(( إشكالات وإجابات ))
أوردها
الشيخ العثيمين -رحمه الله-
في شرحه
للعقيدة الواسطية
جمع وترتيب/ عبد الله بن حميد الفلاسي
________________________
أوردها
الشيخ العثيمين -رحمه الله-
في شرحه
للعقيدة الواسطية
جمع وترتيب/ عبد الله بن حميد الفلاسي
________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول العالمين، أما بعد:أضع بين أيدي أخوتي طلبة العلم - وفقني الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح- بعض الإشكالات التي أوردها الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه للعقيدة الواسطية مع الإجابة عليها، لما في هذه الإشكالات والإجابات من فوائد عظيمة تعين طالب العلم في الرد على أهل الأهواء والبدع.
والله ولي التوفيق .
* * *
الإشكال الأول [1/21]
الجمع بين انفراد الله بالخلق وإثبات الخلق لغير الله
فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت (أي: انفراد الله بالخلق) وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى: ((فتبارك الله أحسن الخالقين)) [المؤمنون: 14]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم" ومثل قوله تعالى في الحديث القدسي: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"، فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟فالجواب:
أن يقال: إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباً.
واستمع إلى قول الله عز وجل: ((يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)) [الحج: 73].
((الذين)): اسم موصول يشمل كل ما يدعى من دون الله من شجر وحجر وبشر وملك وغيره، كل الذين يدعون من دون الله ((لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له)) [الحج: 73]، ولو انفرد كل واحد بذلك، لكان عجزه من باب أولى، ((وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه)) [الحج: 73]، حتى الذين يدعون من دون الله لو سلبهم الذباب شيئاً، ما استطاعوا أن يستنقذوه من هذا الذباب الضعيف، ولو وقع الذباب على أقوى ملك في الأرض، ومص من طيبه، لا يستطيع هذا الملك أن يستخرج الطيب من هذا الذباب، وكذلك لو وقع على طعامه، فإذاً الله عز وجل هو الخالق وحده.
---------------------
الإشكال الثاني [1/23]
الجمع بين انفراد الله بالملك وإثبات الملك لغير الله
فإن قلت: كيف تجمع بين قولك: إن الله منفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، مثل قوله تعالى: ((أو ما ملكتم مفاتحه)) [النور: 61] ((إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)) [المؤمنون: 61]؟ فالجواب:
أن الجمع بينهما من وجهين:
الأول: أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، لأنني أملك ما تحت يدي، ولا أملك ما تحت يدك والملك ملك الله عز وجل، فمن حيث الشمول: ملك الله عز وجل أشمل وأوسع، وهو ملك تام.
الثاني: أن ملكي لهذا الشيء ليس ملكاً حقيقياً أتصرف فيه كما أشاء، وإنما أتصرف فيه كما أمر الشرع، وكما أذن المالك الحقيقي، وهو الله عز وجل، ولو بعت درهماً بدرهمين، لم أملك ذلك، ولا يحل لي ذلك، فإذا ملكي قاصر وأيضاً لا أملك فيه شيئاً من الناحية القدرية، لأن التصرف لله، فلا أستطيع أن أقول لعبدي المريض: ابرأ فيبرأ، ولا أستطيع أن أقول لعبدي الصحيح الشحيح: امرض فيمرض، لكن التصرف الحقيقي لله عز وجل، فلو قال له: ابرأ، برأ، ولو قال: امرض. مرض، فإذا لا أملك التصرف المطلق شرعاً وقدراً، فملكي هنا قاصر من حيث التصرف، وقاصر من حيث الشمول والعموم، وبذلك يتبين لنا كيف كان انفراد الله عز وجل بالملك.
وأما التدبير، فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، كالوجهين السابقين في الملك، ليس كل شيء أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير. وحينئذ يتبين أن قولنا: "إن الله عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير": كلية عامة مطلقة، لا يستثنى منها شيء، لأن كل ما أوردناه لا يعارض ما ثبت لله عز وجل من ذلك.
-------------------
الإشكال الثالث [1/51]
الجمع بين إفراد الله بالألوهية وإثبات الألوهية لغير الله
إذا قال قائل: كيف تقرونها (أي شهادة أن لا إله إلا الله) مع أن الله تعالى يثبت ألوهية غيره، مثل قوله تعالى: ((ولا تدع مع الله إلهاً آخر)) [القصص: 88]، ومثل قوله: ((ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به)) [المؤمنون: 117]، ومثل قوله: ((فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء)) [هود: 101]، ومثل قول إبراهيم: ((أئفكاً آلهة دون الله تريدون)) [الصافات: 86].. إلى غير ذلك من الآيات، كيف تجمع بين هذا وبين الشهادة بأن لا إله إلا الله؟فالجواب:
أن ألوهية ما سوى الله ألوهية باطلة، مجرد تسمية، ((إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)) [النجم: 23]، فألوهيتها باطلة، وهي وإن عبدت وتأله إليها من ضل، فإنها ليست أهلا لأن تعبد، فهي آلهة معبودة، لكنها آلهة باطلة، ((ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل)) [لقمان: 30].
