باب لا يُردّ من سأل الله
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ( : «وَمَنْ سَأَلَ بالله فأَعْطُوهُ، مَنِ اسْتَعَاذَ بالله فأَعِيذُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُم فأَجِيبُوهُ, وَمَن صَنَعَ إِلَيْكُم مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ, فإِنْ لَم تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ». رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.
[الشرح]
(باب لا يردّ من سأل بالله) هذا الباب مع الباب الذي قبله ومع ما سبق -كما ذكرنا- كلها في تعظيم الله جل وعلا وربوبيته وأسمائه وصفاته؛ لأن تعظيم ذلك من إكمال التوحيد ومن تحقيق التوحيد.
ومن سأل بالله جل جلاله فقد سأل بعظيم، ومن استعاذ بالله فقد استعاذ بعظيم؛ بل استعاذ بمن له هذا الملكوت وله تدبير الأمر بمن كل ما تراه وما لا تراه عبدٌ له جل وعلا، فكيف يرد من جعل مالك كل شيء وسيلة حتى تقبل سؤاله، ولهذا كان من -التعظيم الواجب- أن لا يرد أحد سأل بالله جل وعلا، فإذا سأل سؤالا وجعل الله جل وعلا هو الوسيلة فإنه لا يجوز أن يُرد تعظيما لله جل وعلا، والذي في قلبه تعظيم لله جل وعلا ينتفض إذا ذكر الله كما قال سبحانه ?"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ"[الأنفال:2]بمجرد ذكر الله تجل القلوب لعلمهم بالله جل وعلا وما يستحق وعلمهم بتدبيره وملكوته وعظمة صفاته وأسمائه جل وعلا.
فإذا سأل أحد بالله فإن قلب الموحد لا يكون رادا له؛ لأنه معظم لله مجل لله جل وعلا، فلا يرد أحدا جعل وسيلته إليه رب العزة سبحانه وتعالى.
أهل العلم قالوا: السائل بالله قد تجب إجابته ويَحرم رده، وقد لا يجب ذلك، وهذا القول قول شيخ الإسلام ابن تيمية واختيار عدد من المحققين بعده، وهو القول الثالث في المسألة.
أما القول الأول: فهو من سأل بالله حَرُمَ أن يرد مطلقا.
والقول الثاني: أن من سأل بالله استحب إجابته وكره رده.
والقول الثالث: ما ذكرنا عن شيخ الإسلام أنه قد يكون واجبا وقد يكون مستحبا، وقد لا يكون كذلك يعني يكون مباحا.
تفصيل شيخ الإسلام ظاهر؛ وذلك أنه أراد بحالة الوجوب أن يتوجه السؤال لمعين في أمر معين؛ يعني ألا يكون السائل سأل عددا من الناس بالله ليحصل على شيء، فلهذا لم يدخل فيه السائل الفقير الذي يأتي ويسأل هذا ويسأل هذا ويسأل هذا ويسأل هذا، أو ممن يكون كاذبا في سؤاله، فيقول: يجب إذا توجه لمعين في أمر معين، أما إذا توجه لفلان وفلان وفلان عدد فإنه لا يكون توجه لمعين، فإنه لا يجب عليه أن يؤتيه مطلبه، ويجوز له أن يرد سؤاله.
وإذا كان كذلك فتكون الحالة على هذه الأحوال تكون ثلاثة:
* حال يحرم فيها رد السائل.
* وحال يكره فيها رد السائل.
* وحال يباح فيها رد السائل بالله.
هذا كلام شيخ الإسلام.
يحرم رد السائل بالله إذا توجه لمعين في أمر معين، خصك بهذا التوجه وسألك بالله أن تعينه، وأنت طبعا قادر على أن تأتيه مطلوبه.
ويستحب فيما إذا كان التوجه ليس لمعين كان يسأل فلان وفلان وفلان.
ويباح فيما إذا كان من سأل بالله يعرف منه الكذب.
فصارت إذن عندنا الأقوال ثلاثة في أصلها:
* يحرم رد السائل ويجب إعطاؤه هذا واحد.
* الثاني يستحب ويكره رده.
* والثالث هو التفصيل، وهذا الثالث هو قول شيخ الإسلام وعدد من المحققين.
وقوله هنا (باب لا يرد من سأل بالله) فيه عموم لأجل الحديث الوارد.
