فصل أساس البدع
تأملت الدخل الذي دخل في ديننا من ناحيتي العلم والعمل فرأيته من طريقين قد تقدما هذا الدين وأنس الناس بهما.
فأما أصل الدخل في العلم والاعتقاد فمن الفلسفة.
وهو أن خلقاً من العلماء في ديننا لم يقنعوا بما قنع به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانعكاف على الكتاب والسنة فأوغلوا في النظر في مذاهب أهل الفلسفة وخاضوا في الكلام وأما أصل الدخل في باب العمل فمن الرهبانية.
فإن خلقاً من المتزهدين أخذوا عن الرهبان طريق التقشف ولم ينظروا في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسمعوا ذم الدنيا وما فهموا المقصود.
فاجتمع لهم الإعراض عن علم شرعنا مع سوء الفهم للمقصود فحدثت منهم بدع قبيحة.
فأول ما ابتدأ به إبليس أنه أمرهم بالإعراض عن العلم فدفنوا كتب وغسلوها.
وألزمهم زاوية التعبد فيما زعم وأظهر لهم من الخزعبلات ما أوجب إقبال العوام عليهم فجعل إلههم هواهم.
ولو علموا أنهم منذ دفنوا كتبهم وفارقوا العلم انطفأ مصباحهم ما فعلوا.
لكن إبليس كان دقيق المكر يوم جعل علمهم في دفين تحت الأرض.
وبالعلم يعلم فساد الطريقين ويهتدي إلى الأصوب.
نسأل الله عز وجل أن لا يحرمنا إياه فإنه النور في الظلم والأنيس في الوحدة والوزير عند الحادثة.
------------------------
صيد الخاطر لابن الجوزي
تعليق