بسم الله الرحمن الرحيم
قال فضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تسآلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
في هذا اللقاء المبارك بإذن الله عزوجل سنفتتح مدارسة لكتاب السنّة لمحمد ابن نصر المروزي وقبل الدخول في هذا الكتاب أحببت أن أقدم لبعض المقدمات .
المقدمة الأولى : التعريف بالمؤلف ، صاحب هذا الكتاب اسمه محمد بن نصر ابن الحجاج المروزي والمروزي نسبة إلى مرو ، ومرو هذه إحدى أو من أكبر مدن خراسان ، محمد بن نصر المروزي كنيته أبو عبد الله ولد ببغداد سنة اثنين بعد المئتين (202 هـ) ، واستقر واستوطن في سمرقند ،طلب العلم على يد كثير من المشايخ ، بل على كبار علماء عصره وقد أدرك أئمة في عصره ، من أشهرهم إسحاق بن راهويه إمام أهل الحديث ، وأيضا ممن أدركهم المروزي رحمه الله تعالى ، الربيع بن سليمان المرادي المصري الشافعي تلميذ الشافعي النجيب ، وأيضا أدرك الإمام المزني صاحب شرح السنّة ، وأدرك أيضا جماعة كثرتلقى على أيديهم العلم وأخذ عنهم السنّة ، والعلم وفي الوقت نفسه أيضا هو أخذ على ـ يعني ـ كبار أهل العلم ـ أيضا تتلمذ عليه من عرفوا بالنجابة ، تتلمذ عليه على سبيل المثال : أبو العباس الأصم من كبار أئمة الحديث ، وأيضا تتلمذ عليه أبو العباس السراج صاحب المسند العالي ، وأيضا تتلمذ عليه غير هذين ، أبو بكر محمد بن المنذر الإمام المعروف ، أثنى على محمد بن نصر المروزي جماعات كثيرة من أهل العلم واتفقت كلمتهم على وصفه أولا بالإمامة في الدين ولذلك الإمام محمد بن نصر المروزي وإن ذكر في كتب الشافعية إلا أنه كان إماما مجتهدا ، ومعروف أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان يقول : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي فكان رحمه الله تعالى لا يتقيد بقول أحد ، وإن تفقه على مذهب الإمام الشافعي ونبغ فيه ،وصار إماما فيه ، فاتفقت كلمتهم على وصفه بالإمامة وعلى وصفه أيضا بأنه كان بحرا خاصة علم السنّة والآثار كما قال الإمام محمد بن حزم رحمه الله تعالى ، له كلمة عجيبة في هذا الإمام يقول : أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن وأضبطهم لها وأذكرهم لمعانيها وأدراهم بصحتها وبما أجمع عليه الناس مما اختلفوا فيه ثم قال ابن حزم : ما نعلم هذه الصفات بعد الصحابة أتم منها في محمد بن نصر المروزي ، فلو قال قائل ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه حديث إلا ما عند محمد بن نصر لما بعُد عن الصدق . انتهى كلامه
والإمام ابن حزم رحمه الله تعالى معروف بشدته وصلابته ، فوصفه لمحمد بن نصر المروزي ، وصفه بهذا الوصف دليل على مكانة محمد ابن نصر في السنّة وفي علم الأثر ، وهذا أيضا ـ يعني ـ لابد أن نتنبه له ، لأنه مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام ( إن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورّثوا درهما ولا دينارا وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فالعلم الذي أثنى الله عزوجل على أصحابه والذي جاء في النصوص الشرعية في الثناء عليه وفي مدح أهله إنما هو العلم الشرعي قال الله قال رسوله ، قال أصحابه الكرام ماهو العلم مجرد فلسفة وكلام وخطرات وأفكار ووساوس وقصص وأناشيد ونحو ذلك ، هذا ماهو العلم الشرعي المطلوب ، ولا هو العلم مجرد أن تجلس للناس تذكرهم ، تخوفهم بلا مستند شرعي ولا العلم خرق الناس في السياسة وإدخالهم في مجالات لا يقدمون فيها ولا يؤخرون ، بل هذا من إضاعة العلم عند أهل العلم ، ولهذا كان الإمام محمد ابن نصر المروزي كان إمام في السنّة شديدا على أهل البدع ، يرد عليهم أقوالهم الباطلة التي تخالف الكتاب والسنّة ،وهنا قضية مهمة وهي أنّ الحق أحب إلى النفس من زيد وفلان من الناس ، والناس أمام الحق والباطل لا يخلون من رجلين ، رجل طلب الحق وتجرد له وعلم أن الحق هوما جاء في الكتاب والسنّة وأقوال الصحابة وتمسّك به ، فأخذ به
ورجل آخر تعصب للرجال فغضب إذا رُدّ على أهل الباطل باطلهم بقولهم كيف يرد على فلان ؟ وكان الأجدر به أن يقول كيف يخطىء فلان في السنّة ؟ وكيف يرد فلان السنّة ؟ وكيف يعارض فلان السنّة ؟
محمد ابن نصر المروزي رحمه الله تعالى كما سبق كان شديدا على أهل البدع ، كان رأسا في السنّة وكتابه هذا يقررهذه المسألة ، وله أيضا كتب أخرى تدل على إمامته ، فقد ذكر أهل العلم أن له مجموعة من المؤلفات منها كتابه هذا السنّة ومنها أيضا كتابه الكبيرالمفيد تعظيم قدرالصلاة ومنها أيضا كتاب الإجماع بل له كتاب اسمه القسامة قال بعض أهل العلم : لو لم يؤلف ابن نصر ـ يعني ـ محمد ابن نصر المروزي ـ إلا هذا الكتاب لكان دليلا على شرفه وعلى علمه ، كيف وقد صنف غيره من الكتب ، ومعنى هذه المقولة أنّ هذا الكتاب ، كتاب القسامة أحكمه محمد ابن نصر وأتقنه إتقانا عجيبا ، بحيث أنه لو طول عمره تفرغ لتأليفه وفرغ منه ، كان هذا دليلا على عظم إمامته في الدين ، كيف وله أكثر من ثلاثين مؤلفا منها كما سبق السنّة كتابنا هذا ، ومنها كتاب تعظيم قدر الصلاة ومنها كتاب قيام رمضان وقيام الليل والوتر ومنها أيضا كتاب الإجماع وأيضا له كتاب الرد على ابن قتيبة وله كتب كثيرة تدل على إمامته وعلى فضله في الدين ، وُصف أيضا مع اتباعه للسنّة ، وُصف أيضا بكثرة العبادة والتأله والتوجه إلى الله عزوجل والرغبة إليه وفي هذه فائدة أنّ أهل السنّة ليست عندهم جفاوة وليست عندهم صلابة وليس عندهم بعد عن الرقائق لا ، الله عزوجل ماذا قال : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) فأهل السنّة هم أخشى الناس لله عزوجل لأنهم أعلم به ،لأنهم ورثوا العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه : " إني أعلمكم بالله وأخشاكم وأتقاكم له " أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فأهل السنّة عندهم رقة وخشوع وخضوع وتأله لله عزوجل ،ولكن تأله مضبوط على ماكان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام ، دمعتهم صادقة وخشوعهم ناطق ماهو افتعال ، إن لم تبك تتباكى ، بعضهم يبكي وهو يضحك ، لا ، كان بكاءهم صادق ويستشعر هذا من حالهم ، بهذا وصف الإمام محمد ابن نصر المروزي وكذلك يوصف أهل السنّة عموما ، أيضا وُصف رحمه الله تعالى بأنه كان ثابتا على السنّة وهذا أمر مهم للمسلمين عموما ولأهل السنّة خصوصا وهي الميزة يتميز بها أهل السنّة كانوا يثبتون على السنّة ، بمعنى كانوا لا يخالفونها لأجل أهواءهم .
فبالأمس كانوا يذمون التبرج والجلوس مع النساء واليوم هم يجالسون النساء ويبيحون لهم الإختلاط مع الرجال والإنطلاقة مع الرجال .
بالأمس كانوا يذمون أهل التشيع الروافض ، واليوم يدهم بأيديهم ويجالسونهم ويخالطونهم ويزاملونهم . أما أهل السنّة ، لا ، يثبتون على مبدأ واحد لأن المبدأ الواحد هو الحق ، وكما سيأتينا أيضا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطّ خطا مستقيما وخطّ خطوطا ، طرق ومناهج وسبل ليست ثابتة وليست واحدة .
فأهل الحق ، أهل السنّة يثبتون على الحق ، لا يتنقلون من مذهب إلى مذهب ولذلك الإمام مالك رحمه الله تعالى لما جاءه رجل وأراد ـ يعني ـ أن يجادله أو يناقشه يريد أن يناقشه في المسلّمات في السنّة فقال له الإمام مالك : إن كنت في شك من دينك فلست في شك من ديني قم عني .
فأهل السنّة يثبتون على الحق لأنهم عرفوا وعلموا أنّ الحق هوما كان مع النبي عليه الصلاة والسلام وما كان مع أصحابه الكرام .
توفي رحمه الله تعالى محمد ابن نصر المروزي سنة 294 هـ ـ إذن هو عمّر ما يقارب أو ما يجاوز التسعين سنة على اختلاف في ذلك ، لكن هو رحمه الله تعالى قال : ولدت سنة اثنتين بعد المئتين .
هذا ما يتعلق بالإمام محمد ابن نصر المروزي وتكفيه كلمة الذهبي رحمه الله تعالى حينما عرّفه قال : هو الإمام شيخ الإسلام محمد ابن نصر ابن الحجاج المروزي أبو عبد الله الحافظ صاحب التصانيف الكثيرة والكتب الجمة ، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام . ذكره الحاكم فقال : إمام عصره بلا مدافعة في الحديث ـ انتهى كلامه رحمه الله .
