أركان الإسلام
هذا الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ينبني على أركان هي دعائمه، وكذلك ينبني على قربات وطاعات مكملة لهذه الأركان، فكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي فإنه هو الإسلام. لكن هناك أشياء هي دعائم للإسلام وأركان له، بيّنها حديث جبريل عليه السلام لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أخبرني عن الإسلام، قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) رواه مسلم، ففسر الإسلام بهذه الأركان؛ لأن الإسلام يقوم عليها كما يقوم البناء على أركانه وعلى دعائمه، وليست هي الإسلام كله، إنما هي دعائمه، والإسلام: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي.
والدليل على ذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) متفق عليه.
فقوله: "بني" يدل على أن هذه الخمس هي الدعائم التي بني عليها وقام عليها. وحديث ابن عمر هذا مفسر لحديث عمر في قصة جبريل عليه السلام، ومبين أن هذه الأمور التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، إنما هي أركان الإسلام ومبانيه، وهناك شرائع مكملة لهذه المباني، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو: كتاب الرقاق.
فكل الطاعات سواء كانت واجبة أم مستحبة كلها من الإسلام، وتجنب كل المحرمات التي نهى الله عنها هو من الإسلام، فترك الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأكل الربا، والغيبة والنميمة، وكل ما نهى الله عنه، تركه هو الإسلام، لكن هذه الخمس هي دعائمه، وما زاد عنها فإنه يكون متممًا ومكملاً لها.
وهذه الأركان الخمسة ذكرها الله في القرآن في آيات كثيرة.
--------------------------------------------------------------------------------
الركن الأول الشهادتان
الركن الثاني الصلاة
الركن الثالث الزكاة
الركن الرابع الصيام
الركن الخامس الحج
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
نواقض الإسلام
نواقض الإسلام كثيرة وخطيرة جدًا – أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها – وقد يكون بعضها خفيًا يحتاج إلى عناية وتنبيه، وقد ذكر الشيخ محمد ابن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – عشرة من نواقض الإسلام، وهي رسالة مستقلة مطبوعة ضمن "مجموعة التوحيد"، وكذلك من أراد التوسع في معرفة هذا الباب المهم فليرجع إلى باب الردة في "كشاف القناع" في الفقه الحنبلي أو في غيره من كتب الفقه في المذاهب الأخرى، فإن باب الردة يتضمن بيان الأسباب التي يرتد بها الشخص بعد إسلامه.
وهذه النواقض العشرة التي ذكرها الشيخ رحمه الله:
الأول منها: الشرك في عبادة الله عز وجل، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القبر.
والثاني: من نواقض الإسلام: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم.
والثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم.
والرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه صلى الله عليه وسلم.
والخامس: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يرتد ولو عمل به.
والسادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [سورة التوبة: الآيتين 65، 66.].
السابع: السحر تعلمه وتعليمه فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [سورة البقرة: آية 102.].
والثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة: آية 51.].
والتاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهذا كافر.
والعاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [سورة السجدة: آية 22.] قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، وأكثر ما يكون وقوعًا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالله عز وجل
وهو أساسها وأصلها، وهو يعني الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه؛ فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب.
وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
--------------------------------------------------------------------------------
توحيد الربوبية
توحيد الألوهية
توحيد الأسماء والصفات
*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة هو أحد أركان الإيمان الستة؛ كما جاء في حديث جبريل؛ حيث قال: "الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".
وقد جاء ذكر الإيمان بالملائكة مقرونا بالإيمان بالله في كثير من الآيات القرآنية:
كما قال تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
وكما في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}.
والإيمان بالملائكة يتضمن التصديق بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون، خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره، والإيمان بأصنافهم وأوصافهم وأعمالهم التي يقومون بها حسبما ورد في الكتاب والسنة، والإيمان بفضلهم ومكانتهم عند الله عز وجل.
