فضيلة العلامة د. محمد أمان بن علي الجامي
الرسالات السماوية التي كلف اللّه بها رسله المختارين من البشر، هي الرابطة بين السماء والأرض؛ ولقد كانت تلك الرسالات متحدة في أصولها، إذ كانت كلها تنادي أول ما تنادي {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [1]،ولكنها كانت متنوعة أو مختلفة في الشرائع والمناهج إذ كان كل رسول يُبعث إلى قومه، وبلسان قومه، على ضوء منهـج معـين، وتشريع خاص محدود واستمر الوضع هكذا، لحكمة يعلمها ربنا سبحانه، فترة طويلة من الزمن.
ولما أراد الله أن يختم رسالته إلى أهل الأرض، اختار من بين عباده نبيه المصطفى، ورسوله المرتضى، محمد بن عبد الله، النبيّ العربي الهاشمي، ليرسله إلى الناس كافة، وقد خلقه الله لهذا الغرض، وربّاه تربية خاصة، وأولاه عنايته، وأدّبه فأحسن تأديبه، وبعد تمهيدات وإرهاصات مرّت عليه في طفولته وصباه، بعثه اللّه إلى الناس كافة، وأنزل عليه كتابه الأخير الذي ليس بعده كتاب ( القرآن الكريم )، وهو كتاب الله المهيمن على الكتب التي قبله، ووصفه بأنه كتاب{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرج به الناس من الظلمات إلى النور {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ وقد تكفل اللّه بحفظ هذا الكتاب {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [2] ؛ ووكل تبيانه إلى رسوله الأمين محمد عليه الصلاة والسلام {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[3] ، وشهد له أنه في بيانه هذا، وأداء أمانة الرسالة {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ولما كان هذا شأنه، وهذه مكانته، أوجب اللّه طاعته، وحرّم معصيته، إذ يقول عز من قائل:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[4]، ويقول سبحانه، وهو ينفي عمن لا يحكمونه، أو يرون في أنفسهم حرجاً وغضاضة أو توقفاً عن حكمه، ولا يسلمون تسليماً كاملاً عن اقتناع، وانشراح نفس، يقول الله في حق هؤلاء:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[5] ؛ هكذا تكشف هذه الآية الكريمة دعاة الإيمان – بالرسول، دون عمل بسنته ، أو رضىً بحكمه ؛ فالآية – كما ترون – تنفي عنهم الإيمان ، وتعريهم أمام الناس ، لئلا ينخدع ويظن، أن الإيمان بالرسول يتم بمجرد دعوى الإيمان ، والقول باللسان ؛ وتأتي في هذا المعنى آية أخرى، تهدد أولئك المدعين المخالفين عن أمره بالفتنة والعذاب الأليم:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[6] ، وقد فسر بعض أهل العلم الفتنة هنا، بالزيغ والإلحاد، لقاء رده لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا تكرر منه ذلك، والله أعلم؛ وبهذه الأساليب المتنوعة يدعو القرآن الناس إلى الإيمان بالسنة، والعمل بها، وأنها هي والقرآن، هما الأساس حقاً لهذا الدين. وإذا كان الإيمان بالرسول أصلاً من أصول الإيمان، فإن الإيمان بسنته، جزء لا يتجزأ عن الإيمان به، عليه الصلاة والسلام، لأنه صاحب السنة، ولأن الإيمان – كما يعرفه الإمام ابن القيم:" هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له، محبةً وخضوعاً، والعمل به ظاهراً أو باطناً، وتنفيذه، والدعوة إليه بحسب الإمكان ".
وكما له في الحب في الله والبغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله ، وأن يكون الله وحده معبوده ؛ والطريق إليه ، تجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ، وتغميض عين القلب عن الإلتفات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالله التوفيق .
وبعد:فأنت ترى أن الإمام ابن القيم رحمه الله ، يجعل تجريد متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، طريقاً إلى حقيقة الإيمان .
ولا غرابة في ذلك ، بل هو أمر منطقي، كما ترى؛ ولو أنك زعمت بأنك تحب العالم الفلاني وتقدره، وله في نفسك كل تقدير احترام ، ومع ذلك كنت لا تقدر كلامه، ولا تعيره اهتماماً، ولا ترفع رأساً لحديثه، فطبيعي أن يصارحك إنسان ما مالي أراك – يا فلان – تدعي محبة – العالم الفلاني – بل التفاني في حبه، ومع ذلك لا تعير أدنى اهتمام لكلامه وحديثه وعلمه ؟!! هذا تساؤل لابد منه، عقلاً ومنطقاً، ولست أدري ماذا يكون جوابك ؟!! هل تقول في الجواب: إنني في الواقع لا أكنّ له محبة، وإنما هي مجرد إدعاء لظروف ما، ولا أعني بالمحبة أكثر من ذلك ! !
أو تقول : إنني أحبه وأقدره حقاً، ولكن الهوى والشيطان، ولكن القرناء، ولكن الجفاء الذي أصاب قلبي. كل ذلك حال دون الانتباه لكلامه، والانتفاع بحديثه، والتأسي له؛ ولابد لك من أحد الجوابين فأي ذين تقدم وتختار؟!! فأحلاهما مرّ، والله المستعان، والأمر بالنسبة للرسول وسنته أعظم وأخطر وكيف لا ؟!! ، ونحن إنما عرفنا الله وآمنا به وعبدناه وحده، بدعوته التي بلغتنا في طيات سنته ، التي حملها إلينا الثقات من علماء الصحابة ومن بعدهم؛ الذين قيضهم الله لها، وأكرمهم بخدمتها، فبها بينوا القرآن وفسروه، وعلى ضوئها بنوا أحكام الشريعة حكماً حكماً. وقعدوا القواعد، وضبطوا الضوابط، التي يرجع إليها عندما تنزل نازلة، وتحدث حادثة ، وتجدّ الأمور ..
وكل من يدعي الإيمان باللّه وبرسوله، ثم يتجرّأ فينكر سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ينكر حجيتها، أو إفادتها العلم اليقيني، إنما يتناقض تناقضاً، ويضطرب في كلامه إضطراباً، ويتخبط في تصرفه تخبطاً ؛ فليقرأ- إن شاء- قول الحسن البصري رحمه الله: " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل "، ولا عمل يقبل دون موافقة السنة " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد" [7] وسوف تنجلي الحقائق ، يوم تبلى السرائر، والله المستعان .
وبعد هذه المقدمة القصيرة، نأخذ في الحديث في صلب الموضوع، مستعينين بالله وحده فنقول:
المنزلة هي المكانة والمرتبة، والمراد بها هنا: المرتبة التي تشغلها السنة النبوية في باب التشريع، حيث لا يستغني عنها بوجه من الوجوه، إما مستقلة أو مبنية للكتاب، إذ لابد من عرض كثير من آيات الأحكام عليها، لتفسير المجمل، وتقيد المطلق، وتخص العام، إلى غير ذلك من الأغراض التي تحققها السنة، والدور الذي تمثله – إن صح مثل هذا التعبير .
