تحريم أعياد النصارى
الحمدلله رب العالمين,والصلاة على أشرف المرسلين,نبينا محمد وآله الطيبين,وصحابته الغر الميامين,ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين,أما بعد:
فهذه خطبة بعنوان تحريم أعياد النصارى,كنت قد ألقيتها العام الماضي,وقد فرغها أخونا أبو عثمان سعيد مباركي-جراه الله خيرا,ارتأيت أن أنشرها على الشابكة,بعد أن عدَّلت فيها الأخطاء الناتجة عن الإرتجال,حتى ينتفع بها إخواننا من الخطباء وغيرهم,وأسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في كل ما نأتي ونذر,وهاهي دونكم:
الخُطْبَةُ الأُوْلىَ
الحَمْدُ لله، الحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَ لِكُلِّ أُمَّة عِيدًا، يَنْفَرِدُونَ بِهِ بَيْنَ الأُمَم وَحِيدًا، وَصَلَى الله وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَّا مُحَمَّد الَّذِي سَدَدَّهُ رَبُّهُ تَسْدِيدًا، وَآلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِم إِلَى يَوْم يَحْصُلُ الأَمْر فِيهِ وَعْدًا وَوَعِيدًا.
أما َبَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُون إِنَّ هذه الأيام هَي أَيْام أَعَيْادِ النَّصَارَى، وَكَمَا تَعْلَمُون- إِخْوَةَ الإِيْمَان- أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المُسْلِمِين يُشَارِكُون النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِم بِنَاءًا عَلَى مِيلاَد المَسِيح عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم، و النَّصَارَى بِطَوَائِفِهم الثَّلاَث مُخْتَلِفُون فِيهِ:
فَالطائفة الأولى تقُول: هُوَ فِي الخامس وَالعِشْرِين (25) مِنْ شَهْرِ دِيسَمْبَر وَهُم طَائِفَة الكاثوليك.
وَالطَائِفَة الثانية: وَهُم الأورتوذوكس و البُرُتُوسْتَانْت.الَّذِين كَانُوا مُحْتَلِّينَ الجَزَائِر وهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ المَسِيحَ-عليه السلام وُلِدَ فِي السابع مِنْ شَهْرِ يَنَاير.والنصاري اتبعوا في إحداثهم هذا التاريخ عيدا وثنيا يسمى عيد شمس البر , هذا لعباد الشمس.
يقول الأسقف بارنز أن هذا التاريخ التاريخ 25 ديسمبر قد صادف يوم احتفال كبير بعيد وثني قومي في روما ، ولم تستطع الكنيسة أن تلغي هذا العيد بل باركته كعيد قومي لـ [شمس البر] فصار ذلك تقليديا منذ هذا الوقت .
وقد تم الاتفاق على الاحتفال بعيد الميلاد في ديسمبر بالنسبة للغربيين بعد مناقشات طويلة حوالي عام 300 .
وهذا الرأي الذي ذهب إليه الأسقف بارنز أخذت به دائرة المعارف البريطانية ودائرة معارف شامبرو ( انظر ذلك في الصفحة 642 ، 643 من دائرة المعارف البريطانية ط:15 مجلد : [5].
وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَؤُلاَء كُلَّهُم مُخْطِئُون, لأَنَّ القُرْآنَ الكَرِيم قَدْ بَيَّنَ أَنَّ مِيلاَد المَسِيح عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم كَانَ فِي وَقْت نُضْجِِ التَّمْر إِذْ يَقُولُ الله جَلَّ وَعَلاَ: وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا إِذَنْ فَمِيلاَد المَسِيح عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم إِنَّمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُضْجِ التَّمْر فِي الخَرِيف, يَوْم كَانَت الحَرَارَة قد بلغت أشُدَّها.
أَمَّا بِالنِسْبَةِ مَا يُقَرِّرُهُ النَّصَارَى بِطَوَائِفِهِم الثَّلاَث أَنَّ المَسِيحَ وُلِدَ فِي وَقْتِ البُرُودَة فَهُوَ خَطَأٌ كَبِير ,أبطلته الآية السابقة.
إِخْوَة الإِيْمَان:إنَّ مَنْ يُقَلِد النَّصَارَى فِي هَذِهِ الأَيَّام وَيَحْتَفِل بِاحْتِفَالاَتِهِم, إِنَّمَا يُشَارِكُهُم فِي دِينِهِم وَالعِيَاذُ بِالله تَعَالَى وَخَاصَة إِذَا كَانَ الأَمْرُ أَمْرَ تَعْظِيم يُعَظِمُهُم فِي دِينِهِم فَهَذَا يُعَدُّ مِنْ أَنْكَرِ المُنْكَرَات.
