هذه هي عقيدتنا
لفضيلة الدكتور الشيخ العلامة:
محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله تعالى
-لفضيلة الدكتور الشيخ العلامة:
محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله تعالى
1349 هـ ـ 1416هـ
عميد كلية الحديث الشريف ورئيس شعبة العقيدة بالدراسات العليا
بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سابقا
تفريغ: محمد مصطفى الشامي
فلسطين- 1427هـ
......................
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(الأحزاب: 70-71)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
(النساء: 1 ).يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
(آل عمران: 102 )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
أما بعد:
فإننا نفتتح فِي هذهِ الليلة إن شاء الله ليلة لجمعة الموافقة (23) من شهر ربيع الأول لعام 1411هـ نفتتح درسا في العقيدة الإسلامية على منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي سار عليه سلفنا الصالح .
مادة العقيدة تسمى توحيداً وتسمَّى عقيدةً ، العقيدة لَهَا مَعْنَىً لُغَوِيٌ وَمَعْنَىً اصطلاحي الذي اصطلح عليه المسلمون الأولون بعد أن عُرِفَتْ هذه المادة منفصلة ومستقلة بينما كانت تُدْرَسُ فِي كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
أريد أن أقول إن سلفنا الصالح ليس لديهم كتباً تُسَمَّى كتبَ العقيدة أو كتب التوحيد بل كانوا يأخذون توحيدهم وعقيدتهم من كتاب الله مشروحاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن السلف الذين حضروا زمن الأهواء وزمن الفتن بعد أن نشأ علم الكلام اضطروا اضطراراً أن يؤلفوا كتباً في العقيدة وفي التوحيد وهي عبارة عن الدفاع ضد هجوم علماء الكلام من الفلاسفة وعلماء المنطق اليونانيين ، عُرِفَتْ العقيدة بعد ذلك بكتب العقيدة مادةً علميةً مستقلةً تسمى العقيدة وتسمى التوحيد.
وأمَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ العقيدة مأخوذة من العَقْدِ ، العَقْدُ هُوَ الرَّبْطُ والتوثيق ، يستعمل العقد أول ما يستعمل في الأمور الحسية كعقد الحبال والخيوط ثم اسْتُعْمِلَ في الأمور المعنوية كعقد النكاح وعقد البيع وعقود العهود وغير ذلك ، العقد كما قلنا ضد الحل هذا هو المعنى اللغوي ، والمعنى الاصطلاحي أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بمعنى أن العقيدة هي التصميم الجازم الذي لا يتطرق إليه شك في المطالب الإلهية وفي النبوات والأمور الغيبية المراد بالمطالب الإلهية ما يتعلق بالرب سبحانه وتعالى بذاته وأسمائه وأفعاله يشمل التوحيد الخبري وتوحيد القصد والطلب والعمل كل ذلك من المطالب الإلهية ويدخل في المطالب الإلهية الإيمان بالملائكة والمراد بالنبوات الإيمان بنبوة الأنبياء وتصديقهم والإيمان بمعجزاتهم ثم الأمور الغيبية كالبعث بعد الموت وما يتبع ذلك حتى يدخل العبد إحدى الدارين كالجنة أو النار أو حتى يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ، هذا يسمى من الأمور الغيبية ، العقيدة تشمل كل هذا وهناك جزئيات سوف نتعرض لها أثناء الدرس وهذه العقيدة تسمى توحيداً بِاعتبارٍ آخرٍ وبعبارة أخرى التوحيد عندنا يُخَالف التوحيد عند غيرنا لأننا كما قلنا ننهج منهج السلف ومنهج السلف هو منهج الأنبياء لذلك نحن نقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
* توحيد الله تعالى بأفعال نفسه بأن نعتقد بأن الله وحده هو الخالق الرازق الْمُعطي المانع النافع الضار مدبر الأمور الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض هذا المعنى يسمى توحيد الربوبية إفراد الله تعالى بأفعال نفسه يسمى توحيد الربوبية.
* وأما إفراد الله تعالى بأفعال عباده بالدعاء بالاستغاثة بالذبح والنذر والخضوع والتذلل والصلاة والصيام وغير ذلك هذا يسمى توحيد العبادة.