السنة في اللغة: هي الطريقة: سواء كانت محمودة أو سيئة، ويشهد لهذا المعنى، حديث جرير بن عبد الله البجلي: " من سنّ سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ومن سنّ سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " [8] رواه مسلم في صحيحه ؛ ومعنى الحديث : أي من أتى بخصلة حسنة، فله أجرها وأجر من تأسى به وعمل مثل عمله، لأنه الفاتح لباب الخير، والدال عليه بعمله؛ وكذلك الحال بالنسبة للسيئة، لأن من أتى بخصلة سيئة، وتأسى به غيره، فعليه وزرها ووزر كل من تأسى به بعده، لأنه فاتح لباب الشر، وداعٍ إلى الشر بفعله ومبادرته.
ويقول أهل اللغة : السنة : السيرة، حسنة كانت أو قبيحة .
يختلف علماء الشريعة في معنى السنة اختلافاً لفظياً لا جوهرياً:
فيطلق علماء الأصول لفظ السنة على أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام وأفعاله وتقريره - وربما أطلقوها على أعمال الصحابة، كعمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما في جمع القرآن، وعمل عمر رضي الله عنه في تدوين الدواوين ، ونحو ذلك ، وهو مذهب جماعة من أهل الحديث.
وقد يطلق الفقهاء السنة على الطريق المسلوكة في الدين. في غير وجوب أو لزوم، ومن عباراتهم المعروفة في تعريف السنة: أن السنة ما يُثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
ويطلق جمهور علماء الحديث، السنة على ما يقابل البدعة، فيقال: فلان على السنة، إذا كان عمله وتصرفاته الدينية، وفق ما جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما يقال: فلان على بدعة، إذا كان مخالفاً لهديه وسنته عليه الصلاة والسلام؛ ومن إطلاقات السنة عندهم أيضاً: أنها قد تشمل صفاته الحميدة، وأخلاقه الكريمة، وسيرته العطرة، ويمكن أن يشهد لهم على هذا الإطلاق، قول أم المؤمنين خديجة- رضي اللّه عنها " كلا واللّه، لا يخزيك اللّه أبداً: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق " [9] .
وكذلك ما كان عليه الصلاة والسلام، معروفاً بين قومه، حتى قبل مبعثه من الصدق والأمانة، لأن كل [10] ذلك يستفاد منه في إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام، ورسالته، وهي مرادفة للحديث، كما ترى بهذا الاعتبار.
الإنسان، ذلك الحيوان المختار، ولكنه تحفه الشهوات، وتكتنفه متطلبات الغرائز، وتجتاحه الأهواء، وهو أشبه ما يكون بالمريض مثلاً، لا يجد سبيلاً للخلاص مما حل به من مرض، والفوز بالبرء والعافية، إلا بطبيب ناصح؛ فإن ائتمر بأمره فعزف عما تميل إليه نفسه، وامتنع عن الشهوات، ومتع ولذّات، سلم من الهلاك، وإلا فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، وهذا يعني: أن حاجة الإنسان إلى الرسول ورسالته، وما تشتمل عليه سنته أمسّ من حاجته إلى الطبيب والدواء - ويتضح ذلك بإجراء مقارنة ملموسة، بعيدة عن الفلسفة.
وذلك أن غاية ما يصيب الإنسان، إن أعرض عن الطبيب، ولم يحيى قلبه بما فيها من الوحي الإلهي، كتاباً وسنة، فتعتريه الأسقام والآفات التي لا برء منها، ويموت قلبه ولا يرجى بعده الحياة، وتنضب ينابيع السعادة، وتغشاه أمواج غامرة متلاطمة من الشقاء والتعاسة، ويغادره اليقين، ولا تعود الحياة والسعادة إليه إلا بالعودة إلى نور الوحي والاستضاءة بنوره، والله المستعان.
ويتضح مما تقدم، أن ملخص معنى السنة، ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير... وأن السنة من الوحي الإلهي:{ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[11]. كما يدل على ذلك من السنة قوله عليه الصلاة والسلام: " ألا، وإني أوتيت القرآن، ومثله معه " [12] . فالسنة إذاً صنو القرآن، وهي وحي مثله، وملازمة له، ولا تكاد تفارقه، ولا يكاد القرآن يُفهم كما يجب أن يفهم، إلا بالرجوع إلى السنة في كثير من آياته، ولا سيما آيات الأحكام.
الوحي: هو الإعلام الخفي والسريع، ولذلك يطلقون على الرموز والإشارات الخفية أنها من الوحي، عند أهل اللغة! ومنه الإلهام: " وهو إلقاء المعاني الخاصة في النفس؛ والوحي إلى غير الأنبياء من هذا القبيل، كالوحي إلى النحل:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}[13]، وأما في لسان الشرع: إعلام اللّه لأنبيائه بطريق خفية أخبار السماء، وما يريد أن يبلغه من التعليمات والتوجيهات والتشريع، بحيث يحصل لديهم علم، قطعي، لا يتطرق إليه أدنى شك، بأن ذلك من عند الله سبحانه، فيكون مصدر الوحي: هو اللّه وحده، فلا وحي إلا من الله ؛ ومورد الوحي هم الأنبياء ، فلا يكون الموحى إليه إلا نبياً، وهكذا يتضح أن المعنى الشرعي أخص من المعنى اللغوي كما ترى.
إعلام الله لأنبيائه ما يريد إعلامهم، يكون بطرق ثلاثة، وقد أشار القرآن إلى هذه الطرق، حيث يقول عز وجل:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}[14] .
أولاً
: المراد بقوله تعالى {إِلاَّ وَحْياً}: الإعلام، الذي هو الإلهام: وهو إلقاء المعنى المراد في قلب نبي من أنبيائه، حتى يفهمه جيداً، ويقطع بأنه من عند الله .
ثانياً
: الكلام من وراء حجاب، كلاماً حقيقياً، يقطع بأنه سمع كلام ربه الذي كلمه كيف شاء، دون أن يراه، كما حصل لنبي الله وكليمه موسى عليه السلام في أول بدء الوحي، حيث قال:{نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}[15]، حتى سمع سماعاً حقيقياً، ولكن دون رؤية؛ وكذلك عند مجيئه للميقات، حيث يقول الله سبحانه:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[16]؛ وقد حصل هذا النوع لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ليلة المعراج، عندما فرض الله عليه وعلى أمته الصلوات الخمس، والقصة معروفة ولا حاجة لسردها.