وقد ورد في "صحيح مسلم": أن الله خلقهم من نور. ومما يدل على فضلهم وشرفهم:
أن الله يضيفهم إليه إضافة تشريف؛ كقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، وقوله: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ}، وقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ}، وقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ}.
ويقرن سبحانه شهادتهم مع شهادته وصلاتهم مع صلاته؛ كقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ}، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}.
ويصفهم سبحانه بالكرم والإكرام؛ قال تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ}، وقوله: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}.
ويصفهم بالعلو والتقريب؛ كما في قوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}، وفي قوله: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}.
ويذكر حملهم للعرش وحفهم به؛ كما في قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقوله: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}.
ويذكر سبحانه أنهم عنده ويعبدونه ويسبحونه؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}، وقوله: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}.
وهم بالنسبة إلى الأعمال التي يقومون بها أصناف:
فمنهم حملة العرش؛ قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}.
ومنهم المقربون؛ كما قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}.
ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرام؛ لأهلها.
ومنهم الموكلون بالنار وتعذيب أهلها، وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر، وخازنها مالك، وهو مقدم الخزنة؛ كما قال تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}، وقوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، وقوله {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ}، وقال تعالى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم في الدنيا؛ قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} الآية؛ أي: معه ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه؛ فإذا جاء قدر الله؛ خلوا عنه.
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد وكتابتها؛ قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار)؛ فمع الإنسان ملائكة يحفظونه من المؤذيات، وملائكة يحفظون عليه أعماله وما يصدر منه.
ومن الملائكة من هو موكل بالرحم وشأن النطفة؛ كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات؛ يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد".
ومنهم ملائكة موكلون بقبض الأرواح؛ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}؛ فملك الموت له أعوان من الملائكة؛ يستخرجون روح العبد من جسمه حتى تبلغ الحلقوم، فيتناولها ملك الموت.
والمقصود أن الله وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة تدبر شئونهما بإذنه وأمره ومشيئته سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}، وقوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}؛ فلهذا يضيف سبحانه التدبير إلى الملائكة تارة لكونهم المباشرين له؛ كقوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، ويضيف إليه التدبير تارة؛ كقوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}.
فالملائكة رسل الله في خلقه وأمره، واسم الملك يتضمن أنه رسول؛ لأنه من الألوكة؛ بمعنى الرسالة، وقال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، وقال تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}؛ فهم رسل الله في تنفيذ أمره الكوني الذي يدبر به السماء والأرض، وهم رسله في تدبير أمره الديني الذي تنزل به على الرسل من البشر؛ قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، وقال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
وأعظمهم جبريل عليه السلام، وهو أمين الوحي؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، وقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}.
وقد أعطى الله الملائكة قدرة على التشكل بأشكال مختلفة؛ فقد جاءوا إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام بصورة أضياف، وكان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة: تارة يأتي في صورة دحية الكلبي، وتارة في صورة أعرابي، وتارة في صورته التي خلق عليها، وقد وقع منه هذا مرتين، وذلك لأن البشر لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته، ولما اقترح المشركون أن يرسل الله إليهم ملكا؛ قال تعالى: {وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}؛ أي: لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيا؛ لكان على هيئة الرجل؛ ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه؛ لأن كل جنس يأنس بجنسه، وينفر من غير جنسه.
هذا، وبالله التوفيق.
*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل أحد أصول الإيمان؛ لأنهم الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ رسالاته وإقامته حجته على خلقه.
والإيمان بهم يعني: التصديق برسالتهم، والإقرار بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله، وقد بلغوا الرسالات، وبينوا للناس ما لا يسع أحدا جهله.
والأدلة على وجوب الإيمان بالرسل كثيرة؛ منها:
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}. وقوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}.
ففي هذه الآيات قرن الله الإيمان بالرسل بالإيمان به سبحانه وبملائكته وكتبه، وحكم بكفر من فرق بين الله ورسله؛ فآمن ببعض وكفر ببعض.
