الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذا جهد المقل أهديه لكم عسى أن ينفعني وإياكم جمع بسيط ليس بالمستوعب ولكن فيه جل أقوال العلماء في اللو التي نها عنها الشارع والتي أباحها و ضابط الفرق بينهما
الحديث
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " الحديث رواه مسلم وابن ماجه وأحمد والبيهقي في سننه وأبو يعلى في مسنده والطحاوي في مشكل الآثار .
قال الطحاوي في مشكل الآثار ثم بان لنا معنى لو المحذر منها في هذا الحديث بعد وقوفنا على أن لو ليست مكروهة في كل الأشياء إذ كان الله قد ذكر في كتابه إباحتها في شيء ذكرها فيه ، وهو قوله لنبيه فيما ذكر من جوابه لمن سأله عن الساعة { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } ، إذ قد كان رسوله ذكرها فيما ذكرها فيه . كما حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الأنماري قال "ضرب لنا رسول الله عليه السلام مثل الدنيا مثل أربعة رجل آتاه الله مالا وآتاه علما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو أن الله آتاني مثل ما آتى فلانا لفعلت فيه مثل الذي يفعل فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يمنعه من حقه وينفقه في الباطل ورجل لم يؤته الله مالا ولم يؤته علما فهو يقول لو أن الله آتاني مثل ما آتى فلانا لفعلت فيه مثل ما يفعل فهما في الوزر سواء" فلم تكن لو مكروهة فيما ذكرنا فعلمنا بذلك أنها إنما هي مكروهة محذر منها في غير ما وصفنا . ثم تأملنا ذلك لنقف على الموضع الذي هي مكروهة فيه فوجدنا الله تعالى قد ذكر في كتابه ما كان من قوم ذمهم بما كان من قول كان منهم ، وهو قوله تعالى { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } فرد ذلك عليهم بقوله { قل إن الأمر كله لله } ثم عاد يخبر عنهم بما كانوا عليه في ذلك مما أخفوه عن نبيه عليه السلام فقال { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } ثم عاد تعالى بعد يخبر عنهم بما كانوا يقولون فقال { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } فرد الله تعالى ذلك عليهم بما أمر نبيه أن يقوله لهم فقال { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } ، ثم عاد بعد ذلك إلى المؤمنين محذرا لهم أن يكونوا أمثالهم فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } ، ثم أخبر المؤمنين بالمعنى الذي به ابتلي بذلك أولئك الكافرون فقال { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } ، ثم أخبرهم بحقائق الأمور التي يجري عليها الخلق من الموت والحياة فقال { والله يحيي ويميت } الآية . ووجدناه سبحانه وتعالى قد قال في كتابه { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت } إلى قوله { من المحسنين } فرد الله ذلك عليهم بقوله { بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها } الآية قال فكان فيما تلونا من اللوات ما قد عقل به ما هي فيه غير مذمومة وما هي فيه مذمومة وكذلك فيما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من حديث أبي كبشة . ثم وجدنا العرب تذم اللو وتحذر منها فتقول : احذر لوا تريد به قول الإنسان لو علمت أن هذا يلحقني لعملت خيرا وفيما ذكر ما قد دل على أن اللو المكروهة هي ما في حديث أبي هريرة الذي روينا وعلى أن اللو التي ليست بمكروهة هي اللو المذكورة في حديث أبي كبشة الذي رويناه أيضا وحدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الحجاج الأزدي عن سلمان أنه قال الإيمان بالقدر أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تقولن لشيء أصابك لو فعلت كذا ، وكذا قال أبو جعفر يعني لكان كذا ، وكذا ولم يكن كذا وكذا . وقد بان مما شرحنا وذكرنا أن لا تضاد ولا اختلاف في شيء مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وأن ما تلونا من كتاب الله تعالى شاد لذلك شاهد له والله نسأله التوفيق .
وقال البخاري في صحيحه
باب ما يجوز من اللو وقوله تعالى { لو أن لي بكم قوة }
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : قال القاضي عياض يريد - أي البخاري - ما يجوز من قول الراضي بقضاء الله لو كان كذا لكان كذا .....