ثالثاً
: إعلام الله لنبي من أنبيائه ما يريد تبليغه بواسطة الملك " جبريل "، وهذا النوع هو الغالب والأكثر وقوعاً، وقد كان جبريل يأتي النبي عليه الصلاة والسلام بأشكال وصور مختلفة، إذ كان يأتيه أحياناً، متمثلاً بصورة الصحابي الجليل (دحية الكلبي)، وربما جاء بصورة أعرابي، وقد رآه مرتين على صورته الحقيقية: مرة عند غار حراء، حيث كان يتحنّث قبل الوحي، ومرة عند سدرة المنتهى في ليلة الإسراء والمعراج؛ وقد لا يرى النبي عليه الصلاة والسلام الملك أحياناً، وإنما يسمع عند قدومه دوياً كدوي النحل، وصلصلة شديدة، فتعتريه حالة روحية غير عادية .
تؤخذ هذه المعاني كلها أو بعضها، من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها، ذكره البخاري في صحيحه: " أن الحارث بن هشام، سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال؛ وأحياناً يتمثل لي الملك فيكلمني فأعي ما يقول "، قالت عائشة رضي الله عنها:" ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقاً ".
ومما لا يختلف فيه اثنان دارسان للإسلام : أن ديننا مبني على أصلين اثنين :
الأصل الأول : أن يعبد الله وحده دون أن يشرك به غيره بجميع أنواع العبادات، وقبل أن يصرف شيء منها لغير الله؛ وذلك معنى قول المؤمن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
الأصل الثاني : أن يعبد الله بما شرعه على لسان رسوله وخليله محمد عليه الصلاة والسلام، وهو معنى قول المؤمن: وأشهد أن محمداً رسول الله، وصحة الأصل الأول تتوقف على تحقيق الأصل الثاني، ومعنى تحقيقه نوجزه في صدق متابعة رسول الله عليه الصلاة والسلام لأن إتباعه دليل محبة الله عز وجل، الذي محبته ومراقبته والأُنس به، غاية سعي العبد وكده، وهي أيضاً جالبة لمحبة الرب عبده ومغفرته له، إذ يقول عز من قائل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[17]. وذلك لأنه رسوله المختار ليبلغ دينه الذي شرعه لعباده، وهو المبلغ عنه أمره ونهيه وتحليله وتحريمه، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرّمه والدين ما شرعه وارتضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم واسطة بين الله وبين عباده في بيان التشريع، وما يترتب عليه من وعده ووعيده، وتبليغ وحيه الذي اشتمل على ذلك كله قرآناً وسنة، وقد كلف بذلك تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[18]. وبقوله:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [19].
وقوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم}، وقوله:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[20] .
إن هذه الآية من الذكر الحكيم، تبين بوضوح وظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي القيام بواجب التبليغ، والبيان والدعوة إلى دين الله وإلى شرعه الذي شرعه الله تعالى لعباده وارتضاه لهم.
وهذه الأوامر الربانية الثلاثة، التي تقدم ذكرها في طي الآيات السابقة، تحقق غرضاً واحداً، وهو دلالة الخلْق على الطريق الموصلة إلى الخالق سبحانه، وهو راض عنهم، حتى يكرمهم في دار كرامته، لقاء ما قاموا به من أداء ما أوجبه الله عليهم في هذه الدار، من تحقيق العبودية، ليصدق في حقه عليه الصلاة والسلام قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[21]، حقاً إنه رحمة مهداة، ونعمة مسداة للبشرية جميعاً، ولكن الشأن أن يرفع أتباعه رؤوسهم لدراسة سنته كما يجب، مكتفين بها، ليفهم كتاب الله على ضوئها، متجردين لها؛ تلك السنة التي هي ذلكم البيان، وذلكم البلاغ، وتلكم الدعوة .
وبعد : فلا يشك مسلم مهما انحطت منزلته العلمية، وضعفت ثقافته، وضحلت معرفته أن الرسول الكريم، محمداً عليه الصلاة والسلام، بلغ ما نزل إليه من ربه، وهو القرآن الكريم، ذلك لأن الإيمان بأن الله نزّل القرآن على رسوله الذي اصطفاه محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه بلّغ ما نزل إليه، كما نزل، وأنه بين للناس ما احتاج إلى بيان، وأجاب على أسئلتهم واستفساراتهم في موضوعات كثيرة، ودعاهم إلى الأخذ بما جاء به من ربه من الوحي، ولم يفْتُر عن الدعوة إلى ذلك حتى التحق بالرفيق الأعلى إن هذا المقدار من الإيمان، أصل هذا الدين، وأساسه الذي ينبني عليه كل ما بعده من واجبات الدين وفرائضه، وإذا كنا نؤمن هذا الإيمان – ويجب أن نؤمن – فأين نجد بيانه الذي يتحقق به، امتثاله عليه الصلاة والسلام لتلك الأوامر الربانية {بَلِّغْ} {لِتُبَيِّنَ} {ادْعُ} الجواب: نجد ذلك في سنته المطهرة، ولا نجد في غيرها، تلك التي قيض الله لها من شاء من عبادة، وهم جهابذة علماء المسلمين، فحفظوها وصانوها من كل مختلف، وكل معنى مزيّف ليصدق قوله تعالى :
وقوله الحق وخبره المصدق:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[22]، والذكر المنزل المحفوظ: هو القرآن بالدرجة الأولى، وقد حفظه الله بما شاء، وتدخل السنة في عموم الذكر في الدرجة الثانية عند التحقيق وإمعان النظر، وقد حفظها الله تعالى بأولئك الجهابذة العلماء، كما قلنا آنفاً، والسنة التي يتم بها ذلك البيان المطلوب: هي أقواله وأفعاله وتقريراته [23].
السنة هي الحكمة
وقد ذكر الله الحكمة في عديد من آيات الكتاب العزيز، مقرونة بالكتاب، ومما لا شك فيه أن المراد بالحكمة في تلك الآيات المشار إليها كلها: السنة النبوية.
ومن تلكم الآيات قوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [24]، وقوله تعالى:س{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة}[25] ، {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}[26] ، وقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [27]، وقوله سبحانه:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً}[28]، والآيات في هذا المعنى كلها تعطف الحكمة على الكتاب عطفاً يدل على المغايرة طبعاً .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: فرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله عليه الصلاة والسلام. وقال رحمه الله في رسالته المشهورة:" فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضاه من أهل العلم بالقرآن يقول:" الحكمة سنة رسوله " ثم قال الإمام رحمه الله معلقاً على هذا القول:" وهذا أشبه ما قال والله أعلم " ثم علل ذلك قائلاً:" لأن القرآن ذكر وتبعته الحكمة، وذكر الله منَّـتَهُ على خلقه، بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز- واللّه أعلم- أن يقال: الحكمة هاهنا غير سنة رسول اللّه، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأنه افتراض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول فرض، إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله عليه الصلاة والسلام "، إلى أن قال : "وذلك لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان بالله وسنة رسوله، مبينة عن الله معنى ما أراد ثم قرن الحكمة بكتابه، واتبعها إياه، ولم يجعل لأحد من خـلقه غير رسـوله عليه الصلاة والسلام " [29].
