بسم الله الرحمن الرحيم
الخبيئة الصالحة للأتقياء عن الزوجة والأبناء
الخبيئة الصالحة للأتقياء عن الزوجة والأبناء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإخفاء العمل الطيب دليل على الإخلاص، والخبيئة الصالحة تجارة رابحة تورث محبة الله تعالى.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)).
أخرجه مسلم.
كذلك من ثمرة إخفاء العمل أن يكون صاحبه مع الذين يظلهم الله تعالى تحت ظل عرشه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه)).
متفق عليه.
لهذا جاءت وصية نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بأن يحرص المسلم على أن يكون له عمل صالح يخفيه.
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل)).
أخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) مرفوعا وأوقفه على الزبير ابن أبي شيبة في ((المصنف)) والضياء في ((الأحاديث المختارة)) وأخرجه القضاعي في ((مسند الشهاب)) مرفوعا عن ابن عمر وأودعه الألباني ((الصحيحة)) تحت (رقم: 2313).
ولهذا حرص سلفنا الصالح على إخفاء أعمالهم عن أعين الناس خوفًا من أن يفسدها عليهم الرياء؛ بل حرص البعض منهم على إخفاء بعض أعمالهم عن أبنائهم وزوجاتهم طلبًا فيما عند الله تعالى والدار الآخرة.
وهذه نماذج من قصص سلفنا الصالح في إخفائهم لصالح العمل عن الزوجة والأهل.
قال عمرو بن علي: سمعت ابن داود الخريبي يقول: (كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته، ولا غيرها).
ذكره المزي في ((تهذيب الكمال في أسماء الرجال)) والذهبي في ((سير أعلام النبلاء)).
وعن كعب الأحبار قال: (من تعبد لله ليلة حيث لا يراه أحد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن سلام، قال: (كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وجاء عن امرأة حسان بن أبي سنان قالت: (كان يجيء فيدخل معي في فراشي، ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج، ثم يقوم فيصلي، قالت: فقلت له: يا أبا عبد الله، كم تعذب نفسك، ارفق بنفسك، فقال: اسكتي ويحك فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زمانا).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) والبيهقي في ((الشعب)).
وعن عمرو بن علي، قال: سمعت ابن أبي عدي يقول: (صام داود [بن أبي هند] أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازا يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ويرجع عشيا فيفطر معهم).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
وعن إسحاق بن خف قال: (أقام عمرو بن قيس الملائي عشرين سنة صائماً ما يعلم به أهله يأخذ غداءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغذائه ويصوم، وأهله لا يدرون).
ذكره ابن الجوزي في ((صفة الصفوة)).
وعن محمد بن واسع، قال: (لقد أدركت رجالا كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته ولقد أدركت رجالا يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جانبه).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
فهذا حال سلفنا الكرام عليهم من ربنا الرضوان يجتهدون في إخفاء أعمالهم الصالحة كما نجتهد في إخفاء أعمالنا الطالحة..
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 14 شوال سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 26 مايو سنة 2021 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 14 شوال سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 26 مايو سنة 2021 ف