------------------
الإشكال الرابع [1/52]
الجمع بين أن الفرقة الناجية منصورة إلى قيام الساعة وأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق
وهنا يرد إشكال، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الساعة تقوم على شرار الخلق، وأنه لا تقوم حتى لا يقال: الله الله، فكيف تجمع بين هذا وبين قوله: "إلى قيام الساعة" (أي: أن الفرقة الناجية منصورة إلى قيام الساعة)؟! والجواب:
أن يقال: إن المراد: إلى قرب قيام الساعة، لقوله في الحديث: "حتى يأتي أمر الله"، أو: إلى قيام الساعة، أي: ساعتهم، وهو موتهم، لأن من مات فقد قامت قيامته، لكن الأول أقرب، فهم منصورون إلى قرب قيام الساعة، وإنما لجأنا إلى هذا التأويل لدليل، والتأويل بدليل جائز، لأن الكل من عند الله.
----------------
الإشكال الخامس [1/52]
معنى أهل السنة والجماعة
فإن قلت: كيف يقول: "أهل السنة والجماعة"، لأنهم جماعة، فكيف يضاف الشيء إلى نفسه؟!فالجواب:
أن الأصل أن كلمة الجماعة بمعنى الاجتماع، فهي اسم مصدر، هذا في الأصل، ثم نقلت من هذا الأصل إلى القوم المجتمعين، وعليه، فيكون معنى أهل السنة والجماعة، أي: أهل السنة والاجتماع، سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، لأنهم مجتمعون عليها.
ولهذا لم تفترق هذه الفرقة كما افترق أهل البدع، نجد أهل البدع، كالجهمية متفرقين، والمعتزلة متفرقين، والروافض متفرقين، وغيرهم من أهل التعطيل متفرقين، لكن هذه الفرقة مجتمعة على الحق، وإن كان قد يحصل بينهم خلاف، لكنه خلاف لا يضر، وهو خلاف لا يضلل أحدهم الآخر به، أي: أن صدورهم تتسع له، وإلا، فقد اختلفوا في أشياء مما يتعلق بالعقيدة، مثل: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه أم لم يره؟ ومثله: هل عذاب القبر على البدن والروح أو الروح فقط؟ ومثل بعض الأمور يختلفون فيها، لكنها مسائل تعد فرعية بالنسبة للأصول، وليست من الأصول. ثم هم مع ذلك إذا اختلفوا، لا يضلل بعضهم بعضاً، بخلاف أهل البدع.
إذاً فهم مجتمعون على السنة، فهم أهل السنة والجماعة.
وعلم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يدخل فيهم من خالفهم في طريقتهم، فالأشاعرة مثلا والماتريدية لا يعدون من أهل السنة والجماعة في هذا الباب، لأنهم مخالفون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إجراء صفات الله سبحانه وتعالى على حقيقتها، ولهذا يخطئ من يقول: إن أهل السنة والجماعة ثالثة: سلفيون، وأشعريون، وماتريديون، فهذا خطأ، نقول: كيف يمكن الجميع أهل سنة وهم مختلفون؟! فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! وكيف يكونون أهل سنة وكل واحد يرد على الآخر؟! هذا لا يمكن، إلا إذا أمكن الجمع بين الضدين، فنعم، وإلا، فلا شك أن أحدهم وحده هو صاحب السنة، فمن هو؟ الأشعرية، أم الماتريدية، أم السلفية؟
نقول: من وافق السنة، فهو صاحب السنة ومن خالف السنة، فليس صاحب سنة، فنحن نقول: السلف هم أهل السنة والجماعة، ولا يصدق الوصف على غيرهم أبداً والكلمات تعتبر معانيها لننظر كيف نسمى من خالف السنة أهل سنة؟ لا يمكن وكيف يمكن أن نقول عن ثلاث طوائف مختلفة: إنهم مجتمعون؟ فأين الاجتماع؟ فأهل السنة والجماعة هم السلف معتقداً، حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه سلفي.
---------------
الإشكال السادس [1/64]
هل للملائكة عقول؟
إذا قال قائل: هل لهم عقول (أي: الملائكة)؟ الجواب:
نقول: هل لك عقل؟ ما يسأل عن هذا إلا رجل مجنون، فقد قال الله تعالى: ((لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)) [التحريم: 6]، فهل يثني عليهم هذا الثناء وليس لهم عقول؟! ((يسبحون الليل والنهار لا يفترون)) [الأنبياء: 20]، أنقول: هؤلاء ليس لهم عقول؟! يأتمرون بأمر الله، ويفعلون ما أمر الله به ويبلغون الوحي، ونقول: ليس لهم عقول؟! أحق من يوصف بعدم العقل من قال: إنه لا عقول لهم!!
------------------
الإشكال السابع [1/66]
حول نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان
فإن قلت: عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان وهو رسول، فما الجواب؟الجواب:
نقول: هو لا ينزل بشريعة جديدة، وإنما يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا قال قائل: من المتفق عليه أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعيسى يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من أتباعه، فكيف يصح قولنا: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر؟
فالجواب:
أحد ثلاثة وجوه:
أولها: أن عيسى عليه الصلاة والسلام رسول مستقل من أولي العزم ولا يخطر بالبال المقارنة بينه وبين الواحد من هذه الأمة، فكيف بالمفاضلة؟! وعلى هذا يسقط هذا الإيراد من أصله، لأنه من التنطع، وقد هلك المتنطعون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن نقول: هو خير الأمة إلا عيسى.
الثالث: أن نقول: إن عيسى ليس من الأمة، ولا يصح أن نقول: إنه من أمته، وهو سابق عليه، لكنه من أتباعه إذا نزل، لأن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة.
