً) على من قرأت له في هذا الباب بعدّة أمور، منها:
1 – إدراكه أن خطر الفُرْقة والعداوة بين الطّائفتين أهون من خطر التّناقض بينهما في الاعتقاد فما دونه من العبادات والمعاملات، ولا يمكن ـ شرعاً أو عقلاً ـ إزالة الفُرْقة والعداوة قبل إزالة أسبابها: تعظيم المشاهد والمراقد والمزارات، ودعاء أسماءٍ سُمِّيَتْ بها ما أنزل الله بها من سلطان، وسبّ الصّحابة ومنهم ثلاثة من الخلفاء الرّاشدين المهدييّن الذين شَهِد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة وأمَرَ باتّباع سنّتهم، ودعوى عصمة الأئمة الاثني عشر ومنهم صاحب السّرداب الذي تقول أسطورة الشيعة هداهم الله أنه دخل السّرداب وعمره سبع سنين ولم ينفعه دعاؤهم له بالفرج قروناً، والنّياحة على الحسين رضي الله عنه وتضمّ معصيتين كبيرتين: الكفر الأصغر، والنّفخ في نار العداوة والفُرْقة والشقاق بين الشيعة والسّنة وبين المنتمين إليهما (لضمان الشيطان عدم الرجوع إلى الحقّ)، ونحوها وما دونها.
ومع أن أكثر المنتمين إلى السّنة يقعون في أسوأ ما يقع فيه أكثر المنتمين إلى الشيعة وهو الشرك الأكبر بدعاء المخلوق مع الخالق أو دونه إلا أن فقهاء الأمّة الذين ينتمي إلى مذاهبهم أكثر أفراد السّنة يكفِّرون من فَعَل ذلك (إذا تحقّقَتْ شروط التكفير وعُدِمتْ موانعه) ولكنه الجهل أعاذ الله الطائفتين منه، وإذا كان للعذر بالجهل مكانٌ هنا فالشيعة أولى به لأنهم مُتَّبِعون لأكثر مفكّريهم بعد القرون الأولى مقلّدون لهم.
والمنتمون إلى السّنة جميعاً يحبّون جميع آل البيت ويترضون عنهم كما يحبّون ويترضون عن بقيّة الصّحابة إلا من اجتاله الفكر والهوى عن منهاج السّنة مثل سيد قطب تجاوز الله عنه في سبّه معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وأرضاهما، وفي ثَلْبه ولمزه عثمان وعدد من الصحابة رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم في كتابيه: (العدالة الاجتماعية ص 164 و 175 وكتب وشخصيات ط. دار الشروق ص 242) رضي الله عن خلفاء رسوله وصحابته وآل بيته وأرضاهم أجمعين، فأهل السّنة وسط بين الشيعة والخوارج في هذا الأمر، كما أن الله ميّز المسلمين (بحُبِّ والصّلاة والسّلام على جميع أنبياء الله ورسله) على النّصارى الذين يستثنون محمداً وعلى اليهود الذين يستثنون عيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
2 – استدلاله على مجانبة الشيعة اليوم منهاج آل البيت (الذين يدّعون اتّباعه ويفارقون أهل السّنة باسم التزامه) بما كتبه ثلاثة من باحثي وعلماء الشيعة المعاصرين (لا السّنة) خشية من تحقّق التّحيّز أو ادّعائه.
3 – إشارته إلى حقيقة أن دعوى التّقريب والوحدة [منذ بدأت في منتصف القرن الماضي في مصر حتى اليوم] لا تتجاوز: (الذّبّ عن الشيعة وستر عيوب المذهب عن أعين المخالفين) وأنه يمكن اختصارها في كلمة واحدة: (هكذا نحن، وسوف نبقى هكذا فتعايشوا معنا لئلا يستغلّنا العدوّ الخارجي). وخطر فساد المعتقد مع السّعي الحثيث إلى نشره من قِبَل الدّولة الإيرانية وأفراد دعاة التّشيّع المنتمين للإسلام (ومثله خطر المناهج المبتدعة للجماعات والأحزاب والفِرَق المنتمية للسّنة) أخطر من العدوّ الخارجي السّافر.