قال ابن بطال : وإنما أراد لوط عليه السلام العدة من الرجال وإلا فهو يعلم أن له من الله ركنا شديدا ولكنه جرى على الحكم الظاهر ، قال وتضمنت الآية البيان عما يوجبه حال المؤمن إذا رأى منكرا لا يقدر على إزالته ، أنه يتحسر على فقد المعين على دفعه ، ويتمنى وجوده حرصا على طاعة ربه وجزعا من استمرار معصيته ، ومن ثم وجب أن ينكر بلسانه ثم بقلبه إذا لم يطق الدفع انتهى .
قال ابن حجر : والحديث الذي ذكره السبكي هو الذي رمز إليه البخاري بقوله ما يجوز من اللو فإن فيه إشارة إلى أنها في الأصل لا يجوز إلا ما استثنى .... إلى أن قال :
قال الطبري طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث الدالة على الجواز ، أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع فالمعنى : لا تقل لشيء لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله تعالى وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله موقنا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته ، وهو كقول أبي بكر في الغار " لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا " فجزم بذلك مع تيقنه أن الله قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بعمى أو غيره ، لكن جرى على حكم العادة الظاهرة وهو موقن بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما إلا بمشيئة الله تعالى ، انتهى ملخصا .
وقال عياض الذي يفهم من ترجمة البخاري ومما ذكره في الباب من الأحاديث أنه يجوز استعمال لو ولولا فيما يكون للاستقبال مما فعله لوجود غيره وهو من باب لو لكونه لم يدخل في الباب إلا ما هو للاستقبال ، وما هو حق صحيح متيقن ، بخلاف الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق . قال : والنهي إنما هو حيث قاله معتقدا ذلك حتما ، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه ما أصابه قطعا ، فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى ، وأنه لولا أن الله أراد ذلك ما وقع فليس من هذا قال والذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه ، ويدل عليه قوله : " فإن لو تفتح عمل الشيطان " أي يلقي في القلب معارضة القدر فيوسوس به الشيطان ،
وتعقبه النووي بأنه جاء من استعمال لو في الماضي مثل قوله " لواستقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت " فالظاهر أن النهي عنه إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه ، وأما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله أو ما هو معتذر عليه منه ونحو هذا فلا بأس به ، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث .
وقال القرطبي في المفهم المراد من الحديث الذي أخرجه مسلم أن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله والرضى بما قدر والإعراض عن الالتفات لما فات ، فإنه إذا تذكر فيما فاته من ذلك فقال لو أني فعلت كذا لكان كذا ، جاءته وساوس الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران ، فيعارض بتوهم التدبير سابق المقادير ، وهذا هو عمل الشيطان المنهي عن تعاطي أسبابه بقوله : " فلا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان " وليس المراد ترك النطق بلو مطلقا إذ قد نطق النبي صلى الله عليه وسلم بها في عدة أحاديث ، ولكن محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر ، مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور ، لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه ، وليس فيه فتح لعمل الشيطان ولا ما يفضي إلى تحريم . انتهى بتصرف من فتح الباري
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمن سمع رجلا يقول لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا فقال له رجل آخر سمعه هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر فقال رجل آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى مع الخضر " يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما " واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " - إلى أن قال : - " فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان " فهل هذا ناسخ لهذا أم لا ؟
فأجاب الحمد لله جميع ما قاله الله ورسوله حق و لو تستعمل على وجهين
أحدهما على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور فهذا هو الذي نهى عنه كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " أي تفتح عليك الحزن والجزع وذلك بضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك كما قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قالوا : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم .
والوجه الثاني أن يقال لو لبيان علم نافع كقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ولبيان محبة الخير وإرادته كقوله : " لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل " ونحوه جائز . وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما " هو من هذا الباب كقوله : { ودوا لو تدهن فيدهنون } فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما فذكرهما لبيان محبته للصبر المترتب عليه فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يحب من الصبر على المقدور . وقوله : " وددت لو أن موسى صبر " قال النحاة : تقدير وددت أن موسى صبر . وكذلك قوله : { ودوا لو تدهن فيدهنون } تقديره ودوا أن تدهن وقال بعضهم : بل هي لو شرطية وجوابها محذوف والمعنى على التقديرين معلوم وهو محبة ذلك الفعل وإرادته ومحبة الخير وإرادته محمود والحزن والجزع وترك الصبر مذموم والله أعلم .
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام : وقوله صلى الله عليه وسلم " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت " فيه أمران :
أحدهما جواز استعمال لفظة لو في بعض المواضع ، وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلاف ذلك . وهو قوله صلى الله عليه وسلم " فإن لو تفتح عمل الشيطان " وقد قيل في الجمع بينهما : إن كراهتها في استعمالها في التلهف على أمور الدنيا ، إما طلبا كما يقال : لو فعلت كذا حصل لي كذا . وإما هربا كقوله : لو كان كذا لما وقع لي كذا وكذا لما في ذلك من صورة عدم التوكل في نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر وأما إذا استعملت في تمني القربات كما جاء في هذا الحديث فلا كراهة هذا أو ما يقرب منه .
قال الصنعاني في سبل السلام : ونهاه بقوله إذا أصابه شيء من حصول ضرر أو فوات نفع عن أن يقول لو قال بعض العلماء هذا إنما هو لمن قال معتقدا ذلك حتما ، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه قطعا فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله ، وأنه لا يصيبه إلا ما شاء الله فليس من هذا واستدل له بقول أبي بكر في الغار ولو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا وسكوته صلى الله عليه وسلم
قال القاضي عياض : لا حجة فيه ؛ لأنه إنما أخبر عن أمر مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدره بعد وقوعه قال وكذا جميع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من اللو كحديث لولا حدثان قومك بالكفر الحديث ولو كنت راجما بغير بينة ولولا أن أشق على أمتي وشبيه ذلك ، فكله مستقبل ولا اعتراض فيه على قدر فلا كراهية فيه ؛ لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع ، وعما هو في قدرته فأما ما ذهب فليس في قدرته
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في القول السديد : اعلم أن استعمال العبد للفظة : لو على قسمين : مذموم ومحمود . أما
المذموم فكأن يقع منه أو عليه أمر لا يحبه فيقول : لو أني فعلت كذا لكان كذا ، فهذا من عمل الشيطان ، لأن فيه محذورين :
أحدهما : أنها تفتح عليه باب الندم والسخط والحزن الذي ينبغي له إغلاقه وليس فيها نفع .
الثاني : أن في ذلك سوء أدب على الله وعلى قدره فإن الأمور كلها والحوادث دقيقها وجليلها بقضاء الله وقدره ، وما وقع من الأمور فلا بد من وقوعه ، ولا يمكن رده ، فكان في قوله : لو كان كذا أو لو فعلت كذا كان كذا ، نوع اعتراض ونوع ضعف إيمان بقضاء الله وقدره .ولا ريب أن هذين الأمرين المحذورين لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد إلا بتركهما .
وأما المحمود من ذلك فأن يقولها العبد تمنيا للخير أو تعليما للعلم والخير كقوله صلى الله عليه وسلم " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولأهللت بالعمرة " وقوله في الرجل المتمني للخير " لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان " و " لو صبر أخي موسى ليقص الله علينا من نبأهما " . أي في قصته مع الخضر .وكما أن لو إذا قالها متمنيا للخير فهو محمود ، فإذا قالها متمنيا للشر فهو مذموم .
فاستعمال لو تكون بحسب الحال الحامل عليها إن حمل عليها الضجر والحزن وضعف الإيمان بالقضاء والقدر أو تمني الشر كان مذموما وإن حمل عليها الرغبة في الخير والإرشاد والتعليم كان محمودا
وسئل الشيخ العثيمين : عن حكم استعمال " لو "؟ فأجاب بقوله: استعمال " لو " فيه تفصيل على الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن يكون المراد بها مجرد الخبر فهذه لا بأس بها مثل أن يقول الإنسان لشخص: لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك لجئت إليك.