* وأما إفراد الله تعالى فِي أسمائه وصفاته بأن نثبت له جميع صفات الرب سبحانه وتعالى التي أثبتها لنفسه أو التي أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم هذا يسمى توحيد الأسماء والصفات ، ومعنى التوحيد هنا بأنه لا يشارك اللهَ أحدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي حقائق صفاته وحقائق أسمائه وأفعاله وإن كان قد يحصل الاشتراك اللفظي بين الخالق وبين المخلوق في بعض الصفات والأسماء كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم وغير ذلك ؛ ولكن الحقائق تختلف سيأتي توضيح ذلك في كل الدرس إن شاء الله ، هكذا خُتِمَ التوحيد.
وَلِسَائِلٍ أن يسأل : مِنْ أينَ لنا هذا التقديم وما دليل هذا التقديم؟؟
الجواب : دليل هذا التقديم يسمى الاستقراء ومعنى الاستقراء تتبعنا نصوص الكتاب والسنة فوجدناها بالنسبة للمطالب الإلهية تنقسم هذه الأقسام الثلاثة:
*نصوص تدعوا العباد لأن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، والنصوص التي تأتي في هذا المعنى يؤخذ منه توحيدٌ سَمَيْنَاهُ توحيد العبادة.
*ونصوص تخبر بأن الله وحده هو خالق كل شيء وهو مدبر الأمور وهو المعطي المانع وهو النافع الضار ، ما كان من هذا القبيل يسمى توحيد الربوبية وهناك نصوصا تَصِفُ الله بأنه سميع عليم وأنه سميع بصير عزيز حكيم وغير ذلك من الأسماء والصفات هذا النوع يسمى توحيد الأسماء والصفات.
إذن لم نخرج من الكتاب والسنة في تقسيمنا التوحيد إلى ثلاثة أقسام ، لذلك لا يَرِدْ قول الْمُعْتَرِض بأن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام تقسيم جديد لا أصل له ، الجواب ما سمعت.
إن هذا التقسيم تقسيم استقرائي والدليل الاستقرائي مُسَلَّمٌ به عند أهل العلم والمعرفة وأكثر من يبحث في هذا النوع من الدليل علماء الأصول هكذا يتضح سر تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام .
إذا عرفنا معنى التوحيد ومعنى العقيدة ما هو الهدف من دراسة العقيدة؟؟ وما هو الهدف من دراسة التوحيد؟؟
الهدف من ذلك معرفة العبد ربه وخالقه وَوَلِيَ نعمته ، بِمَ يعرف العبد ربه هل يراه؟ فالله سبحانه وتعالى لا يُرَى في هذه الدنيا ، في هذه الدار لا يُرى بِمَعْنَى إن الرؤية غير مستحيلة ولكنها غير واقعة لم تقع ولن تقع لأن القوة البشرية لا تثبت أمام تجلي الرب سبحانه وتعالى في هذه الدار هكذا أراد الله ، لذلك لَمَّا طَلَبَ موسى أن يرى ربه علق تلك الرؤية على أن ينظر إلى الجبل فإن استقرَ مكانه ولم يتدكدك سوف يراه وإن لم يثبت الجبل فعدم ثبوت موسى من باب أَوْلَى وَلَمْ يثبت الجبل أمام التجلي ، من هنا تَبَيَّنَ لِمُوسَى ، وإن كانت الرؤية غير مستحيلة وجائزة عقلاً وشرعاً ولكنها غير واقعة فِي هذه الدنيا لعارض وذلك العارض ضعف القوة البشرية في هذه الدار ، واستسلم موسى لذلك ، وفي ليلة الإسراء والمعراج عندما نزل النبي صلى الله عليه وسلم وعاد من تلك الرحلة "الطويلة القصيرة" الطويلة من حيث المسافة والقصيرة من حيث عودة النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الليلة إلى مكة فَوْرَ عودته من الرحلة الطويلة سُئِلَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه حجابه النور ، إذن على أصح القولين لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه في تلك الليلة بعين رأسه وإن رآه بقلبه بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر قصة المسيح الدجال إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ، فاعلموا بأنكم لن ترون ربكم حتى تموتوا بـ"لن" لن التي يقول فيها بعض علماء اللغة إنها تفيد التأبيد وأما في الآخرة فيرى العباد ربهم مرتين:
المرة الأولى في عرصات القيامة هذه الرؤية يختلف فيها أهل العلم هل هي خاصة بالمؤمنين أو يراه الكفار والمنافقون ثم يحتجب رب العالمين تأديبا لهم وتوبيخا لهم وإهانة لهم هذا رأي ، والرأي الثاني إنهم لن يروه.