ب) قبل سبعين سنة دَعَى القُمِّي إلى التّقريب والوحدة بين الطائفتين فاستجاب له عدد من المعلّمين في الجامع الأزهر وانضمّ إليهم بعض المفكرين الموصوفين بالإسلامييّن وأصدروا مجلة التّقريب وكانت النتيجة: الإخفاق الذّريع (فالقلوب متباينة والعقائد متناقضة وهيهات أن يجتمع النّقيضان أو يتّفق الضّدّان) انظر فتاوى اللجنة الدّائمة للافتاء برئاسة ابن باز ونائبه العفيفي (2/256) المجموعة الأولى.
ولم يظهر أثناء محاولات التّقريب الجادّة والهازلة أي محاولة تذكر للنّهي عن سبّ الصّحابة ولا عن النّياحة في ذكرى موت الحسين رضي الله عنه وأرضاه؛ فضلاً عن محاربة الشرك الأكبر بدعاء أصحاب القبور والاستعانة والاستغاثة بهم مع الله أو مِنْ دونه؛ إنما كان لسان حال الدّاعين إلى الوحدة والتقريب ينطق بقول فرعون وأعوانه: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء: 40].
جـ) والمحاولة الوحيدة الحقيقيّة للتّقريب والوحدة بين السّنة والشيعة (فيما أعلم) لا تحمل شعار التّقريب والوحدة المبتذل؛ وإنما تحمل شعار (تصحيح التّشيّع)، وهي موجّهة للشيعة من الشيعة ممثّلة في (المجلس الأعلى لتصحيح التّشيّع) برئاسة الأستاذ المجتهد د. موسى الموسوي، وخير نتائج المجلس (فيما أعلم) كتاب الموسوي: (تصحيح التّشيّع)(1) وأوّل ما تقع عليه عين القارئ تحت العنوان (على الغلاف الأول) المسائل التي يخالف فيها الشيعة اليوم فقه آل البيت (وهي في الحقيقة المسائل التي يخالف فيها الشيعة صحيح السّنة).
وأعظمها: إشراك أئمة الشيعة مع الله تعظيماً لمزاراتهم ومشاهدهم ودعاءً لهم بحجّة التّقرّب والاستشفاع بهم إلى الله، ولم يَفُت العلامة الموسوي الإشارة إلى حقيقة أن أكثر المنتمين للسنة بل جُلُّهم ما عدا الموصوفين منهم بالسّلفيين [أو الوهّابيين]؛ يشاركون الشيعة في اقتراف هذه الموبقة والكبيرة والظلم العظيم.
وأهْوَنُها: التّقيّة بحجة قول الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28].
والعلامة الموسوي شيعيّ تعلّم في (قُمّ) حتى بلغ درجة الاجتهاد، وهو مثل العاملين معه على تصحيح التشيّع لا ينفون جواز التّمذهب بمذهب أحد من فقهاء آل البيت في القرون المفضّلة ولكنّهم ينفون التّعصّب للمتأخرين من علماء الشيعة الذين انحرفوا عن منهاج السّنة الذي عُرِف به الفقهاء الأُوَل إما بسبب الجهل بحقيقة ما كانوا عليه أو بسبب الحرص على السّلطة والمال باسم اتّباع آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم، ويمكن أن يقال مثل ذلك عن أكثر المنتمين إلى السّنة، وأنا أعترف بأن العلامة الموسوي رغم انتمائه الشيعي أفقه من الفئتين في دين الله وأقرب إلى صحيح السّنة من كليهما.
ولو بذل دعاة السّنة الصّحيحة جهدهم في ردّ الشيعة إلى السّنة ولو أقلّ مما يبذله الشيعة (رعاة ورعيّة) في سبيل تحويل المنتمين للسّنة إلى منهاجهم المنحرف عمّن يدّعون التشيّع له لبرئت ذمّتهم؛ ولكنّ لسان حالهم يقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] فَهُم لا يَدْعُوْنَهم للحق ولا يَدْعُون لهم بالهداية كما شرع الله لهم، هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشداً.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين. عفا الله عنه.1429هـ
لتصفح الكتاب أنقر على هذا الرابط
المصدر
لتصفح الكتاب أنقر على هذا الرابط
المصدر