فإن قال قائل: كيف يكون تابعاً، وهو يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل إلا الإسلام مع أن الإسلام يقر أهل الكتاب الجزية؟!.
قلنا: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إقرار له، فتكون من شرعه ويكون نسخاً لما سبق من حكم الإسلام الأول.
---------------
الإشكال الثامن [1/81]
العقل في باب أسماء الله وصفاته
والحاصل أن العقل لا مجال له في باب أسماء الله وصفاته. فإن قلت: قولك هذا يناقض القرآن، لأن الله يقول: ((ومن أحسن من الله حكماً)) [المائدة: 50] والتفضيل بين شيء وآخر مرجعه إلى العقل وقال عز وجل: ((ولله المثل الأعلى)) [النحل: 60] وقال: ((أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون)) [النحل: 17] وأشباه ذلك مما يحيل الله به على العقل فيما يثبته لنفسه وما ينفيه عن الآلهة المدعاة؟
فالجواب:
أن نقول: إن العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فمثلاً: العقل يدرك بأن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات، لكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم أن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات سالماً من النقص.
فمثلاً: يدرك بأنه لابد أن يكون الرب سميعاً بصيراً، قال إبراهيم: ((يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر)) [مريم: 42].
ولابد أن يكون خالقاً، لأن الله قال: ((أفمن يخلق كمن لا يخلق)) [النحل: 17] ((والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً)) [النحل: 20].
يدرك هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون حادثاً بعد العدم، لأنه نقص، ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين يعبدون الأصنام: ((والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون)) [النحل: 20]، إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالعقل.
العقل أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنعة على الله، لأن الرب لابد أن يكون كاملاً فيدرك بأن الله عز وجل مسلوب عنه العجز، لأنه صفة نقص، إذا كان الرب عاجزاً وعصي وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز، فلا يمكن!
إذاً، العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف الله به، والعمى كذلك والصم كذلك والجهل كذلك.... وهكذا على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على السمع.
-----------------
الإشكال التاسع [1/105]
هل بعض الأحاديث فيها تمثيل؟
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بأحاديث تشتبه علينا، هل هي تمثيل أو غير تمثيل؟ ونحن نضعها بين أيديكم:1- قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليل لبدر، لا تضامون في رؤيته"، فقال: "كما" والكاف للتشبيه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن من قاعدتنا أن نؤمن بما قال الرسول كما نؤمن بما قال الله، فأجيبوا عن هذا الحديث؟
نقول: نجيب عن هذا الحديث وعن غيره بجوابين: الجواب الأول مجمل والثاني مفصل.
فالأول المجمل: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي صح عنه أبداً، لأن الكل حق، والحق لا يتعارض، والكل من عند الله، وما عند الله تعالى لا يتناقض ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) [النساء: 82]، فإن وقع ما يوهم التعارض في فهمك، فأعلم أن هذا ليس بحسب النص، ولكن باعتبار ما عندك، فأنت إذا وقع التعارض عندك في نصوص الكتاب والسنة، فإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم، وإما للتقصير في البحث والتدبر، ولو بحثت وتدبرت، لوجدت أن التعارض الذي توهمته لا أصل له، وإما لسوء القصد والنية، بحيث تستعرض ما ظاهره التعارض لطلب التعارض، فتحرم التوفيق، كأهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه.
ويتفرع على هذا الجواب المجمل أنه يجب عليك عند الاشتباه أن ترد المشتبه إلى المحكم، لأن هذه الطريق الراسخين في العلم، قال الله تعالى: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)) [آل عمران: 7]، ويحملون المتشابه على المحكم حتى يبقى النص كله محكماً.
وأما الجواب المفصل، فأن نجيب عن كل نص بعينه فنقول:
إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته" ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه للرؤية بالرؤية، "سترون... كما ترون"، فالكاف في: "كما ترون": داخله على مصدر مؤول، لأن (ما) مصدرية، وتقدير الكلام: كرؤيتكم القمر ليلة البدر وحينئذ يكون التشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة كما ترون القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله: "لا تضامون في رؤيته" أو: "لا تضارون في رؤيته" فزال الإشكال الآن.
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق آدم على صورته"، والصورة مماثلة للأخرى، ولا يعقل صورة إلا مماثلة للأخرى، ولهذا أكتب لك رسالة، ثم تدخلها الآلة الفوتوغرافية، وتخرج الرسالة، فيقال: هذه صورة هذه، ولا فرق بين الحروف والكلمات، فالصورة مطابقة للصورة، والقائل: "إن الله خلق آدم على صورته": الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم وأصدق وأنصح وأفصح الخلق.
والجواب المجمل أن نقول: لا يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)) [الشورى: 11]، فإن يسر الله لك الجمع، فاجمع، وإن لم يتيسر، فقل: ((آمنا به كل من عند ربنا)) [آل عمران: 7]، وعقيدتنا أن الله لا مثيل له، بهذا تسلم أما الله عز وجل.
هذا كلام الله، وهذا كلام رسوله، والكل حق، ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضاً، لأنه كله خبر وليس حكماً كي ينسخ، فأقول: هذا نفي للماثلة، وهذا إثبات للصورة، فقل: إن الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على صورته، فهذا كلام الله، وهذا كلام رسوله والكل حق نؤمن به، ونقول: كل من عند ربنا، ونسكت وهذا هو غاية ما نستطيع.
