[مقال] الرد على مدعي "المالكية" المتعصبين في مسألة البناء على قبور الأنبياء والصالحين( إيراد نصوص من علماء المالكية في ذلك)

[أبو عبد الله عزالدين القطعاني]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي الصالحين المؤمنين ، وناصر الموحدين المخلصين، ومعين المتبعين لسنة سيد المرسلين، ومذل المشركين المخالفين لهدي خير النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطاهرين .
أما بعد :
فإن بدعة البناء على القبور والتحويز عليها من أعظم طرق الشرك بالله عز وجل قد ابتليت بها كثير من بلاد الإسلام -إلا من عصم الله- من هذه البدعة المضلة الموصِلة إلى الشرك بالله عز وجل
واتخاذ الأرباب من دونه جل وعلا . وهذا الشرك متمثلٌ في دعاء أصحاب هذه القبور والاستغاثة بهم وطلب العون و المدد منهم سواء أكان بعض أصحاب هذه القبور الذين هم من أهل الصلاح و الفلاح المبرئين مما يفعل عند قبورهم و لا يرضون به و لم يأمروا به ، أو غيرهم من الطواغيت الذين دعوا صراحة الناس لعبادتهم كما دعوهم لعبادة غيرهم وليست بلادنا ليبيا- قيض الله لها دعاة توحيد وإصلاح لينفضوا عنها غبار الأضرحة ومدن القبور المشيدة - أقول ليست بلادنا بدعا من البلاد المسلمة التي عجت بمدن القبور و الأضرحة التي تعبد من دون الله عز وجل و يُطاف حولها و يُسعى بينها ويُتمسح بعتباتها و قضبانها – ولم يسلم من هذا الشرك الصُراح إلا بلاد التوحيد حماها الله .
تلك القضبان التي تحولت بسبب الجهل و البعد عن الدين عند كثير ممن ينتسبون للإسلام تحولت إلى أقفاص تأسر داخلها هؤلاء الأموات المعبودين من دون الله وتحول خارجها لأقفاص تحبس أولائك الحمقى والبلهاء وأصحاب العقول الجوفاء الذين لا هم لهم إلا التطوح على تلك العتبات و التعلق بتلك القضبان و التمسح بها ودعاء أصحابها الموتى، حتى شوهوا صورة المسلمين عند غيرهم من الأمم والملل وصار المسلمون أضحوكة أمام الكفار الملحدين !!، ولو أن تلك العقول المقفلة قُدّر لها أن تُفتح لبُرهة لذُهل أصحابُها من فرطِ غبائهم وبهيميتهم التي هم فيها ولدعوا الله أن يقبض أرواحهم حتى يرتاحوا مما هم فيه من تخلف وبعد عن الشرع الحنيف كتاباً وسنةً وفهماً لمنهج للسلف الصالح رضوان الله عليهم .