وقد نقل البيهقي عن الإمام الشافعي عدة نقول في هذا الصدد نختار منها الآتي :
1- قال البيهقي:قال الإمام الشافعي رحمه الله: " وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أوجه :
أحدها
: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فشرح رسول الله عليه الصلاة والسلام بمثل نص الكتاب.
الثاني
: ما أنزل فيه جملة كتاب، فبين رسول الله عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها عاماً أو خاصاً، وكيف أراد أن يأتي به العباد .
الثالث
: ما سنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام مما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال جعله الله له بما افتراض من طاعته، وسبق علمه من توفيقه لهن ورضاه أن يسنّ فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال:لم يسنّ سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة وكذلك ما سنّ في البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله تعالى ذكره قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[30] وقال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}[31]، فما أحل وحرم، فإنما بين فيه عن الله، كما بين في الصلاة؛ ومنهم من قال:بل جاءته به رسالة الله، فأثبتت سنته بفرض الله تعالى؛ ومنهم من قال:كل ما سنَّ، وسنته هي الحكمة التي ألقيت في روعه من الله تعالى ". انتهى كلام الشافعي .
وقال الشافعي في موضع آخر:" كل ما سنّ فقد ألزمنا الله تعالى اتباعه، وجعل اتباعه طاعته، والعدول عن اتباعه معصيته، التي لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من أتباع سنن نبيه مخرجاً " .
قال البيهقي:" باب ما أمر الله به من طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، والبيان أن طـاعته طـاعته "، ثم ساق الآيات التالية:قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[32]، قال عز من قائل:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[33] إلى غيرها من الآيات البينات التي مضمونها أن طاعة رسوله هي طاعة له تعالى، وأن معصيته معصية له تعالى، ثم أورد البيهقي حديث أبي رافع قال: قال رسول رسول الله صلى اللّه عليه وسلم:" لا ألقينّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممـا أمرت به أو نهيت عنه يقول: لا أدري؟!!! ما وجدنا في كتاب اللّه اتبعناه " أخرجه أبو داود والحاكـم، ومن حديث القدام بن معدي كرب قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام حرّم أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وغيره، ثم قال رسول اللّه عليه الصلاة والسلام: " يوشك أن يقعد رجل على أريكته، يتحدث بحديثي فيقول: بيني و بينكم كتاب اللّه، فما وجدنا فيه من حلال إستحللناه، وما وجدنا فيه من حـرام حرمناه، ألا وإن ما حرّم رسـول اللّه مثل ما حرم اللِّه "[34]، ثم قال البيهقي،: "وهذا خبر من رسول اللّه عليه الصلاة والسلام، عما يكون بعده من ردّ المبتدعة حديثه، فوجد تصديقه فيما بعد "؛ ويقول الإمام البيهقي في هذا الصدد:" ولولا ثبوت الحجة بالسنة، لما قال رسول اللّه عليه الصلاة والسلام في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم: " ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع ".
ثم أخرج البيهقي بسنده عن شبيب بن أبي فضالة المكي:" أن عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد، إنكم تحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن !! فغضب عمران فقال للرجل: قرأت القرآن كله؟!! قال: نعم. قال: هل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، و الغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً ؟!! قال: لا. قـال: عمن أخذتم ذلك ؟!! ألستم عنا أخذتموه؟ وأخذناه عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟!! ثم قال: أوجدتم في القرآن من كل أربعين شاة، شاة ؟!! وفي كل كذا بعير، كذا، وفي كل درهم كذا؟!! " إلى آخر ذلك الحوار الحاد الذي أفحم فيه الصحابي الجليل ذلك السائل، الذي تجرأ فسأل ما ليس له، فاستحق التوبيخ والتأديب وفي الوقت نفسه، يدل على مدى ما يكنه سلفنا الصالح، من تقديرهم للسنة النبوية، والذود عنها، ومحبتها، وما من شك أن محبة سننه من محبته عليه الصلاة والسلام، ومحبته من أسس الإيمان، كما لا يخفى؛ والمحبة الصادقة، إنما تتمثل في الاهتمام بسنته علماً وعملاً، وتقديرها والإحتجاج بها، والذود عنها بكل سلاح ممكن ومتيسر.
السنة النبوية بعد ثبوتها وصحتها، تتمتع عند المسلمين، قـديماً وحديثاً، بما يتمتع به القرآن الكريم من حيث وجوب العمل بها، والرجوع إليها عند التنازع، وترك الرأي من أجلها، فلنستمع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا المعنى: إذ أخرج البيهقي بسنده عن عمر رضي الله عنه قوله وهو على المنبر:" يا أيها الناس : إن الرأي إنما كان من رسول الله مصيباً، لأن الله تعالى كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف ". لهذا نرى عمر رجاعاً في كل ما يبلغه حديث رسول الله في حادثة ما، ونازلة علمية جديدة، لا علم له فيها بسنة ثابتة، وإذا ثبتت السنة بادر، دون أدنى توقف، إلى العمل بالسنة والرجوع إليها ومن شواهد ما ذكرنا ما يرويه ابن المسيب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يقول:" الدية للعاقلة – ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى أخبره الضحاك بن سفيان: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كتب إليه أن يورث امرأة أُشيْم الضبابي، فرجع إليه عمر " أخرجه أبو داود[35].
ومنها ما أخرجه البيهقي عن طاووس، أن عمر قال:" أذكر الله امرءاً سمع عن النبي عليه الصلاة والسلام في الجنين شيئاً ؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال:" كنت بين جاريتين لي – يعني ضرتين – فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً، فقضى فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام بغرة "، فقال عمر: لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا، إن كدنا نقضي فيه برأينا ". يقول الإمام الشافعي وهو يعلق على هذه الأخبار، وموقف عمر من السنة: قد رجع عمر عما كان يقضي فيه، لحديث الضحاك بن سفيان، فخالف حكم نفسه، وقال في الجنين، إنه لولم يسمع هذه السنّة، لقضى فيه لغيرها، وقال:" إن كدنا نقضي فيه برأينا ".
ومنها، ما أخرجه الشيخان من طريق ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن عمر خرج إلى الشام، فلما جاء " سَرْعْ " [36]، بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:" إذا سمعتم به بأرضٍ، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً "، فرجع عمر من " سرع " قال ابن شهاب:" وأخبرني سالم بن عبد الله بن عمر، أن عمر إنما انصرف بالناس من حديث عبد الرحمن بن عوف ".
ومنها ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:" لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر ".