وبعث الرسل نعمة من الله على البشرية؛ لأن حاجة البشرية إليهم ضرورية؛ فلا تنتظم لهم حال ولا يستقيم لهم دين إلا بهم؛ فهم يحتاجون إلى الرسل أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الله سبحانه جعل الرسل وسائط بينه وبين خلقه في تعريفهم بالله وبما ينفعهم وما يضرهم، وفي تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه؛ فلا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من جهة الرسل؛ فإن العقل لا يهتدي إلى تفصيل هذه الأمور، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة.
قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}.
وحاجة العباد إلى الرسالات أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطبيب؛ فإن غاية ما يحصل بعدم وجود طبيب تضرر البدن، والذي يحصل من عدم الرسالة هو تضرر القلوب، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة فيهم؛ فإذا ذهبت آثار الرسالة من الأرض؛ أقام الله القيامة.
والرسل الذين ذكر الله أسماءهم في القرآن يجب الإيمان بأعيانهم وهم خمسة وعشرون، منهم ثمانية عشر ذكرهم الله في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} إلى قوله: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}، والباقون- وهم سبعة- ذكروا في آيات متفرقة.
ومن لم يسم في القرآن من الرسل؛ وجب الإيمان به إجمالا؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، وقال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}.
وهنا مسألة تحتاج إلى بيان وهي: الفرق بين النبي والرسول:
فالفرق بين النبي والرسول على المشهور: أن الرسول إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه. والنبي إنسان ذكر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
وكل من النبي والرسول يوحى إليه، لكن النبي قد يبعث في قوم مؤمنين بشرائع سابقة؛ كأنبياء بني إسرائيل؛ يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة. وأما الرسل؛ فإنهم يبعثون في قوم كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته؛ فهم يرسلون إلى مخالفين فيكذبهم بعضهم. والرسول أفضل من النبي. والرسل يتفاضلون؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
وأفضل الرسل أولو العزم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، وفي قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى}.
وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما وعليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
وأفضل الخليلين محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا؛ والنبوة تفضُّل واختيار من الله تعالى؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
وليست النبوة كسبا يناله العبد بالجد، والاجتهاد، وتكلف أنواع العبادات، واقتحام أشق الطاعات، والدأب في تهذيب النفس وتنقية الخاطر وتطهير الأخلاق ورياضة النفس؛ كما يقول الفلاسفة: إنه يجوز اكتساب النبوة؛ حيث يزعمون أن من لازم المشاهدة بعد كمال ظاهره وباطنه بالتهذيب والرياضة؛ فإنها تنصقل مرآة باطنه، وتفتح له بصيرة لبه، ويتهيأ له ما لا يتهيأ لغيره!!
فللنبوة عند الفلاسفة ثلاث خصائص:
الأولى. القوة العلمية؛ بحيث ينال العلم بدون تعلم بل بطريق القوة.
الثانية. قوة التخيل؛ بحيث يتخيل في نفسه أشكالا نورانية تخاطبه ويسمع الخطاب منها.
الثالثة. قوة التأثير في الناس، وهي التي يسمونها التصرف في هيولى العالم.
وهذه الصفات عندهم تحصل بالاكتساب.
ولهذا طلب النبوة بعض المتصوفة؛ فهي عندهم صنعة من الصنائع، وهذا قول باطل، يرد عليه قول الله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
فالنبوة اصطفاء من الله حسب حكمته وعلمه بمن يصلح لها، وليست اكتسابا من قبل العبد.
صحيح أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اختصوا بفضائل يمتازون بها عن غيرهم، ولكن ليست على النحو الذي يقوله الفلاسفة الضلَّال.
**--*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالكتب
الإيمان بالكتب الإلهية هو أحد أصول الإيمان وأركانه
والإيمان بها هو التصديق الجازم بأنها حق وصدق، وأنها كلام الله عز وجل؛ فيها الهدى والنور والكفاية لمن أنزلت عليهم. نؤمن بما سمى الله منها، وهي القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وما لم يسم منها؛ فإن لله كتبا لا يعلمها إلا هو سبحانه. وإنزال الكتب من رحمة الله بعباده لحاجة البشرية إليها؛ لأن عقل الإنسان محدود، لا يدرك تفاصيل النفع والضرر، وإن كان يدرك الفرق بين الضار والنافع إجمالا.
