بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
يعد هذا اللقب [الحشوية ] من أكثر الألقاب ذيوعا وورودا في كتب مخالفي أهل السنة أتباع السلف الصالح ، وذلك لكثرة الفرق التي رمت أهل السنة به ، فلا أدرى أهو مما تواصوا به أم تشابهت قلوبهم ، فاتفقت أقوالهم على وصم ووصف أهل السنة والأثر به ؟ولم يكتف أولئك المنحرفون المخرفون عن الصراط المستقيم والطريق القويم بذلك الغي والضلال الذي أثقلوا عقولهم به ، ليصدوا عن أنفسهم ردود أهل الحق عليهم؛ لا، ولكنهم اتهموا أهل السنة أتباع السلف الصالح في القديم والحديث بشتى الألقاب التي هم أحق بها وأهلها ، منها هذا اللقلب الذي نحن بصدد بيانه ،وسأذكر طائفة من أقوال الفرق التي رمت أهل السنة به ، ثم أرد عليهم بكلام أهل العلم ليحق الحق ويزهق الباطل.
والتاريخ يعيد نفسه ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، فأولئك المبتدعة سلسلة ظالمٌ أهلها ، ابتدأت من المعتزلة الضلال الأُوَلِ .. ثم لم يخب أوارها إلى هذه الساعة .. فتلقفها طائفة من الجهال من أراذل العصر من أهل السخافات ، وأصبحوا يكررونها في كل محفل ومناسبة ليغرروا بها ذوي العقول القاصرة ، ويبهروا ذوي الأنظار الضعيفة الذين يظنون أن كل شيء يلمع هو ذهب، والأمر ليس كذلك ، فالذهب ذهب ولو كان في التراب ، والسلفي سلفي ولو عصفت به الرياح من كل باب .
فلما رأيت ذلك التغرير بكثرة التكرير ، بكل بصير وضرير ، وارتفع صوت التهويل والتضليل، والتجهيل والتقويل ، واستجاب له صوت الكثير بالتكبير والتهليل ، ترشح عندي لزوم بيان ذلك بالدليل اليسير والقليل ، لعله يكون كافيا لمن اتبع الرسول وخاف الجليل فرجع إلى منهج السلف وترك التأويل والتحريف والتعطيل ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
وإليك أخي القارئ جملة من أقوالهم كما وعدتك والرد عليها ، ولكن بعد أن أذكر لك معنى ذلك اللفظ [الحشوية ] لغة واصطلاحا حتى تعرف من هو الذي أحق بذلك اللقب القبيح ؟.
أما لغة : فالحشو: هو أن يودع الشيء وعاء باستقصاء، يقال: حشوته أحشوه حشوا ... ويقال : فلان من حشوة بني فلان أي : من رذالهم ، وإنما قيل ذلك لأن الذي تحشى به الأشياء لا يكون من أفخر المتاع بل أدونه .معجم مقاييس اللغة لابن فارس [ج2/ص74].
وقال في اللسان[ج3/ 180] : والحشو من الكلام : الفضل الذي لايعتمد عليه ، وكذلك هو من الناس ، وحشوة الناس رذالتهم .. وفلان من حشوة بني فلان بالكسر : أي من رذالهم .
وفي المعجم الوسيط (1/177)(الحشو ) ما يحشى به الشيء ومن الناس الذي لا يعتمد عليه ومن الكلام الفضل الذي لا خير فيه ومن الناس رذالتهم ويقال ما أكثر حشوة أرضه ما فيها من دغلها ( الحشوية ) نسبة إلى الحشو أو الحشا طائفة تمسكوا بالظواهر وذهبوا إلى التجسيم وغيره.
وفي تهذيب اللغة [5/90] للأزهري والحَشْوُ من الكلام الفضْل الذي لا يُعتَمد عليه . والحَشْوُ من النّاس الذين لا يُعتدُّ بهم .