الوجه الثاني : أن يقصد بها التمني فهذه على حسب ما تمناه إن تمنى بها خيرًا فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك فهو بحسبه، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير ورجل آخر ليس عنده مال، قال: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: " هما في الأجر سواء " والثاني رجل ذو مال لكنه ينفقه في غير وجوه الخير فقال رجل آخر: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هما في الوزر سواء " فهي إذا جاءت للتمني تكون بحسب ما تمناه العبد إن تمنى خيرًا فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى.
الوجه الثالث: أن يراد بها التحسر على ما مضى فهذه منهي عنها لأنها لا تفيد شيئًا وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذه يقول الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان" . وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يريد فكلمة لو في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن، ولهذا نهى عنها رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزونًا ومهمومًا بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر وأن يكون مسرورًا طليق الوجه ونبه الله المؤمنين لهذه النقطة بقوله: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } . وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشد المرء إلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب إلى الجنب الآخر،وألا يحدث بها أحدًا لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله قال: " فإن ذلك لا يضره" .
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائمًا في سرور، ودائمًا في فرح ليكون متقبلًا لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم وفي غم وحزن لا شك أنه يضيق ذرعًا بما يلقى عليه من أمور الشرع وغيرها، ولهذا يقول الله تعالى لرسوله دائمًا: { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } وهذه النقطة بالذات تجد بعض الغيورين على دينهم إذا رأوا من الناس ما يكرهون تجدهم يؤثر ذلك عليهم، حتى على عبادتهم الخاصة ولكن الذي ينبغي أن يتلقوا ذلك بحزم وقوة ونشاط فيقوموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة إلى الله على بصيرة، ثم إنه لا يضرهم من خالفهم.
وقال في القول المفيد على كتاب التوحيد : لو تستعمل على عدة أوجه:
الوجه الأول: أن تستعمل في الاعتراض على الشرع، وهذا محرم، قال تعالى: { لو أطاعونا ما قتلوا } في غزوة أحد حينما تخلف أثناء الطريق عبد الله بن أبي في نحو ثلث الجيش، فلما استشهد من المسلمين سبعون رجلا اعترض المنافقون على تشريع الرسول - صلى الله عليه وسلم وقالوا: لو أطاعونا ورجعوا كما رجعنا ما قتلوا، فرأينا خير من شرع محمد، وهذا محرم يصل إلى الكفر.
الثاني: أن تستعمل في الاعتراض على القدر، وهذا محرم أيضا، قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } أي: لو أنهم بقوا ما قتلوا، فهم يعترضون على قدر الله.
الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر، وهذا محرم أيضا لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه؛ لأن الندم يكسب النفس حزنا وانقباضا، والله يريد من أن نكون في انشراح وانبساط، قال صلى الله عليه وسلم : " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان" مثال ذلك: رجل حرص أن يشتري شيئا يظن أن فيه ربحا فخسر، فقال: لو أني ما اشتريته ما حصل لي من خسارة، فهذا ندم وتحسر، ويقع كثيرا، وقد نهي عنه.
الرابع: أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية كقول المشركين: { لو شاء الله ما أشركنا } وقولهم: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } وهذا باطل.
الخامس: أن تستعمل في التمني وحكمه حسب المتمنى إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النفر الأربعة قال أحدهم: " لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان " فهذا تمنى خيرا، وقال الثاني: " لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان " فهذا تمنى شرا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأول: " فهو بنيته، فأجرهما سواء" وقال في الثاني: " فهو بنيته، فوزرهما سواء "
السادس: أن تستعمل في الخبر المحض وهذا جائز، مثل: لو حضرت الدرس لاستفدت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم " ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو علم أن هذا الأمر سيكون من الصحابة ما ساق الهدي ولأحل
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم
فهذا جهد المقل أهديه لكم عسى أن ينفعني وإياكم جمع بسيط ليس بالمستوعب ولكن فيه جل أقوال العلماء في اللو التي نها عنها الشارع والتي أباحها و ضابط الفرق بينهما
الحديث
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " الحديث رواه مسلم وابن ماجه وأحمد والبيهقي في سننه وأبو يعلى في مسنده والطحاوي في مشكل الآثار .
