هل الحركات الحزبية جمعت بين الحق والباطل؟
أم أنها لا تحوي حقاً ألبتة؟
لأبي حازم وليد الشرقاوي
غفر الله له
أم أنها لا تحوي حقاً ألبتة؟
لأبي حازم وليد الشرقاوي
غفر الله له
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ثم أما بعد :
فإن الفهم والتفاهم والدقة والتدقيق في الأمور مطلوبٌ ؛ خاصةً في الحكم على الناس والرد عليهم والتحذير منهم أو من أقوالهم.
وإن مما ينبغي أن يكون بديهياً ومن مُسلمات الأمور أن الحكم العام لا يتعارض ولا يتضارب مع الشرح التفصيلي له , ولكن للأسف أن البعض قد أخطأوا بسبب الغفلة عن هذه النقطة المهمة في بعض الأحيان ومن ثم يتوهمون وجود التناقض بين الحكم العام والشرح التفصيلي له.
وأضرب مثالاً بالخمر ؛ فحكمها العام أنها حرام , وتفصيل ذلك الحكم جاء في كتاب ربنا -عز شأنه- {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}.
فمن سُئل عن الخمر فأجاب مكتفياً بالحكم العام أنها حرام فليس مخطئاً , ومن سُئل عنها فأجاب بالتفصيل في أمرها وأسهب في توضيح حقيقتها فليس مخطئاً , ولا تعارض ألبتة بين من قال أن الخمر حرام ومن قال أن فيها إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر.
وهل يستطيع أحد أن يتهم ربنا -جل وعلا- أنه مميع أو يسير على منهج الموازنات البدعي حينما ذكر أن في الخمر منافع للناس؟
لا ؛ لأن هذا من باب التفصيل وقد ختم الله -تعالى- ببيان أن الإثم أكبر بل غلب إثمها على نفعها وصار الحكم بأن الخمر إثم وليست بنافعة.
وللأسف رأينا البعض يعترضون على الأحكام العامة ببعض الأمور التفصيلية ؛ حيث أنهم لم يفهموا أنه لا يوجد تعارض بينها ؛ فمثلاً الحكم العام على حركة الإخوان المسلمين بأنها فرقة ضالة من الفرق النارية لا يختلف ولا يتعارض مع قولنا التفصيلي أنه لا يلزم أن يدخل كل فرد من حركة الإخوان المسلمين النار ؛ فالله يعفو عمن يشاء.
ولكن -للأسف- وجدنا بعض المتمشيخين من الدعاة والكُتاب المنتسبين إلى السلفية يعترضون على أن هذه الجماعة نارية ويستدلون على ذلك ببعض الأمور التفصيلية التي في الحقيقة لا تتعارض مع الحكم العام.
ومما حدث لي في هذه الأيام أن شخصاً أرسل رسالة خاصة يستفسر فيها قائلاً : ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرت في الموضوع [يا دعاة الموزنات في الأحكام تعالوا إلى كلمة سواء] حفظك الله : (نصحح ولا نجرح) فهي قاعدة باطلة -في الغالب- في التعامل مع الناس ,
سؤالي : لماذا ذكرت في هذه العبارة كلمة الغالب ؟؟
يعني لماذا لم تقل فهي قاعدة باطله بلا كلمة الغالب ؟؟
مجرد استفسار لا غير))
فأجبت هذا الأخ بما يلي :
((وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ,
ذكرت ذلك من باب التفصيل وليس لازما أن نذكر هذا التفصيل دائماً ويصح بلا شك أن نقول أن هذه القاعدة باطلة وفقط ولا تضارب ولا تعارض.
وفقك الله وإياي)) اهـ
والذي دعاني لأن أسطر هذا المقال أنني حزنت حينما اطلعت على انتقاد فضيلة الشيخ الموقر عبيد الجابري -حفظه الله- للشيخ الفاضل عبدالعزيز الريس -حفظه الله- في جزئية لا يصح الانتقاد فيها ولا التشنيع عليه فيها ألبتة , مع كامل احترامي للشيخ عبيد -وفقه الله ورعاه-.
قال الشيخ عبيد -حفظه الله- ((الملحوظة الثَّانية: قولك في كتابك (الإمام ابن تيمية وجماعة التبليغ/ من الطبعة المشار إليها سابقاً)(ص17/ من مقدَّمتك):" وإنَّ مما جمعت بين الحقِّ والباطل والخير والشرِّ، جماعة التبليغ المعروفة..".
الملحوظ: ما عهدنا مثل هذا عند السَّلف رحمهم الله عند كلامهم على أهل البدع، بل المعروف منهم التَّحذير، وشدَّة النكير وإغلاظ القول لهم والتشنيع عليهم، وقد جاءت السنة المستفيضة عن النبي في التحذير من أهل الأهواء، من ذلك قوله (سيكون في آخر الزمان أناسٌ يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) خرَّجه مسلمٌ في (المقدمة) والبغوي وغيرهما من حديث أبي هريرة ، وأجمع السَّلف على ما أفاده هذا الحديث وما جاء في معناه.
فأيُّ خيرٍ في هذه الجماعة بعد تفسيرهم لـ(لا إله إلا الله) بتوحيد الربوبية؟!! وأي خيرٍ فيها وهي لا تُعير العلم الشرعي اهتماماً؟ ولكنك حين قلتَ ما قلتَ، قد وقعت في قاعدة (الموازنة) التي يستخدمها المتحزِّبة سلاحاً في وجه أهل السنة، وتلطيفاً للبدع وأهلها.