كيف وقد أصبحنا نرى المُسْلِمِين فِي هَذِهِ الأَيَّام فِي المُدُن الكَبِيرَة مِثْلَ وَهْرَان مِثْلَ مُعَسْكَر وَسَعَيْدَة وَبلعَبَاس قَدْ جَاءُوا بِأَنْوَّاعِ الحَلَوِيَّات وَجَاءُوا بِما يسمَّى بالمُخلط وَجَاءُوا بِأَنْوَاعِ الشُكْلاَطَات وَأَنْوَّاع البَرْيُوشَات وَأَشْيَاءَ كَثِيرَة مِنْ هَذِهِ الأُمُور الَّتِي يُشَارِكُونَ بِهَا النَّصَارَى فِي أعيادهم وَجَاءُوا بِأَشْجَارِ الفَرْو وَبِخشبات الشُكْلاَطَة الَّتِي تَرْمُزُ إِلَى صلب المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَم وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذَا اعْتِقَادٌ فَاسِد وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم إِذَن قَبِيحٌ بالأفراد أَنْ يَحْتَفِلُوا وَأَنْ يَقْفُوا آثَارَ النَّصَارَى .
إِخْوَةَ الإِيْمَان: لاَ يَنْبَغِي لَهُم أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لأَنَّهُم إِذَا احْتَفَلُوا بِتِلْكُم الأُمُور الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنَ مُخَلَّط وَ شُكْلاَطَات وَبَرْيُوشَات وَأَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُونَ مُتَّبِعِينَ لِلنَصَّارَى, وَهَذَا الأَمْرُ قَدْ تَفَاقم ,اذْهَب إِلَى الوِلاَيَات الكُبْرَى فَإِنَّكَ سَتَرَى عَجَبًا, و ستَجِدُ أَمْرًا مُنْكَرًا ,لقد وصل الأمر إلى أن الناس المحتفلين يبحثون عن البريوش فِي المَسَاءِ فمَا يجدونه لأنه ينْفَدُ بِسُرْعَة.
إِخْوَةَ الإِيْمَان:
لاَبُّدَ وَأَنْ يُقْلِعَ المُسْلِمون عن هذه العادات الغريبة, وَلاَبُّدَ لَهُم أَنْ يَعُودُوا إِلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَم وَإِلَى كِتَابِ رَبِّهِم جَلَّ وَعَلاَ هَذَا الأَمْرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَدِّلَّةُ التَّحْرِيمِ فِيهِ كَافِيَّة مُتَكاثرَة.
أَمَّا مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ وَمِن كِتَاب رَبُّنَا جَلَّ وَعَلاَ:
فِي فَاتِحَةِ الكِتَاب قوله تعالى[ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين].
فذَكَرَ الله جَلَّ وَعَلاَ أَنَّ المُسْلِم يَسْأَل رَبَّهُ جَلَّ وَعَلاَ أَنْ يَهْدِيَّهُ إِلَى طَرِيق المُنْعَمِ عَلَيْهِم وهم المذكورون في سورة النساء
وَيَسْأَلُهُ اجْتِنَابَ طَرِيقِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِم و هُمُ اليَهُود وَالضَّالِين وَ هم النَّصَارَى, فعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ طَرِيقَة الأُمَّة الغَضَبِيَّة وَهي أمة اليَهُود وَطَرِيقَة الأُمَّة الضَلاَلِيَّة وَهي أمة النَّصَارَى.
إِذَنْ فَالله جَلَّ وَعَلاَ أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَه جَلَّ وَعَلاَ فِي صَلَوَاتِنَا, وَنَحْنُ نَسْأَلَهُ فِي اليَوْمِ سَبْعَةَ عَشَرَ مَرَة فِي الفَرِيضَةِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ المُتَبِعِّينَ للمُنْعَمَ عَلَيْهِم مِنَ الأَنْبِيَّاء وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِين وَأن يُجَنِّبَنَا طريق الأُمَّة الغَضَبِيَّة وَأُمَّة الضَّلاَل، إِذْن لاَبُّدَ وَأَنْ يَجْتِهَد العَبْدُ فِي تَطْبِيقِ أَوَامِر رَبَّهُ جَلَّ وَعَلاَ.
وكذلكم قال الله جلا وعلا:[ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون].
إِذَنْ فَأَرْشَدَ الله جَلَّ وَعَلاَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم إِلَى إتِبَاع مِلَتِّهِ الَّتِي اجْتَبَاهُ إِيَّاهَا, وَنَهَاه أَنْ يَتَبِّعَ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون, وَيَدْخُلُ فِيهَا الأُمَّةُ الغَضَبِيَّة وَالأُمَّةُ الضَّلاَلِيَّة مِنَ اليَهُود وَالنَّصَارَى, إِذَنْ فَعَلَى العَبْد إِخْوَةَ الإِيْمَان أَنْ لاَ يَتَبِّعَ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِنَ يَهُوَد وَنَصَّارَى وَمِنْ غَيْرِهِم.