(يس : 58 ) هكذا في تلك الدار.سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍوأما المرة الثانية في دار الكرامة في الجنة تلك رؤية خاصة بأولياء الله بالمؤمنين ، المؤمنون سوف يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر وكما يرون الشمس ليس دونها سحاب رؤية حقيقية لا يضامون فيها ولا يتضررون من الزحام ، كلٌّ يَرْفَعُ رأسه من فوقه فَيَرَى رَبَّه من فوقه ، فالله سبحانه وتعالى يسلم عليهم من فوقهم ويتجلى لهم فيخاطبهم
وبعد،،،
إذا كنا لا نرى ربنا في هذه الدار بما نعرف ربنا؟؟ نعرف الله سبحانه وتعالى بآياته التي تكاد أن تنطق ، بآياته الكونية ، الكون برمته آية على وجود الرب سبحانه وتعالى
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
(الطور : 35 ) مِنْ أين جئت أنت؟ هل خلقت نفسك؟ مستحيل ، هل خُلِقْتَ مِنْ غَيْرِ خالق؟؟ مستحيل ، القسمة الثالثة لك خالق وذلك الخالق مُخَالِفٌ لَكَ فِي كل شيء خالق قادر على كل شيء بدليل إبداعه في هذا الكون ، هذا الإبداع على غير مثال سابق وهو بديع السماوات والأرض وهذا الإبداع أول ما يدل على وجود الرب سبحانه وتعالى وثانيا يدل على قدرته الباهرة.أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَقبل أن نؤمن بوحدانيته وقدرته وعلمه فلنؤمن بوجوده ، وجودك أنت دليل على وجود الله ، إذا كنت لا تشك في وجودك وهل احد يشك في وجود نفسه؟؟!! لا يجوز عقلا وشرعا أن يشك بوجود الرب سبحانه
إذن الخالق ليس كالمخلوق مُخَالِفٌ للمخلوق فِي حقيقة ذاته وكُنْهِ ذاته ولكنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، وَيُخَالِفُ المخلوق فِي قدرته لأن قدرة المخلوق قدرة حادثة وُجِدَتْ بعد أنْ لَمْ تكن ، الله الذي منحك هذه القدرة يجب أن تعلم أنه يتصف بقدرة أقوى من قدرتك لأنه هو الذي منحك هذه القدرة.
إذن هذا الإبداع وهذا الإيجاد وكونه فاطر السماوات والأرض دَلًّ على وجود الرب سبحانه وتعالى وجوداً حقيقياً بحيث لا يجوز عقلاً وشرعاً وفطرةً أن يشكَ أحدٌ فِي وجود الرب إلا إذا كان يشك في وجود نفسه ، الله موجود لأنك موجود ، لأنك آية لأنك علامة دالة على وجود الرب سبحانه وتعالى .
ثم إنه قادر على كل شيء وخالق كل شيء دَلَّ ذلك على قدرته الظاهرة ودل التخصيص على إرادته وعلمه المحيط بكل شيء ، معنى التخصيص أن يخص كل شيء وكل فرد على صفة وعلى حالة معينة "زيد عالم وعمرو جاهل" "بكر غني وخالد فقير" وهكذا هذا التخصيص تخصيص العباد كلٌّ بصفة وبحالة هذا التخصيص دليل الإرادة ودليل العلم ، علمه محيط بكل شيء ، إذن نستدل بوجودنا وبصفاتنا وبِخَلْقِ الرب سبحانه وتعالى وصُنْعِهِ عَلَى وجود الرب سبحانه وتعالى وعلى أنه موصوف بصفات الكمال ، فصفات الرب كلها صفات كمال ، هكذا نؤمن بالرب سبحانه وتعالى.