هذا بعض ما أثر عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وله مواقف أخرى كثيرة ومماثلة، وهو موقف كل صحابي من الخلفاء وغيرهم، وهاك بعض مواقف الخليفة الأول، أبي بكر الصديق، رضي الله عنه :
عن قبيصة بن ذؤيب قال:" جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، لتسأله عن ميراثها، فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء، وما أعلم لك في سنة نبي الله شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال له المغيرة بن شعبة: حضرت رسول اللّه عليه الصلاة والسلام، فأعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال، فأنفذه لها أبو بكر ".
هكذا نتبين من هذا الإستعراض السريع لنصوص أهل العلم ومواقفهم في مختلف العصور، تلك النصوص التي لم نستوعب حتى ثلامَّها؛ نتبين أن الأمة مازالت، ولن تزال متفقة على أن السنة النبوية يجب أن تكون لها مقام معلوم في بيان الأحكام، وأنها حجة قائمة بنفسها، وأنه يجب الرجوع إليها، إذا ثبتت، ولا يجوز الحكم بالاجتهاد والرأي مع ثبوتها، وأنه قد ثبتت بها الأحكام، لولم يرد بها الكتاب، هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى، أنها بيان للقرآن، وتفسير له، ومفصّلة ما أجمل فيه، وهذه المعاني كلها محل إجماع عند من يعتد بأقوالهم، ولا نعلم أحداً خالف هذه القاعدة إلا الزنادقة وغلاة الرافضة الذين لا يتأثر الإجماع بمخالفتهم، بل لا يستشارون إن حضروا، ولا يُسأل عنهم إذا غابوا، لأنهم فارقوا جماعة المسلمين ونابذوهم، واتبعوا غير سبيل المؤمنين، بمواقفهم العدائية لأصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام، ذلك الموقف الذي أدى إلى رد أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام - المصدر الثاني للتشريع الإسلامي- بدعوى أنها رواية قوم كافرين؛ ومن باب ذر الرماد في العيون- عيون السذّج طبعاً- قالوا: نحن نعمل بالقرآن، ونقتصر عليه، وهذا كلام لا ينطلي على أولى النُهى من طلاب العلم، وأهل الإيمان، واللّه الموفق.
الرسالات السماوية التي كلف اللّه بها رسله المختارين من البشر، هي الرابطة بين السماء والأرض؛ ولقد كانت تلك الرسالات متحدة في أصولها، إذ كانت كلها تنادي أول ما تنادي {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [1]،ولكنها كانت متنوعة أو مختلفة في الشرائع والمناهج إذ كان كل رسول يُبعث إلى قومه، وبلسان قومه، على ضوء منهـج معـين، وتشريع خاص محدود واستمر الوضع هكذا، لحكمة يعلمها ربنا سبحانه، فترة طويلة من الزمن.
ولما أراد الله أن يختم رسالته إلى أهل الأرض، اختار من بين عباده نبيه المصطفى، ورسوله المرتضى، محمد بن عبد الله، النبيّ العربي الهاشمي، ليرسله إلى الناس كافة، وقد خلقه الله لهذا الغرض، وربّاه تربية خاصة، وأولاه عنايته، وأدّبه فأحسن تأديبه، وبعد تمهيدات وإرهاصات مرّت عليه في طفولته وصباه، بعثه اللّه إلى الناس كافة، وأنزل عليه كتابه الأخير الذي ليس بعده كتاب ( القرآن الكريم )، وهو كتاب الله المهيمن على الكتب التي قبله، ووصفه بأنه كتاب{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرج به الناس من الظلمات إلى النور {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ وقد تكفل اللّه بحفظ هذا الكتاب {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [2] ؛ ووكل تبيانه إلى رسوله الأمين محمد عليه الصلاة والسلام {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[3] ، وشهد له أنه في بيانه هذا، وأداء أمانة الرسالة {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ولما كان هذا شأنه، وهذه مكانته، أوجب اللّه طاعته، وحرّم معصيته، إذ يقول عز من قائل:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[4]، ويقول سبحانه، وهو ينفي عمن لا يحكمونه، أو يرون في أنفسهم حرجاً وغضاضة أو توقفاً عن حكمه، ولا يسلمون تسليماً كاملاً عن اقتناع، وانشراح نفس، يقول الله في حق هؤلاء:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[5] ؛ هكذا تكشف هذه الآية الكريمة دعاة الإيمان – بالرسول، دون عمل بسنته ، أو رضىً بحكمه ؛ فالآية – كما ترون – تنفي عنهم الإيمان ، وتعريهم أمام الناس ، لئلا ينخدع ويظن، أن الإيمان بالرسول يتم بمجرد دعوى الإيمان ، والقول باللسان ؛ وتأتي في هذا المعنى آية أخرى، تهدد أولئك المدعين المخالفين عن أمره بالفتنة والعذاب الأليم:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[6] ، وقد فسر بعض أهل العلم الفتنة هنا، بالزيغ والإلحاد، لقاء رده لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا تكرر منه ذلك، والله أعلم؛ وبهذه الأساليب المتنوعة يدعو القرآن الناس إلى الإيمان بالسنة، والعمل بها، وأنها هي والقرآن، هما الأساس حقاً لهذا الدين. وإذا كان الإيمان بالرسول أصلاً من أصول الإيمان، فإن الإيمان بسنته، جزء لا يتجزأ عن الإيمان به، عليه الصلاة والسلام، لأنه صاحب السنة، ولأن الإيمان – كما يعرفه الإمام ابن القيم:" هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له، محبةً وخضوعاً، والعمل به ظاهراً أو باطناً، وتنفيذه، والدعوة إليه بحسب الإمكان ".
وكما له في الحب في الله والبغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله ، وأن يكون الله وحده معبوده ؛ والطريق إليه ، تجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ، وتغميض عين القلب عن الإلتفات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالله التوفيق .
وبعد:فأنت ترى أن الإمام ابن القيم رحمه الله ، يجعل تجريد متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، طريقاً إلى حقيقة الإيمان .
ولا غرابة في ذلك ، بل هو أمر منطقي، كما ترى؛ ولو أنك زعمت بأنك تحب العالم الفلاني وتقدره، وله في نفسك كل تقدير احترام ، ومع ذلك كنت لا تقدر كلامه، ولا تعيره اهتماماً، ولا ترفع رأساً لحديثه، فطبيعي أن يصارحك إنسان ما مالي أراك – يا فلان – تدعي محبة – العالم الفلاني – بل التفاني في حبه، ومع ذلك لا تعير أدنى اهتمام لكلامه وحديثه وعلمه ؟!! هذا تساؤل لابد منه، عقلاً ومنطقاً، ولست أدري ماذا يكون جوابك ؟!! هل تقول في الجواب: إنني في الواقع لا أكنّ له محبة، وإنما هي مجرد إدعاء لظروف ما، ولا أعني بالمحبة أكثر من ذلك ! !
