الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ؛ أما بعد :
فقد كنت أدرس في المسجد النبوي بعض الطلاب ؛ وإذ بمسألة في العقيدة تتعلق بالمشيئة يذكر أحد الطلاب أنه من المقطوع به عند العلماء أن المشيئة لا تنقسم ؛ بل هي قسم واحد هو : المشيئة القدرية الكونية ؛ ولا يوجد ما يسمى : بالمشيئة الشرعية !
فقلت له : من قال بهذا من أهل العلم الذين تعرفهم ؟
فقال : ابن عثيمين ومن قبله ابن إبراهيم – رحمهما الله تعالى - والفوزان والعباد – حفظهما الله - وغيرهم .
فقلت له : هذا القول بناء على أي شيء ذكروه ؟
فقال : الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة .
فقلت : هذا الاستقراء غير صحيح ! فإن السنة النبوية الصحيحة
تشهد بأن هناك : مشيئة شرعية !
فقال : هات هذه النصوص .
فقلت له :
1- حديث حَفْصَةَ : ( إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية ) : أخرجه أحمد (6/285 ، رقم 26483) ، وابن ماجه (2/1431 ، رقم4281) ، والطبرانى (23/206 ، رقم 35 . وأخرجه أيضًا : ابن أبى عاصم (2/414 ، رقم 860) وهو حديث صحيح صححه الألباني في ( صحيح ابن ماجة ) برقم 3454 .
وحتى يسهل فهم المشيئة الشرعية في هذا الحديث يمكن لنا أن نعيد صياغته بلفظ آخر كالتالي :
( إذا شاء الله ألا يدخل أحداً من أصحابي النار أشهده بدراً
والحديبية ) .
أو : ( بمشيئة الله لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية ) .
2 – عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : أخبرتني أم مُبَشِّر أنها سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:
( لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أصحاب الشَّجَرَةِ أحَدُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ) : رواه مسلم برقم 2496 .
وهذا يمكن صياغته كالتالي :
( بمشيئة الله فلن يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة ممن بايع تحتها ) .
3 – حديث أبي هريرة في سؤال الملك للميت :
( عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ الله ) : رواه أحمد 2/364 و 6/139 و"ابن ماجة" 4262 و4268 وصححه الألباني في ( صحيح ابن ماجة ) برقم 3443
وهذا يمكن صياغته كالتالي :
( إذا شاء الله لعبد أن يبعثه على اليقين أعاشه على اليقين وأماته على اليقين ) .
4– حديث أبي هريرة : ( لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وإنى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة فهى نائلة - إن شاء الله - من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا ً ) : رواه مسلم برقم 198 .
وهذا يمكن صياغته كالتالي :
( إذا شاء الله أن تنال شفاعتي عبداً جاء يوم القيامة غير مشرك بالله شيئاً ) أو
( بمشيئة الله ستنال شفاعتي من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً ) .
5 – حديث أبي الدرداء :
(لا يدع رجل منكم أن يعمل لله ألف حسنة ، فإنه لن يعمل , إن شاء الله , مثل ذلك في يومه من الذنوب ويكون ما عمل من خير سوى ذلك وافرًا ) : رواه أحمد 5 /199 و 6 / 440
وهذا مع ضعف سنده إلا أن المعنى فيه واضح وصحيح من جهة إثبات المشيئة الشرعية ؛ فيشهد له كل ما تقدم في ذلك .
ويمكن صياغته كما يلي :
( إذا شاء الله لعبد ألا يعمل في يومه ذنباً وأن يصيب مع ذلك خيراً جعله يسبح الله مائة مرة ) .
هذا وقد قال بالمشيئة الشرعية كذلك – بحمد الله تعالى – ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }
قال رحمه الله : فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } فمشيئته تعالى الشرعية منتفية ؛ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأما مشيئته الكونية ، وهي تمكينهم من ذلك قدراً ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ) . ( تفسير ابن كثير ) 4 / 570
وكل من قال بعدم القسمة للمشيئة وادعى أنها كونية فقط ولا تأتي بحال من الأحوال شرعية ؛ فإنه أتي من قبل عدم الاستقراء التام لنصوص السنة ؛ بل كان الاستقراء صحيحاً في نصوص الكتاب فقط دون السنة ؛ وإلا فأين هم من هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة ؟!
ومن الإنصاف القول بأن العلامة الفوزان قد أنصف حينما قال عن ابن كثير بأنه مفسر سلفي وأنه لو أتى بدليل على كلامه لقبل منه .
فها هو الدليل بين يديك – أيها القاريء الكريم – من عدة أحاديث صحيحة صريحة بحمد الله تعالى ؛ بل أقول : لو كان الوارد دليلاً واحداً منها لكفى في إقامة الحجة وبيان المحجة ؛ فكيف وهي عدة أحاديث !