قال الطحاوي في مشكل الآثار ثم بان لنا معنى لو المحذر منها في هذا الحديث بعد وقوفنا على أن لو ليست مكروهة في كل الأشياء إذ كان الله قد ذكر في كتابه إباحتها في شيء ذكرها فيه ، وهو قوله لنبيه فيما ذكر من جوابه لمن سأله عن الساعة { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } ، إذ قد كان رسوله ذكرها فيما ذكرها فيه . كما حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الأنماري قال "ضرب لنا رسول الله عليه السلام مثل الدنيا مثل أربعة رجل آتاه الله مالا وآتاه علما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو أن الله آتاني مثل ما آتى فلانا لفعلت فيه مثل الذي يفعل فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يمنعه من حقه وينفقه في الباطل ورجل لم يؤته الله مالا ولم يؤته علما فهو يقول لو أن الله آتاني مثل ما آتى فلانا لفعلت فيه مثل ما يفعل فهما في الوزر سواء" فلم تكن لو مكروهة فيما ذكرنا فعلمنا بذلك أنها إنما هي مكروهة محذر منها في غير ما وصفنا . ثم تأملنا ذلك لنقف على الموضع الذي هي مكروهة فيه فوجدنا الله تعالى قد ذكر في كتابه ما كان من قوم ذمهم بما كان من قول كان منهم ، وهو قوله تعالى { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } فرد ذلك عليهم بقوله { قل إن الأمر كله لله } ثم عاد يخبر عنهم بما كانوا عليه في ذلك مما أخفوه عن نبيه عليه السلام فقال { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } ثم عاد تعالى بعد يخبر عنهم بما كانوا يقولون فقال { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } فرد الله تعالى ذلك عليهم بما أمر نبيه أن يقوله لهم فقال { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } ، ثم عاد بعد ذلك إلى المؤمنين محذرا لهم أن يكونوا أمثالهم فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } ، ثم أخبر المؤمنين بالمعنى الذي به ابتلي بذلك أولئك الكافرون فقال { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } ، ثم أخبرهم بحقائق الأمور التي يجري عليها الخلق من الموت والحياة فقال { والله يحيي ويميت } الآية . ووجدناه سبحانه وتعالى قد قال في كتابه { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت } إلى قوله { من المحسنين } فرد الله ذلك عليهم بقوله { بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها } الآية قال فكان فيما تلونا من اللوات ما قد عقل به ما هي فيه غير مذمومة وما هي فيه مذمومة وكذلك فيما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من حديث أبي كبشة . ثم وجدنا العرب تذم اللو وتحذر منها فتقول : احذر لوا تريد به قول الإنسان لو علمت أن هذا يلحقني لعملت خيرا وفيما ذكر ما قد دل على أن اللو المكروهة هي ما في حديث أبي هريرة الذي روينا وعلى أن اللو التي ليست بمكروهة هي اللو المذكورة في حديث أبي كبشة الذي رويناه أيضا وحدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الحجاج الأزدي عن سلمان أنه قال الإيمان بالقدر أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تقولن لشيء أصابك لو فعلت كذا ، وكذا قال أبو جعفر يعني لكان كذا ، وكذا ولم يكن كذا وكذا . وقد بان مما شرحنا وذكرنا أن لا تضاد ولا اختلاف في شيء مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وأن ما تلونا من كتاب الله تعالى شاد لذلك شاهد له والله نسأله التوفيق .
وقال البخاري في صحيحه
باب ما يجوز من اللو وقوله تعالى { لو أن لي بكم قوة }
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : قال القاضي عياض يريد - أي البخاري - ما يجوز من قول الراضي بقضاء الله لو كان كذا لكان كذا .....