أو تقول : إنني أحبه وأقدره حقاً، ولكن الهوى والشيطان، ولكن القرناء، ولكن الجفاء الذي أصاب قلبي. كل ذلك حال دون الانتباه لكلامه، والانتفاع بحديثه، والتأسي له؛ ولابد لك من أحد الجوابين فأي ذين تقدم وتختار؟!! فأحلاهما مرّ، والله المستعان، والأمر بالنسبة للرسول وسنته أعظم وأخطر وكيف لا ؟!! ، ونحن إنما عرفنا الله وآمنا به وعبدناه وحده، بدعوته التي بلغتنا في طيات سنته ، التي حملها إلينا الثقات من علماء الصحابة ومن بعدهم؛ الذين قيضهم الله لها، وأكرمهم بخدمتها، فبها بينوا القرآن وفسروه، وعلى ضوئها بنوا أحكام الشريعة حكماً حكماً. وقعدوا القواعد، وضبطوا الضوابط، التي يرجع إليها عندما تنزل نازلة، وتحدث حادثة ، وتجدّ الأمور ..
وكل من يدعي الإيمان باللّه وبرسوله، ثم يتجرّأ فينكر سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ينكر حجيتها، أو إفادتها العلم اليقيني، إنما يتناقض تناقضاً، ويضطرب في كلامه إضطراباً، ويتخبط في تصرفه تخبطاً ؛ فليقرأ- إن شاء- قول الحسن البصري رحمه الله: " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل "، ولا عمل يقبل دون موافقة السنة " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد" [7] وسوف تنجلي الحقائق ، يوم تبلى السرائر، والله المستعان .
سـوف تـرى إذا انجـلى الغُبـار
أفـرس تـحـتـك أم حـمــار
المنزلة هي المكانة والمرتبة، والمراد بها هنا: المرتبة التي تشغلها السنة النبوية في باب التشريع، حيث لا يستغني عنها بوجه من الوجوه، إما مستقلة أو مبنية للكتاب، إذ لابد من عرض كثير من آيات الأحكام عليها، لتفسير المجمل، وتقيد المطلق، وتخص العام، إلى غير ذلك من الأغراض التي تحققها السنة، والدور الذي تمثله – إن صح مثل هذا التعبير .
السنة في اللغة
ويقول أهل اللغة : السنة : السيرة، حسنة كانت أو قبيحة .
السنة في لسان علماء الشريعة
فيطلق علماء الأصول لفظ السنة على أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام وأفعاله وتقريره - وربما أطلقوها على أعمال الصحابة، كعمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما في جمع القرآن، وعمل عمر رضي الله عنه في تدوين الدواوين ، ونحو ذلك ، وهو مذهب جماعة من أهل الحديث.
وقد يطلق الفقهاء السنة على الطريق المسلوكة في الدين. في غير وجوب أو لزوم، ومن عباراتهم المعروفة في تعريف السنة: أن السنة ما يُثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
ويطلق جمهور علماء الحديث، السنة على ما يقابل البدعة، فيقال: فلان على السنة، إذا كان عمله وتصرفاته الدينية، وفق ما جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما يقال: فلان على بدعة، إذا كان مخالفاً لهديه وسنته عليه الصلاة والسلام؛ ومن إطلاقات السنة عندهم أيضاً: أنها قد تشمل صفاته الحميدة، وأخلاقه الكريمة، وسيرته العطرة، ويمكن أن يشهد لهم على هذا الإطلاق، قول أم المؤمنين خديجة- رضي اللّه عنها " كلا واللّه، لا يخزيك اللّه أبداً: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق " [9] .
وكذلك ما كان عليه الصلاة والسلام، معروفاً بين قومه، حتى قبل مبعثه من الصدق والأمانة، لأن كل [10] ذلك يستفاد منه في إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام، ورسالته، وهي مرادفة للحديث، كما ترى بهذا الاعتبار.
حاجة الإنسان إلى الرسول والرسالة
وذلك أن غاية ما يصيب الإنسان، إن أعرض عن الطبيب، ولم يحيى قلبه بما فيها من الوحي الإلهي، كتاباً وسنة، فتعتريه الأسقام والآفات التي لا برء منها، ويموت قلبه ولا يرجى بعده الحياة، وتنضب ينابيع السعادة، وتغشاه أمواج غامرة متلاطمة من الشقاء والتعاسة، ويغادره اليقين، ولا تعود الحياة والسعادة إليه إلا بالعودة إلى نور الوحي والاستضاءة بنوره، والله المستعان.
السنة صنو القرآن
معنى الوحي
أقسام الوحي
أولاً
: المراد بقوله تعالى {إِلاَّ وَحْياً}: الإعلام، الذي هو الإلهام: وهو إلقاء المعنى المراد في قلب نبي من أنبيائه، حتى يفهمه جيداً، ويقطع بأنه من عند الله .
ثانياً
: الكلام من وراء حجاب، كلاماً حقيقياً، يقطع بأنه سمع كلام ربه الذي كلمه كيف شاء، دون أن يراه، كما حصل لنبي الله وكليمه موسى عليه السلام في أول بدء الوحي، حيث قال:{نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}[15]، حتى سمع سماعاً حقيقياً، ولكن دون رؤية؛ وكذلك عند مجيئه للميقات، حيث يقول الله سبحانه:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[16]؛ وقد حصل هذا النوع لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ليلة المعراج، عندما فرض الله عليه وعلى أمته الصلوات الخمس، والقصة معروفة ولا حاجة لسردها.
ثالثاً
: إعلام الله لنبي من أنبيائه ما يريد تبليغه بواسطة الملك " جبريل "، وهذا النوع هو الغالب والأكثر وقوعاً، وقد كان جبريل يأتي النبي عليه الصلاة والسلام بأشكال وصور مختلفة، إذ كان يأتيه أحياناً، متمثلاً بصورة الصحابي الجليل (دحية الكلبي)، وربما جاء بصورة أعرابي، وقد رآه مرتين على صورته الحقيقية: مرة عند غار حراء، حيث كان يتحنّث قبل الوحي، ومرة عند سدرة المنتهى في ليلة الإسراء والمعراج؛ وقد لا يرى النبي عليه الصلاة والسلام الملك أحياناً، وإنما يسمع عند قدومه دوياً كدوي النحل، وصلصلة شديدة، فتعتريه حالة روحية غير عادية .
تؤخذ هذه المعاني كلها أو بعضها، من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها، ذكره البخاري في صحيحه: " أن الحارث بن هشام، سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال؛ وأحياناً يتمثل لي الملك فيكلمني فأعي ما يقول "، قالت عائشة رضي الله عنها:" ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقاً ".