إذا هذه هي المقدمة الأولى التي تتعلق بترجمة الإمام محمد ابن نصر المروزي وهي ترجمة مختصرة وإلا فحياته رحمه الله تعالى كانت حافلة بالعلم والمسائل المفيدة وليس المحل أو المكان ـ يعني مكان التوسع في ترجمته ـ فقد ذكروا في ترجمته أشياء مفيدة جدا ذكرت أنا بعضها ـ يعني ـ الإشارة تدل على ما ورائها ، فمن أراد الزيادة فليرجع إلى سير أعلام النبلاء ، وتذكرة الحفاظ وطبقات الشافعية للسبكي .
المقدمة الثانية في هذا الكتاب من حيث التعريف به ، طبعا هناك عدة طبعات لهذا الكتاب ، طبعة قديمة جدا طبعت في الهند أو بباكستان والطبعة المشهورة الطبعة التي طبعت بمؤسسة الكتب الثقافية طبعها وحققها أبو محمد سالم بن أحمد السلفي طبعت عام 1408 هـ واستمرت ـ يعني ـ فترات بين يدي أهل العلم وهي أشهر الطبعات عند أهل العلم من حيث التعامل بصرف النظر عن الجودة ،وهناك طبعتان منها طبعة البصيري وطبعة الشذل لكن طبعة الشذل طبعها في قسمين الإعتصام بالكتاب والسنّة للخزاعي وطبعها باسم السنّة لمحمد بن نصر المروزي وسبب طبعه الكتاب بهذين العنوانين لأنه وجد على المخطوطة هذان الإسمان ،ولكن كما نبه أهل العلم الاسم الآخر وهو الخزاعي والاعتصام بالكتاب والسنّة كُتب خطأ وأنّ الصواب هو السنّة للمروزي . هذا الكتاب ألفه محمد بن نصر المروزي لبيان السنّة وبيان التمسك بها ولزومها وأيضا بيان موقف السنّة في الشريعة الإسلامية وخصوصا مع القرآن ، ومما يؤسف له هذا الكتاب على عظيم قدره ـ يعني منزلته ومنزلة مؤلفه ـ إلا أنه سقطت من مقدمته أو من أوله ورقتان من المخطوط أصلا ولذلك سنجد عندما نقرأ بإذن الله عزوجل أنه يدخل في عرض الكلام دون أن يبين شيئا من مقدمته وأيضا نلمس من كلامه أنه يتعلق بكلام سابق والسبب في ذلك أنه سقطت من المخطوطة ورقتان ـ يعني ـ لعل الله عزوجل أن ييسر الوقوف عليها في القريب العاجل .
المقدمة الثالثة وهي تتعلق أيضا بالمقدمة الثانية أريد أن أبين شيئا من معنى السنّة والمراد بها .
السنّة في اللغة تطلق على الطريقة حسنة كانت أو سيئة لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :" من سنّ في الإسلام سنّة حسنة ، ثم قال ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة " فهي الطريقة حسنة كانت أو سيئة ، محمودة كانت أو مذمومة . والسنّة في الإصطلاح عند العلماء ، كل جماعة من أهل العلم أو كل أصحاب فن من الفنون عرّفوا السنّة بما يتعلق باصطلاحهم ، فالمحدثون عرّفوا السنّة بأنها ما أضيف و نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو صفة أو تقريرلأنهم نظروا واهتموا بنقل كل ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأهل الأصول عرّفوا السنّة بأنها ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقريرمن حيث دلالتها على الأحكام ، لأن الأصوليين ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره مشرّعا فهم يطلقون السنّة مقابلة القرآن والسنّة بنصوصها الدالة على الوجوب أو على الاستحباب ، والفقهاء يعرّفون السنّة ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أوتقرير ولم يدل على الوجوب لأنهم نظروا إلى السنّة في مقابل الواجب فجعلوها من اصطلاحات المستحب السنّة . والسنّة عند أهل السنّة المراد بها الهدي والطريق العام الذي كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام فهي شاملة لجميع أمور الدين من واجبات أو مستحبات ، من مكروهات أومنهيات شاملة لجميع أمور الدين ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :" عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي " ويقول عليه الصلاة والسلام : " فمن رغب عن سنّتي فليس مني " أي طريقتي ، وأيضا يقول عليه الصلاة والسلام :" وخير الهدى هدى محمد " وبهذا الاعتبار فإن السنّة تشمل الأقوال والأفعال وتشمل أيضا الاعتقادات ، ولذلك ألف أهل السنّة كتب السنّة التي ضمنوها الاعتقادات أي الأمورالتي يجب اعتقادها مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى في كتابه هذا أراد بالسنّة هنا أي سنّة النبي عليه الصلاة والسلام بالعموم أي بالأقوال والأفعال الواجبة والمستحبة ، والعملية والعلمية الاعتقادية ،وهنا قضية لابد من التنبيه عليها وهي أن بعض الناس يظن أنّه مثلا إذا اهتم ببعض السنن قد يصلي الضحى ويصوم الإثنين والخميس ويقوم الليل يفعل السنن يهتم بالسواك ويهتم بالأمور هذه ، أنه أصبح من أهل السنّة ، سنّيا ، طبعا هو طبّق السنّة ولاشك ، ولكن لزوم السنّة والتمسك بها غير العمل ببعض السنن لأن لزوم السنّة معناه التمسك بها والعمل بها وعدم مفارقتها بالإطلاق ـ فلو جاءنا رجل في ظاهره وفي كلامه يهتم بالسنن ولكن منهجه حركي يتخذ طريقة في الدعوة إلى الله غير طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن هذا الرجل ليس سنّي بل هو عند أهل العلم من أهل البدع ، طيب ، هو يطبق السنن هو كذا ، نقول ، لا ، تطبيق السنن أمرولزوم السنّة أمر آخر شأن آخر. فتطبيقه للسنن هو عمل بها ولكن لا يسمى سنّيا حتى يلتزم بالسنّة في جميع أفعاله وأقواله ولا يخرج عنها ـ انتبهوا ـ ومعنى الالتزام بالسنّة عدم مخالفتها تعمدا بمعنى أنه يرغب عنها ، يرغب عن السنّة ، يقول صح هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الذي يصلح لدعوة الناس طريقة فلان وفلان ، هنا رغب عنها ، ليس من أهل السنّة ، طيب رجل من أهل السنّة ونَصِفُهُ بأنه سنّي لكن مثلا ما يصلي الضحى ، ما يهتم ببعض السنن مثلا ، أو مثلا دخل المسجد وقدم رجله اليسرى مخالفة دون اعتقاد إنما وقع منه خطأ دون تعمد فهذا يوصف بالسنّة ، إذا علمتم هذا تفقهون معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه حينما قال " اقتصاد في سنّة خير من اجتهاد في بدعة " ولذلك العلماء يقسمون سنّة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قسمين سنّة فعلية وسنّة تركية .
السنّة الفعلية هي التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والسنّة التركية هي كل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله لا هو ولا أصحابه الكرام مع وجود المقتضي لفعل أمر ما ، ما معنى هذا الكلام ، هذا الكلام مهم للتفرقة بين السنّة والبدعة وبين المصلحة المرسلة ، العلماء يقولون السنّة تنقسم إلى قسمين سنّة تركية وسنّة فعلية .
طيب ، السنّة التركية هي كل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ترك فعله أو قوله أو أو الخ مع وجود الأمر الذي يدعو لفعلها . فإذا تركها النبي صلى الله عليه وسلم فهي سنّة تركية .
أما الأمور المستجدات التي احتاج فيها المسلمون إلى اصدار حكم جديد لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء لا فعلا ولا تركا مع أن المقتضي موجودا ، مثال شيء تركه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لصلاة التراويح مثلا أو النداء لها الأذان والنداء لصلاة الجنازة ، الأذان والنداء لصلاة العيدين مثلا هذا تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع الحاجة له ، فمن جاء ونادى بالناس لهذه الصلاة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم النداء لها ، خالف السنّة ولا شك .
فمن الأمور ـ يعني ـ ما كان المقتضي لفعلها موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويمثل العلماء لذلك ، مثلا مسألة جمع القرآن الذي قام بجمعه أبو بكر رضي الله عنه بعد موت كثير من القراء ، وتعلمون أن عمررضي الله عنه توقف في جمعه وقال : كيف نفعل أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قال : فمازال يراجعني أبو بكرحتى شرح الله صدري أو كما قال رضي الله عنه ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال ؟ قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمرففعلهما رضي الله عنهما معتبر شرعا ، ولكن مع ذلك ، مع أن أبي بكر فعله مرتضي شرعا لم يرتضي أن يفعل أمر إلا بعد أن وجد السبب لفعله وكذا عمر وكذا عثمان وكذا علي وكذا الصحابة رضوان الله عليهم لذلك العلماء يدعون إلى الاقتداء بالصحابة فقط ومن سار على منهجهم فقط ، ما يدعون إلى منهج فلان أو طريقة فلان أو فلان من الناس له طريقة جيدة في الدعوة إلى الله ، لا ، لا ،أبدا ما يدعون لهذا لأن الصحابة رضوان الله عليهم معصمون في جملة ما نقلوه من شرع الله ، معصمون في نقل الهدي والسمت العام لهذا الدين ولا أدل على هذا من أن الله عزوجل قال : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم )) فوصف من جاء بعدهم بأنهم يتبعونهم فجعل الصحابة رضوان الله عليهم محطة ومنارة للاقتداء ، فمن جعل غير الصحابة محطة ومنارة للاقتداء فقد خالف السنّة ، خالف القرآن أيضا ، فإذا لابد أن نتنبه ، بأن السنّة التركية لها ضابط حتى لا يشوش علينا بعض الناس ويقول : إذن جمع القرآن بدعة ، المجامع الفقهية بدعة ، الكذا ، كذا كذا بدعة لأنها من الأمور المستجدة ، نقول كما قال أهل العلم فرق بين الأمرين ، بين أمر كان السبب لفعله موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، وبين أمر لم يكن السبب موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما وجد بعد موته وبعد موت أصحابه ثم اقتدت المصلحة لفعله ، وأيضا العلماء ما فتحوا هذا الباب لكل من هب ودب أن يتكلم في شرع الله ويرى أن المصلحة كذا ، لا ، خطأ ، إنما هذا للعلماء الراسخين في العلم ، للعلماء الذين رسخت أقدامهم في دين الله عزوجل ، الكبار المجتهدين ، ما هو كل أحد ، أو ليس لكل أحد التدخل في مثل هذه الأمور،لذلك من الخطأ الشنيع الذي نجده من بعض ـ يعني ـ سواء الدعاة أو بعض المصلحين ، أو من بعض الخطباء أو المدرسين أو الدكاترة حتى في الجامعة أو من بعض من تصدر للدعوة فضلا عن أنصاف المتعلمين ، فضلا عن أشباه طلاب العلم ، من الخطأ الذي نسمعه من الواحد منهم حينما يقول : يا أخي أنا أرى أن في هذا مصلحة ، المصلحة المرسلة فيها نوع تشريع ، فيها نوع الزام الناس بأمر وهذا الباب لا يكون لكل أحد ، هذا الباب يكون للعلماء والعلماء الكبار المجتهدين فقط ، الذين اكتملت عندهم آلة الاجتهاد من لغة وأصول ونحو وتفسير وحديث وسنّة ،والله الواحد الآن يتكلم ويقول مصلحة ، مصلحة وهو لا يفقه شيئا في مقدمات العلم الشرعي فضلا عن أصوله ، لذلك تجدهم يتخبطون ، يتخبطون فضلا عن الهوى الذي يقودهم إلى ما يفعلون ، فتجدهم يتخبطون ، فعلا تنظر إلى أفعالهم بين الأمس واليوم وتنظر إلى أقوالهم ومخالفتها للكتاب والسنّة وتقول هؤلاء كأنهم لا دين لهم ،وإذا تتذكر حال اليهود والنصارى الذين خالفوا واختلفوا على ما جاءت به أنبيائهم .