وأما الجواب المفصل، فنقول: إن الذي قال: "إن الله خلق آدم على صورته" رسول الذي قال: ((ليس كمثله شيء)) [الشورى: 11] والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسل والذي قال: "خلق آدم على صورته": هو الذي قال: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر"، فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمل واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه؟! فإن قلت بالأول، فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه! وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار وإن قلت بالثاني، زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فإن أبى فهمك، وتقاصر عن هذا، وقال: أنا لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا: هناك جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فقوله: "على صورته"، مثل قوله عز وجل في آدم: ((ونفخت فيه من روحي)) [ص: 72]، ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله عز وجل، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف، كما نقول: عباد الله، يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد والصديق والنبي لكننا لو قلنا: محمد عبد الله، هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة.
فقوله: "خلق آدم على صورته"، يعني: صورة من الصور التي خلقها الله وصورها، كما قال تعالى: ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)) [الأعراف: 11]، والمصور أدم إذاً، فآدم على صورة الله، يعني: أن الله هو الذي صوره على هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) [التين: 4]، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف، كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك، لا تضرب الوجه، فتعيبه حساً، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فتعيبه معنى، فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً، لا تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه الله إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه، فهو من المخلوقات، فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال لقائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون أدم عليها؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
----------------
الإشكال العاشر [1/130]
هل وجود الله كوجود الإنسان ؟
لو قال لك قائل: الله موجود، والإنسان موجود، ووجود الله كوجود الإنسان بالقياس.الجواب:
فنقول: لا يصح، لأن وجود الخالق واجب، ووجود الإنسان ممكن.
فلو قال: أقيس سمع الخالق على سمع المخلوق.
نقول: لا يمكن، سمع الخالق واجب له، لا يعتريه نقص، وهو شامل لكل شيء، وسمع الإنسان ممكن، إذ يجوز أن يولد الإنسان أصم، والمولود سمعياً يلحقه نقص السمع، وسمع محدود.
إذا، لا يمكن أن يقاس الله بخلقه، فكل صفات الله لا يمكن أن تقاس بصفات خلقه، لظهور التباين العظيم بين الخالق وبين المخلوق.
-------------
الإشكال الحادي عشر [1/135]
هل يصح تفسير يدي الله بالنعمة أو القدر ؟
إذا قلت: المراد بهما النعمة أو القدرة (أي: يدي الله).قلنا: لا يمكن أن يكون هذا هو المراد، إلا إذا اجترأت على ربك، ووصفت كلامه بضد الأوصاف الأربعة التي قلنا، فنقول: هل الله عز وجل حينما قال: ((بيدي)) عالم بأن له يدين؟ فسيقول: هو عالم. فنقول: هل هو صادق؟ فسيقول: هو صادق بلا شك. ولا يستطيع أن يقول: هو غير عالم أو غير صادق، ولا أن يقول: عبر بهما وهو يريد غيرهما عياً وعجزاً، ولا أن يقول: أراد من خلقه أن يؤمنوا بما ليس فيه من الصفات إضلالاً لهم! فنقول له: إذاً، ما الذي يمنعك أن تثبت لله اليدين؟! فاستغفر ربك، وتب إلي، وقل: آمنت بما أخبر الله به عن نفسه، لأنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره، وأتم إرادة من غيره أيضاً.
--------------
الإشكال الثاني عشر [1/142]
إثبات الوجه لله
لو أثبتنا لله وجهاً، لزم أن يكون مماثلاً لأوجه المخلوقين، وحينئذ يجب تأويل معناه إلى معنى آخر لا إلى الوجه الحقيقي.فنقول لهم: كل ما أثبت الله لنفسه من الصفات، فهو صفة كمال ولا يمكن أبداً أن يكون فيما أثبته الله لنفسه من الصفات نقص.
--------------
الإشكال الثالث عشر [1/161]
هل استواء الله على عرشه بمعنى افتقاره إلى العرش؟
لو قال لك قائل: إن الله استوى على العرش، هل استواؤه على العرش بمعنى أنه مفتقر إلى العرش بحيث لو أزيل لسقط؟فالجواب: لا، كلا، لأن الله صمد كامل غير محتاج إلى العرش، بل العرش والسماوات والكرسي والمخلوقات كلها محتاجة إلى الله، والله في غنيً عنها، فنأخذه من كلمة ((الصمد)).
لو قال قائل: هل الله يأكل أو يشرب؟
أقول: كلا، لأن الله صمد.
وبهذا نعرف أن ((الصمد)) كلمة جامعة لجميع صفات الكمال لله، وجامعة لجميع صفات النقص في المخلوقات، وأنها محتاجة إلى الله عز وجل.
--------------
الإشكال الرابع عشر [1/167]
هل تعتبر صفات الكمال بالنسبة للمخلوق صفات كمال لخالق؟
لو قال قائل: النوم: في الإنسان كمال، ولهذا إذا لم ينم عد مريضاً .فنقول: كالأكل في الإنسان كمال، ولو لم يأكل عد مريضاً، لكن هو كمال من وجه ونقص من وجه آخر، كمال لدلالته على صحة البدن واستقامته، ونقص لأن البدن محتاج إليه وهو في الحقيقة نقص.