ومما لا يختلف فيه اثنان دارسان للإسلام : أن ديننا مبني على أصلين اثنين :
الأصل الأول : أن يعبد الله وحده دون أن يشرك به غيره بجميع أنواع العبادات، وقبل أن يصرف شيء منها لغير الله؛ وذلك معنى قول المؤمن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
الأصل الثاني : أن يعبد الله بما شرعه على لسان رسوله وخليله محمد عليه الصلاة والسلام، وهو معنى قول المؤمن: وأشهد أن محمداً رسول الله، وصحة الأصل الأول تتوقف على تحقيق الأصل الثاني، ومعنى تحقيقه نوجزه في صدق متابعة رسول الله عليه الصلاة والسلام لأن إتباعه دليل محبة الله عز وجل، الذي محبته ومراقبته والأُنس به، غاية سعي العبد وكده، وهي أيضاً جالبة لمحبة الرب عبده ومغفرته له، إذ يقول عز من قائل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[17]. وذلك لأنه رسوله المختار ليبلغ دينه الذي شرعه لعباده، وهو المبلغ عنه أمره ونهيه وتحليله وتحريمه، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرّمه والدين ما شرعه وارتضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم واسطة بين الله وبين عباده في بيان التشريع، وما يترتب عليه من وعده ووعيده، وتبليغ وحيه الذي اشتمل على ذلك كله قرآناً وسنة، وقد كلف بذلك تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[18]. وبقوله:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [19].
وقوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم}، وقوله:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[20] .
إن هذه الآية من الذكر الحكيم، تبين بوضوح وظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي القيام بواجب التبليغ، والبيان والدعوة إلى دين الله وإلى شرعه الذي شرعه الله تعالى لعباده وارتضاه لهم.
وهذه الأوامر الربانية الثلاثة، التي تقدم ذكرها في طي الآيات السابقة، تحقق غرضاً واحداً، وهو دلالة الخلْق على الطريق الموصلة إلى الخالق سبحانه، وهو راض عنهم، حتى يكرمهم في دار كرامته، لقاء ما قاموا به من أداء ما أوجبه الله عليهم في هذه الدار، من تحقيق العبودية، ليصدق في حقه عليه الصلاة والسلام قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[21]، حقاً إنه رحمة مهداة، ونعمة مسداة للبشرية جميعاً، ولكن الشأن أن يرفع أتباعه رؤوسهم لدراسة سنته كما يجب، مكتفين بها، ليفهم كتاب الله على ضوئها، متجردين لها؛ تلك السنة التي هي ذلكم البيان، وذلكم البلاغ، وتلكم الدعوة .
وبعد : فلا يشك مسلم مهما انحطت منزلته العلمية، وضعفت ثقافته، وضحلت معرفته أن الرسول الكريم، محمداً عليه الصلاة والسلام، بلغ ما نزل إليه من ربه، وهو القرآن الكريم، ذلك لأن الإيمان بأن الله نزّل القرآن على رسوله الذي اصطفاه محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه بلّغ ما نزل إليه، كما نزل، وأنه بين للناس ما احتاج إلى بيان، وأجاب على أسئلتهم واستفساراتهم في موضوعات كثيرة، ودعاهم إلى الأخذ بما جاء به من ربه من الوحي، ولم يفْتُر عن الدعوة إلى ذلك حتى التحق بالرفيق الأعلى إن هذا المقدار من الإيمان، أصل هذا الدين، وأساسه الذي ينبني عليه كل ما بعده من واجبات الدين وفرائضه، وإذا كنا نؤمن هذا الإيمان – ويجب أن نؤمن – فأين نجد بيانه الذي يتحقق به، امتثاله عليه الصلاة والسلام لتلك الأوامر الربانية {بَلِّغْ} {لِتُبَيِّنَ} {ادْعُ} الجواب: نجد ذلك في سنته المطهرة، ولا نجد في غيرها، تلك التي قيض الله لها من شاء من عبادة، وهم جهابذة علماء المسلمين، فحفظوها وصانوها من كل مختلف، وكل معنى مزيّف ليصدق قوله تعالى :
وقوله الحق وخبره المصدق:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[22]، والذكر المنزل المحفوظ: هو القرآن بالدرجة الأولى، وقد حفظه الله بما شاء، وتدخل السنة في عموم الذكر في الدرجة الثانية عند التحقيق وإمعان النظر، وقد حفظها الله تعالى بأولئك الجهابذة العلماء، كما قلنا آنفاً، والسنة التي يتم بها ذلك البيان المطلوب: هي أقواله وأفعاله وتقريراته [23].
السنة هي الحكمة
وقد ذكر الله الحكمة في عديد من آيات الكتاب العزيز، مقرونة بالكتاب، ومما لا شك فيه أن المراد بالحكمة في تلك الآيات المشار إليها كلها: السنة النبوية.
ومن تلكم الآيات قوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [24]، وقوله تعالى:س{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة}[25] ، {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}[26] ، وقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [27]، وقوله سبحانه:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً}[28]، والآيات في هذا المعنى كلها تعطف الحكمة على الكتاب عطفاً يدل على المغايرة طبعاً .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: فرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله عليه الصلاة والسلام. وقال رحمه الله في رسالته المشهورة:" فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضاه من أهل العلم بالقرآن يقول:" الحكمة سنة رسوله " ثم قال الإمام رحمه الله معلقاً على هذا القول:" وهذا أشبه ما قال والله أعلم " ثم علل ذلك قائلاً:" لأن القرآن ذكر وتبعته الحكمة، وذكر الله منَّـتَهُ على خلقه، بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز- واللّه أعلم- أن يقال: الحكمة هاهنا غير سنة رسول اللّه، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأنه افتراض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول فرض، إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله عليه الصلاة والسلام "، إلى أن قال : "وذلك لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان بالله وسنة رسوله، مبينة عن الله معنى ما أراد ثم قرن الحكمة بكتابه، واتبعها إياه، ولم يجعل لأحد من خـلقه غير رسـوله عليه الصلاة والسلام " [29].
وقد نقل البيهقي عن الإمام الشافعي عدة نقول في هذا الصدد نختار منها الآتي :
نبذة من كلام أهل العلم في مكانة السنة وثبوت حجيتها
أحدها
: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فشرح رسول الله عليه الصلاة والسلام بمثل نص الكتاب.
الثاني
: ما أنزل فيه جملة كتاب، فبين رسول الله عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها عاماً أو خاصاً، وكيف أراد أن يأتي به العباد .
الثالث
: ما سنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام مما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال جعله الله له بما افتراض من طاعته، وسبق علمه من توفيقه لهن ورضاه أن يسنّ فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال:لم يسنّ سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة وكذلك ما سنّ في البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله تعالى ذكره قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[30] وقال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}[31]، فما أحل وحرم، فإنما بين فيه عن الله، كما بين في الصلاة؛ ومنهم من قال:بل جاءته به رسالة الله، فأثبتت سنته بفرض الله تعالى؛ ومنهم من قال:كل ما سنَّ، وسنته هي الحكمة التي ألقيت في روعه من الله تعالى ". انتهى كلام الشافعي .