أين في دين الله الإختلاط بالنساء ؟ أين في السنّة أن نضع أيدينا في أيدي من يسب ويلعن أبا بكر وعمر ؟ أين في دين الله أن نتفق ونتحد مع من يعتبر الدين رجعيا ؟ أين في دين الله من يرضى أن نضع أيدينا بمن ينادي أن يحكم الناس ـ يعني ـ أن الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه أو أن الناس هم الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ما يعرف بالديمقراطية والتي هي كفر بكتاب الله عزوجل ، الآن انظروا وسائل الإعلام ،عبر وسائل الإعلام تجد ، حتى في الإذاعات لوالإنسان استمع يجد أحيانا بعض البرامج يجيء يقول : لقاءات مع الناس ، ما رأيكم في حجاب المرأة ؟ فالناس يتكلمون ـ يعني ـ ما بين موافق و ما بين مخالف وما بين منكر ثم يأخذون النسبة ، إذا المجتمع 70% يرى أن الحجاب كذا و30 % يرى أن الحجاب كذا ،ما للمجتمع وللتشريع في دين الله عزوجل ؟ أما قال الله عزوجل : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) الدين كامل ما نحن بحاجة إلى تحكيم ،ما رأيك في مسألة قيادة المرأة للسيارة وخذ النتائج ما رأيك في الأغاني هل هي كذا وكذا؟؟ ، ما رأيك في كون المرأة تستلم القضاء ؟ ! وخذ من الأمور والأحكام التي يراد بها التخلف عن شرع الله عزوجل ، أمثال هؤلاء كيف يجالسون ؟؟ والله لقد كان الرجل من أهل السنّة ، من السلف الصالح ما يرضى أن يسمع آية من كتاب الله من رجل من أهل البدع ، فكيف بمن يجالس من يرفض الدين أصلا ويعتبره رجعيا ، ولذلك هذه الأمور لا شك أنها من غربة الإسلام ومن غربة السنّة ، ولقد أجاد ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى حينما وصف السنّة والتمسك بها بالغربة الشديدة ، حينما قال رحمه الله تعالى : أهل الإسلام في غربة من أهل الكفر، أهل الكفر لا شك أنهم أكثر وأهل الإسلام أقل ، وأهل العلم في غربة من أهل الإسلام ،العلماء وطلاب العلم كثر في هذا المجتمع لكنهم بالنسبة لعامة الناس أقل ، في غربة ، وأهل السنّة في غربة من أهل العلم ، لذلك تجد أحيانا العالم السني يصف مسألة ويرد بدعة ، فتجد ممن يرد عليه بعض أهل العلم ، بعض أهل العلم إما أنه ما تمسك بالسنّة التمسك التام ، وإما أنه ما فقه معنى السنّة وما معنى الاقتداء بالسنّة وأضرب لكم مثلا بهذا : ذهبنا لبعض أهل العلم وهو الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى ، ذهب إليه جماعة من طلاب العلم وسألوه عن هؤلاء الشباب الذين يتجمعون ويتمركزون وعليهم أمير وتنظيمات ،فقال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى قال : لا ، هذا خطأ لماذا يذهبون إلى الخلوات ؟ لماذا لا يذهبون إلى حلق العلم ؟ فقلت له : يا شيخ من فعل هذا والتزم به وألزم الناس به هذا من السنّة أم من البدعة ؟ قال :لا ، من البدعة . وللآخر وهو من طلاب الشنقيطي صاحب أضواء البيان رحمة الله عليه وهذا الرجل عالم وعنده علم وعنده سنّة لا شك ، وتوفي رحمة الله عليه من مشايخنا ، لكن ما أدري كأنه ما فقه معنى السنّة ، لما ذهب إليه بعض الناس وكلموه مثل هذا السؤال قال : هذا مافيه شيء هذا من الخير والمصلحة ما هو صاحب منهج ولا صاحب حركة ، صاحب علم لكنما فقه السنّة ، فأهل السنّة قالوا : هذا خطأ ، وهذا يأتي وهو من أهل العلم ويقول هذا ما فيه شيء .
فأهل السنّة في دعوتهم إلى السنّة والتمسك بالسنّة في غربة ، في غربة من أهل العلم ، ثم قال ابن القيم رحمة الله عليه : وأهل السنّة العاملين بها ، الذابين عنها في غربة من أهل السنّة ، يوجد أناس كثيرن يدعون إلى السنّة ولكن العاملين بها والمطبقين لها التطبيق التام ، يجد من يحاربهم حتى من بعض أهل السنّة ولذلك قال جماعة من السلف : من عرف السنّة أصبح غريبا ، وأغرب منه من يعرّفها للناس ،ولذلك السنّة شأنها عظيم ، ولذلك السلف الصالح يقول يوسف ابن أسباط : من نعمة الله على الرجل أو على الشاب أن يوفقه الله إلى لزوم عالم سنّة ،وكان يوسف ابن أسباط هذا كما ذكر هو عن نفسه : كان أبي قدريا وكان أخوالي روافض فنجّاني الله بسفيان ـ أي ـ بصحبة سفيان الثوري طلب العلم على يده ، نجّاني بمعنى ألزمني السنّة .
أظن أنه بهذه المقدمات نكون قد قدمنا شيء بما يتعلق بقراءة هذا الكتاب ونبتدئ القراءة بإذن الله عزوجل .
المتن
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد ، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وثبتنا على السنّة يا رب العالمين .
قال الإمام المروزي رحمه الله تعالى في كتابه السنّة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين حدثنا يحيى حدثنا مسلم بن ابراهيم حدثنا المستمرعن أبي نضرة عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه في هذه الآية (( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم )) قال : هذا نبيكم وخيارأمتكم فكيف أنتم ؟
الشرح
نعم ، هذا الأثرنلاحظ أنه دخل في معنى يتعلق بشيء قبله هذا السقط، هذا الأثر عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه في قوله عزوجل (( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ))
( لو يطيعكم ) : يعني لو يجيبكم ويوافقكم لما تدعونه إليه أو لما تطلبونه منه ، وهذا الخطاب لمن ؟ للصحابة الكرام رضي الله عنهم ، لو أجابكم لما سألتموه لعنتم ،
، ( لعنتم ) قال بعض أهل التفسير في معناها أي لوقعتم في مشقة لشق عليكم ما طلبتموه إذا وافقكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه .
وقال بعض أهل العلم ( لعنتم ) أي لوقعتم في الحرج أي في الإثم . فإذا كان هذا ، يقول أبو سعيد الخذري إذا كان هذا نبيكم وخيارأمتكم يعني الصحابة الكرام فكيف أنتم ؟ فكيف أنتم إذا عملتم بآراءكم وأهواءكم ؟ وكيف أنتم إذا أردتم أن تتفهموا دين الله من تلقاء أنفسكم ؟ فلا شك أنكم ستخطئون وأنكم ستخالفون ،وأنكم وأنكم ، ولذلك فكأن المعنى فيما سبق من كلام الإمام محمد بن نصر المروزي كأنه سيق لبيان أهمية الاقتداء واتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والتوقف عنده . نعم .
المتن
قال أبو عبد الله وقال الشافعي رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم أولوا الأمر، أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يشبه ما قال والله أعلم لأن من كان حول مكة من العرب لم تكن تعرف أمارة وكانت تأنف أن يعطي بعضها بعض طاعة الإمارة فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير الرسول صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا طاعة مطلقة بل طاعة مستثنى منها لهم وقال تعالى : (( فإن تنازعتم في شيء )) يعني إن اختلفتم في شيءـ يعني ـ والله أعلم هم وأمراء الذين أمروا بطاعتهم (( فردوه إلى الله والرسول )) ـ يعني ـ والله أعلم إلى قال الله والرسول فإذا لم يكن ما تنازعوا فيه نصا فيهما أو في واحد منهما رُدّ قياسا على أحدهما .