إذا، ليس كل كمال نسبي بالنسبة للمخلوق يكون كمالاً للخالق، كما أنه ليس كل كمال في الخالق يكون كمالاً في المخلوق، فالتكبر كمال في الخالق نقص في المخلوق، والأكل والشرب والنوم كمال في المخلوق نقص في الخالق، ولهذا قال الله تعالى عن نفسه: ((وهو يُطعِمُ ولا يُطعَمُ)) [الأنعام:14].
------------
الإشكال الخامس عشر [1/170]
ما فائدة الشفاعة والله يعلم أن المشفوع له ينجو؟
إذا قال قائل: ما فائدة الشفاعة إذا كان الله تعالى قد علم أن هذا المشفوع له ينجو؟فالجواب: أن الله سبحانه وتعالى يأذن بالشفاعة لمن يشفع من أجل أن يكرمه وينال المقام المحمود.
----------------
الإشكال السادس عشر [1/187]
عند قوله تعالى: ((وتوكل الحي الذي لا يموت)) [الفرقان:58]
لو قال قائل: لماذا لم تكن الآية: وتوكل على القوي العزيز، لأن القوة والعزة أنسب فيما يبدو؟!فالجواب: أنه لما كانت الأصنام التي يعتمد عليها هؤلاء بمنزلة الأموات، كما قال تعالى: ((والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون)) [النحل:20-21]، فقال: توكل على من ليس صفته كصفة هذه الأصنام، وهو الحي الذي لا يموت، على أنه قال في آية أخرى: ((وتوكل على العزيز الرحيم)) [الشعراء:217]، لأن العزة أنسب في هذا السياق.
ووجه آخر: أن الحي اسم يتضمن جميع الصفات الكاملة في الحياة، ومن كمال حياته عز وجل أنه أهل لأن يعتمد عليه.
---------------
الإشكال السابع عشر [1/199]
عند قوله تعالى: ((وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه))
((ما)): نافية.((أنثى)): فاعل ((تحمل)) لكنه معرب بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
وهنا إشكال: كيف تقول زائد، وليس في القرآن زائد.؟
الجواب: أنه زائد من حيث الإعراب، أما من حيث المعنى، فهو مفيد وليس في القرآن شئ زائد لا فائدة منه، ولهذا نقول: هو زائد، زائد بمعنى أ،ه لا يخل بالإعراب إذا حذف، زائد من حيث المعنى يزيد فيه.
-------------
الإشكال الثامن عشر [1/214]
الجمع بين نفي القوة إلا بالله وإثبات القوة لغير الله
فإن قيل: ما الجمع بين عموم نفي القوة إلا بالله، وبين قوله تعالى: ((الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة)) [الروم:54]، وقال عن عاد: ((وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)) [فصلت: 15]، ولم يقل: لا قوة فيهم، فأثبت للإنسان قوة.فالجواب: أن الجمع بأحد الوجهين:
الأول: أن القوة التي في المخلوق كانت من الله عز وجل، فلولا أن الله أعطاه القوة، لم يكن قوياً، فالقوة التي عند الإنسان مخلوقة لله، فلا قوة في الحقيقة إلا بالله.
الثاني: أن المراد بقوله: ((لا قوة)) أي: لا قوة كاملة إلا بالله عز وجل.
--------------
الإشكال التاسع عشر [1/260]
الرضى صفة ثابتة لله
رضى الله صفة ثابتة لله عز وجل، وهي في نفسه، وليست شيئاً منفصلاً عنه: كما يدعيه أهل التعطيل. ولو قال لك قائل: فسر لي الرضى. لم تتمكن من تفسيره، لأن الرضى صفة في الإنسان غريزية، والغرائز لا يمكن لإنسان أن يفسرها بأجلي وأوضح من لفظها. فنقول: الرضى صفة في الله عز وجل، وهي صفة حقيقية، متعلقة بمشيئته، فهي من الصفات الفعلية، يرضى عن المؤمنين وعن المتقين وعن المقسطين وعن الشاكرين ولا يرضى عن القوم الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يرضى عن المنافقين، فهو سبحانه وتعالى يرضى عن أناس ولا يرضى عن أناس، ويرضى أعمالاً ويكره أعمالاً.
ووصف الله تعالى بالرضى ثابت بالدليل السمعي، كما سبق، وبالدليل العقلي، فإن كونه عز وجل يثيب الطائعين ويجزيهم على أعمالهم وطاعاتهم يدل على الرضى.
فإن قلت: استدلالك بالمثوبة على رضى الله عز وجل قد ينازع فيه، لأن الله سبحانه قد يعطي الفاسق من النعم أكثر مما يعطي الشاكل. وهذا إيراد قوي.
ولكن الجواب عنه أن يقال: إعطاؤه الفاسق المقيم على معصيته استدراج، وليس عن رضى:
كما قال تعالى: ((والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين)) [الأعراف: 182-183].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه، لم يفلته"، وتلا قوله تعالى: ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)) [هود: 102].
وقال تعالى: ((فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)) [الأنعام: 44-45].
أما إذا جاءت المثوبة والإنسان مقيم على طاعة الله، فإننا نعرف أن ذلك صادر عن رضى الله عنه.