قال(عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ( : «وَمَنْ سَأَلَ بالله فأَعْطُوهُ») لماذا؟ تعظيما لله جل وعلا.(مَنِ اسْتَعَاذَ بالله فأَعِيذُوهُ) من استعاذ منك بالله فيجب أن تعيذه، من قال: أعوذ بالله منك. تعظيما لله جل جلاله تجيبه إلى ذلك وتتركه؛ لأن من استعاذ بالله فقد استعاذ بأعظم مستعاذ به، ولهذا في قصة الجونية التي دخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام، فلما دخل عليها واقترب منها عليه الصلاة والسلام قالت له: أعوذ بالله منك. فابتعد عنها عليه الصلاة والسلام وقال «لقد استعذت بمَعَاذ الحقي بأهلك». استعاذت بالله منه فتركها عليه الصلاة والسلام.
قال(وَمَنْ دَعَاكُم فأَجِيبُوهُ) عامة أهل العلم(83) على أن هذا مخصوص بدعوة العرس وليس في كل الدعوات، وأما سائر الدعوات فهي على الاستحباب.(84)
قال (وَمَن صَنَعَ إِلَيْكُم مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ) من صنع إليك معروفا فكافئه؛ كافئه بجنس معروفه؛ إن كان معروفه من جهة المال فكافئه من جهة المال؛ يعني بما يشمل الهدايا المختلفة، إن كان معروفه من جهة الجاه فكافئه من جهة الجاه فيكون من جهة الهدية.
سبب ذلك وصلته بالتوحيد كما قال المحققون أنّ الذي صنع له معروف فيكون في قلبه ميل ونوع تذلل وخضوع في قلبه واسترواح لهذا الذي صنع إليه المعروف.
ومعلوم أن تحقيق التوحيد أن يكون القلب خاليا من كل ما سوى الله جل جلاله، وأن يكون ذله وخضوعه وعرفانه بالجميل هو لله جل وعلا.
وتخليص القلب من ذلك يكون بالمكافئة على المعروف، وأنه إذا أدى إليك معروفا فخلِّص القلب من رؤية ذلك المعروف بأن ترد إليه معروفه، ولهذا قال (فإِنْ لَم تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ)، (حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ) لأجل أن يتخلص القلب من أثر ذلك المعروف، فترى أنك دعوت له ودعوت له ودعوت له بقدر ترجو معه بأنك قد كافأته، وهذا لتخليص القلب مما سوى الله جل وعلا وهذه مقامات لا يدركها إلا أرباب الإخلاص وتحقيق التوحيد. جعلنا الله وإياكم منهم.
----------------------------
كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد (3)
الذي هو حق الله على العبيد
للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
حفظه الله تعالى
"منقووووول"
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ( : «وَمَنْ سَأَلَ بالله فأَعْطُوهُ، مَنِ اسْتَعَاذَ بالله فأَعِيذُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُم فأَجِيبُوهُ, وَمَن صَنَعَ إِلَيْكُم مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ, فإِنْ لَم تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ». رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.
[الشرح]
(باب لا يردّ من سأل بالله) هذا الباب مع الباب الذي قبله ومع ما سبق -كما ذكرنا- كلها في تعظيم الله جل وعلا وربوبيته وأسمائه وصفاته؛ لأن تعظيم ذلك من إكمال التوحيد ومن تحقيق التوحيد.
ومن سأل بالله جل جلاله فقد سأل بعظيم، ومن استعاذ بالله فقد استعاذ بعظيم؛ بل استعاذ بمن له هذا الملكوت وله تدبير الأمر بمن كل ما تراه وما لا تراه عبدٌ له جل وعلا، فكيف يرد من جعل مالك كل شيء وسيلة حتى تقبل سؤاله، ولهذا كان من -التعظيم الواجب- أن لا يرد أحد سأل بالله جل وعلا، فإذا سأل سؤالا وجعل الله جل وعلا هو الوسيلة فإنه لا يجوز أن يُرد تعظيما لله جل وعلا، والذي في قلبه تعظيم لله جل وعلا ينتفض إذا ذكر الله كما قال سبحانه ?"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ"[الأنفال:2]بمجرد ذكر الله تجل القلوب لعلمهم بالله جل وعلا وما يستحق وعلمهم بتدبيره وملكوته وعظمة صفاته وأسمائه جل وعلا.
فإذا سأل أحد بالله فإن قلب الموحد لا يكون رادا له؛ لأنه معظم لله مجل لله جل وعلا، فلا يرد أحدا جعل وسيلته إليه رب العزة سبحانه وتعالى.
أهل العلم قالوا: السائل بالله قد تجب إجابته ويَحرم رده، وقد لا يجب ذلك، وهذا القول قول شيخ الإسلام ابن تيمية واختيار عدد من المحققين بعده، وهو القول الثالث في المسألة.
أما القول الأول: فهو من سأل بالله حَرُمَ أن يرد مطلقا.
والقول الثاني: أن من سأل بالله استحب إجابته وكره رده.