والمادة التي سوف ندرسها تهدف إلى تعريف العباد رَبَّهُم هذا التعريف ثم تَهدف المادة إلى أن يعرف العباد حق الله على العباد وحق العباد على الله وحقوق رسول الله عليه الصلاة والسلام وحقوق الصالحين لئلا نخلط بين الحقوق كما هو واقع كثير من الناس.
حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً هذا الحق الذي اهتم به النبي عليه الصلاة والسلام ذلكم الاهتمام حيث وَجَّهَ السؤال إلى صحابي "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟؟" هذا التعليل إنما ورد بهذه الصيغة ليثير النبي صلى الله عليه وسلم انتباه ذلك الصحابي لما يقول ولِمَا يُلْقَى إليه وذلك دليل على أهمية هذا الحق قال الصحابي:"الله ورسوله أعلم" ثم بَيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، هذا حَقٌّ لَازِمٌ ، مَنْ ضَيَّعَ هَذا الحق أو صرف هذا الحق لغير الله فهو ظالم الظلم الأكبر "الشرك بالله" "وهل تدري ما حق العباد على الله ؟؟"حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ولكنه حق تفضل وإحسان ورحمة من الله .
العباد لا يوجبون على الله حقا وحق العباد على الله ليس بحق لازم بل حق تَفَضُّلٍ وإحسان ، هكذا اهتم النبي عليه الصلاة والسلام ووجه السؤال بكل عناية إلى ذلكم الصحابي ، ومادتنا هذه تهدف إلى تعريف العباد هذا الحق والتفريق بين الْحَقَّيْن بين حق العباد على الله وحق الله على العباد .
وأما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصَدَّقَ وَلَا يُكَذَّب ، رسولٌ يَجِبُ أنْ يُصَدَّقَ وَلَا يُكَذَّب ويطاع ولا يُعصى ولكنه عبد لا يُعْبَد - هذه النقطة المهمة - عَبْدٌ لَا يُعْبَدُ ، عَبْدُ اللهِ ورسوله لكونه رسول الله يجب أن يُطَاعَ وَيَجِبُ أن يصدق وَيَجِبُ ألا يُعْبَدُ الله إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد حقق مقام العبودية ما لم يحققه غيره لذلك لا يُعْبَد لا يُدْعا ولا يُسْتَغاث به ولا يُذْبَحُ له ولا يُنذر له ولا يُتَقرب إليه بأي نوع من أنواع العبادة وذلك يتنافى مع هدف رسالته الرسالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تهدف إلى إفراد الله تعالى بالعبادة وحده ، لا أحد يستحق العبادة معه لا ملك مقرب ولا نَبِي مُرْسَل ولا عبد صالح هذه الحقوق يَجِبُ أَنْ تُعْرَفَ ويجب أن توضع مواضعها .
وأما عباد الله الصالحون وهم أولياء الله هم جميع المؤمنين لهم حقوق من حقوق عباد الله الصالحين على بعضهم ألا يؤذي بعضهم بعضا "من عادى لِي وليا فقد آذنته بالحرب" إياك أن تؤذي عباد الله وعليك أن تحبهم في الله وإذا أحببتهم في الله ولله تخبرهم من السنة أنك تحبهم في الله تحبه في الله ، تحبه في الله ولا تحبه مع الله .
ولعلنا نفرق بَيْنَ الحب في الله والحب مع الله محبة الأولياء في الله ولأجل لله ولكونهم عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين العاملين بكتابه وبِهَدْيِ نبيه عليه الصلاة والسلام شعبة من شُعَبِ الإيمان ، وأما محبة الصالحين مع الله بحيث تجعلهم شركاء لله ترجوهم كما ترجوا رب العالمين وتدعوهم مع الله أو مِنْ دُون الله أوتتقرب إليهم بالقربات هذا من نوع الشرك الأكبر ، فَرِّقْ بَيْنَ الْمَحَبَّتَيْنِ بينهما بون شاسع.