---------------
الإشكال العشرون [1/304]
الرد على من شبه يد الله بأيدي المخلوقين
فإذا قال قائل: أنتم تثبتون أن لله تعالى يداً حقيقية، ونحن لا نعلم من الأيدي إلا أيادي المخلوقين، فيلزم من كلامكم تشبيه الخالق بالمخلوق. فالجواب:
أن نقول: لا يلزم من إثبات اليد لله أن نمثل الخالق بالمخلوقين، لأن إثبات اليد جاء في القرآن والسنة وإجماع السلف، ونفى مماثلة الخالق للمخلوقين يدل عليه الشرع والعقل والحس:
- أما الشرع، فقوله تعالى: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) [الشورى: 11].
- وأما العقل، فلا يمكن أن يماثل الخالق المخلوق في صفاته، لأن هذا يعد عيباً في الخالق.
- وأما الحس، فكل إنسان يشاهد أيدي المخلوقات متفاوتة ومتباينة من كبير وصغير، وضخم ودقيق.. إلخ، فيلزم من تباين أيدي المخلوقين وتفاوتهم مباينة يد الله تعالى لأيدي المخلوقين وعدم مماثلته لهم سبحانه وتعالى من باب أولى.
هذا، وقد خالف أهل السنة والجماعة في إثبات اليد لله تعالى أهل التعطيل من المعتزلة والجهمية والأشعرية ونحوهم، وقالوا: لا يمكن أن نثبت لله يداً حقيقية، بل المراد باليد أمر معنوي، وهو القوة!! أو المراد باليد النعمة لأن اليد تطلق في اللغة العربية على القوة وعلى النعمة.
------------
الإشكال الحادي والعشرون [1/314]
عند قوله تعالى: ((واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا))
إن من السلف من فسر قوله تعالى: ((بأعيننا))، بقوله: بمرأى منا. فسره بذلك أئمة سلفيون معروفون، وأنتم تقولون: إن التحريف محرم وممتنع، فما الجواب؟ فالجواب: أنهم فسروها باللازم، مع إثبات الأصل، وهي العين، وأهل التحريف يقولون: بمرأى منا، بدون إثبات العين، وأهل السنة والجماعة يقولون: ((بأعيننا)): بمرأى منا، ومع إثبات العين.
لكن ذكر العين هنا أشد توكيداً وعناية من ذكر مجرد الرؤية، ولهذا قال: ((فإنك بأعيننا)).
قالت المعطلة: أجلبتم علينا بالخيل والرجل في إنكاركم علينا التأويل، وأنتم أولتم فأخرجتم الآية عن ظاهرها، فالله يقول: ((فإنك بأعيننا))، فخذوا بالظاهر، وإذا أخذتم بالظاهر، كفرتم، وإذا لم تأخذوا بالظاهر، تناقضتم، فمرة تقولون: يجوز التأويل، ومرة تقولون: لا يجوز التأويل، وتسمونه تحريفاً، وهل هذا إلا تحكم بدين الله؟
قلنا: نأخذ بالظاهر، وعلى العين والرأس، وهو طريقتنا، ولا نخالفه.
قالوا: الظاهر من الآية أن محمد صلى الله عليه وسلم بعين الله، وسط العين، كما تقول: زيد بالبيت. زيد بالمسجد، فالباء للظرفية، فيكون زيد داخل البيت وداخل المسجد، فيكون قوله: ((بأعيننا))، أي: داخل أعيننا وإذا قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلاً للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به، تناقضتم؟
قلنا لهم: معاذ الله ثم معاذ الله ثم معاذ الله أن يكون ما ذكرتموه ظاهر القرآن، وأنتم إن اعتقدتم أن هذا ظاهر القرآن، كفرتم، لأن من اعتقد أن ظاهر القرآن كفر وضلال، فهو كافر ضال.
فأنتم توبوا إلى الله من قولكم: إن هذا هو ظاهر اللفظ واسألوا جميع أهل اللغة من الشعراء والخطباء: هل يقصدون بمثل هذه العبارة أن الإنسان المنظور إليه بالعين حال في جفن العين؟ اسألوا من شئتم من أهل اللغة أحياء وأمواتاً !!
فأنت إذا رأيت أساليب اللغة العربية، عرفت أن هذا المعنى الذي ذكروه وألزمونا به لا يرد في اللغة العربية، فضلاً عن أن يكون مضافاً إلى الرب عز وجل، فإضافته إلى الرب كفر منكر، وهو منكر لغة وشرعاً وعقلاً.
فإن قيل: بماذا تفسرون الباء في قوله: ((بأعيننا))؟
قلنا: نفسرها بالمصاحبة، إذا قلت: أنت بعيني، يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك، فالمعنى: أن الله عز وجل بقول لنبيه: أصبر لحكم الله، فإنك محوط بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.
ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية، لأنه يقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين الله، وهذا محال .
وأيضاً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بذلك وهو في الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله كانت دلالة القرآن كذباً.
وهذا وجه آخر في بطلان دعوى أن ظاهر القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عين الله تعالى.
--------------
الإشكال الثاني والعشرون [1/385]
هل يلزم أن الله قبل خلق السماوات ليس عالياً؟
إذا قلنا: استوى على العرش ؛ بمعنى : علا ؛ فها هنا سؤال ، وهو: إن الله خلق السماوات، ثم استوى على العرش؛ فهل يستلزم أنه قبل ذلك ليس عالياً؟فالجواب: لا يستلزم ذلك؛ لأن الاستواء على العرش أخص من مطلق العلو ؛ لأن الاستواء على العرش علو خاص به، والعلو شامل على جميع المخلوقات ؛ فعلوه عز وجل ثابت له أزلاً وابداً ، لم يزل عالياً على كل شيء قبل أن يخلق العرش ، ولا يلزم من عدم استوائه على العرش عدم علوه، بل هو عال ، ثم بعد خلق السماوات والأرض علا علواً خاصاً على العرش.