وَكَذِلِكُم قَالَ الله جَلَّ وَعَلاَ:[ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم] ، وَكَذِلِكُم قال الله-تعالى-:[ قل ان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير].
وَهَذِهِ الآيَة- إِخْوَةَ الإِيْمَان- فِيهَا وَعِيد شَدِيد لِلأُمَّة الَّتِي تَتَّبِع آثَارَ اليَهُود وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُ لاَ وَلِي لَهَا وَلاَ نَصِير إِلاَّ إِذَا عَادَت إِلَى الله جَلَّ وَعَلاَ وَرَجَعَت إِلَيْه، إِذَنْ لَنْ تَرْضَى عَنَا اليَهُود وَلاَ النَصَارَى حَتَّى نَتَبِّعَ سَنَنَهُم وَحَتَّى نَتَبِّعَ مِلَّتَهُم وَهَذَا الذي ينبغي أن نحذر منه إِخْوَةَ الإِيْمَان،لأن المُسْلِم المُوَّحِد المُتَقِي، لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَلاَ المُتَبِّع لأَوَامِرِ الكِتَابِ وَالسُّنَّة وَسِيرَة السَّلَّف الصَالِح مِنَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِين رَضِيَّ اللهُ عَنْهُم، يَنْبَغِي له أَنْ يَجْتَهِدَ كُلَّ الاجْتِهَاد فِي ترك آثَار أمَّتَي الغَضَبِ والضلال مِنْ أَعْيَادِهم وطقوسهم.
ومن الأدلة على تحريم مشاركة النصارى في أعيادهم قَول الله تَعَالَى:[يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهودوالنصـرى أولياء بعضهم أولياء ببعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم].
أَخْبَرَ الله جَلَّ وَعَلاَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُوَالِي اليَهُود وَالنَّصَارَى وَأَنَّ مَنْ وَالاَهُم وَ أَحَبَّهُم فَهُوَ مِنْهُم كَذَا ذَكَرَ الله جَلَّ وَعَلاَ فِي القُرْآن الكَرِيم وَلاَ شَكَّ أَنَّ العُلَمَاء قَسَّمُوا هَذََا الوَلاَءإلى قِسْمَيْن: توَلي وَمُوَالاَة:
فَأَمَّا التوَلي: فَهُو مَحَبَّة الكفار لأجل دينهم, وَهُوَ رِدَّة نَسْالَ الله العَافِيَّة, ومنه محبة انْتِصَار الكُفَّار عَلَى المُسْلِمِين .
أَمَّا المُوَالاَة: فَهِيَ مَحَبَتُهُم لأَجْلِ دُنْيَاهُم وَهِيَ لَيْسَت رِدَّة وَلَكِنَّهَا كَبِيرَة من الكبائر.
إِذَنْ فَلاَبُّدَ عَلَى العَبْدِ أَنْ يُجْتَنِبَهُم في كل ما هو من خصائصهم,وَلذا يَقُولُ أَهْلُ العِلْمِ:
إنَّ مِنْ مُوَالاَتِهِم هي اتْبَاعُهُم فِي أَعْيَادِهِم وَالاحْتِفَال بِهَا وَإِظْهَارِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ كَثِير مِنَ المُسْلِمِين اليَوْم فِي هَذِهِ الأَعْصَار, إِذْ تَجِدُهُم يَشْتَرُون هَذَا المُخَلَّط و الحُبُوب وَيَشْتَرُونَ الشُّكْلاَطَات وَهَذِهِ البَرْيُوشات,ويسهرون بها على معاصي الله عزوجل. وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنَ أُمُور الإحْتِفَال بِأعياد النصارى .
وَأَمَّا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم فَالأَحَدِيث أَيْضًا كَثِيرَة:
مِنْ ذَلِكُم مَا جَاءَ عَنْ ابْنُ عُمَر رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم قَالَ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ". رواه أبوداود وقال الألباني :حسن صحيح في صحيح أبي داود(4031).وقال أيضا:(ليس منا من تشبه بغيرنا ) قال الألباني: صحيح لشواهده السلسلة الصحيحة (2194(
قَالَ أَهْلُ العِلْم إِنَّ مَنْ احْتَفَلَ بِهِم وَاقْتَدَى بِعَادَاتِهِم فلاَ شَكَّ أَنَّهُ مَنَ المُتَشَبِهِينَ بِهِم, وَهذا لاَ يَجُوزُ لأنه مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم قال أَهْلُ العِلْمِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِم فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِم, وَلاَ شَكَّ أَنَّ أَعْيَادَهُم مِنْ خَصَائِصِهِم بَلْ مِنْ أَخَصِّ خَصَائِصِهِم, فَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لِلعَبْدِ يَعْنِي أَنْ يَتَشَبَّهَ بِهِم فِي أَعْيَادِهِم وَأَنْ يَحْتَفِلَ بِهَا وَأَنْ يُظْهِرَهَا وَلاَ أَنْ يَبِيعَهُم أَشْيَاء يَعْنِي يُعَظِمُّونَ بِهَا احْتِفَالاَتِهِم لأَعْيَادِهِم, لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيه شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنُ تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله فِي كِتَابِهِ الفذ: (اقْتِضَاء الصِّرَاط المُسْتَقِيم مُخَالَفُة أَصْحَابُ الجَحِيم).