قال ابن بطال : وإنما أراد لوط عليه السلام العدة من الرجال وإلا فهو يعلم أن له من الله ركنا شديدا ولكنه جرى على الحكم الظاهر ، قال وتضمنت الآية البيان عما يوجبه حال المؤمن إذا رأى منكرا لا يقدر على إزالته ، أنه يتحسر على فقد المعين على دفعه ، ويتمنى وجوده حرصا على طاعة ربه وجزعا من استمرار معصيته ، ومن ثم وجب أن ينكر بلسانه ثم بقلبه إذا لم يطق الدفع انتهى .
قال ابن حجر : والحديث الذي ذكره السبكي هو الذي رمز إليه البخاري بقوله ما يجوز من اللو فإن فيه إشارة إلى أنها في الأصل لا يجوز إلا ما استثنى .... إلى أن قال :
قال الطبري طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث الدالة على الجواز ، أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع فالمعنى : لا تقل لشيء لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله تعالى وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله موقنا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته ، وهو كقول أبي بكر في الغار " لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا " فجزم بذلك مع تيقنه أن الله قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بعمى أو غيره ، لكن جرى على حكم العادة الظاهرة وهو موقن بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما إلا بمشيئة الله تعالى ، انتهى ملخصا .
وقال عياض الذي يفهم من ترجمة البخاري ومما ذكره في الباب من الأحاديث أنه يجوز استعمال لو ولولا فيما يكون للاستقبال مما فعله لوجود غيره وهو من باب لو لكونه لم يدخل في الباب إلا ما هو للاستقبال ، وما هو حق صحيح متيقن ، بخلاف الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق . قال : والنهي إنما هو حيث قاله معتقدا ذلك حتما ، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه ما أصابه قطعا ، فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى ، وأنه لولا أن الله أراد ذلك ما وقع فليس من هذا قال والذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه ، ويدل عليه قوله : " فإن لو تفتح عمل الشيطان " أي يلقي في القلب معارضة القدر فيوسوس به الشيطان ،
وتعقبه النووي بأنه جاء من استعمال لو في الماضي مثل قوله " لواستقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت " فالظاهر أن النهي عنه إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه ، وأما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله أو ما هو معتذر عليه منه ونحو هذا فلا بأس به ، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث .
وقال القرطبي في المفهم المراد من الحديث الذي أخرجه مسلم أن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله والرضى بما قدر والإعراض عن الالتفات لما فات ، فإنه إذا تذكر فيما فاته من ذلك فقال لو أني فعلت كذا لكان كذا ، جاءته وساوس الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران ، فيعارض بتوهم التدبير سابق المقادير ، وهذا هو عمل الشيطان المنهي عن تعاطي أسبابه بقوله : " فلا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان " وليس المراد ترك النطق بلو مطلقا إذ قد نطق النبي صلى الله عليه وسلم بها في عدة أحاديث ، ولكن محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر ، مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور ، لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه ، وليس فيه فتح لعمل الشيطان ولا ما يفضي إلى تحريم . انتهى بتصرف من فتح الباري
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمن سمع رجلا يقول لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا فقال له رجل آخر سمعه هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر فقال رجل آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى مع الخضر " يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما " واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " - إلى أن قال : - " فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان " فهل هذا ناسخ لهذا أم لا ؟
فأجاب الحمد لله جميع ما قاله الله ورسوله حق و لو تستعمل على وجهين
أحدهما على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور فهذا هو الذي نهى عنه كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " أي تفتح عليك الحزن والجزع وذلك بضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك كما قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قالوا : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم .
والوجه الثاني أن يقال لو لبيان علم نافع كقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ولبيان محبة الخير وإرادته كقوله : " لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل " ونحوه جائز . وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما " هو من هذا الباب كقوله : { ودوا لو تدهن فيدهنون } فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما فذكرهما لبيان محبته للصبر المترتب عليه فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يحب من الصبر على المقدور . وقوله : " وددت لو أن موسى صبر " قال النحاة : تقدير وددت أن موسى صبر . وكذلك قوله : { ودوا لو تدهن فيدهنون } تقديره ودوا أن تدهن وقال بعضهم : بل هي لو شرطية وجوابها محذوف والمعنى على التقديرين معلوم وهو محبة ذلك الفعل وإرادته ومحبة الخير وإرادته محمود والحزن والجزع وترك الصبر مذموم والله أعلم .
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام : وقوله صلى الله عليه وسلم " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت " فيه أمران :
أحدهما جواز استعمال لفظة لو في بعض المواضع ، وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلاف ذلك . وهو قوله صلى الله عليه وسلم " فإن لو تفتح عمل الشيطان " وقد قيل في الجمع بينهما : إن كراهتها في استعمالها في التلهف على أمور الدنيا ، إما طلبا كما يقال : لو فعلت كذا حصل لي كذا . وإما هربا كقوله : لو كان كذا لما وقع لي كذا وكذا لما في ذلك من صورة عدم التوكل في نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر وأما إذا استعملت في تمني القربات كما جاء في هذا الحديث فلا كراهة هذا أو ما يقرب منه .
قال الصنعاني في سبل السلام : ونهاه بقوله إذا أصابه شيء من حصول ضرر أو فوات نفع عن أن يقول لو قال بعض العلماء هذا إنما هو لمن قال معتقدا ذلك حتما ، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه قطعا فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله ، وأنه لا يصيبه إلا ما شاء الله فليس من هذا واستدل له بقول أبي بكر في الغار ولو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا وسكوته صلى الله عليه وسلم
قال القاضي عياض : لا حجة فيه ؛ لأنه إنما أخبر عن أمر مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدره بعد وقوعه قال وكذا جميع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من اللو كحديث لولا حدثان قومك بالكفر الحديث ولو كنت راجما بغير بينة ولولا أن أشق على أمتي وشبيه ذلك ، فكله مستقبل ولا اعتراض فيه على قدر فلا كراهية فيه ؛ لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع ، وعما هو في قدرته فأما ما ذهب فليس في قدرته
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في القول السديد : اعلم أن استعمال العبد للفظة : لو على قسمين : مذموم ومحمود . أما
المذموم فكأن يقع منه أو عليه أمر لا يحبه فيقول : لو أني فعلت كذا لكان كذا ، فهذا من عمل الشيطان ، لأن فيه محذورين :
أحدهما : أنها تفتح عليه باب الندم والسخط والحزن الذي ينبغي له إغلاقه وليس فيها نفع .
الثاني : أن في ذلك سوء أدب على الله وعلى قدره فإن الأمور كلها والحوادث دقيقها وجليلها بقضاء الله وقدره ، وما وقع من الأمور فلا بد من وقوعه ، ولا يمكن رده ، فكان في قوله : لو كان كذا أو لو فعلت كذا كان كذا ، نوع اعتراض ونوع ضعف إيمان بقضاء الله وقدره .ولا ريب أن هذين الأمرين المحذورين لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد إلا بتركهما .
وأما المحمود من ذلك فأن يقولها العبد تمنيا للخير أو تعليما للعلم والخير كقوله صلى الله عليه وسلم " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولأهللت بالعمرة " وقوله في الرجل المتمني للخير " لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان " و " لو صبر أخي موسى ليقص الله علينا من نبأهما " . أي في قصته مع الخضر .وكما أن لو إذا قالها متمنيا للخير فهو محمود ، فإذا قالها متمنيا للشر فهو مذموم .
فاستعمال لو تكون بحسب الحال الحامل عليها إن حمل عليها الضجر والحزن وضعف الإيمان بالقضاء والقدر أو تمني الشر كان مذموما وإن حمل عليها الرغبة في الخير والإرشاد والتعليم كان محمودا
وسئل الشيخ العثيمين : عن حكم استعمال " لو "؟ فأجاب بقوله: استعمال " لو " فيه تفصيل على الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن يكون المراد بها مجرد الخبر فهذه لا بأس بها مثل أن يقول الإنسان لشخص: لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك لجئت إليك.