المحبة الأولى عبادة عظيمة وقربى
المحبة الثانية شرك بالله
هذه المعاني من المعاني التي تهدف إليها مادتنا التي نريد أن ندرسها
إذن التوحيد الذي نريد أن ندرسه والعقيدة التي نريد أن ندرسها هذا موضوعها ما ذكرناه الآن موضوع عقيدتنا وتوحيدنا وهو توحيد الأنبياء توحيد على منهج الأنبياء وأنبياء الله توحيدهم واحد دعوتهم واحدة كلهم دعوا إلى إفراد الله تعالى بالعبادة
وبعد ،،،
بعد أن دخل علم الكلام في الْمَيْدان وَكَثُرَةِ الأهواء ألف علماء أهل السنة والجماعة كتبا في هذا التوحيد وفي هذه العقيدة ومن الكتب التي أُلِّفَتْ في هذه العقيدة رسالة صغيرة تسمى العقيدة الواسطية هذا الكتيب عبارة عن جواب كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية جوابً على رسالة وردته من "واسط" بالشام يسألون في رسالتهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة فأجاب الشيخ على السؤال بهذا الكتاب وهذا شأن أكثر رسائل شيخ الإسلام "الفتوى الحموية" جواب لرسالة وردته من "حماة" و"الرسالة التدمرية" كذلك ، وهذه الواسطية ثم إن هذه الرسالة التي نحن بصددها شرحها عالم أزهري سلفي ، عالم تخرج من الأزهر وتخصص في الفلسفة والمنطق وكان يعادي شيخ الإسلام عداء كما كان يعادي عمر رضي الله عنه الإسلامَ فِي أول الأمر كان الشيخ محمد خليل هراس الذي شرح هذه الرسالة يعادي ابن تيمية عداءً لِمَا يسمع منه أنه عدوٌ للفلسفة والمنطق ومحمد خليل هراس متخصص في الفلسفة والمنطق لذلك أراد كما أشار إليه بعض الناس أن يكتب رسالة الدكتوراه رداً على شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يعادي الفلسفة والمنطق وعلم الكلام ويقول الشيخ محمد خليل هراس: كان أستاذاً لنا روى لنا هذه الرواية شفهية مباشرة ، يقول جمع له ما وقعت عليه يده من كتب شيخ الإسلام في القاهرة ليدرسها ثم يَرُدُّ عَلَى شَيْخِ الإسلام فعكف على دراسة هذه الكتب نحو ثلاثة أشهر فيقول الشيخ محمد خليل هراس الذي شرح الواسطية بعد أن درس ما تيسر له دراسته من كتب شيخ الإسلام في هذه الفترة تَبَيَّنَ له أنه لم يفهم الإسلام بَعْدُ إلا بعد دراسة هذه الكتب ذلك العمر الطويل فاتك كثيراً بِدَءً مِنَ المرحلة الابتدائية ثُمَّ المتوسطة ثم الثانوية ثم الجامعية إلى أن وصل إلى درجة كتابة رسالة الدكتوراه تبين له أنه لم يفهم الإسلام بالمفهوم الصحيح قبل دراسة هذه الكتب ، هكذا هدى الله رجلاً كان يريد أن يحارب شيخ الإسلام فكتب رسالته في الدكتوراه تحت عنوان "ابن تيمية السلفي" هذا عنوان رسالته بعد أَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بِالْهِدَاية ، هذا هو محمد خليل هراس الذي شرح العقيدة الواسطية.
أما ترجمة شيخ الإسلام فلسنا بحاجة إليها لأنه معروف لدى الجميع وترجم له غير واحد وعلى طلاب العلم أن يدرسوا تراجم علمائنا وأئمتنا كالأئمة الأربعة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من الذين ينهجون منهج السلف حتى يكونوا على بصيرة وحتى لا يشوش عليهم بعض المغرضين بأن يقولوا لهم هذه العقيدة التي تدرسونها عقيدة جديدة .
وفي الواقع القائلون بأن منهج السلف وهذه العقيدة التي ندرسها أنها عقيدة جديدة هذه مغالطة ، ما هم عليه هو الجديد أما بيان ذلك العقيدة التي ندرسها هي العقيدة التي كان عليها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين من ذلكم الأئمة الأربعة وهذه العقيدة التي يدرسها الخلف وأتباع الخلف التي تسمى العقيدة الأشعرية متى عُرِفَتْ؟ عُرِفَتْ في العهد العباسي وقبل العهد العباسي على أي عقيدة كان المسلمون؟؟ الصحابة وخلفاء الأُمويين وخلفاء العباسيين إلى عهد المأمون العباسي الخليفة السابع قبل ذلك لا يعرفون هذه العقيدة التي تسمى الآن العقيدة الأشعرية .