ولكن العجب الذي لا يكاد ينقضي ممن ينسبون أنفسهم للعلم -وهم للجهل أقرب- أن ينصّبوا أنفسهم محامون ووكلاء ومدافعون عن تلك الأصنام و ألائك المشركون الذين لهم في أبي جهل وأبي لهب وأمية -وغيرهم من عبّاد البشر والحجر - لهم فيهم نصيب وحظ وافر من الشبه بل القرابة- أي قرابة الشرك بالله عز وجل- وعبادة غيره ، وليس لهم حظ في محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه إلا قليلا ، حتى صاروا -أي مدعي العلم- في مرتبة جهلة العوام بل إن بعض العوام من سلمي الفطرة والعقل أفضل منهم حالا . وهذا الوضع الذي لا يحُسدون عليه سببه عدم فهم دين الله عز وجل والبعد عن الدليل الوارد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم التعصّب لا لمتقدمي المذهب السلفيين - و إن كان التعصّب لا يكون إلا لله ورسوله وصحبه الكرام - لكن تعصّبهم لمتأخري المذهب بل ومعاصريه الذين هم أيضا لهم الحظ الأوفر من الجهل بدين الله والتعصب لأراء الرجال والبعد عن الدليل الصحيح سواء وافق المذهب أم لم يوافق ، بل ووصل الأمر ببعض متعصبي المذاهب إلى القول بأن الدليل هو الذي يجب أن يُرد إلى المذهب لا العكس : فإن وافق المذهب فلا بأس وإلا يُرد ، فلا حول ولا قوة إلا بالله . ولو أخذنا المنتسبين –زعموا- للمذهب المالكي في هذا البلد مثالا لوجدناهم -إلا من رحم الله – متعصبين تعصبا مقيتا لا يكاد ينفك عنهم ولا ينفكون عنه وكأن مذهبهم قد حوى الدين كله ولم يترك منه شيئا ،وغيره من المذاهب فرع ومذهبهم هو الأصل، فصاروا لا يرون صحيحا إلا ما في مذهبم و إن كان مذهبهم يستند لأدلة واهية وضعيفة و مذهب غيرهم موافق للكتاب والسنة .لكنهم من فَرط تقليد الآباء والأجداد صاروا متحجرين متكلسين عقديا وفقهيا و فكريا، ناسين أو متناسين أن الذي أُرسل إلينا هو محمد- صلى الله عليه وسلم - وليس مالك- رحمه الله ورضي عنه – و مما يزيدك عجبا على عجبك أن هؤلاء مع زعمهم بأنهم مالكيون تجدهم قد تغافلوا عن النصوص الصحيحة الواردة عن مالك -رضي الله تعالى عنه- و غيره من تلاميذ المذهب التي حثوا فيها على عدم التعصب إلا لسيد الخلق وأنه وحده الذي يُردُّ إليه الحُكم بعد كتاب الله عز وجل .لا أن يُرد على سنته صلى الله عليه وسلم بآراء الرجال الغير مصومين الذين عُرف عنهم متابعته صلى الله عليه وسلم ناهيك عن آراء متأخريهم الذين عُرف عنهم مخالفته صلى الله عليه وسلم -مع الأسف الشديد- .
غير أن هذا لا يمنعني من أن أورد الأدلة الواضحة من أراء رجال المذهب المالكي السلفيين الموافقة للكتاب والسنة الذين عرف عنهم التمسك بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في كثير من فتاويهم حيث سأورد لهم نصوصا تتعلق بموضوع البناء على القبور وتحويزها ، هذه الفتنة التي فُتن بها كثير من المسلمين في هذا البلد و ذلك كما قلنا بسبب جهل عوامهم وتقليد مشايخهم المتأخرين و تعصبهم تعصبا أعمى ناسبين ذلك زورا وبهتانا للمذهب والمذهب الصحيح منه براء .
وعلى رأس هؤلاء الذين سأورد كلامهم إمام دار الهجرة وعالم المدينة وأمير الحديث مالك بن أنس الأصبحي- رحمه الله ورضي عنه- الذي عُرف المتابعة لرسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يُوصف بذلك كما سأورد لغيره من رجال المذهب نصوصا تعضد ما أقول .
و الذي دفعني لذلك هو دحض ما ينسب للمذهب من تجويز مسألة البناء على القبور أو عبادة سكانها ولو كانوا أنبياء. ثم أيضا لأفحم به هؤلاء المتعصبين الذين يتشدقون ليل نهار -كاذبين- بأنهم مالكيين - ومالك و مذهبه منهم براء - والذين ظهر منهم هذه الأيام على القنوات و الإذاعات الليبية من يتباكى على القبور و الأضرحة البدعية الشركية التي تعجب بها بلادنا المسلمة مع الأسف بعد أن بدأت حملة من بعض الثوار في طرابلس وغيرها بهدمها وتسويتها بالأرض امتثالا للأوامر النبوية التي تضافرت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ضرورة هدم القبور المشرفة وتسويتها بالأرض، ومن هؤلاء المدعو المتباكين على قبور الشرك والإلحاد عبد اللطيف مهلهل الصوفي المحترق و القبوري الجلد ،ومن هؤلاء من تحذلق وقال إن هذه القبور من الآثار التي يجب أن يحافظ عليها ظنا منه الناس الموحدين قد تنطلي عليهم هذه الحيلة و الله المستعان .
