تقديم القرابين والنذور والهدايا للمزارات والقبور وتعظيمها للفوزان
لقد سدّ النبي صلى الله عليه وسلم كل الطرق المفضية إلى الشرك، وحذّر منها غاية التحذير، ومن ذلك: مسألة القبور، قد وضع الضوابط الواقية من عبادتها، والغلو في أصحابها، ومن ذلك:
1ـ أنه قد حذّر صلى الله عليه وسلم من الغلو في الأولياء والصالحين؛ لأن ذلك يؤدِّي إلى عبادتهم، فقال: (إياكم والغُلُوَّ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغُلُوُّ) [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه]، وقال: (لا تُطروني كما أطرتِ النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ الله ورسوله) [رواه البخاري].
2ـ وحذر صلى الله عليه وسلم من البناء على القبور، كما روى أبو الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته) [رواه مسلم].
3ـ ونهى عن تجصيصها والبناء عليها، عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه بناء) [رواه مسلم].
4ـ وحذَّر صلى الله عليه وسلم من الصلاة عند القبور، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: (لعنةُ الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذرُ ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتَّخذَ مسجدًا) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك) [رواه مسلم في صحيحه].
واتخاذُها مساجد معناهُ: الصلاة عندها وإن لم يبن مسجد عليها؛ فكلُّ موضع قصد للصلاة فيه فقد اتُّخذَ مسجدًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) [رواه البخاري] فإذا بني عليها مسجد فالأمر أشد.
وقد خالف أكثر الناس هذه النواهي، وارتكبوا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعوا بسبب ذلك في الشرك الأكبر؛ فبنوا على القبور مساجد وأضرحة ومقامات، وجعلوها مزارات تمارس عندها كل أنواع الشرك الأكبر، من الذبح لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، وصرف النذور لهم، وغير ذلك.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم [يعني في وقته – رحمه الله – وقد زاد الأمر على ما ذكر]، رأى أحدُهما مضادًا للآخر مناقضًا له؛ بحيث لا يجتمعان أبدًا؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها، ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد؛ مضاهاة لبيوت الله، ونهى عن إيقاد السُّرُج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها، ونهى عن أن تُتَّخذَ عيدًا، وهؤلاء يتخذونها أعيادًا ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.
وأمر بتسويتها، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بنُ أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثُكَ على ما بعثني على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لاتدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته). وفي صحيحه أيضًا عن ثُمامَة بن شُفيّ قال: (كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها) [أي بعدم رفعها].
وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب. إلى أن قال: (فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه؟! ولا ريبَ أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره).
ثم أخذ يذكر تلك المفاسد، إلى أن قال: (ومنها: أن الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور إنما هو تذكر الآخرة، والإحسان إلى المزور بالدعاء له، والترحم عليه والاستغفار، وسؤال العافية له؛ فيكون الزائر محسنًا إلى نفسه وغلى الميت، فقلب هؤلاء المشركون الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصود بالزيارة: الشرك بالميت، ودعاءه والدعاء به، وسؤال حوائجهم، واستنزال البركات منه، ونصره لهم على الأعداء ونحو ذلك؛ فصاروا مسيئين إلى أنفسهم، وإلى الميت، ولو لم يكن إلا بحرمانه بركة ما شرعه تعالى من الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له) انتهى [إغاثة اللهفان (1/214، 215، 217)].
وبهذا يتضح أن تقديم النذور والقرابين للمزارات شرك أكبر؛ سببه مخالفة هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في الحالة التي يجب أن تكون عليها القبور؛ من عدم البناء عليها وإقامة المساجد عليها؛ لأنها لما بنيت عليها القباب، وأقيمت حولها المساجد والمزارات، ظن الجهال أن المدفونين فيها ينفعون أو يضرون، وأنهم يُغيثون من استغاث بهم، ويقضون حوائج من التجأ إليهم، فقدموا لهم النذور والقرابين؛ حتى صارت أوثانًا تُعبدُ من دون الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) [رواه مالك وأحمد]، وما دعا بهذا الدعاء إلا لأنه سيحصل شيء من ذلك، وقد حصل عند القبور في كثير من بلاد الإسلام، أما قبره فقد حماه الله ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد يحصل في مسجده شيء من المخالفات، من بعض الجهال أو الخرافيين، لكنهم لا يقدرون على الوصول إلى قبره؛ لأن قبره في بيته وليس في المسجد، وهو محوط بالجدران.
كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في نونيته:
فأجاب ربُّ العالمين دعاءه ** وأحاطه بثلاثة الجدران
لقد سدّ النبي صلى الله عليه وسلم كل الطرق المفضية إلى الشرك، وحذّر منها غاية التحذير، ومن ذلك: مسألة القبور، قد وضع الضوابط الواقية من عبادتها، والغلو في أصحابها، ومن ذلك:
1ـ أنه قد حذّر صلى الله عليه وسلم من الغلو في الأولياء والصالحين؛ لأن ذلك يؤدِّي إلى عبادتهم، فقال: (إياكم والغُلُوَّ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغُلُوُّ) [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه]، وقال: (لا تُطروني كما أطرتِ النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ الله ورسوله) [رواه البخاري].
2ـ وحذر صلى الله عليه وسلم من البناء على القبور، كما روى أبو الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته) [رواه مسلم].
3ـ ونهى عن تجصيصها والبناء عليها، عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه بناء) [رواه مسلم].
4ـ وحذَّر صلى الله عليه وسلم من الصلاة عند القبور، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: (لعنةُ الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذرُ ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتَّخذَ مسجدًا) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك) [رواه مسلم في صحيحه].
واتخاذُها مساجد معناهُ: الصلاة عندها وإن لم يبن مسجد عليها؛ فكلُّ موضع قصد للصلاة فيه فقد اتُّخذَ مسجدًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) [رواه البخاري] فإذا بني عليها مسجد فالأمر أشد.
وقد خالف أكثر الناس هذه النواهي، وارتكبوا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعوا بسبب ذلك في الشرك الأكبر؛ فبنوا على القبور مساجد وأضرحة ومقامات، وجعلوها مزارات تمارس عندها كل أنواع الشرك الأكبر، من الذبح لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، وصرف النذور لهم، وغير ذلك.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم [يعني في وقته – رحمه الله – وقد زاد الأمر على ما ذكر]، رأى أحدُهما مضادًا للآخر مناقضًا له؛ بحيث لا يجتمعان أبدًا؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها، ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد؛ مضاهاة لبيوت الله، ونهى عن إيقاد السُّرُج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها، ونهى عن أن تُتَّخذَ عيدًا، وهؤلاء يتخذونها أعيادًا ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.
وأمر بتسويتها، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بنُ أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثُكَ على ما بعثني على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لاتدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته). وفي صحيحه أيضًا عن ثُمامَة بن شُفيّ قال: (كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها) [أي بعدم رفعها].
وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب. إلى أن قال: (فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه؟! ولا ريبَ أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره).
ثم أخذ يذكر تلك المفاسد، إلى أن قال: (ومنها: أن الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور إنما هو تذكر الآخرة، والإحسان إلى المزور بالدعاء له، والترحم عليه والاستغفار، وسؤال العافية له؛ فيكون الزائر محسنًا إلى نفسه وغلى الميت، فقلب هؤلاء المشركون الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصود بالزيارة: الشرك بالميت، ودعاءه والدعاء به، وسؤال حوائجهم، واستنزال البركات منه، ونصره لهم على الأعداء ونحو ذلك؛ فصاروا مسيئين إلى أنفسهم، وإلى الميت، ولو لم يكن إلا بحرمانه بركة ما شرعه تعالى من الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له) انتهى [إغاثة اللهفان (1/214، 215، 217)].
وبهذا يتضح أن تقديم النذور والقرابين للمزارات شرك أكبر؛ سببه مخالفة هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في الحالة التي يجب أن تكون عليها القبور؛ من عدم البناء عليها وإقامة المساجد عليها؛ لأنها لما بنيت عليها القباب، وأقيمت حولها المساجد والمزارات، ظن الجهال أن المدفونين فيها ينفعون أو يضرون، وأنهم يُغيثون من استغاث بهم، ويقضون حوائج من التجأ إليهم، فقدموا لهم النذور والقرابين؛ حتى صارت أوثانًا تُعبدُ من دون الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) [رواه مالك وأحمد]، وما دعا بهذا الدعاء إلا لأنه سيحصل شيء من ذلك، وقد حصل عند القبور في كثير من بلاد الإسلام، أما قبره فقد حماه الله ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد يحصل في مسجده شيء من المخالفات، من بعض الجهال أو الخرافيين، لكنهم لا يقدرون على الوصول إلى قبره؛ لأن قبره في بيته وليس في المسجد، وهو محوط بالجدران.
كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في نونيته:
فأجاب ربُّ العالمين دعاءه ** وأحاطه بثلاثة الجدران