وفي أساس البلاغة (1/45لأبي القاسم محمود الزمخشري : ونبتت لبني فلان نابتة: نشأ لهم نشأٌ صغار، وإنّ بني فلان لنابتة شرّ، وهذا قول النابتة والنوابت وهم الحشوية.ونقلها عنه الزبيدي في تاج العروس (5/113) فقال: وفي الأَساس : النَّوابِتُ طائِفَةٌ من الحَشْوِيَّة أَي أَنهم أَحْدَثُوا بِدَعاً غَرِيبةً في الإِسلام ، قال شيْخُنا : وللجاحِظِ فيهم رِسالةٌ قَرَنَهُم فيها بالرَّافِضَةِ .
وفي اصطلاح عند من أطلقه يراد به أحد المعاني الآتية :
1 - يراد به العامة الذين هم حشو الناس. ورذالتهم وجمهورهم ، وهم غير الأعيان والمتميزين(1). وهم عند الشيعة والروافض السواد الأعظم من هذه الأمة ، كما جاء في فرق الشيعة : للنوبختي(2).حيث نبز كل من لم يقل بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الحشو :
وهذا كلامه :<< ..فلما قتل علي رضي الله عنه – التفت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان ؛ إلا القليل منهم من شيعته ومن قال بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وسلم – وهم السواد الأعظم وأهل الحشو واتباع الملوك وأعوان كل من غلب ؛ أعني الذين التقوا مع معاوية ...>>أنظر إليه كيف يصف الصحابة بأنهم أهل حشو .. عليه من الله ما يستحق.
2 – يراد به : رواة الأحاديث من غير تمييز لصحيحها من سقيمها : قال ابن الوزير :(3) فإن الحشوية إنما سموا بذلك ؛ لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أي يدخلونها فيها وليست منها .
قال : نشوان الحميري في كتابه الحور العين( 1/60) :وسميت الحشوية: حشوية، لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه.
قلت:كأنهم لا يعرفون ما يحدثون به..وقد بين ابن الوزير براءة أهل الحديث والسنة من هذا اللقب فقال : [.. فأكثر عامة المسلمين لا يدرون من الحشوية ؟ ولا يعرفون أن هذه النسبة غير مرضية ... ومن كان له أدنى عرف أنّ نقاد الحديث وأئمة الأثر هم أعداء الحشوية وأكره الناس لهذه الطائفة الغوية .
3 – يراد به التجسيم : كما نقل التهاوني عن السبكي أنهم سموا بذلك لأن منهم المجسمة أو هم أنفسهم . والجسم حشو .
وقال ابن أبي الحديد في نهج البلاغة :( 1/1223)وأصل ضلالة الحشوية التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل حيث قالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملا بظواهر النصوص .
وقال في شرح نهج البلاغة( 3/237):وقالت السالمية وبعض الحشوية : إن الكفار يرونه يوم القيامة ، وهو قول محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ذكر ذلك عنه محمد بن الهيصم .
وقال أيضا:( 6/404) واعلم أن هذا الفصل يمكن أن تتعلق به الحشوية المانعون من تأويل الآيات الواردة في الصفات ، القائلين بالجمود على الظواهر .
ونسب ابن القيم لجهلة الجهمية أنهم لقبوا أهل السنة بذلك لأنهم بزعمهم – جعلوا ربهم حشو هذا الكون بإثباتهم له صفة الفوقية والاستواء ؛ وأنه في السماء [4] .
فهذه المعاني الثلاثة أو أحدها هي المسوغات التي اعتبرها مخالفوا أهل السنة أتباع السلف الصالح ، وهم ينبزونهم بهذا اللقب الجائر القبيح .فعند الرافضة كل من لم يقل بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حشوي ،وعند المعتزلة كل من أثبت الصفات ، وأثبت القدر فهو من حشو الناس، وعند الأشاعرة والماتريدية والشيعة كل من أثبت الصفات الخبرية ولم يؤولها ويصرفها عن ظاهرها فهو حشوي ، وتوقف عند ظواهر النصوص من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل ولا تكييف وإليك بعض أقوالهم .
يتبع إن شاء الله ...
تعليق