إذن ما عليه القوم سواء كانوا أشعريين أو ماتريديين أو معتزلة عقيدة مُحْدَثَة لا أصل لها ولا يعرفها سلف هذه الأمة
وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
[انتصف الشريط ]
(الروم : 30 ) الإنسان مفطور على التوحيد بمعنى لو أن مولوداً ما وُلِدَ فَتُرِكَ فِي مكان بعيدٍ عن المؤثرات الخارجية سينشأ على التوحيد ، لا يعرف شركا ولا كفراً ولا انحرافاً ولا إلحادا "كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" الأصل "التوحيد" كل مولود مفطور على التوحيد ومَجْبول على توحيد الله ما لم يطرأ بالمؤثرات الخارجية شيء جديد إلحاد وانحراف وكفر وشرك ، هذه الْمِلَّة التي ينادي بها بعض المنحرفين ملة الإلحاد وإنكار وجود الله وإنكار دين الله ، ملة جاءت من الانحراف ، قوم أثرت فيهم البيئة التي نشئوا فيها والمؤثرات الخارجية حتى خرجوا على الطبيعة ، وإلا لو وجهنا سؤالا إلى بدوي في أعماق البادية لم يتصل بأحد قط إلا بمواشيه لو وجهنا إليه سؤالا هل تعرف ربك؟ يقول نعم لو قلتَ له أين الله ؟؟ لا يتردد أن يقول الله[في السماء] لذلك إذا ضلت ناقته ماذا يقول؟ "يا ربِّ رُدَّهَا عَلَيَّ يا رب" يرفع يديه من أين تعلم؟؟ من الفطرة ، دليل ذلك سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية الأعجمية التي كانت ترعى غنم أهلها التي غضب عليها مولاها ذات مرة لسبب من الأسباب لا داعي لشرحها ليقول لطمها ثم ندم على لطمها لأنه لطمها في وجهها ، اللطم في الوجه ممنوعٌ شرعاً "إذا ضرب أحدكم غلامه فلا يضرب الوجه ولا يقبحه لأن الله خلق آدم على صورته" خالف هذا النص فلطمها ثم ندم فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في عتقها فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يعرف إيمانها من كفرها فدعاها فحضرت بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام فاختبرها بسؤالين اثنين:فطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَاكل ما يتدين به الإنسان ويذلل له ويتعبد به فهو دين ما كانت عليه قريش يسمى دينا دين الجاهلية دين العرب دين المشركين وما عليه الهندوك والبوذيين دِينٌ دِين أرضي وكل مَنْ عَدَا الماركسيين الشيوعيين ومن عدا العلمانيين كلهم يدينون بدين التدين بالدين طبيعة في البشر سواء أكان هذا التدين حقا أو باطلا "إلا من ارتد" بعد أن تُفْقَدَ فِطْرَتُهُ لأن الله فطر العباد على التوحيد
السؤال الأول أين الله؟ ولم تتردد الجارية الجاهلة التي بقيت على فطرته في أن تقول "في السماء" ، والأشاعرة الذين يستصعبون هذه الإشارة والإيمان بالعلو حكموا على الجارية بأنها مجنونة لكن على جنونها قالوا أشارت بيدها ولم تقل في السماء لأنها أعجمية ، فلتكن أعجمية لم تقل بلسانها ولكن هل توافقون بأنها أشارت؟ يكفي.. يكفي.
السؤال الثاني مَنْ أنا؟؟ قالت أنت رسول الله عليه الصلاة والسلام ، النتيجة:"إِعْتِقْهَا فإنَّهَا مُؤمنة.