الوجه الثاني : أن يقصد بها التمني فهذه على حسب ما تمناه إن تمنى بها خيرًا فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك فهو بحسبه، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير ورجل آخر ليس عنده مال، قال: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: " هما في الأجر سواء " والثاني رجل ذو مال لكنه ينفقه في غير وجوه الخير فقال رجل آخر: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هما في الوزر سواء " فهي إذا جاءت للتمني تكون بحسب ما تمناه العبد إن تمنى خيرًا فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى.
الوجه الثالث: أن يراد بها التحسر على ما مضى فهذه منهي عنها لأنها لا تفيد شيئًا وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذه يقول الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان" . وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يريد فكلمة لو في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن، ولهذا نهى عنها رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزونًا ومهمومًا بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر وأن يكون مسرورًا طليق الوجه ونبه الله المؤمنين لهذه النقطة بقوله: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } . وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشد المرء إلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب إلى الجنب الآخر،وألا يحدث بها أحدًا لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله قال: " فإن ذلك لا يضره" .
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائمًا في سرور، ودائمًا في فرح ليكون متقبلًا لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم وفي غم وحزن لا شك أنه يضيق ذرعًا بما يلقى عليه من أمور الشرع وغيرها، ولهذا يقول الله تعالى لرسوله دائمًا: { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } وهذه النقطة بالذات تجد بعض الغيورين على دينهم إذا رأوا من الناس ما يكرهون تجدهم يؤثر ذلك عليهم، حتى على عبادتهم الخاصة ولكن الذي ينبغي أن يتلقوا ذلك بحزم وقوة ونشاط فيقوموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة إلى الله على بصيرة، ثم إنه لا يضرهم من خالفهم.
وقال في القول المفيد على كتاب التوحيد : لو تستعمل على عدة أوجه:
الوجه الأول: أن تستعمل في الاعتراض على الشرع، وهذا محرم، قال تعالى: { لو أطاعونا ما قتلوا } في غزوة أحد حينما تخلف أثناء الطريق عبد الله بن أبي في نحو ثلث الجيش، فلما استشهد من المسلمين سبعون رجلا اعترض المنافقون على تشريع الرسول - صلى الله عليه وسلم وقالوا: لو أطاعونا ورجعوا كما رجعنا ما قتلوا، فرأينا خير من شرع محمد، وهذا محرم يصل إلى الكفر.
الثاني: أن تستعمل في الاعتراض على القدر، وهذا محرم أيضا، قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } أي: لو أنهم بقوا ما قتلوا، فهم يعترضون على قدر الله.
الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر، وهذا محرم أيضا لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه؛ لأن الندم يكسب النفس حزنا وانقباضا، والله يريد من أن نكون في انشراح وانبساط، قال صلى الله عليه وسلم : " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان" مثال ذلك: رجل حرص أن يشتري شيئا يظن أن فيه ربحا فخسر، فقال: لو أني ما اشتريته ما حصل لي من خسارة، فهذا ندم وتحسر، ويقع كثيرا، وقد نهي عنه.
الرابع: أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية كقول المشركين: { لو شاء الله ما أشركنا } وقولهم: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } وهذا باطل.
الخامس: أن تستعمل في التمني وحكمه حسب المتمنى إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النفر الأربعة قال أحدهم: " لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان " فهذا تمنى خيرا، وقال الثاني: " لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان " فهذا تمنى شرا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأول: " فهو بنيته، فأجرهما سواء" وقال في الثاني: " فهو بنيته، فوزرهما سواء "
السادس: أن تستعمل في الخبر المحض وهذا جائز، مثل: لو حضرت الدرس لاستفدت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم " ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو علم أن هذا الأمر سيكون من الصحابة ما ساق الهدي ولأحل
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم
تعليق