الشرح
نعم ، هناك آية ذكرت وهي قوله عزوجل (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) الشافعي رحمه الله تعالى هنا يبين ما المراد بقوله عزوجل ( وأولي الأمر منكم ) قال معناه أمراء السرايا ومعنى الأمراء الذين أمّرهم النبي صلى الله عليه وسلم واستدل الشافعي بهذا القول بأن كفار قريش والعرب ما كانت تعرف السمع والطاعة لرجل يجتمعون عليه بل كل واحد كان أمير نفسه ، ولذلك كثر فيهم القتل وكثر فيهم السرقة والقوي يأكل الضعيف الخ ، فما كانوا ينقادون ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الله عزوجل بطاعته انقاد له صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام ،وحتى لا يكون في النفس شيء ، السمع والطاعة لرسول الله ، لا ، اسمعوا وأطيعوا لله ولرسوله ولمن أمّره رسولي ،وللأمراء الذين أمّرهم رسولي،واضح ، فلا تظنوا أن السمع والطاعة خاصة بالرسول وأن الأمراء الذين يؤمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لا سمع ولا طاعة ولذلك ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ) للدلالة على هذا المعنى وهو أن السمع والطاعة للأمراء أو للأمير ليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم بل لكل أمير أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم وللأمراء من بعده ،وهذا القول من الشافعي رحمه الله تعالى واختياره هو أحد المعاني التي قيلت في الآية وهناك معنى آخروهو أن المراد بأولي الأمرالعلماء وهو معنى صحيح وسيأتي من قول اسحاق ، نعم
المتن
وسمعت اسحاق يقول في قوله (( وأولي الأمر منكم )) قد يمكن أن يكون تفسير الآية على أولي العلم وعلى أمراء السرايا لأن الآية الواحدة يفسرها العلماء على أوجه وليس ذلك باختلاف وقد قال سفيان
الشرح
أيضا ،مما سبق من كلام الشافعي ملحظ مهم وهو أنه قعّد قاعدة مهمة وهو أنه السمع والطاعة والعلم إنما هوما جاء في الكتاب والسنّة ،وعند تنازع الناس لا يرجعون إلى قول فلان من الناس وإنما يرجعون إلى لما في كتاب الله عزوجل ، ولما في سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يجدوا نصا في الكتاب ولا في السنّة ولا في ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة الكرام عملوا وعمدوا إلى القياس والاجتهاد ، والقياس كما قال الشافعي للإمام أحمد إنما يصار إليه عند الضرورة قال أهل العلم فشبهه بالميتة التي لا يجوز أكلها إلا ضرورة ، كما لا يجوز الاجتهاد والقياس مع وجود النص ، وكذا لا يجوز الاجتهاد والقياس إلا إذا فقد النص ،
نعم ، ثم قال اسحاق وهو ابن راهويه وهو من شيوخ المروزي (( وأولي الأمر منكم )) قد يمكن أن يكون قول ثاني ـ يعني ـ تفسير الآية على أولي العلم وعلى أمراء السرايا . يعني يمكن أن تحمل الآية على معنينين لأن السياق يحتملهما ولأنه نقل على بعض السلف ذلك ، طيب السمع والطاعة لولاة الأمر في الآية واضحة ، الله عزوجل قال : ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمرمنكم)) ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر قال العلماء أطلق الله الطاعة له ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يطلقها في طاعة ولاة الأمر إنما جعلها مقيدة بطاعة الله ورسوله ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " فأولي الأمر هاهنا الأمراء والحكام الذين يحكمون المسلمين ما دام أنه قد صحت لهم البيعة وصح لهم الحكم لابد من السمع والطاعة لهم في المعروف ، وإذا أمروا بأمر يخالف أمر الله عزوجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لا سمع ولا طاعة لهم ، في ما أمروا به من ذلك الأمر خاصة ، أما بقية أوامرهم والسمع والطاعة في بقية أحكامهم باقية ، واضح ـ يعني ـ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق في تلك المعصية ،بخلاف ما حاول أن يفهمنا إياه بعض الخوارج لما تسلط على أذهاننا ، حينما حمل المعنى أنه لا طاعة لمخلوق وكأن الطاعة مطلقة ، لا ، إنما الحديث كما فسره أهل العلم وأهل السنّة ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق في تلك المعصية خاصة ، بدليل ما جاء في صحيح مسلم " من رأى أميره على أمر يكرهه ـ يعني على معصية ـ فليكره الذي يأتي وليصبر ولا ينزعن يدا من طاعة " ما قال أخرج عليه وقاتله ، ولما أخبر عليه الصلاة والسلام عن تأخير الصلاة من بعض الحكام قالوا له : يا رسول الله أفلا نقاتلهم أفلا نباذبهم ، قال : " لا ، ما أقاموا الصلاة " فدل هذا على أن المعصية منهم لا تنزع الطاعة المطلقة منهم وإنما تنزع الطاقة الخاصة في معصيته ، واضح .
بقي أن نلمح على قضية مهمة أنه على تفسير (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) أولي الأمر هنا على تفسيره بأولي العلم ليس المعنى منه أنه ما فعل بعض الناس أوبعض الدعاة لما قال العلماء أولي الأمر الذين تجب السمع والطاعة وكأنه حاكم شرعي ، لا ، وإنما المعنى اسمعوا وأطيعوا إلى العلماء فيما يبينون لكم من شرع الله ، أما إذا كان أمر يخالف شرع الله وأمر باجتهادهم فلا سمع لهم ولا طاعة هؤلاء العلماء ، والأمراء فلهم السمع والطاعة في غير معصية الله عزوجل فإن وقعوا أو أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة لهم في تلك المعصية خاصة ، وتبقى السمع والطاعة على عمومها الباقية ،واضح .
سيبين المصنف رحمه الله تعالى أنه لا اختلاف ولا تنافر إذا فسرت الآية بالمعنيين وهذا ما يعرف عند العلماء باختلاف التنوع وذلك أن الآية تحتمل عدة معاني ورد عن السلف تفسيرها بها فلا مانع من حمل الآية على هذه المعاني بشرطين :
الشرط الأول : أن تكون موافقة لسياق الآيات
الشرط الثاني : أن يأتي ما يدل عليها ، أن يأتي ما يدل على هذا المعنى ويقرره ، واضح .
فإن اختلفت أقوال السلف اختلاف تضاد وهذا كما يقول ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ، مع أنه أمر نادر أن يقع ، إن اختلفت رجح بين أقوالهم .
المتن
وقد قال سفيان ابن عيينة ليس في تفسير القرآن اختلاف إذا صح القول في ذلك وقال :أيكون شيء أصغر في الظاهر من الخنّس قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه هي بقر الوحش وقال علي رضي الله عنه هي النجوم ، وقال سفيان وكلاهما واحد لأن النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل ،والوحشية إذا رأت إنسيا خنست في الغيضان وغيرها وإذا لم ترى إنسيا ظهرت قال سفيان فكل خنّس .
الشرح
نعم ، هذا الكلام يقرر فيه القاعدة السابقة أنه قد ينقل عن السلف أكثر من قول في تفسير آية فلا تظنن أنه من باب الاختلاف والتضاد وإنما هذا الاختلاف منهم هوتفسير لبعض معاني الآية والقرآن كما قال عمر رضي الله عنه ـ حمّال ذو وجوه ـ ذو وجوه يعني : ذومعاني يحتمل أكثر من معنى وهذا من إعجازه ، يحتمل أكثر من معنى أربعة إلى خمسة إلى عشرة معاني ولا تضاد بينها ، إذا عرفت هذه القاعدة ، أضرب لك مثال ، هذا المثال في قوله عزوجل في سورة التكوير ( فلا أقسم بالخنّس ) أقسم الله عزوجل بالخنّس .
( الخنّس ) الشيء الذي يختفي ثم يظهر ، قال ابن مسعود وهو ثابت عنه أن الخنّس هي بقر الوحش ،وقال علي وإسناده ضعيف قال : هي النجوم ، فالبقر والوحش والنجوم ، حيوان وجماد شيء أرضي وشيء سفلي وشيء علوي ، شيء علوي وشيء سفلي كيف يجتمع المعنيين ؟ قال :لا ما في بينهما تضاد وكلا المعنيين صحيح إنما أراد ابن مسعود وأراد علي رضي الله عنهم أجمعين أن يبينوا لك شيئا من معاني الآية ، لا أن هذا هو تفسيرها الوحيد ، فالبقر الوحشي الذي يظهر فإذا رأى الإنسان فرّ وهرب إلى الغيضان وهي الشجر الملتوية الملتفة بعضها إلى بعض ، فإذا فرّ إلى هذا الشجر اختفى ، فعند عدم وجود الإنس كان ظاهرا وعند وجود الإنس أوما خاف منه من سبع خنس بمعنى اختفى ، في لمحة بصر يختفي ، قد يكون عدد فيختفي . فأقسم الله عزوجل بهذا الشيء الذي يظهر ويختفي ، علي رضي الله عنه فسره بالنجم حينما يظهر بالليل ويختفي بالنهار وهوهو مكانه ،واضح ، فيقول لك : ليس بين المعنيين اختلاف كما قال ابن جرير الطبري رحمة الله عليه : إنما مراد الله عزوجل الإقسام بالشيء من مخلوقاته يظهر ويختفي ، وأقسم بهذا ،ويصح كلا المعنيين لماذا ؟ لأن العرب تعرف النجم عند ظهوره في الليل وعند اختناسه بالنهار ، وتعرف بقر الوحش عند ظهوره بالليل واختناسه بالنهار . نعم .
المتن
قال اسحاق وتصديق ذلك ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الماعون لأن بعضهم قال هو الزكاة وقال بعضهم : عارية المتاع ، قال : وقال عكرمة أعلاه الزكاة وعارية المتاع منه .
قام بتفريغ الشريط كمال زيادي بقسنطينة 18 رمضان 1432 هـ
استمع إلى المادة من هنا بارك الله فيك
.