أريد أن أقول دليل الفطرة "قبل أن يَفسد" يدرك الإنسان بدليل الفطرة وجود الله ويدرك بأن الله في العلو وأنه يُدْعَى مِنْ فوق لا تجد عربيا أو أعجميا متعلما أو غير متعلم إلا وهو يقول "يا رب" فإذا نزلت نازلة بإنسان يلتفت قلبه إلى العلو قبل أن يرفع يديه ، لا يمكن أن يلتفت يمنة أو يسرة ، هذا دليل الفطرة ودليل العقل والحس وأخذ الميثاق على العباد وهم في صلب آدم كلُّ ذلك مجتمعاً يشهد بأن الله موجود وأنه في العلو وأنه وحده هو المعبود .
ولكن هنا سؤال هل تكفي هذه الأدلة لإقامة الحجة على العباد؟؟
الجواب :(لا)
لو كان دليل العقل ودليل الفطرة وأخذ العهد والميثاق على العباد لو كانت هذه المعاني وهذه الأدلة كافية لإقامة الحجة على العباد لَمَا أرسل اللهُ الرسلَ وأنزل الكتب.
إذن هذه الأدلة عبارة عن تمهيد للفهم الصحيح العام وللمعرفة الصحيحة العامة ولتحقيق التوحيد بعد أن يرسل الله الرسل وأنزل الكتب.
"لا إله إلا الله" كلمة التوحيد كلمة الإسلام كلمة الإيمان أصل الدين وأصل الإيمان وأصل الإسلام ولكن الشأن كل الشأن أن تُفْهَمَ هذه الكلمة ، كل مَنْ يَنْتَسِبُ إلى الإسلام يقول "أشهد أن لا إله إلا الله" ولكنها لا تمنعهم من دعوة غير الله ومن الاستغاثة بغير الله ومن الذبح لغير الله بل ومن السجود لعتبة الشيخ ، قد يجلس في المسجد بعد الصلاة ويذكر الله بـ"لا إله إلا الله" مائة مرة فإذا خرج يريد أن يودع الشيخ يسجد على عتبة الشيخ سجوداً يضع جبهته على العتبة مودعاً للشيخ فإذا قُلْتَ لَهُ يقول "(لا) هذه مش عبادة ، هذه محبة الصالحين ، أنتم ما تفهمون هذه محبة الصالحين" لو كان يفهم معنى "لا إله إلا الله" لما خضع وتذلل لغير الله ؛ لأن معنى العبادة عند عوام المسلمين الصلاة والزكاة والصيام والحج وكفى ولكن حقيقة العبادة "غاية الذل مع غاية الحب" مَنْ تذلل لغير الله كما يتذلل العبد لربه وخضع وأحب غير الله كما يحب الموحدُ ربه فقد عبده "غاية الحب مع غاية الذل" لذلك يعتبر السجود من أعظم أنواع العبادة لأنك في السجود حققت عبودية لا تحققها بغير السجود عندما تضع جبهتك أشرف عضو فِي جسمك تضعها موطئ رجلك على الأرض تذللا لله .
لاحظ ماذا يقول الإنسان في سجوده؟؟ يقول سبحان ربي الأعلى لئلا يخطر بقلبه خاطر شيطاني "إنما سجدت لله لأن الله تحتك" نفياً لِهَذِهِ التهمة ولهذا الوهم شُرِعَ أن يقولَ العبدُ "سبحان ربي الأعلى" يقول النبي عليه الصلاة والسلام "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" قُرْبَاً معنوياً "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" فليكثر من الدعاء فقمن أن يستجاب له لأنه حقق العبودية تَذَلَّلَ لربه ومن صرف هذا النوع لغير الله ناقض فِعْلُهُ قَوْلَهُ.
"لا إله إلا الله" لها شروط ، لا تكفي الكلمة الجوفاء يجب أن تعلم شروطها:
((العلم واليقين والإخلاص والصدق والمحبة والقبول والانقياد))
يجب أن تتوافر هذه الشروط في "لا إله إلا الله" وبدون علم وبدون أن تكون على يقين بأنه لا معبود بحق إلا الله وقبل أن تكون صادقا مع الله ودون أن تخلص مع الله العبادة وتقبل ما دلت عليه هذه الكلمة وتنقاد لمقتضاها لا تنفعك هذه الكلمة الجوفاء ، لذلك "أشهد لا إله إلا الله" كلمة عظيمة يجب أن تُفْهَمَ كما فهمها من قبلنا واعتزوا بها وبالله التوفيق.