والعقل الإنساني أيضا تغلب عليه الشهوات، وتلعب به الأغراض والأهواء؛ فلو وكلت البشرية إلى عقولها القاصرة؛ لضلت وتاهت، فاقتضت حكمة الله ورحمته أن ينزل هذه الكتب على المصطفين من رسله؛ ليبينوا للناس ما تدل عليه هذه الكتب وما تتضمنه من أحكامه العادلة ووصاياه النافعة وأوامره ونواهيه الكفيلة بإصلاح البشرية.
قال تعالى حين أهبط آدم أبي البشرية من الجنة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقد انقسم الناس حيال الكتب السماوية إلى ثلاثة أقسام:
قسم كذب بها كلها، وهم أعداء الرسل من الكفار والمشركين والفلاسفة.
وقسم آمن بها كلها، وهم المؤمنون الذين آمنوا بجميع الرسل وما أنزل إليهم؛ كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
وقسم آمن ببعض الكتب وكفر ببعضها، وهم اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم، الذين يقولون: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}، بل هؤلاء يؤمنون ببعض كتابهم ويكفرون ببعضه؛ كما قال تعالى فيهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
ولا شك أن الإيمان ببعض الكتاب أو ببعض الكتب والكفر بالبعض الآخر كفر بالجميع؛ لأنه لابد من الإيمان بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل؛ لأن الإيمان لابد أن يكون مؤتلفا جامعا لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف، والله تعالى ذم الذين تفرقوا واختلفوا في الكتاب؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.
وسبب كفر من كفر بالكتب أو كفر ببعضها أو ببعض الكتاب الواحد هو اتباع الهوى والظنون الكاذبة، وزعمهم أن لهم العقل والرأي والقياس العقلي، ويسمون أنفسهم بالحكماء والفلاسفة، ويسخرون من الرسل وأتباعهم، ويصفونهم بالسفه؛ كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
وأما أتباع الرسل فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، لا يفرقون بينها.
والإيمان بالكتب السابقة إيمان مجمل؛ يكون بالإقرار به بالقلب واللسان، أما الإيمان بالقرآن؛ فإنه إيمان مفصل؛ يكون بالإقرار به بالقلب واللسان، واتباع ما جاء فيه، وتحكيمه في كل كبيرة وصغيرة، والإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وقد اقتضت حكمة الله أن تكون الكتب السابقة لآجال معينة ولأوقات محددة، ووكل حفظها إلى الذين استحفظوا عليها من البشر؛ كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}، أما القرآن الكريم؛ فقد أنزله الله لكل الأجيال من الأمم في كل الأوطان إلى يوم القيامة، وتولى حفظه بنفسه؛ لأن وظيفة هذا الكتاب لا تنتهي إلا بنهاية حياة البشر على الأرض؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
ويجب تحكيم هذا القرآن في جميع الخلافات، ويجب رد جميع النزاعات إليه.
وقد جعل الله التحاكم إلى غير كتابه تحاكما إلى الطاغوت؛ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}، والطاغوت: فعلوت من الطغيان، وهو مجاوزة الحد.
وقد ذم الله المدعين للإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما حكم قوم بغير ما أنزل الله؛ إلا وقع بأسهم بينهم". وهذا من أعظم تغيير الدول ونشوب الفتن والتناحر بين الشعوب؛ لأن الإيمان بالكتاب يوجب التحاكم إليه؛ فمن ادعى الإيمان بالكتاب وهو يتحاكم إلى غيره؛ فهو متناقض في دعواه، والكتاب لا يتجزأ؛ فيجب تطبيقه كله والعمل به كله في كل المجالات؛ في العقائد والعبادات والمعاملات، وفي الأحوال الشخصية والجنايات والحدود، وفي الآداب والسلوك.
قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}؛ فنفى الإيمان نفيا مؤكدا بالقسم عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، مع انشراح صدره وانقياده لحكم الله؛ كما وصف من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق، وإن ادعى الإيمان والعدالة والعدل.
فتبا لقوم استبدلوا كتاب الله بالقوانين الوضعية الطاغوتية وهم يدعون الإيمان؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
الإيمان باليوم الآخر
ذكر شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية أن الإيمان باليوم الآخر يدخل فيه كل ما بعد الموت من عذاب القبر ونعيمه ومن البعث ومن العرض والحساب والميزان وتطاير الصحف والجنة والنار، ومن أنكر شيئاً منها فإنه لا يكون مؤمناً باليوم الآخر.
واليوم الآخر وما فيه من أمور الغيب التي لا ندخل فيها بعقولنا وأفكارنا، إنما نعتمد على ما جاء في الكتاب والسنة، ولا نتدخل في هذه الأمور، ولا نقول فيها إلا بالدليل .
والقبر برزخ بين الدنيا والآخرة والبرزخ معناه الفاصل بين شيئين {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون:100].
القبر محطة انتظار، وينتقل الناس بعده إلى البعث والحساب، وذكر ابن القيم رحمه الله أن الدور ثلاث:
الأولى: دار الدنيا: وهي محل العمل والكسب من خير أو شرف.
الثانية: دار البرزخ، وهي دار مؤقتة، ولهذا يخطئ من يقول مثواه الأخير.
الثالثة: دار القرار، وهي الجنة أو النار: {وإن الآخرة هي دار القرار} [غافر:39].
فإذا وضع الميت في قبره ودفن وانصرف الناس عنه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، كما في الحديث، فإنه تُعاد روحه في جسده، وهذه حياة برزخية لا يعلمها إلا الله، والله على كل شيء قدير، وبعد أن تُعاد روحه في جسده ويُحيى حياة أخرى فيأتيه ملكان فيسألانه ثلاثة أسئلة:
من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ [أخرجه أحمد]
فإن أجاب بجواب صحيح فاز وربح، وصارت حفرته روضة من رياض الجنة، ثم يوم القيامة يصير من أهل الجنة. وإن أخفق في الجواب، ولم يجب، فإن قبره يصير حفرة من حفر النار، ويُضيّقُ عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه، والأول يوسع له في قبره مد بصره، ويفتح له باب من الجنة يأتيه من روحها وريحانها، وهذا يضيق عليه في قبره حتى تختلف عليه أضلاعه، ثم يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها، والعياذ بالله.
فالإجابة الصحيحة والتي يُثبت الله قائلها: أن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيّ محمد صلى الله عليه وسلم {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم:27].
وهذا بسبب الإيمان بالله ورسوله، وليس بسبب التعلم أو الثقافة، فمن ليس عنده إيمان فإنه يتلكأ في الإجابة، وهو المنافق الذي يُظهر الإيمان في الدنيا ويُبطن الكفر، فإنه لا يستطيع الإجابة ويقول: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم:27].
--------------------------------------------------------------------------------
الإيمان بأشراط الساعة
الإيمان بالبعث
الإيمان بعذاب القبر
البعث والنشور
الجنة والنار
الحساب
الصراط
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالقضاء والقدر
لا شك أن إثبات القضاء والقدر ووجوب الإيمان بهما وبما تضمناه من أعظم أركان الإيمان؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره )، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
والقدر: مصدر: قدرت الشيء: إذا أحطت بمقداره.
والمراد هنا: تعلق علم الله بالكائنات وإرادته لها أزلا قبل وجودها؛ فلا يحدث شيء إلا وقد علمه الله وقدره وأراده.
ومذهب أهل السنة والجماعة هو الإيمان بالقدر خيره وشره.
والإيمان بالقدر يتضمن أربع درجات:
الأولى: الإيمان بعلم الله الأزلي بكل شيء قبل وجوده، ومن ذلك علمه بأعمال العباد قبل أن يعملوها.