المصدر :
شبكة سحاب السلفية
شريط بعنوان شرح السنّة للمروزي رحمه الله لفضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله
الشريط الأول
قال فضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تسآلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
في هذا اللقاء المبارك بإذن الله عزوجل سنفتتح مدارسة لكتاب السنّة لمحمد ابن نصر المروزي وقبل الدخول في هذا الكتاب أحببت أن أقدم لبعض المقدمات .
المقدمة الأولى : التعريف بالمؤلف ، صاحب هذا الكتاب اسمه محمد بن نصر ابن الحجاج المروزي والمروزي نسبة إلى مرو ، ومرو هذه إحدى أو من أكبر مدن خراسان ، محمد بن نصر المروزي كنيته أبو عبد الله ولد ببغداد سنة اثنين بعد المئتين (202 هـ) ، واستقر واستوطن في سمرقند ،طلب العلم على يد كثير من المشايخ ، بل على كبار علماء عصره وقد أدرك أئمة في عصره ، من أشهرهم إسحاق بن راهويه إمام أهل الحديث ، وأيضا ممن أدركهم المروزي رحمه الله تعالى ، الربيع بن سليمان المرادي المصري الشافعي تلميذ الشافعي النجيب ، وأيضا أدرك الإمام المزني صاحب شرح السنّة ، وأدرك أيضا جماعة كثرتلقى على أيديهم العلم وأخذ عنهم السنّة ، والعلم وفي الوقت نفسه أيضا هو أخذ على ـ يعني ـ كبار أهل العلم ـ أيضا تتلمذ عليه من عرفوا بالنجابة ، تتلمذ عليه على سبيل المثال : أبو العباس الأصم من كبار أئمة الحديث ، وأيضا تتلمذ عليه أبو العباس السراج صاحب المسند العالي ، وأيضا تتلمذ عليه غير هذين ، أبو بكر محمد بن المنذر الإمام المعروف ، أثنى على محمد بن نصر المروزي جماعات كثيرة من أهل العلم واتفقت كلمتهم على وصفه أولا بالإمامة في الدين ولذلك الإمام محمد بن نصر المروزي وإن ذكر في كتب الشافعية إلا أنه كان إماما مجتهدا ، ومعروف أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان يقول : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي فكان رحمه الله تعالى لا يتقيد بقول أحد ، وإن تفقه على مذهب الإمام الشافعي ونبغ فيه ،وصار إماما فيه ، فاتفقت كلمتهم على وصفه بالإمامة وعلى وصفه أيضا بأنه كان بحرا خاصة علم السنّة والآثار كما قال الإمام محمد بن حزم رحمه الله تعالى ، له كلمة عجيبة في هذا الإمام يقول : أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن وأضبطهم لها وأذكرهم لمعانيها وأدراهم بصحتها وبما أجمع عليه الناس مما اختلفوا فيه ثم قال ابن حزم : ما نعلم هذه الصفات بعد الصحابة أتم منها في محمد بن نصر المروزي ، فلو قال قائل ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه حديث إلا ما عند محمد بن نصر لما بعُد عن الصدق . انتهى كلامه
والإمام ابن حزم رحمه الله تعالى معروف بشدته وصلابته ، فوصفه لمحمد بن نصر المروزي ، وصفه بهذا الوصف دليل على مكانة محمد ابن نصر في السنّة وفي علم الأثر ، وهذا أيضا ـ يعني ـ لابد أن نتنبه له ، لأنه مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام ( إن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورّثوا درهما ولا دينارا وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فالعلم الذي أثنى الله عزوجل على أصحابه والذي جاء في النصوص الشرعية في الثناء عليه وفي مدح أهله إنما هو العلم الشرعي قال الله قال رسوله ، قال أصحابه الكرام ماهو العلم مجرد فلسفة وكلام وخطرات وأفكار ووساوس وقصص وأناشيد ونحو ذلك ، هذا ماهو العلم الشرعي المطلوب ، ولا هو العلم مجرد أن تجلس للناس تذكرهم ، تخوفهم بلا مستند شرعي ولا العلم خرق الناس في السياسة وإدخالهم في مجالات لا يقدمون فيها ولا يؤخرون ، بل هذا من إضاعة العلم عند أهل العلم ، ولهذا كان الإمام محمد ابن نصر المروزي كان إمام في السنّة شديدا على أهل البدع ، يرد عليهم أقوالهم الباطلة التي تخالف الكتاب والسنّة ،وهنا قضية مهمة وهي أنّ الحق أحب إلى النفس من زيد وفلان من الناس ، والناس أمام الحق والباطل لا يخلون من رجلين ، رجل طلب الحق وتجرد له وعلم أن الحق هوما جاء في الكتاب والسنّة وأقوال الصحابة وتمسّك به ، فأخذ به
ورجل آخر تعصب للرجال فغضب إذا رُدّ على أهل الباطل باطلهم بقولهم كيف يرد على فلان ؟ وكان الأجدر به أن يقول كيف يخطىء فلان في السنّة ؟ وكيف يرد فلان السنّة ؟ وكيف يعارض فلان السنّة ؟
محمد ابن نصر المروزي رحمه الله تعالى كما سبق كان شديدا على أهل البدع ، كان رأسا في السنّة وكتابه هذا يقررهذه المسألة ، وله أيضا كتب أخرى تدل على إمامته ، فقد ذكر أهل العلم أن له مجموعة من المؤلفات منها كتابه هذا السنّة ومنها أيضا كتابه الكبيرالمفيد تعظيم قدرالصلاة ومنها أيضا كتاب الإجماع بل له كتاب اسمه القسامة قال بعض أهل العلم : لو لم يؤلف ابن نصر ـ يعني ـ محمد ابن نصر المروزي ـ إلا هذا الكتاب لكان دليلا على شرفه وعلى علمه ، كيف وقد صنف غيره من الكتب ، ومعنى هذه المقولة أنّ هذا الكتاب ، كتاب القسامة أحكمه محمد ابن نصر وأتقنه إتقانا عجيبا ، بحيث أنه لو طول عمره تفرغ لتأليفه وفرغ منه ، كان هذا دليلا على عظم إمامته في الدين ، كيف وله أكثر من ثلاثين مؤلفا منها كما سبق السنّة كتابنا هذا ، ومنها كتاب تعظيم قدر الصلاة ومنها كتاب قيام رمضان وقيام الليل والوتر ومنها أيضا كتاب الإجماع وأيضا له كتاب الرد على ابن قتيبة وله كتب كثيرة تدل على إمامته وعلى فضله في الدين ، وُصف أيضا مع اتباعه للسنّة ، وُصف أيضا بكثرة العبادة والتأله والتوجه إلى الله عزوجل والرغبة إليه وفي هذه فائدة أنّ أهل السنّة ليست عندهم جفاوة وليست عندهم صلابة وليس عندهم بعد عن الرقائق لا ، الله عزوجل ماذا قال : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) فأهل السنّة هم أخشى الناس لله عزوجل لأنهم أعلم به ،لأنهم ورثوا العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه : " إني أعلمكم بالله وأخشاكم وأتقاكم له " أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
فأهل السنّة عندهم رقة وخشوع وخضوع وتأله لله عزوجل ،ولكن تأله مضبوط على ماكان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام ، دمعتهم صادقة وخشوعهم ناطق ماهو افتعال ، إن لم تبك تتباكى ، بعضهم يبكي وهو يضحك ، لا ، كان بكاءهم صادق ويستشعر هذا من حالهم ، بهذا وصف الإمام محمد ابن نصر المروزي وكذلك يوصف أهل السنّة عموما ، أيضا وُصف رحمه الله تعالى بأنه كان ثابتا على السنّة وهذا أمر مهم للمسلمين عموما ولأهل السنّة خصوصا وهي الميزة يتميز بها أهل السنّة كانوا يثبتون على السنّة ، بمعنى كانوا لا يخالفونها لأجل أهواءهم .
فبالأمس كانوا يذمون التبرج والجلوس مع النساء واليوم هم يجالسون النساء ويبيحون لهم الإختلاط مع الرجال والإنطلاقة مع الرجال .
بالأمس كانوا يذمون أهل التشيع الروافض ، واليوم يدهم بأيديهم ويجالسونهم ويخالطونهم ويزاملونهم . أما أهل السنّة ، لا ، يثبتون على مبدأ واحد لأن المبدأ الواحد هو الحق ، وكما سيأتينا أيضا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطّ خطا مستقيما وخطّ خطوطا ، طرق ومناهج وسبل ليست ثابتة وليست واحدة .
فأهل الحق ، أهل السنّة يثبتون على الحق ، لا يتنقلون من مذهب إلى مذهب ولذلك الإمام مالك رحمه الله تعالى لما جاءه رجل وأراد ـ يعني ـ أن يجادله أو يناقشه يريد أن يناقشه في المسلّمات في السنّة فقال له الإمام مالك : إن كنت في شك من دينك فلست في شك من ديني قم عني .
فأهل السنّة يثبتون على الحق لأنهم عرفوا وعلموا أنّ الحق هوما كان مع النبي عليه الصلاة والسلام وما كان مع أصحابه الكرام .
توفي رحمه الله تعالى محمد ابن نصر المروزي سنة 294 هـ ـ إذن هو عمّر ما يقارب أو ما يجاوز التسعين سنة على اختلاف في ذلك ، لكن هو رحمه الله تعالى قال : ولدت سنة اثنتين بعد المئتين .
هذا ما يتعلق بالإمام محمد ابن نصر المروزي وتكفيه كلمة الذهبي رحمه الله تعالى حينما عرّفه قال : هو الإمام شيخ الإسلام محمد ابن نصر ابن الحجاج المروزي أبو عبد الله الحافظ صاحب التصانيف الكثيرة والكتب الجمة ، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام . ذكره الحاكم فقال : إمام عصره بلا مدافعة في الحديث ـ انتهى كلامه رحمه الله .