ثم أيُّ خيرٍ فيها، وقد قلت نفسكَ بعد سطرين من كلامك السَّابق ما نصُّه:" هذه الجماعة قد اشتهرت بالدعوة والتضحية، لكن- للأسف- على غير هدي الرسول وأصحابه"!!! فمن كان مناصراً للسُّنَّة حقَّاً فليحذر من هذه الجماعة وأهلها وغيرها تَحذيراً مطلقاً ولا يذكرُ حسناتهم!.)) اهـ
قلت (أبو حازم) :
1- إن قول الشيخ عبدالعزيز الريس -حفظه الله- ((وإنَّ مما جمعت بين الحقِّ والباطل والخير والشرِّ، جماعة التبليغ المعروفة)) ليس من منهج الموازنات في شيء ؛ ذلك أنه يقول ذلك على سبيل الذم لهذه الجماعة ؛ والدليل على ذلك تحذيره منها في خلاصة حكمه عليها.
فهي جماعة تجمع بين الخير والشر والغث والسمين أي أنها جماعة خليطة وليست نقية.
2- إن قول الشيخ الريس السابق الذكر قد قيل من باب التفصيل في حال الجماعة ؛ فلا ينكر أحد أنها تحوي بعض الحق وتجمعه مع الباطل , ولما غلب الباطل عليها وجب التحذير منها كما فعل الشيخ الريس -وفقه الله- , ولا تعارض بين التفصيل والإسهاب وبين الإيجاز والحكم العام.
3- إن شئتُ أن أجمع من كلام السلف ما يدل على اعترافهم ببعض الخير الموجود عند أهل البدع لجمعت من ذلك الشيء الكثير , ولكن السلف مع اعترافهم بذلك إلا أنهم يحذرون منهم لأن الشر قد غلب عليهم.
قال ابن تيمية -رحمه الله- ((وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفّار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خير من أن يكونوا كفاراً)) اهـ
4- نقل الشيخ ربيع المدخلي -حفظه الله- رأي شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الخوارج ثم قال على سبيل المقارنة والذم :
( قلت : فأين ذكر محاسنهم مع أنهم خير من كثير من مبتدعة زماننا، إذ كانوا بعيدين عن الشرك في العبادة، وبعيدين عن تعطيل أسماء الله وصفاته، الأمر الذي غلب على مبتدعة زماننا ؟! ) اهـ
فانظر إلى ذكر الشيخ ربيع لبعض محاسن الخوارج الأقدمين ((إذ كانوا بعيدين عن الشرك في العبادة، وبعيدين عن تعطيل أسماء الله وصفاته)) وهذا لا يُعارض تبديعه لهم وتحذيره منهم وعدم إغتراره بمحاسنهم.
بل قال العلامة ربيع بن هادي -حفظه الله- في كتاب (الحد الفاصل بين الحق والباطل) :
لقد كان سيد قطب نفسه أقرب إلى الحق والإنصاف من هؤلاء الشاغبين ، حيث يقول: (إن منهج الله ثابت، وقيمه وموازينه ثابته، والبشر يبعدون أو يقربون من هذا المنهج، ويخطئون ويصيبون في قواعد التصور وقواعد السلوك. ولكن ليس شئ من أخطائهم محسوبا على المنهج، ولا مغيرا لقيمه وموازينه الثابته.وحين يخطئ البشر في التصور أو السلوك، فإنه يصفهم بالخطأ وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالانحراف ولا يتغاضى عن خطئهم وانحرافهم – مهما تكن منازلهم وأقدارهم - ولا ينحرف هو ليجاري انحرافهم! ونتعلم نحن من هذا، أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج! وأنه من الخير للأمة المسلمة أن تبقى مباديء منهجها سليمة ناصعة قاطعة، وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه – أيا كانوا – وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتـهم أبدا، بتحريف المنهج، وتبديل قيمه وموازينه. فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف.. فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص) انظر كتاب (الظلال) (1/533) من تفسير سورة آل عمران.اهـ ))
فهاهو الشيخ ربيع يذكر بعض كلام سيد قطب الذي وافق فيه الحق والإنصاف ليجعله حجة على الشاغبين من المفتونين به , ومع ذلك فالشيخ ربيع أشهر من حذر من سيد قطب وضلاله المبين.
5- أجيب فضيلة الشيخ عبيد على أسئلته التي بدأها بقوله ((فأيُّ خيرٍ في هذه الجماعة بعد تفسيرهم لـ(لا إله إلا الله) بتوحيد الربوبية؟!!)) اهـ
فأقول : نعم يا فضيلة الشيخ ليس عند هؤلاء خيرٌ يغلب على شرهم ؛ فيجعلنا نسكت عليهم أو نهون من التحذير منهم أو نمدحهم , ولكن هل ترى يا فضيلة الشيخ أن هذه الجماعة قد تجردت من الخير نهائياً ؟وهل عدم ذكرنا لمحاسن أهل البدع يعني أننا نجحد محاسنهم أم أننا لا نريد أن يغتر الناس بهم فقط؟ وهل رفضنا لمنهج الموازنات يعني أننى نرى أن هؤلاء المبتدعة لا يعتقدون إلا ضلالاً في ضلال ولا يقولون إلا باطلاً في باطل ولا يعملون إلا شراً في شر ؟
والله ما هذا الذي عهدناه عن علماء السلف سابقهم وحاضرهم.
وأكتفي بهذا القدر , وأحذر إخواني من الفرح بالخلاف بين أهل العلم ونشره وأدعوهم إلى السعي في إزالته بالحق والإنصاف , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.