الزمن انتهى ولكن نجيب على سؤال مهم وأوجز وهذا السؤال بالنسبة لي ليس بغريب بل سُئِلْتُ مثل هذا السؤال عدة مرات ، شبابنا على مفترق الطرق وتحت التشويش ، المؤثرات كثيرة والمشوشون كثيرون .
السؤال يقول : هنالك من الدعاة المنتسبين للدعوة يشككون في تدريس العقيدة بحجة أنها تسبب تحجيرا(!!) -الله المستعان- تحجيرا للعقل وأنها تفرق بين المسلمين وأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى جمع الشمل لمواجهة الأعداء ونحو ذلك ..
كلمات معسولة.. العقيدة الإسلامية تفرق؟ (نعم) إنها تفرق جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفرق هكذا في الحديث "جاء محمد ليفرق" والقرآن يفرق والإسلام يفرق ، الذي لا يرضى هذا التفريق ويريد أن يكون الناس مجتمعين غير متفرقين معنى ذلك هو علماني ، العلمانيون الذين كفروا بالأديان كلها يريدوا أن يجتمعوا تحت الإنسانية ، وأما هذه الكلمة الجميلة التي جاء بها "إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى جمع شمل لمواجهة الأعداء" بأي شيء تواجه الأعداء؟؟!! إذا كنتَ لا تدرس العقيدة ولا تحقق العقيدة ولا تعرف العقيدة تكتفي من الإسلام بمجرد الانتساب ما ديانته؟ الإسلام في شهادة الميلاد مكتوب "مسلم" تكتفي بهذا الإسلام وبهذا تجمع شمل المسلمين شمل الأمة ، لا يمكن جمع شتات المسلمين إلا بالعقيدة ، فرقت العقيدة أول ما فرقت بين الناس إلى أولياء الله تعالى إلى أعداء الله أولياء الله وأعداء الله والناس بين حزبين حزب الله وحزب الشيطان .
وأما من يحاول "لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر لا يقال هذا شرك وهذا توحيد هذه سنة وهذه بدعة وأن هذا الأسلوب يفرق ولكن نريد أن نجمع المسلمين تحت الإسلام .. الإسلامُ كيفما كَانَ علمانيا رافضيا شيوعيا بعثيا سنيا مبتدعا طالما يدخل تحت اسم الاسم يكفينا" مَن يريد أن يفهم الإسلام بهذا المفهوم فهو بحاجة إلى أن يدرس الإسلام من جديد لم يفهم الإسلام وهذا ليس جمع كلمة المسلمين وهذا قضاء على الإسلام ، الإسلام دين عمل أولا العقيدة معرفة حق الله على العباد كما سمعتم ، وأقول ما قدمته من المقدمة هذه الليلة يكفي جوابا على هذا السؤال بالنسبة للمنصف الذي يريد أن يفهم أما في نفسه هوى يريد أن ينتمي إلى جماعة معينة وهذه الانتماءات الكثيرة تُشَوِّش علها العقيدة دراسة العقيدة تشوش على هواة المنتمين الذين يرغبون الانتماءات الكثيرة إلى الجماعة الفلانية إلى زيد إلى عمرو إلى خالد لا يريدون أن يكتفوا بنسبة واحدة "الإسلام" ولا يريدون أن يكتفوا بإمام واحد "محمد" رسول الله عليه الصلاة والسلام بل يريدون أئمة يريدون أمراء يريدون زعماء يدينون لهم فإذا ما جاءت العقيدة وجَمَعَتْ الناس عبروا بالتعبير المعاكس "فرقت" .
هذا الأسلوب لا ينبغي أن ينطلي على شبابنا ، ادرسوا عقيدتكم ، بهذه العقيدة تحصل العزة والمناعة للأمة وبترك العقيدة يحصل الضعف والتفرق والتشتت عليكم بالعقيدة ولا تسمحوا بمثل هذا الأسلوب أقول مرة ثالثة راجعوا ما ذكرنا في المقدمة وفي ذلك الكفاية وبالله التوفيق .