إذا هذه هي المقدمة الأولى التي تتعلق بترجمة الإمام محمد ابن نصر المروزي وهي ترجمة مختصرة وإلا فحياته رحمه الله تعالى كانت حافلة بالعلم والمسائل المفيدة وليس المحل أو المكان ـ يعني مكان التوسع في ترجمته ـ فقد ذكروا في ترجمته أشياء مفيدة جدا ذكرت أنا بعضها ـ يعني ـ الإشارة تدل على ما ورائها ، فمن أراد الزيادة فليرجع إلى سير أعلام النبلاء ، وتذكرة الحفاظ وطبقات الشافعية للسبكي .
المقدمة الثانية في هذا الكتاب من حيث التعريف به ، طبعا هناك عدة طبعات لهذا الكتاب ، طبعة قديمة جدا طبعت في الهند أو بباكستان والطبعة المشهورة الطبعة التي طبعت بمؤسسة الكتب الثقافية طبعها وحققها أبو محمد سالم بن أحمد السلفي طبعت عام 1408 هـ واستمرت ـ يعني ـ فترات بين يدي أهل العلم وهي أشهر الطبعات عند أهل العلم من حيث التعامل بصرف النظر عن الجودة ،وهناك طبعتان منها طبعة البصيري وطبعة الشذل لكن طبعة الشذل طبعها في قسمين الإعتصام بالكتاب والسنّة للخزاعي وطبعها باسم السنّة لمحمد بن نصر المروزي وسبب طبعه الكتاب بهذين العنوانين لأنه وجد على المخطوطة هذان الإسمان ،ولكن كما نبه أهل العلم الاسم الآخر وهو الخزاعي والاعتصام بالكتاب والسنّة كُتب خطأ وأنّ الصواب هو السنّة للمروزي . هذا الكتاب ألفه محمد بن نصر المروزي لبيان السنّة وبيان التمسك بها ولزومها وأيضا بيان موقف السنّة في الشريعة الإسلامية وخصوصا مع القرآن ، ومما يؤسف له هذا الكتاب على عظيم قدره ـ يعني منزلته ومنزلة مؤلفه ـ إلا أنه سقطت من مقدمته أو من أوله ورقتان من المخطوط أصلا ولذلك سنجد عندما نقرأ بإذن الله عزوجل أنه يدخل في عرض الكلام دون أن يبين شيئا من مقدمته وأيضا نلمس من كلامه أنه يتعلق بكلام سابق والسبب في ذلك أنه سقطت من المخطوطة ورقتان ـ يعني ـ لعل الله عزوجل أن ييسر الوقوف عليها في القريب العاجل .
المقدمة الثالثة وهي تتعلق أيضا بالمقدمة الثانية أريد أن أبين شيئا من معنى السنّة والمراد بها .
السنّة في اللغة تطلق على الطريقة حسنة كانت أو سيئة لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :" من سنّ في الإسلام سنّة حسنة ، ثم قال ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة " فهي الطريقة حسنة كانت أو سيئة ، محمودة كانت أو مذمومة . والسنّة في الإصطلاح عند العلماء ، كل جماعة من أهل العلم أو كل أصحاب فن من الفنون عرّفوا السنّة بما يتعلق باصطلاحهم ، فالمحدثون عرّفوا السنّة بأنها ما أضيف و نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو صفة أو تقريرلأنهم نظروا واهتموا بنقل كل ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأهل الأصول عرّفوا السنّة بأنها ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقريرمن حيث دلالتها على الأحكام ، لأن الأصوليين ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره مشرّعا فهم يطلقون السنّة مقابلة القرآن والسنّة بنصوصها الدالة على الوجوب أو على الاستحباب ، والفقهاء يعرّفون السنّة ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أوتقرير ولم يدل على الوجوب لأنهم نظروا إلى السنّة في مقابل الواجب فجعلوها من اصطلاحات المستحب السنّة . والسنّة عند أهل السنّة المراد بها الهدي والطريق العام الذي كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام فهي شاملة لجميع أمور الدين من واجبات أو مستحبات ، من مكروهات أومنهيات شاملة لجميع أمور الدين ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :" عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي " ويقول عليه الصلاة والسلام : " فمن رغب عن سنّتي فليس مني " أي طريقتي ، وأيضا يقول عليه الصلاة والسلام :" وخير الهدى هدى محمد " وبهذا الاعتبار فإن السنّة تشمل الأقوال والأفعال وتشمل أيضا الاعتقادات ، ولذلك ألف أهل السنّة كتب السنّة التي ضمنوها الاعتقادات أي الأمورالتي يجب اعتقادها مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى في كتابه هذا أراد بالسنّة هنا أي سنّة النبي عليه الصلاة والسلام بالعموم أي بالأقوال والأفعال الواجبة والمستحبة ، والعملية والعلمية الاعتقادية ،وهنا قضية لابد من التنبيه عليها وهي أن بعض الناس يظن أنّه مثلا إذا اهتم ببعض السنن قد يصلي الضحى ويصوم الإثنين والخميس ويقوم الليل يفعل السنن يهتم بالسواك ويهتم بالأمور هذه ، أنه أصبح من أهل السنّة ، سنّيا ، طبعا هو طبّق السنّة ولاشك ، ولكن لزوم السنّة والتمسك بها غير العمل ببعض السنن لأن لزوم السنّة معناه التمسك بها والعمل بها وعدم مفارقتها بالإطلاق ـ فلو جاءنا رجل في ظاهره وفي كلامه يهتم بالسنن ولكن منهجه حركي يتخذ طريقة في الدعوة إلى الله غير طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن هذا الرجل ليس سنّي بل هو عند أهل العلم من أهل البدع ، طيب ، هو يطبق السنن هو كذا ، نقول ، لا ، تطبيق السنن أمرولزوم السنّة أمر آخر شأن آخر. فتطبيقه للسنن هو عمل بها ولكن لا يسمى سنّيا حتى يلتزم بالسنّة في جميع أفعاله وأقواله ولا يخرج عنها ـ انتبهوا ـ ومعنى الالتزام بالسنّة عدم مخالفتها تعمدا بمعنى أنه يرغب عنها ، يرغب عن السنّة ، يقول صح هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الذي يصلح لدعوة الناس طريقة فلان وفلان ، هنا رغب عنها ، ليس من أهل السنّة ، طيب رجل من أهل السنّة ونَصِفُهُ بأنه سنّي لكن مثلا ما يصلي الضحى ، ما يهتم ببعض السنن مثلا ، أو مثلا دخل المسجد وقدم رجله اليسرى مخالفة دون اعتقاد إنما وقع منه خطأ دون تعمد فهذا يوصف بالسنّة ، إذا علمتم هذا تفقهون معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه حينما قال " اقتصاد في سنّة خير من اجتهاد في بدعة " ولذلك العلماء يقسمون سنّة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قسمين سنّة فعلية وسنّة تركية .
السنّة الفعلية هي التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والسنّة التركية هي كل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله لا هو ولا أصحابه الكرام مع وجود المقتضي لفعل أمر ما ، ما معنى هذا الكلام ، هذا الكلام مهم للتفرقة بين السنّة والبدعة وبين المصلحة المرسلة ، العلماء يقولون السنّة تنقسم إلى قسمين سنّة تركية وسنّة فعلية .
طيب ، السنّة التركية هي كل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ترك فعله أو قوله أو أو الخ مع وجود الأمر الذي يدعو لفعلها . فإذا تركها النبي صلى الله عليه وسلم فهي سنّة تركية .
أما الأمور المستجدات التي احتاج فيها المسلمون إلى اصدار حكم جديد لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء لا فعلا ولا تركا مع أن المقتضي موجودا ، مثال شيء تركه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لصلاة التراويح مثلا أو النداء لها الأذان والنداء لصلاة الجنازة ، الأذان والنداء لصلاة العيدين مثلا هذا تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع الحاجة له ، فمن جاء ونادى بالناس لهذه الصلاة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم النداء لها ، خالف السنّة ولا شك .
فمن الأمور ـ يعني ـ ما كان المقتضي لفعلها موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويمثل العلماء لذلك ، مثلا مسألة جمع القرآن الذي قام بجمعه أبو بكر رضي الله عنه بعد موت كثير من القراء ، وتعلمون أن عمررضي الله عنه توقف في جمعه وقال : كيف نفعل أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قال : فمازال يراجعني أبو بكرحتى شرح الله صدري أو كما قال رضي الله عنه ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال ؟ قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمرففعلهما رضي الله عنهما معتبر شرعا ، ولكن مع ذلك ، مع أن أبي بكر فعله مرتضي شرعا لم يرتضي أن يفعل أمر إلا بعد أن وجد السبب لفعله وكذا عمر وكذا عثمان وكذا علي وكذا الصحابة رضوان الله عليهم لذلك العلماء يدعون إلى الاقتداء بالصحابة فقط ومن سار على منهجهم فقط ، ما يدعون إلى منهج فلان أو طريقة فلان أو فلان من الناس له طريقة جيدة في الدعوة إلى الله ، لا ، لا ،أبدا ما يدعون لهذا لأن الصحابة رضوان الله عليهم معصمون في جملة ما نقلوه من شرع الله ، معصمون في نقل الهدي والسمت العام لهذا الدين ولا أدل على هذا من أن الله عزوجل قال : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم )) فوصف من جاء بعدهم بأنهم يتبعونهم فجعل الصحابة رضوان الله عليهم محطة ومنارة للاقتداء ، فمن جعل غير الصحابة محطة ومنارة للاقتداء فقد خالف السنّة ، خالف القرآن أيضا ، فإذا لابد أن نتنبه ، بأن السنّة التركية لها ضابط حتى لا يشوش علينا بعض الناس ويقول : إذن جمع القرآن بدعة ، المجامع الفقهية بدعة ، الكذا ، كذا كذا بدعة لأنها من الأمور المستجدة ، نقول كما قال أهل العلم فرق بين الأمرين ، بين أمر كان السبب لفعله موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، وبين أمر لم يكن السبب موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما وجد بعد موته وبعد موت أصحابه ثم اقتدت المصلحة لفعله ، وأيضا العلماء ما فتحوا هذا الباب لكل من هب ودب أن يتكلم في شرع الله ويرى أن المصلحة كذا ، لا ، خطأ ، إنما هذا للعلماء الراسخين في العلم ، للعلماء الذين رسخت أقدامهم في دين الله عزوجل ، الكبار المجتهدين ، ما هو كل أحد ، أو ليس لكل أحد التدخل في مثل هذه الأمور،لذلك من الخطأ الشنيع الذي نجده من بعض ـ يعني ـ سواء الدعاة أو بعض المصلحين ، أو من بعض الخطباء أو المدرسين أو الدكاترة حتى في الجامعة أو من بعض من تصدر للدعوة فضلا عن أنصاف المتعلمين ، فضلا عن أشباه طلاب العلم ، من الخطأ الذي نسمعه من الواحد منهم حينما يقول : يا أخي أنا أرى أن في هذا مصلحة ، المصلحة المرسلة فيها نوع تشريع ، فيها نوع الزام الناس بأمر وهذا الباب لا يكون لكل أحد ، هذا الباب يكون للعلماء والعلماء الكبار المجتهدين فقط ، الذين اكتملت عندهم آلة الاجتهاد من لغة وأصول ونحو وتفسير وحديث وسنّة ،والله الواحد الآن يتكلم ويقول مصلحة ، مصلحة وهو لا يفقه شيئا في مقدمات العلم الشرعي فضلا عن أصوله ، لذلك تجدهم يتخبطون ، يتخبطون فضلا عن الهوى الذي يقودهم إلى ما يفعلون ، فتجدهم يتخبطون ، فعلا تنظر إلى أفعالهم بين الأمس واليوم وتنظر إلى أقوالهم ومخالفتها للكتاب والسنّة وتقول هؤلاء كأنهم لا دين لهم ،وإذا تتذكر حال اليهود والنصارى الذين خالفوا واختلفوا على ما جاءت به أنبيائهم .