فإن قلت: نفهم من الآية الكريمة أنه حين خلق السماوات والأرض ليس مستوياً على العرش ، لكن قبل خلق السماوات والأرض ، هل هو مستو على العرش أولاً؟
فالجواب: الله أعلم بذلك.
فإن قلت: هل استواء الله تعالى على عرشه من الصفات الفعلية أو الذاتية؟
فالجواب: أنه من الصفات الفعلية ؛ لأنه يتعلق بمشيئته ، وكل صفة تتعلق بمشيئته ؛ فهي من الصفات الفعلية.
--------------
الإشكال الثالث والعشرون [1/397]
عند قوله تعالى: ((أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير))
والشاهد من هذه الآية هو قوله :((من في السماء)).والذي في السماء هو الله عز وجل، وهو دليل على علو الله بذاته.
ولكن هاهنا إشكال، وهو أن (في) للظرفية، فإذا كان الله في السماء، و(في) للظرفيه، فإن الظرف محيط بالمظروف ! أرأيت لو قلت: الماء في الكأس، فالكأس محيط بالماء وأوسع من الماء! فإذا كان الله يقول: ((أأمنتم من في السماء))، فهذا ظاهره أن السماء محيطة بالله، وهذا الظاهر باطل، وإذا كان الظاهر باطلاً، فإننا نعلم علم اليقين أنه غير مراد لله، لأنه لا يمكن أن يكون ظاهر الكتاب والسنة باطلاً.
فما الجواب على هذا الإشكال؟
قال العلماء: الجواب أن نسلك أحد طريقين:
1- فإما أن نجعل السماء بمعني العلو، والسماء معني العلو وارد في اللغة، بل في القرآن ، قال تعالي: ((أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها)) [ الرعد: 17]، والمراد بالسماء العلو، لأن الماء ينزل من السحاب لا من السماء التي هي السقف المحفوظ، والسحاب في العلو بين السماء والأرض، كما قال الله تعالي: ((والسحاب المسخر بين السماء والأرض)) [ البقرة: 164].
فيكون معني ((من في السماء))، أي: من في العلو.
ولا يوجد إشكال بعد هذا، فهو في العلو. ليس يحاذيه شيء، ولا يكون فوقه شيء.
2- أو نجعل ( في ) بمعني ( على ) ، ونجعل السماء هي السقف المحفوظ المرفوع، يعني: الآجرام السماوية، وتأتي ( في ) بمعني ( على) في اللغة العربية، بل في القرآن الكريم، قال فرعون لقومه السحرة الذين آمنوا: ((ولأصلبنكم في جذوع النخل)) [ طه: 71] ، أي: على جذوع النخل.
فيكون معني ((من في السماء ))، أي: من على السماء.
ولا إشكال بعد هذا.
فإن قلت: كيف تجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالي: ((وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله)) [ الزخرف: 84]، وقوله: ((وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم )) [ الأنعام: 3 ] ؟!
فالجواب: أن نقول: أما الآية الأولي، فإن الله يقول: ((وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله))، فالظرف هنا لألوهيته، يعني: أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض، كما تقول: فلان أمير في المدينة ومكة، فهو نفسه في واحدة منهما، وفيهما جميعاً بإمارته وسلطته، فالله تعالى ألوهيته في السماء وفي الأرض، وأما هو عز وجل ففي السماء.
أما الآية الثاني: ((وهو الله في السموات وفي الأرض)) فنقول فيها كما قلنا في التي قبلها: ((وهو الله))، أي: وهو الإله الذي ألوهيته في السماوات وفي الأرض، أما هو نفسه، ففي السماء.
فيكون المعني: هو المألوه في السماوات المألوه في الأرض، فألوهيته في السماوات وفي الأرض.
فتخرج هذه الآية كتخريج التي قبلها.
وقيل المعني: ((وهو الله في السموات))، ثم تقف، ثم تقرأ: ((وفي الأرض يعلم سركم وجهركم))، أي أنه نفسه في السماوات، ويعلم سركم وجهركم في الأرض، فليس كونه في السماء مع علوه بمانع من علمه بسركم وجهركم في الأرض.
وهذا المعني فيه شيء من الضعف، لأنه يقتضي تفكيك الآية وعدم ارتباط بعضها ببعض، والصواب الأول: أن نقول: ((وهو الله في السموات وفي الأرض))، يعني أن ألوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض، فتطابق الآية الأخرى.
-------------
الإشكال الرابع والعشرون [2/68]
أفعال العباد
عندنا إشكال: كيف تكون (أفعال العباد) خلقاً لله وهي فعل الإنسان؟والجواب:
أن أفعال العباد صدرت بإرادة وقدرة، والذي خلق فيه الإرادة والقدرة هو الله عز وجل.
ولو شاء الله تعالى، لسلبك القدرة فلم تستطع.
ولو أن أحداً قادراً لم يرد فعلاً، لم يقع الفعل منه.
كل إنسان قادر يفعل الفعل، فإنه بإرادته، اللهم إلا من أكره.