إِذَنْ يَنْبَغِي لَنَا إِخْوَةَ الإِيْمَان أَنْ نَجْتَهِدَ كُلَّ الاجْتِهَاد فِي أَنْ نَتْرُكَ هَذِهِ الأَعْيَاد وَنحث الناس على تركها.
كَذَلِكُم مِنَ السُّنَّة أَيْضًا حَدِيثُ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَّ الله عَنْهُ قَالَ قَدِمَ النَبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المَدِينَة لَهُم يَوْمَان يَلْعَبُونَ فِيهَمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ اليَوْمَان؟" قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الجَاهِلِيَّة فَقَالَ رَسُول الله صَلَى لله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الفِطْر".البخاري وغيره.
وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرْع المُبَدَّل لاَ يُؤخَذُ بِهِ لأَنَّ الله جَلَّ وَعَلاَ قَدْ أَبْدَلَنَا بِأَعْيَاد الجَاهِلِيَّة عِيدَين عَظِيمَيْن وَهُما عِيدا الأَضْحَى وَ الفِطْر وَأَعْطَانَا كَذَلِك يَوْم الجُمُعَة عِيدًا كَمَا سَنُفَصِلُهُ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى.
إِذَنْ لاَ يَجُوزُ لِلعَبْدِ أَنْ يُحْدِثَ أَعْيَادًا لَيْسَت مشَرُوعة كَمَا هِيَ أَعْيَاد النَّصَارَى الَّتِي بَعْضُ المُسْلِمِينَ يُشَابِههم فيهَا وَيَحْتَفِلُ بِها وللأسف الشديد .
و النَبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّة كَانَ لَهُم يَوْمَان يَلْعَبُونَ فِيهِمَا لَكِنّ لَمَّا جَاءَ النَبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وَسَأَلَ عَنِ اليَوْمَيْن؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَب فِيهِمَا فِي الجَاهِلِيَّة فَأَخْبَرَ النَبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الله قَدْ أَبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْرًا مِنْ هُمَا عِيدَ الأَضْحَى وَعِيدَ الفِطْر.
وَكَذَلِكُم مَا جَاءَنَا مِنْ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَّ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: "يَا أَبَى بَكْر إِنَّ لِكُّلِ قَوْم عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا" قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم إِنَّ لِكُّلِ قَوْم عِيدًا يَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ كُلَّ أَقْوَام بِعِيدِهِم, فالنَّصَارَى لَهُم أَعْيَادُهُم وَاليَهُود لَهُم أَعْيَادُهُم وَالمُسْلِمُون لَهُم أَعْيَادُهُم وَالنَبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ "وَهَذَا عِيدُنَا" إِذَنْ فَأَخْبَرَ أَنَّ عِيد الفِطْر هُوَ مِنْ أَعْيَاد المُسْلِمِين, إِذَن فَلاَ يَجُوزُ لِلعَبْد أَنْ يُشَارِكَ النَّصَارَى وَلاَ اليَهُود فِي أعِيادهم مَثَلاً ,وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلعَبْد أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَعْيَادِهِ الَّتِي جَاءَت فِي الشَّرْع الحَنِيف، أَمَّا أَنْ يَأْتِي بِأَعْيَاد أُخْرَى لَمْ تَثْبُت فِي الشَّرْع وَهِيَ مِنْ ابْتِدَاع النَّصَارَى, وَزد على ذلك أن فِيها مِنَ المُنْكَرَات وَالفُجُور ما الله به عليم, و مِنَ النَّاس مَنْ يُسَافِر مِنْ أَرْضِ الجَزَائِر إِلَى أَرْضِ فِرَنْسَا وغيرها وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِيُشْعِلَ الشُمُوع عَلَى شَجَرَةِ السَّرْو,وعلى جذع الشكلاطة الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّ المَسِيحَ صُلِبَ عَلَيْه, وَلِيقِيمَ هَذِهِ الإحتفالات الصاخبة وَيَشْرُب الخُمُور ويَفْعَلَ الفُجُور وَأَنْوَاع الشُّرُور نَسْأَل الله العَافِيَّة.
إِخْوَةَ الإِيْمَان لاَبُّدَ لَنَا وَأَنْ نَمْقَت هَذِهِ الأَعْيَاد, وَكُلّ مَا يُمتُّ إِلَيها بِصِلَة, وَ يَنْبَغِي للمسلم أَنْ لا يرْضَى بِهِا لأَنَّها لَيْسَت مِنْ تعاليم دِيننَا الحَنِيف, وَلأَن الأَدِّلَة قاضية بتحريمها.
وَكَذَلِكُم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَّ الله عَنْهُ وَحُذَيْفَةَ بْنُ اليَمَان قَالاَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: "أَضَّلَ اللهُ عَنِ الجُمُعَة مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِليَهُود يَوْمُ السَّبْت وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَد فَجَاءَ الله بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الجُمُعَة فَنَحْنُ الآخِرُون مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الأَوَّلُونَ يَوْم القِيَامَّة " رواه مسلم -[ 856] أَيْ المَقْضِيُّ لَهُم قَبْل الخَلاَئِق.
أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم فِي هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح أَنَّ الله أَضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا لِيَوْم الجُمُعَة أَيْ لَمْ يَهْدِهم إِلَيها, إِنَّمَا هَدَى اليَهُود إِلَى يَوْمِ السَّبْت وَهَدَى النَّصَارَى إِلَى يَوْمِ الأَحَدِ, أَمَّانحن المُسْلِمُون فقَدْ أَعْطَانا الله جَلَّ وَعَلاَ يَوْم الجُمُعَة فَهِيَ عِيدُنَا أَهْل الإِسْلاَم.
إِن قوله-صلى الله عليه وسلم[فهدانا ليوم الجمعة] يقتضي أن لا نشَارِكَ النَّصَارَى وَلاَ اليَهُود فِي أعِيادِهِم, بَلْ عَلَيْنا أَنْ نَهْتَّم بِأَعْيَادِنا الَّتِي ثَبَتَت فِي الشَّرْع .لأن لكل قوم عيدهم.
وَكَذَلِكُم جَاءَنَا مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الخُدُرِي رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَبِّيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم شِبْرًا بِشِبْر وَذِرَعًا بِذِرَاع حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍ لَسَلَكْتُمُوه" قَالُوا يَا رَسُول الله اليَهُود وَالنَّصَارَى قَالَ: "فَمَنْ؟" رواه مسلم من حديث زيد بن أسلم.
وَفِي رِوَايَة: "فَمَنْ القَوْم إِلاَّ أُوْلَئِك إِلاَّ أُوْلَئِك".
قال ابن كثير في البداية والنهاية [والمقصود من هذه الإخبار عما يقع من الأقوال والأفعال المنهي عنها شرعا، مما يشابه أهل الكتاب قبلنا أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم، حتى لو كان قصد المؤمن خيرا، لكنه تشبه, ففعله في الظاهر فعلهم.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للترمذي[2641] وابن أبي عاصم:[73]وحسنها الألباني " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ , حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَأْتِي أُمَّهُ عَلانِيَةً ، لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ" نسأل الله العافية.
إِذَنْ أنْظُرُوا إِخْوَةَ الإِيْمَان لَقَد أَخْبَرَ النَبِّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّ أُمَّتَهُ سَتَتَبِّعُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَهَذَا يَقْتَضِي ذَمَّ ذَلِكُم الفِعْل وَهَذَا مِن أَعْلاَمِ نُبُوَّتِهِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلاَمُهُ عَلَيْه, فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ أُنَاسا مِنْ أمته سَيَتَبِعُون النَّصَارَى وَاليَهُود, فَكَانَ كَذَلِك كَمَا أَخْبَرَ النَبِّيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ,فأصبح ناس من أمته صلى الله عليه وسلم يحتفلون بأعياد العجم ,ويتبعون سننهم-والله المستعان-إِذَنْ هَذِهِ مِنْ عَلاَمَات صِدْقِ النَبِّيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. لَكِنّ هَذَا يَقْتَضِي ذَمَّ هَذَا الفِعْل والتحذير منه, فعَلَى العَبْدِ أَنْ لا يَتَشَبَّهَ بِهِم ,ولا يغتر بزخرف الذين يدعون لهم ولأفعالهم,وَ هذا حَتَّى لاَ يَغْضَبَ عَلَيْنا رَبُّ العَالَمِين جَلَّ وَعَلاَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَ لَكُم , إِنَّهُ هُوَ الغَفُور الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَانِيَة
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبَةُ للمُتَقِين, وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِين, وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَم عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِين, نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِبِّين, وَصَحَابَتِهِ الغُر المَيَامِين.