أين في دين الله الإختلاط بالنساء ؟ أين في السنّة أن نضع أيدينا في أيدي من يسب ويلعن أبا بكر وعمر ؟ أين في دين الله أن نتفق ونتحد مع من يعتبر الدين رجعيا ؟ أين في دين الله من يرضى أن نضع أيدينا بمن ينادي أن يحكم الناس ـ يعني ـ أن الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه أو أن الناس هم الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ما يعرف بالديمقراطية والتي هي كفر بكتاب الله عزوجل ، الآن انظروا وسائل الإعلام ،عبر وسائل الإعلام تجد ، حتى في الإذاعات لوالإنسان استمع يجد أحيانا بعض البرامج يجيء يقول : لقاءات مع الناس ، ما رأيكم في حجاب المرأة ؟ فالناس يتكلمون ـ يعني ـ ما بين موافق و ما بين مخالف وما بين منكر ثم يأخذون النسبة ، إذا المجتمع 70% يرى أن الحجاب كذا و30 % يرى أن الحجاب كذا ،ما للمجتمع وللتشريع في دين الله عزوجل ؟ أما قال الله عزوجل : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) الدين كامل ما نحن بحاجة إلى تحكيم ،ما رأيك في مسألة قيادة المرأة للسيارة وخذ النتائج ما رأيك في الأغاني هل هي كذا وكذا؟؟ ، ما رأيك في كون المرأة تستلم القضاء ؟ ! وخذ من الأمور والأحكام التي يراد بها التخلف عن شرع الله عزوجل ، أمثال هؤلاء كيف يجالسون ؟؟ والله لقد كان الرجل من أهل السنّة ، من السلف الصالح ما يرضى أن يسمع آية من كتاب الله من رجل من أهل البدع ، فكيف بمن يجالس من يرفض الدين أصلا ويعتبره رجعيا ، ولذلك هذه الأمور لا شك أنها من غربة الإسلام ومن غربة السنّة ، ولقد أجاد ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى حينما وصف السنّة والتمسك بها بالغربة الشديدة ، حينما قال رحمه الله تعالى : أهل الإسلام في غربة من أهل الكفر، أهل الكفر لا شك أنهم أكثر وأهل الإسلام أقل ، وأهل العلم في غربة من أهل الإسلام ،العلماء وطلاب العلم كثر في هذا المجتمع لكنهم بالنسبة لعامة الناس أقل ، في غربة ، وأهل السنّة في غربة من أهل العلم ، لذلك تجد أحيانا العالم السني يصف مسألة ويرد بدعة ، فتجد ممن يرد عليه بعض أهل العلم ، بعض أهل العلم إما أنه ما تمسك بالسنّة التمسك التام ، وإما أنه ما فقه معنى السنّة وما معنى الاقتداء بالسنّة وأضرب لكم مثلا بهذا : ذهبنا لبعض أهل العلم وهو الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى ، ذهب إليه جماعة من طلاب العلم وسألوه عن هؤلاء الشباب الذين يتجمعون ويتمركزون وعليهم أمير وتنظيمات ،فقال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى قال : لا ، هذا خطأ لماذا يذهبون إلى الخلوات ؟ لماذا لا يذهبون إلى حلق العلم ؟ فقلت له : يا شيخ من فعل هذا والتزم به وألزم الناس به هذا من السنّة أم من البدعة ؟ قال :لا ، من البدعة . وللآخر وهو من طلاب الشنقيطي صاحب أضواء البيان رحمة الله عليه وهذا الرجل عالم وعنده علم وعنده سنّة لا شك ، وتوفي رحمة الله عليه من مشايخنا ، لكن ما أدري كأنه ما فقه معنى السنّة ، لما ذهب إليه بعض الناس وكلموه مثل هذا السؤال قال : هذا مافيه شيء هذا من الخير والمصلحة ما هو صاحب منهج ولا صاحب حركة ، صاحب علم لكنما فقه السنّة ، فأهل السنّة قالوا : هذا خطأ ، وهذا يأتي وهو من أهل العلم ويقول هذا ما فيه شيء .
فأهل السنّة في دعوتهم إلى السنّة والتمسك بالسنّة في غربة ، في غربة من أهل العلم ، ثم قال ابن القيم رحمة الله عليه : وأهل السنّة العاملين بها ، الذابين عنها في غربة من أهل السنّة ، يوجد أناس كثيرن يدعون إلى السنّة ولكن العاملين بها والمطبقين لها التطبيق التام ، يجد من يحاربهم حتى من بعض أهل السنّة ولذلك قال جماعة من السلف : من عرف السنّة أصبح غريبا ، وأغرب منه من يعرّفها للناس ،ولذلك السنّة شأنها عظيم ، ولذلك السلف الصالح يقول يوسف ابن أسباط : من نعمة الله على الرجل أو على الشاب أن يوفقه الله إلى لزوم عالم سنّة ،وكان يوسف ابن أسباط هذا كما ذكر هو عن نفسه : كان أبي قدريا وكان أخوالي روافض فنجّاني الله بسفيان ـ أي ـ بصحبة سفيان الثوري طلب العلم على يده ، نجّاني بمعنى ألزمني السنّة .
أظن أنه بهذه المقدمات نكون قد قدمنا شيء بما يتعلق بقراءة هذا الكتاب ونبتدئ القراءة بإذن الله عزوجل .
المتن
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد ، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وثبتنا على السنّة يا رب العالمين .
قال الإمام المروزي رحمه الله تعالى في كتابه السنّة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين حدثنا يحيى حدثنا مسلم بن ابراهيم حدثنا المستمرعن أبي نضرة عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه في هذه الآية (( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم )) قال : هذا نبيكم وخيارأمتكم فكيف أنتم ؟
الشرح
نعم ، هذا الأثرنلاحظ أنه دخل في معنى يتعلق بشيء قبله هذا السقط، هذا الأثر عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه في قوله عزوجل (( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ))
( لو يطيعكم ) : يعني لو يجيبكم ويوافقكم لما تدعونه إليه أو لما تطلبونه منه ، وهذا الخطاب لمن ؟ للصحابة الكرام رضي الله عنهم ، لو أجابكم لما سألتموه لعنتم ،
، ( لعنتم ) قال بعض أهل التفسير في معناها أي لوقعتم في مشقة لشق عليكم ما طلبتموه إذا وافقكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه .
وقال بعض أهل العلم ( لعنتم ) أي لوقعتم في الحرج أي في الإثم . فإذا كان هذا ، يقول أبو سعيد الخذري إذا كان هذا نبيكم وخيارأمتكم يعني الصحابة الكرام فكيف أنتم ؟ فكيف أنتم إذا عملتم بآراءكم وأهواءكم ؟ وكيف أنتم إذا أردتم أن تتفهموا دين الله من تلقاء أنفسكم ؟ فلا شك أنكم ستخطئون وأنكم ستخالفون ،وأنكم وأنكم ، ولذلك فكأن المعنى فيما سبق من كلام الإمام محمد بن نصر المروزي كأنه سيق لبيان أهمية الاقتداء واتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والتوقف عنده . نعم .
المتن
قال أبو عبد الله وقال الشافعي رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم أولوا الأمر، أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يشبه ما قال والله أعلم لأن من كان حول مكة من العرب لم تكن تعرف أمارة وكانت تأنف أن يعطي بعضها بعض طاعة الإمارة فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير الرسول صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا طاعة مطلقة بل طاعة مستثنى منها لهم وقال تعالى : (( فإن تنازعتم في شيء )) يعني إن اختلفتم في شيءـ يعني ـ والله أعلم هم وأمراء الذين أمروا بطاعتهم (( فردوه إلى الله والرسول )) ـ يعني ـ والله أعلم إلى قال الله والرسول فإذا لم يكن ما تنازعوا فيه نصا فيهما أو في واحد منهما رُدّ قياسا على أحدهما .