فاللهم ! تقبل مني هذا البحث الذي أزعم أنه مما لم أسبق إليه ؛ ولله الحمد من قبل ومن بعد
http://www.albaidha.net/vb/showthread.php?p=117152
فقد كنت أدرس في المسجد النبوي بعض الطلاب ؛ وإذ بمسألة في العقيدة تتعلق بالمشيئة يذكر أحد الطلاب أنه من المقطوع به عند العلماء أن المشيئة لا تنقسم ؛ بل هي قسم واحد هو : المشيئة القدرية الكونية ؛ ولا يوجد ما يسمى : بالمشيئة الشرعية !
فقلت له : من قال بهذا من أهل العلم الذين تعرفهم ؟
فقال : ابن عثيمين ومن قبله ابن إبراهيم – رحمهما الله تعالى - والفوزان والعباد – حفظهما الله - وغيرهم .
فقلت له : هذا القول بناء على أي شيء ذكروه ؟
فقال : الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة .
فقلت : هذا الاستقراء غير صحيح ! فإن السنة النبوية الصحيحة
تشهد بأن هناك : مشيئة شرعية !
فقال : هات هذه النصوص .
فقلت له :
1- حديث حَفْصَةَ : ( إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية ) : أخرجه أحمد (6/285 ، رقم 26483) ، وابن ماجه (2/1431 ، رقم4281) ، والطبرانى (23/206 ، رقم 35 . وأخرجه أيضًا : ابن أبى عاصم (2/414 ، رقم 860) وهو حديث صحيح صححه الألباني في ( صحيح ابن ماجة ) برقم 3454 .
وحتى يسهل فهم المشيئة الشرعية في هذا الحديث يمكن لنا أن نعيد صياغته بلفظ آخر كالتالي :
( إذا شاء الله ألا يدخل أحداً من أصحابي النار أشهده بدراً
والحديبية ) .
أو : ( بمشيئة الله لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية ) .
2 – عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : أخبرتني أم مُبَشِّر أنها سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:
( لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أصحاب الشَّجَرَةِ أحَدُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ) : رواه مسلم برقم 2496 .
وهذا يمكن صياغته كالتالي :
( بمشيئة الله فلن يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة ممن بايع تحتها ) .
3 – حديث أبي هريرة في سؤال الملك للميت :
( عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ الله ) : رواه أحمد 2/364 و 6/139 و"ابن ماجة" 4262 و4268 وصححه الألباني في ( صحيح ابن ماجة ) برقم 3443
وهذا يمكن صياغته كالتالي :
( إذا شاء الله لعبد أن يبعثه على اليقين أعاشه على اليقين وأماته على اليقين ) .
4– حديث أبي هريرة : ( لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وإنى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة فهى نائلة - إن شاء الله - من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا ً ) : رواه مسلم برقم 198 .
وهذا يمكن صياغته كالتالي :
( إذا شاء الله أن تنال شفاعتي عبداً جاء يوم القيامة غير مشرك بالله شيئاً ) أو
( بمشيئة الله ستنال شفاعتي من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً ) .
5 – حديث أبي الدرداء :
(لا يدع رجل منكم أن يعمل لله ألف حسنة ، فإنه لن يعمل , إن شاء الله , مثل ذلك في يومه من الذنوب ويكون ما عمل من خير سوى ذلك وافرًا ) : رواه أحمد 5 /199 و 6 / 440
وهذا مع ضعف سنده إلا أن المعنى فيه واضح وصحيح من جهة إثبات المشيئة الشرعية ؛ فيشهد له كل ما تقدم في ذلك .
ويمكن صياغته كما يلي :
( إذا شاء الله لعبد ألا يعمل في يومه ذنباً وأن يصيب مع ذلك خيراً جعله يسبح الله مائة مرة ) .
هذا وقد قال بالمشيئة الشرعية كذلك – بحمد الله تعالى – ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }
قال رحمه الله : فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } فمشيئته تعالى الشرعية منتفية ؛ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأما مشيئته الكونية ، وهي تمكينهم من ذلك قدراً ، فلا حجة لهم فيها ؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ) . ( تفسير ابن كثير ) 4 / 570
وكل من قال بعدم القسمة للمشيئة وادعى أنها كونية فقط ولا تأتي بحال من الأحوال شرعية ؛ فإنه أتي من قبل عدم الاستقراء التام لنصوص السنة ؛ بل كان الاستقراء صحيحاً في نصوص الكتاب فقط دون السنة ؛ وإلا فأين هم من هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة ؟!
ومن الإنصاف القول بأن العلامة الفوزان قد أنصف حينما قال عن ابن كثير بأنه مفسر سلفي وأنه لو أتى بدليل على كلامه لقبل منه .
فها هو الدليل بين يديك – أيها القاريء الكريم – من عدة أحاديث صحيحة صريحة بحمد الله تعالى ؛ بل أقول : لو كان الوارد دليلاً واحداً منها لكفى في إقامة الحجة وبيان المحجة ؛ فكيف وهي عدة أحاديث !
فاللهم ! تقبل مني هذا البحث الذي أزعم أنه مما لم أسبق إليه ؛ ولله الحمد من قبل ومن بعد
http://www.albaidha.net/vb/showthread.php?p=117152
تعليق