والقول الثالث: ما ذكرنا عن شيخ الإسلام أنه قد يكون واجبا وقد يكون مستحبا، وقد لا يكون كذلك يعني يكون مباحا.
تفصيل شيخ الإسلام ظاهر؛ وذلك أنه أراد بحالة الوجوب أن يتوجه السؤال لمعين في أمر معين؛ يعني ألا يكون السائل سأل عددا من الناس بالله ليحصل على شيء، فلهذا لم يدخل فيه السائل الفقير الذي يأتي ويسأل هذا ويسأل هذا ويسأل هذا ويسأل هذا، أو ممن يكون كاذبا في سؤاله، فيقول: يجب إذا توجه لمعين في أمر معين، أما إذا توجه لفلان وفلان وفلان عدد فإنه لا يكون توجه لمعين، فإنه لا يجب عليه أن يؤتيه مطلبه، ويجوز له أن يرد سؤاله.
وإذا كان كذلك فتكون الحالة على هذه الأحوال تكون ثلاثة:
* حال يحرم فيها رد السائل.
* وحال يكره فيها رد السائل.
* وحال يباح فيها رد السائل بالله.
هذا كلام شيخ الإسلام.
يحرم رد السائل بالله إذا توجه لمعين في أمر معين، خصك بهذا التوجه وسألك بالله أن تعينه، وأنت طبعا قادر على أن تأتيه مطلوبه.
ويستحب فيما إذا كان التوجه ليس لمعين كان يسأل فلان وفلان وفلان.
ويباح فيما إذا كان من سأل بالله يعرف منه الكذب.
فصارت إذن عندنا الأقوال ثلاثة في أصلها:
* يحرم رد السائل ويجب إعطاؤه هذا واحد.
* الثاني يستحب ويكره رده.
* والثالث هو التفصيل، وهذا الثالث هو قول شيخ الإسلام وعدد من المحققين.
وقوله هنا (باب لا يرد من سأل بالله) فيه عموم لأجل الحديث الوارد.
قال(عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ( : «وَمَنْ سَأَلَ بالله فأَعْطُوهُ») لماذا؟ تعظيما لله جل وعلا.(مَنِ اسْتَعَاذَ بالله فأَعِيذُوهُ) من استعاذ منك بالله فيجب أن تعيذه، من قال: أعوذ بالله منك. تعظيما لله جل جلاله تجيبه إلى ذلك وتتركه؛ لأن من استعاذ بالله فقد استعاذ بأعظم مستعاذ به، ولهذا في قصة الجونية التي دخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام، فلما دخل عليها واقترب منها عليه الصلاة والسلام قالت له: أعوذ بالله منك. فابتعد عنها عليه الصلاة والسلام وقال «لقد استعذت بمَعَاذ الحقي بأهلك». استعاذت بالله منه فتركها عليه الصلاة والسلام.
قال(وَمَنْ دَعَاكُم فأَجِيبُوهُ) عامة أهل العلم(83) على أن هذا مخصوص بدعوة العرس وليس في كل الدعوات، وأما سائر الدعوات فهي على الاستحباب.(84)
قال (وَمَن صَنَعَ إِلَيْكُم مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ) من صنع إليك معروفا فكافئه؛ كافئه بجنس معروفه؛ إن كان معروفه من جهة المال فكافئه من جهة المال؛ يعني بما يشمل الهدايا المختلفة، إن كان معروفه من جهة الجاه فكافئه من جهة الجاه فيكون من جهة الهدية.
سبب ذلك وصلته بالتوحيد كما قال المحققون أنّ الذي صنع له معروف فيكون في قلبه ميل ونوع تذلل وخضوع في قلبه واسترواح لهذا الذي صنع إليه المعروف.
ومعلوم أن تحقيق التوحيد أن يكون القلب خاليا من كل ما سوى الله جل جلاله، وأن يكون ذله وخضوعه وعرفانه بالجميل هو لله جل وعلا.
وتخليص القلب من ذلك يكون بالمكافئة على المعروف، وأنه إذا أدى إليك معروفا فخلِّص القلب من رؤية ذلك المعروف بأن ترد إليه معروفه، ولهذا قال (فإِنْ لَم تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ)، (حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ) لأجل أن يتخلص القلب من أثر ذلك المعروف، فترى أنك دعوت له ودعوت له ودعوت له بقدر ترجو معه بأنك قد كافأته، وهذا لتخليص القلب مما سوى الله جل وعلا وهذه مقامات لا يدركها إلا أرباب الإخلاص وتحقيق التوحيد. جعلنا الله وإياكم منهم.
----------------------------
كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد (3)
الذي هو حق الله على العبيد
للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
حفظه الله تعالى
"منقووووول"