و فيما مايلي بعض النصوص الواردة في المسألة :
1-قال الإمام مالك رحمه الله: أكره تجصيص القبور والبناء عليها وهذه الحجارة التي يبنى عليها(1)
2-أورد العلامة الألباني -رحمه الله تعالى – في كتابه : تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجدط المعارف ص: 55. مبينا مذهب المالكية في اتخاذ القبور مساجد ما يلي : 3- مذهب المالكية التحريم : وقال القرطبي في تفسيره (10/3 بعد أن ذكر الحديث الخامس (2):
قال علماؤنا : و هذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد.
قُلت :وبنحو ذلك اطلعت على كلام لابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في كتاب دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيميةللدكتور عبدالله الغصن ط دار ابن الجوزي بالدمام.
3-وقال القرطبي المالكي: اتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناءعليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة عن النهي عنه ممنوع لا يجوز (3) . و من المعلوم أن البناء على من اتخاذها مساجد.
4-5قال الحطاب المالكي: ويكره البناء على القبر والتحويز عليه، وإن قصدالمباهاة بالبناء عليه... فذلك حرام (4) ولا شك أن بناء المساجد عليها منأعظم أنواع المباهاة والتعظيم. وقال الحطاب أيضا : وقال ابن رشد : كره مالك البناء على القبر وأن يجعل البلاطةالمكتوبة ، لأن ذلك من البدع التي أحدثها أهل الطول من إرادة الفخر والمباهاةوالسمعة ، وذلك ممّا لا اختلاف في كراهته وقال ابن العربي في العارضة : وأما الكتابة عليها فأمر قد عمَّ الأرض ، وإن كان النهي قد ورد عنه .... أهـ
قُلت : وإذا كان هذا كلام ابن العربي- رحمه الله- في الكتابة على القبر فلعمري ما تظن رأيه في البناء عليها !!
6-قال الباجي المالكي تعليقاً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ;غضب اللهعلى قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قال: يريد أنه أراد عذاب قوم اتخذواقبور أنبيائهم مساجد، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك في مرضه تحذيراًمما صنعه اليهود والنصارى من ذلك(5) .
هذا وإن الوقت لا يتسع للبحث وإيراد كل النصوص المالكية الواردة في مسألة البناء على القبور وإنما اكتفيت ببعض النصوص التي فيها الغنى لطالب الحق أما أهل الأهواء فلن يكفيهم ألف دليل و دليل و قد اكتفيت بمسألة البناء على القبور ولم أورد نصوص تحريم دعاء الأموات والطواف بقبورهم و اتخاذها أعيادا مما هو مشاهد في بلادنا مخافة الإطالة ، وذلك بحث آخر إن شاء الله تعالى.

نسأل الله تعالى التوفيق والسداد

هوامش :
(1) المدونة 1/189/ .
(2)يشير رحمه الله إلى : حديث عائشةرضي الله عنها حيث قالت : لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها : مارية ـ وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة ـ فذكرن من حسنها وتصاويرها قالت: [ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ] فقال : أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، ثم صوروا تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله [ يوم القيامة ] رواه البخاري (1/416و422) ومسلم (2/66 / ) والنسائي (1/115) وابن أبي شيبة في المصنف (4/140طبع الهند) وأحمد (6/51) وأبو عوانة في صحيحه (1/400ـ401) والسياق له وابن سعد في الطبقات (2/241) والسراج في; مسنده (48/2) وأبو يعلى في الطبقات (ق .220/2) والبيهقي (4/80 ) والبغوي (2/415ـ416)
) 3) تفسير القرطبي، 1/379/. .
)4-5)مواهب الجليل 2/242/.
) 6(المنتقى للباجي 1/307/.