فنحن نفعل باختيارنا وقدرتنا، والذي خلق فينا الاختيار والقدرة هو الله.
------------
الإشكال الخامس والعشرون [2/123]
عن عذاب القبر
فإن قال قائل: لو أن هذا الرجل تمزق أوصالاً، وأكلته السباع، وذرته الرياح، فكيف يكون عذابه، وكيف يكون سؤاله؟!فالجواب:
أن الله عز وجل على كل شيء قدير، وهذا أمر غيبي، فالله عز وجل قادر على أن يجمع هذه الأشياء في عالم الغيب، وإن كنا نشاهدها في الدنيا متمزقة متباعدة، لكن في عالم الغيب ربما يجمعها الله:
فانظر إلى الملائكة تنزل لقبض روح الإنسان في المكان نفسه، كما قال تعالى ((ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون)) [الواقعة:58] ومع ذلك لا نبصرهم.
وملك الموت يكلم الروح، ونحن لا نسمع.
وجبريل يتمثل أحياناً للرسول عليه الصلاة والسلام، ويكلمه بالوحي في نفس المكان، والناس لا ينظرون ولا يسمعون.
فعالم الغيب لا يمكن أبداً أن يقاس بعالم الشهادة، وهذه من حكمة الله عز وجل، فنفسك التي في جوفك ما تدري كيف تتعلق ببدنك؟! كيف هي موزعة على البدن؟! وكيف تخرج منك عند النوم؟! وهل تحس بها عند استيقاظك بأنها ترجع؟! ومن أين تدخل لجسمك؟!
فالعالم الغيب ليس فيه إلا التسليم، ولا يمكن فيه القياس إطلاقاً، فالله عز وجل قادر على أن يجمع هذه المتفرقات من البدن المتمزق الذي ذرته الرياح، ثم يحصل عليه المسألة والعذاب أو النعيم، لأن الله سبحانه على كل شيء قدير.
---------------
الإشكال السادس والعشرون [2/135]
حول دنو الشمس من الخلائق يوم القيامة
قد يقول قائل: المعروف الآن أن الشمس لو تدنو بمقدار شعرة عن مستوى خطها، لأحرقت الأرض، فكيف يمكن أن تكون في ذلك اليوم بهذا المقدار من البعد، ثم لا تحرق الخلق؟فالجواب على ذلك: أن الناس يحشرون يوم القيامة، ليسوا على القوة التي هم عليها الآن، بل هم أقوى وأعظم وأشد تحملاً.
لو أن الناس الآن وقفوا خمسين يوماً في شمس لا ظل ولا أكل ولا شرب، فلا يمكنهم ذلك، بل يموتون! لكن يوم القيامة يبقون خمسين ألف سنة، لا أكل ولا شرب ولا ظل، إلا من أظله الله عز وجل، ومع ذلك يشاهدون أهوالاً عظيمة، فيتحملون.
واعتبر بأهل النار، كيف يتحملون هذا التحمل العظيم ((كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها)) [النساء:56].
وبأهل الجنة، ينظر الإنسان إلى ملكه مسيرة ألف عام إلى أقصاه، كما ينظر إلى أدناه، كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
-------------------
الإشكال السابع والعشرون [2/188]
القضاء والقدر
فإن قال قائل: متى قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا، فإن هذا يعارض قوله تعالى: ((وخلق كل شيء فقدره تقديرا)) [الفرقان:2] فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
- إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى: ((فألقى السحرة سجدا قالوا أمنا برب هارون وموسى)) [طه:70] لتتناسب الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
- أو نقول: إن التقدير هنا بمعنى التسوية، أي: خلقه على قدر معين، كقوله تعالى: ((الذي خلق فسوى)) [الأعلى:2] فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول، لأنه يطابق تماماً لقوله تعالى: ((الذي خلق فسوى))، فلا إشكال.
-----------
الإشكال الثامن والعشرون [2/191]
الإيمان بالقدر خيره وشره
إن قيل: كيف يقال: إن في قدر الله شراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الشر ليس إليه" ؟ .فالجواب على ذلك أن يقال: الشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله له، لكنه باعتبار المقدور له، لأن الدنيا قدراً هو التقدير ومقدوراً، كما أنه هناك خلقاً ومخلوقاً وإرادة ومراداً، فباعتبار تقدير الله له ليس بشر، بل هو خير، حتى وإن كان لا يلائم الإنسان ويؤذيه ويضره، لكن باعتبار المقدور، فنقول: المقدور إما خير وإما شر، فالقدر خيره وشره يراد به المقدور خيره وشره.
ونضرب لهذا مثلاً في قوله تعالى: ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا)) الروم:41].
ففي هذه الآية بين الله عز وجل ما حدث من الفساد وسببه والغاية منه، فالفساد شر، وسببه عمل الإنسان السيء، والغاية منه: ((ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)).
فكون الفساد يظهر في البر والبحر فيه حكمة، فهو نفسه شر، لكن لحكمة عظيمة، بها يكون تقديره خيراً.
كذلك المعاصي والكفر شر، وهو من تقدير الله لكن، لحكمة عظيمة، لولا ذلك لبطلت الشرائع، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً.
وهذا ما تيسر لي جمعه من الإشكالات التي أوردها الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه للعقيدة الواسطية، ولا أدعي أني أحصيت جميع الإشكالات، ولكن بعضها.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق