قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه القيم الماتع
صـ 48
وأما من بوب بـ (التوسل بغير النبي ) فليس بفقيه في النصوص وسأبين هذا.
قال: عن عتبة بن غزوان عن نبي الله قال: ( إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ، فإن لله عبادا لا نراهم.وقد جرب ذلك )
( ... رواه الطبراني ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم إلا أن يزيد بن علي لم يدرك عتبة) انتهى كلامه .
والكلام عليه من أوجه :
الأول : ما وقع في نقله من التحريفات، فمنها أنه جعل قوله : ( وقد جرب ذلك) من كلام رسول الله إذ أدخله بين الحاصرتين وهو ليس من كلامه، إنما من قول بعض الرواة المتأخرين كما سيأتي .
ومنها : أن (يزيد) محرفه وصوابها زيد بن على، كما هو في معجم الطبراني.
الثاني: الحديث رواه الطبراني في "معجمه الكبير" (17/117)،من طريق أحمد بن يحيى الصوفي ثنا عبد الرحمن بن شريك( 1 ) حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن زيد بن علي عن عتبة بن غزوان مرفوعاً.
قال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار": (أخرجه الطبراني بسند منقطع) اهـ.
ويقال: ومع الانقطاع ففي إسناده كلام من وجهين :
1 - عبد الرحمن بن شريك : قال أبو حاتم : واهي الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال :
ربما أخطأ، ذكر ذلك ابن حجر في "تهذيب التهذيب"،ولم يذكر سوى هذين القولين.
2 - شريك والد عبد الرحمن هو ابن عبد الله النخعي القاضى المشهور، قال الحافظ في "التقريب": (صدوق، يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة، وكان عادلاً فاضلاً عابداً، شديداً على أهل البدع) اهـ.
فاجتمع في هذا الإسناد ثلاثُ آفات: الانقطاع، وضعف عبد الرحمن، وضعف شريك. فالإسناد ضعيف بيقين .
وقال: " وعن ابن عباس أن رسول الله قال: ( إن لله ملائكة [ في الأرض] ، سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوني يا عباد الله! ) . رواه الطبراني ورجاله ثقات. اهـ
نقله عن "مجمع الزوائد".
أقول : وفي نسخة من "مجمع الزوائد" رواه البزار، ولعله أصوب، فإن أثر ابن عباس أخرجه البزار في "البحر الزخار" وذكره الهيثمي في "كشف الأستار" (4/33-34)، قال البزار: (حدثنا موسى بن إسحاق ثنا منجاب بن الحارث ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله ) قال: فذكره .
قال البزار: لا نعلمه يروى عن النبي ( بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد) اهـ.
وفي هذا الإسناد نظر :
1 - أسامة بن زيد هو الليثي المدني. عدَّلَه بعضهم وجرح حديثه آخر ون،
قال أحمد بن حنبل :ليس بشيء رواها الأثرم عنه.
وقال عبد الله بن أحمد لأبيه: أراه حسن الحديث، فقال: إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة
وكان يحيى بن سعيد يضعفه.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال البرقي: هو ممن يضعف، وقال: قال لي يحيى: أنكروا عليه أحاديث. هذه حكاية أقوال بعض من تكلموا فيه.
وممن وثقه: ابن معين في رواية أبي يعلى، وكذا نحوه في رواية عباس. وفي رواية الدارمي عن ابن معين: ليس به بأس. وتبع ابن معين ابنُ عدي فقال: ليس بحديثه بأس. ووثقه ابن شاهين، وابن حبان وزاد: (يخطئ)، ومن تدبر هذه الأقوال علم أن ما تفرد به حقه الرد، فإن توبع قبل، ومن أحاديثه التي تفرد بها حديث ابن عباس.
2 - حاتم بن إسماعيل الراوي عن أسامة بن زيد قال فيه الحافظ: (صحيح الكتاب صدوق يهم) اهـ.
قال الشيخ ناصر الألباني: (خالفه جعفر بن عون فقال: ثنا أسامة بن زيد... فذكره موقوفا على ابن عباس . أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/455/1)،
وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين، فالأول منهما لم يجرح بشيء، بخلاف الآخر، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وقال غيره: فيه غفلة. ولذلك قال فيه الحافظ: صحيح الكتاب صدوق يهم. وقال في جعفر: (صدوق). ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة) اهـ.
3 - تفرد أسامة به، وقد نقدم أن تفرد ضعيف الحفظ يعد منكراً، إذا لم تؤيده أصول صريحة صحيحة.
وقال الحافظ ابن حجر: (هذا حديث حسن الإسناد، غريب جدا) اهـ من "شرح ابن علان للأذكار" (5/151)، ومن المعلوم أن حسن إسناده لا يدل على حسن الحديث دائماً
والحديث على ضعفه من أبواب الأذكار لا يدل على ما يدعيه المبطلة من سؤال الموتى ونحوهم، بل إنه صريح في أن من يخاطبه ضال الطريق هم الملائكة، وهم يسمعون مخاطبته لهم، ويقدرون على الإجابة بإذن ربهم؛ لأنهم أحياء ممكنون من دلالة الضال، فهم عباد لله، أحياء يسمعون، ويجيبون بما أقدرهم عليه ربهم، وهو إرشاد ضالي الطريق في الفلاة، ومن استدل بهذه الآثار على نداءِ شخص معين باسمه فقد كذب على رسول الله (، ولم يلاحظ ويتدبر كلام النبي ) ، وذاك سيما أهل الأهواء.
إذا تبين هذا فالأثر من الأذكار التي قد يتساهل في العمل بها مع ضعفها؛ لأنها جارية على الأصول الشرعية، ولم تخالف النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، ثم هو مخصوص بما ورد به الدليل؛ لأن هذا مما لا يجوز فيه القياس لأن العقائد مبناها على التوقيف.
ولهذا روى عبد الله بن أحمد في "المسائل" (ص245) عن أبيه قال: (ضللت الطريق في حجة وكنت ماشياً، فجعلت أقول: يا عباد الله! دلونا على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق).
فما بَوّبَ به صاحب المفاهيم هذا الحديث وأشباهه بقوله: (التوسل بغير النبي هو من عدم تدبر الأحاديث وفهمهما كما فهمها أئمة العلماء، فلم يقل عالم من المتقدمين إنها دليل في التوسل بغير النبي (، كيف وقد أجمعوا على منعه.
وقال ناقلاً عن "مجمع الزوائد" وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول ( إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة: فليناد يا عباد الله! احبسوا، فإن لله حاضراً في الأرض سيحبسه ) . رواهأبو يعلى والطبراني، وزاد: ( سيحبسه عليكم ) وفيه معروف بن حسان وهو ضعيف اهـ.
أقول: الحديث في "المعجم الكبير" (10/267) حدثنا إبراهيم بن نائلة، و"مسند أبي يعلي" (2/244) ، وفي "عمل اليوم والليلة" لابن السني (ص136) من طريق أبي يعلى، كلاهما قال: حدثنا الحسن بن عمر بن شفيق حدثنا معروف بن حسان (أبو معاذ) السمرقندي عن سعيد بن أبى عروبة عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً .
وهذا إسناد ضعيف لأمور :
1 - معروف بن حسان: قال أبو حاتم: (مجهول)، وقال ابن عدي: (منكر الحديث)، قلت: هو الراوي عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: ( من ربى شجرة حتى نبتت كان له كأجر قائم الليل صائم النهار ، وهو حديث موضوع، رواه الكنجروذي في "الكنجروذيات" .
2 - سعيد ابن أبي عروبة: اختلط، قال النسائي: من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء. ومعروف بن حسان من الصغار، ولم يسمع منه قبل الاختلاط إلا الكبار، وسمع منه قبل استحكام اختلاطه جماعة، وسمع منه بعد استحكام الاختلاط كثير.
وكان بدأ اختلاطه سنة 132هـ، واستحكم 148هـ، أفاده البزار.
3 - تدليس سعيد بن أبي عروبة: قال الحافظ (كثير التدليس). وروى هذا الحديث معنعناً عن ابن بريدة فلا يقبل.
4 - قال الحافظ في "نتائج الأفكار": (حديث غريب أخرجه ابن السني وأخرجه الطبراني، وفي السند انقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود) اهـ. فهذه علة رابعة، أفادها الحافظ وهي الانقطاع.
5 - روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (10/424- 425): حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله ( قال: فذكره.
وهذا الإسناد معضل، وتدليس ابن إسحاق مشهور، فهذه علل تِلْوَ علل، ليس لها دواء من التلف، وإسناده مطروح.
ولهذا كله لم يصَحَّحْ أو يحسن هذا الحديث أحدٌ ممن له معرفة أو مشاركة في علم الحديث،
بل إما مضعف، أو ناقل تضعيف غيره .
وبعد: فقول صاحب المفاهيم (ص69): (فهذا توسل في صورة النداء) من الدعاوي العريضة لغةً وشرعاً.
فأما اللغة: فلا يعرف أن من صور التوسل النداء، بل النداء دعاء وطلب مباشر، لمنادى حاضر يسمع ويجيب، والتوسل جعل القرب سببا لقبول الدعاء.
وأما الشرع: فالأحاديث ضعيفة، والأول والثالث شديدا الضعف، والثاني: والذي فيه ذكر الملائكة
ضعيف وغريب جداً، ولا دلالة فيه على المدعى وهو التوسل، إذ هذا نداء حي يقدر على إجابته.
وما أحسن ما روى الهروي في "ذم الكلام" (4/68/1): ( أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق ، وكان قد بلغه : أن من اضطر في مفازة فنادى : عباد الله ! أعينوني أعين .
قال : فجعلتُ أطلب الجزء أنظر إسناده .
قال الهروي : فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده) اهـ.
فهذه طريق السلف، وأتباعهم البحث في الأسانيد، وصنيع بعض الخلف وأتباعهم الفرح بكل ما يؤيد رأيهم ولو بالموضوعات المكذوبات، ولا يغارون على سنة المصطفى محمد .