لاَزِلْنَا- إِخْوَةَ الإِيْمَان- مَعَ تَحْرِيم أَعْيَاد النَّصَارَى و نذكر الآن بعض ما جَاءَ من آثَار الصَّحَابَة رضي الله عنهم بَعْدَ أَنْ ذَكَرْنَا الأَدِلَّة مِنَ الكِتَاب وَمِنَ السُّنَّة:
قَالَ عُمَر رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ "لاَ تَعَلَّمُوا رَطانَّةَ الأَعَاجِم, وَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِم فِي كَنَائِسِهِم يَوْمَ عِيدِهِم فَإِنَّ السُّخْطَة تَنْزِلُ عَلَيْهِم".
إِذَنْ هَذَا أَمِير المُؤْمِنِين عُمَرَ بْنُ الخَطَّاب رَضِيَّ الله عَنْهُ يَنْهى المُسْلِمِين عَنْ تَعَلُّم لُغَةِ العَجَم, وَلَكِن هَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلاَقِه, لأن تَعَلَّم اللُّغَة إِذَا كَانَ لِمَصَالِح المُسْلِمِين, فَهَذَا قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الكِفَايَة حَتَّى يَعْرِفَ المُسْلِمُون لُغَة العِلْم وَلُغَةَ الصِنَاعَة وَلُغَةَ الرُّقَي وَمَا شَابَهَ ذَلِك، فَتَعْلُم اللُّغَةِ مَحْمُودٌ, لَكن أَنْ يَعْتَادَهَا العَبْد حَتَّى يَنْسَى بها العَرَبِيَّة فَهَذَا هُوَ المَذْمُوم, وحَتَّى يَصِيرجُلّ كَلاَمِهِ فِي النَّاس بِاللُّغَة الأَعْجَمِيَّة وَيَنْسَى عَرَبِيَتَهُ, فَنَقُولُ هَذَا يُذِيبُ اللغة العَرَبِيَّة من مسلاخ صاحبه, وَيُضْعف الدين في القلوب,فالله الله في عربيتكم معاشر المسلمين، أَمَّا تَعَلُّمُهَا لأَجْلِ العِلْم وَلأَجْلِ مَا يُعْرَفُ مِنَ صِنَاعَات وَرُقَي البِلاَد وَمَا شَابَهَ ذَلِك فَهَذَا وَاجِب عَلَى الكِفَايَة .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُوا عَلَى المُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِم يَوْمَ عِيدِهِم فَإِنَّ السُّخْطَة تَنْزِلُ عَلَيْهِم" إِذَنْ أَعْيَاد المُشْرِكِين , وَأَعْيَادُ النَّصَارَى لاَ شَكَّ أَنَّ فِيهَا سُخْطَة تَنْزِلُ مِنْ رَبِّ العَالَمِين جَلَّ وَعَلاَ لِمَا يَرْتَكِبُونَهُ بِهَا مِنْ فُجُور, وَلِمَا يَشربُونَهُ بِهَا مِنْ خُمُور وَ ما يعملونه مِنْ شُرُور.
وَقد قَالَ عُمَر رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ-أيضا- فيمَا رَوَاهُ البَيْهَقِي: "اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ الله فِي يَوْمِ عِيدِهِم" كَذَا قَالَ عُمَر رَضِيَّ الله عَنْهُ فعلى العبدأن يَكُونَ مِنْ أُوْلَئِكَ الصَّادِقِين الَّذِين لَهُم وَلاَءٌ وَبَرَاء، لَهُم وَلاَء يُحِبُّونَ به المُؤْمِنِين وَيُحِبُون مَنْ يُحِبُ المُؤمنين وَيَجْتَهِدُوا فِي نَفْعِهِم قَدْرَ الاسْتِطَاعَة وَلهم براء يَتَبَّرَؤون به مِنَ المُشْرِكِين وَمِنْ الأَدْيَان المُخَالِفَةِ وَيُبْغِضُون الكفار والمشركين و مَنْ يُحِبُّهُم.ويبتعدوا عن أعيادهم,واحتفالاتهم.
إِخْوَةَ الإِيْمَان: لاَبُّدَ لَنَا وَأَنْ نَجْتَهِدَ كُلَّ الاجْتِهَاد فِي مُوَالاَة المُسْلِمِين وَفِي مُوَلاَة أَهْلِ الحَقّ وَالدِّين, وَفِي مُعَادَاة أَهْلِ الأَدْيَان المُحَرَّفَة كاليَهُود وَالنَّصَارَى مِمَن لاَزَالُوا عَلَى دِينِهِم البَاطِل وَلاَزَالُوا يَكِيدُونَ المَكَائِد لِلمُسْلِمِين [ولن ترضى عنك اليود ولا النصـرى حتى تتبع ملتهم .
وجَاءَ عَنْ عَبْدُ الله بْنِ عَمْرو- رَضْيَّ الله عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ بَنَى بِبِلاَدِ الأَعَاجِم فَصَنَعَ نَيْرُوزَهم وَمَهْرَجَانِهِم وَتَشَبَّهَ بِهِم حَتَّى يَمُوت وَهُوَ كَذَلِك حُشِرَ مَعَهُم يَوْمَ القِيَّامَة ".ذكره شيخ الإسلام في الإقتضاء.