الشرح
نعم ، هناك آية ذكرت وهي قوله عزوجل (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) الشافعي رحمه الله تعالى هنا يبين ما المراد بقوله عزوجل ( وأولي الأمر منكم ) قال معناه أمراء السرايا ومعنى الأمراء الذين أمّرهم النبي صلى الله عليه وسلم واستدل الشافعي بهذا القول بأن كفار قريش والعرب ما كانت تعرف السمع والطاعة لرجل يجتمعون عليه بل كل واحد كان أمير نفسه ، ولذلك كثر فيهم القتل وكثر فيهم السرقة والقوي يأكل الضعيف الخ ، فما كانوا ينقادون ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الله عزوجل بطاعته انقاد له صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام ،وحتى لا يكون في النفس شيء ، السمع والطاعة لرسول الله ، لا ، اسمعوا وأطيعوا لله ولرسوله ولمن أمّره رسولي ،وللأمراء الذين أمّرهم رسولي،واضح ، فلا تظنوا أن السمع والطاعة خاصة بالرسول وأن الأمراء الذين يؤمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لا سمع ولا طاعة ولذلك ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ) للدلالة على هذا المعنى وهو أن السمع والطاعة للأمراء أو للأمير ليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم بل لكل أمير أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم وللأمراء من بعده ،وهذا القول من الشافعي رحمه الله تعالى واختياره هو أحد المعاني التي قيلت في الآية وهناك معنى آخروهو أن المراد بأولي الأمرالعلماء وهو معنى صحيح وسيأتي من قول اسحاق ، نعم
المتن
وسمعت اسحاق يقول في قوله (( وأولي الأمر منكم )) قد يمكن أن يكون تفسير الآية على أولي العلم وعلى أمراء السرايا لأن الآية الواحدة يفسرها العلماء على أوجه وليس ذلك باختلاف وقد قال سفيان
الشرح
أيضا ،مما سبق من كلام الشافعي ملحظ مهم وهو أنه قعّد قاعدة مهمة وهو أنه السمع والطاعة والعلم إنما هوما جاء في الكتاب والسنّة ،وعند تنازع الناس لا يرجعون إلى قول فلان من الناس وإنما يرجعون إلى لما في كتاب الله عزوجل ، ولما في سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يجدوا نصا في الكتاب ولا في السنّة ولا في ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة الكرام عملوا وعمدوا إلى القياس والاجتهاد ، والقياس كما قال الشافعي للإمام أحمد إنما يصار إليه عند الضرورة قال أهل العلم فشبهه بالميتة التي لا يجوز أكلها إلا ضرورة ، كما لا يجوز الاجتهاد والقياس مع وجود النص ، وكذا لا يجوز الاجتهاد والقياس إلا إذا فقد النص ،
نعم ، ثم قال اسحاق وهو ابن راهويه وهو من شيوخ المروزي (( وأولي الأمر منكم )) قد يمكن أن يكون قول ثاني ـ يعني ـ تفسير الآية على أولي العلم وعلى أمراء السرايا . يعني يمكن أن تحمل الآية على معنينين لأن السياق يحتملهما ولأنه نقل على بعض السلف ذلك ، طيب السمع والطاعة لولاة الأمر في الآية واضحة ، الله عزوجل قال : ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمرمنكم)) ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر قال العلماء أطلق الله الطاعة له ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يطلقها في طاعة ولاة الأمر إنما جعلها مقيدة بطاعة الله ورسوله ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " فأولي الأمر هاهنا الأمراء والحكام الذين يحكمون المسلمين ما دام أنه قد صحت لهم البيعة وصح لهم الحكم لابد من السمع والطاعة لهم في المعروف ، وإذا أمروا بأمر يخالف أمر الله عزوجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لا سمع ولا طاعة لهم ، في ما أمروا به من ذلك الأمر خاصة ، أما بقية أوامرهم والسمع والطاعة في بقية أحكامهم باقية ، واضح ـ يعني ـ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق في تلك المعصية ،بخلاف ما حاول أن يفهمنا إياه بعض الخوارج لما تسلط على أذهاننا ، حينما حمل المعنى أنه لا طاعة لمخلوق وكأن الطاعة مطلقة ، لا ، إنما الحديث كما فسره أهل العلم وأهل السنّة ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق في تلك المعصية خاصة ، بدليل ما جاء في صحيح مسلم " من رأى أميره على أمر يكرهه ـ يعني على معصية ـ فليكره الذي يأتي وليصبر ولا ينزعن يدا من طاعة " ما قال أخرج عليه وقاتله ، ولما أخبر عليه الصلاة والسلام عن تأخير الصلاة من بعض الحكام قالوا له : يا رسول الله أفلا نقاتلهم أفلا نباذبهم ، قال : " لا ، ما أقاموا الصلاة " فدل هذا على أن المعصية منهم لا تنزع الطاعة المطلقة منهم وإنما تنزع الطاقة الخاصة في معصيته ، واضح .
بقي أن نلمح على قضية مهمة أنه على تفسير (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) أولي الأمر هنا على تفسيره بأولي العلم ليس المعنى منه أنه ما فعل بعض الناس أوبعض الدعاة لما قال العلماء أولي الأمر الذين تجب السمع والطاعة وكأنه حاكم شرعي ، لا ، وإنما المعنى اسمعوا وأطيعوا إلى العلماء فيما يبينون لكم من شرع الله ، أما إذا كان أمر يخالف شرع الله وأمر باجتهادهم فلا سمع لهم ولا طاعة هؤلاء العلماء ، والأمراء فلهم السمع والطاعة في غير معصية الله عزوجل فإن وقعوا أو أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة لهم في تلك المعصية خاصة ، وتبقى السمع والطاعة على عمومها الباقية ،واضح .
سيبين المصنف رحمه الله تعالى أنه لا اختلاف ولا تنافر إذا فسرت الآية بالمعنيين وهذا ما يعرف عند العلماء باختلاف التنوع وذلك أن الآية تحتمل عدة معاني ورد عن السلف تفسيرها بها فلا مانع من حمل الآية على هذه المعاني بشرطين :
الشرط الأول : أن تكون موافقة لسياق الآيات
الشرط الثاني : أن يأتي ما يدل عليها ، أن يأتي ما يدل على هذا المعنى ويقرره ، واضح .
فإن اختلفت أقوال السلف اختلاف تضاد وهذا كما يقول ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ، مع أنه أمر نادر أن يقع ، إن اختلفت رجح بين أقوالهم .
المتن
وقد قال سفيان ابن عيينة ليس في تفسير القرآن اختلاف إذا صح القول في ذلك وقال :أيكون شيء أصغر في الظاهر من الخنّس قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه هي بقر الوحش وقال علي رضي الله عنه هي النجوم ، وقال سفيان وكلاهما واحد لأن النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل ،والوحشية إذا رأت إنسيا خنست في الغيضان وغيرها وإذا لم ترى إنسيا ظهرت قال سفيان فكل خنّس .
الشرح
نعم ، هذا الكلام يقرر فيه القاعدة السابقة أنه قد ينقل عن السلف أكثر من قول في تفسير آية فلا تظنن أنه من باب الاختلاف والتضاد وإنما هذا الاختلاف منهم هوتفسير لبعض معاني الآية والقرآن كما قال عمر رضي الله عنه ـ حمّال ذو وجوه ـ ذو وجوه يعني : ذومعاني يحتمل أكثر من معنى وهذا من إعجازه ، يحتمل أكثر من معنى أربعة إلى خمسة إلى عشرة معاني ولا تضاد بينها ، إذا عرفت هذه القاعدة ، أضرب لك مثال ، هذا المثال في قوله عزوجل في سورة التكوير ( فلا أقسم بالخنّس ) أقسم الله عزوجل بالخنّس .
( الخنّس ) الشيء الذي يختفي ثم يظهر ، قال ابن مسعود وهو ثابت عنه أن الخنّس هي بقر الوحش ،وقال علي وإسناده ضعيف قال : هي النجوم ، فالبقر والوحش والنجوم ، حيوان وجماد شيء أرضي وشيء سفلي وشيء علوي ، شيء علوي وشيء سفلي كيف يجتمع المعنيين ؟ قال :لا ما في بينهما تضاد وكلا المعنيين صحيح إنما أراد ابن مسعود وأراد علي رضي الله عنهم أجمعين أن يبينوا لك شيئا من معاني الآية ، لا أن هذا هو تفسيرها الوحيد ، فالبقر الوحشي الذي يظهر فإذا رأى الإنسان فرّ وهرب إلى الغيضان وهي الشجر الملتوية الملتفة بعضها إلى بعض ، فإذا فرّ إلى هذا الشجر اختفى ، فعند عدم وجود الإنس كان ظاهرا وعند وجود الإنس أوما خاف منه من سبع خنس بمعنى اختفى ، في لمحة بصر يختفي ، قد يكون عدد فيختفي . فأقسم الله عزوجل بهذا الشيء الذي يظهر ويختفي ، علي رضي الله عنه فسره بالنجم حينما يظهر بالليل ويختفي بالنهار وهوهو مكانه ،واضح ، فيقول لك : ليس بين المعنيين اختلاف كما قال ابن جرير الطبري رحمة الله عليه : إنما مراد الله عزوجل الإقسام بالشيء من مخلوقاته يظهر ويختفي ، وأقسم بهذا ،ويصح كلا المعنيين لماذا ؟ لأن العرب تعرف النجم عند ظهوره في الليل وعند اختناسه بالنهار ، وتعرف بقر الوحش عند ظهوره بالليل واختناسه بالنهار . نعم .
المتن
قال اسحاق وتصديق ذلك ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الماعون لأن بعضهم قال هو الزكاة وقال بعضهم : عارية المتاع ، قال : وقال عكرمة أعلاه الزكاة وعارية المتاع منه .
قام بتفريغ الشريط كمال زيادي بقسنطينة 18 رمضان 1432 هـ
استمع إلى المادة من هنا بارك الله فيك
.
المصدر :
شبكة سحاب السلفية
شريط بعنوان شرح السنّة للمروزي رحمه الله لفضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله
الشريط الأول
تعليق