وقال الشافعي في موضع آخر:" كل ما سنّ فقد ألزمنا الله تعالى اتباعه، وجعل اتباعه طاعته، والعدول عن اتباعه معصيته، التي لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من أتباع سنن نبيه مخرجاً " .
قال البيهقي:" باب ما أمر الله به من طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، والبيان أن طـاعته طـاعته "، ثم ساق الآيات التالية:قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[32]، قال عز من قائل:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[33] إلى غيرها من الآيات البينات التي مضمونها أن طاعة رسوله هي طاعة له تعالى، وأن معصيته معصية له تعالى، ثم أورد البيهقي حديث أبي رافع قال: قال رسول رسول الله صلى اللّه عليه وسلم:" لا ألقينّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممـا أمرت به أو نهيت عنه يقول: لا أدري؟!!! ما وجدنا في كتاب اللّه اتبعناه " أخرجه أبو داود والحاكـم، ومن حديث القدام بن معدي كرب قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام حرّم أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وغيره، ثم قال رسول اللّه عليه الصلاة والسلام: " يوشك أن يقعد رجل على أريكته، يتحدث بحديثي فيقول: بيني و بينكم كتاب اللّه، فما وجدنا فيه من حلال إستحللناه، وما وجدنا فيه من حـرام حرمناه، ألا وإن ما حرّم رسـول اللّه مثل ما حرم اللِّه "[34]، ثم قال البيهقي،: "وهذا خبر من رسول اللّه عليه الصلاة والسلام، عما يكون بعده من ردّ المبتدعة حديثه، فوجد تصديقه فيما بعد "؛ ويقول الإمام البيهقي في هذا الصدد:" ولولا ثبوت الحجة بالسنة، لما قال رسول اللّه عليه الصلاة والسلام في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم: " ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع ".
ثم أخرج البيهقي بسنده عن شبيب بن أبي فضالة المكي:" أن عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد، إنكم تحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن !! فغضب عمران فقال للرجل: قرأت القرآن كله؟!! قال: نعم. قال: هل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، و الغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً ؟!! قال: لا. قـال: عمن أخذتم ذلك ؟!! ألستم عنا أخذتموه؟ وأخذناه عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟!! ثم قال: أوجدتم في القرآن من كل أربعين شاة، شاة ؟!! وفي كل كذا بعير، كذا، وفي كل درهم كذا؟!! " إلى آخر ذلك الحوار الحاد الذي أفحم فيه الصحابي الجليل ذلك السائل، الذي تجرأ فسأل ما ليس له، فاستحق التوبيخ والتأديب وفي الوقت نفسه، يدل على مدى ما يكنه سلفنا الصالح، من تقديرهم للسنة النبوية، والذود عنها، ومحبتها، وما من شك أن محبة سننه من محبته عليه الصلاة والسلام، ومحبته من أسس الإيمان، كما لا يخفى؛ والمحبة الصادقة، إنما تتمثل في الاهتمام بسنته علماً وعملاً، وتقديرها والإحتجاج بها، والذود عنها بكل سلاح ممكن ومتيسر.
مكانة السنة عند الخلفاء
ومنها ما أخرجه البيهقي عن طاووس، أن عمر قال:" أذكر الله امرءاً سمع عن النبي عليه الصلاة والسلام في الجنين شيئاً ؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال:" كنت بين جاريتين لي – يعني ضرتين – فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً، فقضى فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام بغرة "، فقال عمر: لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا، إن كدنا نقضي فيه برأينا ". يقول الإمام الشافعي وهو يعلق على هذه الأخبار، وموقف عمر من السنة: قد رجع عمر عما كان يقضي فيه، لحديث الضحاك بن سفيان، فخالف حكم نفسه، وقال في الجنين، إنه لولم يسمع هذه السنّة، لقضى فيه لغيرها، وقال:" إن كدنا نقضي فيه برأينا ".
ومنها، ما أخرجه الشيخان من طريق ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن عمر خرج إلى الشام، فلما جاء " سَرْعْ " [36]، بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:" إذا سمعتم به بأرضٍ، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً "، فرجع عمر من " سرع " قال ابن شهاب:" وأخبرني سالم بن عبد الله بن عمر، أن عمر إنما انصرف بالناس من حديث عبد الرحمن بن عوف ".
ومنها ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:" لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر ".
هذا بعض ما أثر عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وله مواقف أخرى كثيرة ومماثلة، وهو موقف كل صحابي من الخلفاء وغيرهم، وهاك بعض مواقف الخليفة الأول، أبي بكر الصديق، رضي الله عنه :
عن قبيصة بن ذؤيب قال:" جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، لتسأله عن ميراثها، فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء، وما أعلم لك في سنة نبي الله شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال له المغيرة بن شعبة: حضرت رسول اللّه عليه الصلاة والسلام، فأعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال، فأنفذه لها أبو بكر ".
هكذا نتبين من هذا الإستعراض السريع لنصوص أهل العلم ومواقفهم في مختلف العصور، تلك النصوص التي لم نستوعب حتى ثلامَّها؛ نتبين أن الأمة مازالت، ولن تزال متفقة على أن السنة النبوية يجب أن تكون لها مقام معلوم في بيان الأحكام، وأنها حجة قائمة بنفسها، وأنه يجب الرجوع إليها، إذا ثبتت، ولا يجوز الحكم بالاجتهاد والرأي مع ثبوتها، وأنه قد ثبتت بها الأحكام، لولم يرد بها الكتاب، هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى، أنها بيان للقرآن، وتفسير له، ومفصّلة ما أجمل فيه، وهذه المعاني كلها محل إجماع عند من يعتد بأقوالهم، ولا نعلم أحداً خالف هذه القاعدة إلا الزنادقة وغلاة الرافضة الذين لا يتأثر الإجماع بمخالفتهم، بل لا يستشارون إن حضروا، ولا يُسأل عنهم إذا غابوا، لأنهم فارقوا جماعة المسلمين ونابذوهم، واتبعوا غير سبيل المؤمنين، بمواقفهم العدائية لأصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام، ذلك الموقف الذي أدى إلى رد أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام - المصدر الثاني للتشريع الإسلامي- بدعوى أنها رواية قوم كافرين؛ ومن باب ذر الرماد في العيون- عيون السذّج طبعاً- قالوا: نحن نعمل بالقرآن، ونقتصر عليه، وهذا كلام لا ينطلي على أولى النُهى من طلاب العلم، وأهل الإيمان، واللّه الموفق.