وقال شَيْخ الإِسْلاَم ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّه جَعَلَهُ كَافِرًا بِاللهِ جَلَّ وَعَلاَ إِذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيق: بَنَى بِبِلاَدِهِم ثُمَّ بَعْدَ ذَلِك مَاذَا فَعَل؟ صَنَعَ نَيْرُوزُهُم وَالنَيْرُوز: هُوَ عِيدُ احْتِفَالِهِم. وَصَنَعَ مِهْرَجَانَهُم أَيْ: فِي عِيدِهِم وَتَشَبَّهَ بِهِم حَتَّى يَمُوت وَهُوَ كَذَلِك حَشَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَّة مَعَهُم, ثُمَّ ذَكر قَوْلا آخَر وهوأَنَّهُ لاَ يَكُونُ كفراً, و إِنَّمَا هُوَ كَبِيرَة مِنَ الكَبَائِر. إِذَنْ أُنْظُرُوا-رحمكم الله-هذا أَمْرٌ عَظِيم,ليس بالأمر الهين حتى يتهاون فيه المسلم.
وَأَمَّا أَقْوَلُ الأَئِمَةِ فِي ذَلِك:
فَهَذَا ابْنُ نُجَيْم يَرْوِي مَذْهَب أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ, فَيَذْكُرُ- رَحِمَهُ الله تَعَالَى- أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَرْوُن مِنَ الأَعْمَالِ المُكَفِّرَة: "أَنْ يَهْدِي المُسْلِم لِلمُشْرِكِين وَلِلنَصَّارَى فِي أَعْيَادِهِم مَا يَسْتَعِينُون بِهِم عَلَى دِينِهِم عَلَى سَبِيلِ التَعْظِيم, فَإِنَّ هَذَا يُخْرِجُهُم مِنَ المِلَّةِ أَمَّا إِذَا كَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ التَعْظِيم, فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِر", بَلْ نَصَّ ابْنُ نُجَيْم عَلَى أَنَّ مَنْ أَهْدَاهُم بَيْضَة وَاحِدَة بَيْضَة عَلَى سَبِيلِ التَعْظِيم لدِينِهِم, فَإنه يَكْفُر وَالعِيَاذُ بِالله تَعَالَى.
وَ كَذَلِكُم مَذْهَبُ مَالِكٍ كَمَا فِي المُدَوَنَّة عَنْ ابْنُ القَاسِم أَنَّهُ قَالَ: "مَا يَنْبَغِي- يَعْنِي لِلمُسْلِم- أَنْ يَهْدِيَ النَّصَارَى فِي عِيدِهِم مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى عِيدِهِم وَأَنْ لاَ يُشَارِكَهُم فِي ذَلِك إِطْلاَقًا".
كَذَلِكُم هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِي- رَحِمَهُ الله تَعَالَى -إِذْ نَصَّ يَعْنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاء مذهبه عَلَى أَنَّ مُشَارَكَة النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِم لاَ تَجُوز.
وهَذَا أَحْمَد- رَحِمَهُ الله تَعَالَى- نَصَّ عَلَى عَدَمِ جَوَاز أَنْ يَبِيعَ المُسْلِم مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى دِينِهِم فِي أَعْيَادِهِم.
إِذَن هَذِهِ أَقْوَال الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَة- إِخْوَةَ الإِيْمَان- فِي عَدَم جَوَاز الإحْتَفِال بأَعْيَادِ النَّصَارَى, فَاللهَ اللهَ فِي ذَلِكَ,و اتَقُوه-سبحانه-يا أَيُّهَا المسلمون,وياأيها التُّجَار اجْتَنِبُوا الإِتْيَانَ بِهَذِهِ الأُمُور مِنْ مُخَلَّط وَ شُكْلاَطَات وَمِنْ كل ما هِو مَخْصُوصٌ بِهَذا الاحْتِفَال ,ولاتبيعوا الناس ما يستعينون به على هذه الأعياد المبتدعة, نَقُولُ لَهُم اجْتَنِبُوا ذَلِكَ,فإنه من التعاون على الإثم والعدوان.
وَبَعْضُ النَّاس يَأْتِي بِشُبَهٍ فِي ذَلِك وَيَقُول:
إِنَّمَا هِيَ عَادَات. نَعَم العَادَةُ مُبَاحَة ولكن نحن لا نسلِّم أنها عادة, لأن الأعياد من الدين,وإذا كان كذلك فهي من البدع,ولو سلمنا أنها عادات,فقد أدت إلى مفاسد كبيرة, وَ قدعُلِمَ عِلْم اليَقِين أَنَّها أصبحت إعانات لِلنَصَّارَى عَلَى أَعْيَادِهِم, وَعِنْدَهُم مَا عِنْدَهُم من الاعْتِقَادَات الفاسدة,والآراء الباطلة فكَيْفَ يَطِيبُ لِمُسْلِم أَنْ يَشْتَرِي جِدْعَ مِن شُكُلاَطَة, وَالنَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ أَنَّ المَسِيحَ صُلِبَ عَلَيْه, كَيْفَ يَجُوزُ ذَلِك -إِخْوَةَ الإِيْمَان- كَيْفَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَّ شَجَرَة مِنَ السَّرْو وَهُم يَزْعُمُونَ فيها ما يزعمون, كَيْفَ يَطِيبُ لِمُسْلِم أَنْ يُخَالِفَ عَقِيدَتَهُ, والله إنه لموقف يدمى له قلب المؤمن الموحد.
و بَعْضُهُم يَقُولُ نُفْرِحُ الأَبْنَاء. وَهَلْ ترضى أن تفرح الأبناء بعيد مبتدَع,فيه إذابة لشخصيتهم,مع ما فيه من موافقة النصارى في اعتقاداتهم الباطلة فِي هَذَا المَوَسِم, هَلاَ عَلَمْتُم أولادكم وَأَعْلَمْتُمُوهُم أَنَّ هَذَا المسمى بالنَّاير بِدْعَة مِنَ البِدَع, هَلاَ أَعْلَمْتُمُوهُم أَنَّ ذَلِكَ هُوَ إعَانَة لِلنَصَّارَى عَلَى دِينِهِم البَاطِل, لَوْ رَبَيْتَ أَبْنَاءَكَ-أخي المسلم-عَلَى بغض هذا العيد المحدث,لكانوا عند الظن,ولردوا هذا المخلَّط على من أَعْطَاهُم إياه, وَلَمْ يَأْكُلُوه ومن ثَمَّ ينشؤون نشأة سلفية صحيحة, وَيَتَرَبَون عَلَى العَقِيدَة السَّلِيمَة, أَمَّا أَنْ نُرَبِيهِم عَلَى انتظار أَعْيَاد النَّصَارَى, ونَشْتَرِي لَهُم ما يحتفلون به فيها,فهذا عين المخالفة للشريعة الإسلامية, وفيه تنْشئة لهم عَلَى ما يغضب ربنا عزوجل, فكَيْفَ تَنْقَطِع البِدْعَة إذن,وكيف يحصل لهم الولاء و البراء من الكفار,فالخير في تبغيض هذا الإحتفال إليهم, وتنفيرهم منه .
إِذَنْ نَسْأَل اللهَ جَلَّ وَعَلاَ أَنْ يُوَفِقَنَا جَمِيعًا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاه وَأَنْ يُصْلِحَنَا وَأَنْ يُصْلِحَ أَعْمَالَنَا إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلَك وَالقَادِرُ عَلَيْهِ نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَرُدَّ المُسْلِمِين جَمِيعًا إِلَى شَرْعِهِ الحَنِيف وَيَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُم مِنَ المُتَّقِين, اللَّهُم اجْعَلنَا مِنْ أَهْلِ الوَلاَءِ وَالبَرَاء فِيكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين, نَسْأَلَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَنَا, وَأَنْ يَهْدِيَ مُجْتَمَعِنَا إِلَى الصِّرَاط المُسْتَقِيم, نَسْأَلُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُوَّفِقَ الجَمِيع لِمَا يُحِبُّه وَيَرْضَاه, اللَّهُمَ ارْزُقْنَا الإِتِبَّاع, وَجَنِبْنَا الابْتِدَاع,اللهم أَعِزَّ الإِسْلاَم وَالمُسْلِمِين, وَاخْذُل الشِّرْك وَالمُشْرِكِين, وَدَمِرَ اليَهُود أَعْدَاءَك وَأَعْدَاء الدِّين, اللهم أعْلِ رَايَةَ الإِسْلاِم, اللَّهُم أَعْلِ رَايَةَ الإِسْلاَم اللَّهُم أَعْلِ رَايَةَ الإِسْلاَم, اللَّهُم وَفِق وُلاَّةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبِّهُ وَتَرْضَاه وَقَيِّض لَهُم البِطَانَّة الصَالِحَة الَّتِي تَدُلُهُم عَلَى الخَيْر وَتُجَنِبُهُم الشَّر, وَسُبْحَانَكَ اللَّهُم وَبِحَمْدِكَ أشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْت أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْك.
خطبة جمعة 25 محرم 1432
أبو العباس محمد رحيل
بمسجد النور واد التاغية ولاية معسكر -الجزائر
أبو العباس محمد رحيل
بمسجد النور واد التاغية ولاية معسكر -الجزائر
تعليق