الثانية: الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ.
الثالثة: الإيمان بمشيئة الله الشاملة لكل حادث وقدرته التامة عليه.
الرابعة: الإيمان بإيجاد الله لكل المخلوقات، وأنه الخالق وحده، وما سواه مخلوق.
ومن أدلة المرتبة الأولى والثانية: قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}
ومن أدلة المرتبة الثالثة: قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }
من أدلة المرتبة الرابعة: قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}وقوله تعالى: {وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}
والتقدير نوعان:
1. تقدير عام شامل لكل كائن، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ؛ فقد كتب الله فيه مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، كما في الحديث الذي رواه أبو داوود في "سننه"عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول ما خلق الله القلم، قال له اكتب! قال وما أكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ). وهذا التقدير يعم جميع المخلوقات.
2. وتقدير مفصل للتقدير العام، وهو أنواع:
النوع الأول: التقدير العمري؛ كما في حديث ابن مسعود في شأن ما يكتب على الجنين وهو في بطن أمه من كتابة أجله ورزقه وعمله وشقاوته أو سعادته.
النوع الثاني: التقدير الحولي، وهو ما يقدر في ليلة القدر من وقائع العام؛ كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
النوع الثالث: التقدير اليومي، وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعز وذل... إلى غير ذلك؛ كما في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}
ولا بد للمسلم من الإيمان بالقدر العام وتفاصيله؛ فمن جحد شيئا منهما؛ لم يكن مؤمنا بالقدر، ومن لم يؤمن بالقدر؛ فقد جحد ركنا من أركان الإيمان؛ كما عليه الفرقة القدرية الضالة التي تنكر القدر، وهم في هذا الإنكار على قسمين:
القسم الأول:
القدرية الغلاة الذين ينكرون علم الله بالأشياء قبل كونها، وينكرون كتابته لها في اللوح المحفوظ، ويقولون: إن الله أمر ونهى، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه؛ فالأمر أنف (أي: مستأنف)، لم يسبق في علم الله وتقديره. وهذه الفرقة قد انقرضت أو كادت.
القسم الثاني:
تقر بالعلم، ولكنها تنفي دخول أفعال العباد في القدر، وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالا، لم يخلقها الله ولم يردها، وهذا مذهب المعتزلة.
وقابلتهم طائفة غلت في إثبات القدر حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، وقالوا: إن العبد مجبر على فعله، ولذلك سموا بالجبرية.
وكلا المذهبين باطل لأدلة كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} لأن قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}: يرد على الجبرية؛ لأن الله تعالى أثبت للعباد مشيئة، وهم يقولون: إنهم مجبورون لا مشيئة لهم. وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}: فيه الرد على القدرية القائلين بأن مشيئة العبد مستقلة بإيجاد الفعل من غير توقف على مشيئة الله، وهذا قول باطل؛ لأن الله علق مشيئة العبد على مشيئته سبحانه، ربطها بها.
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية، فلم يُفَرِّطوا تفريط القدرية النفاة، ولم يُفَرِّطوا إفراط الجبرية الغلاة.
فمذهب سلف الأمة وأئمتها أن جميع أنواع الطاعات والمعاصي والكفر والفساد واقع بقضاء الله وقدره، لا خالق سواه؛ فأفعال العباد كلها مخلوقة لله؛ خيرها وشرها، حسنها وقبيحها، والعبد غير مجبور على أفعاله، بل هو قادر عليها وقاصد لها وفاعل لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي هي من العبد، بمعنى أنها قائمة بالعبد وحاصلة بمشيئته وقدرته، وهو المتصف بها والمتحرك بها الذي يعود حكمها عليه، وهي من الله، بمعنى أنه خلقها قائمة بالعبد، وجعلها عملا له وكسبا؛ كما يخلق المسببات بأسبابها؛ فهي من الله مخلوقة له، ومن العبد صفة قائمة به واقعة بقدرته وكسبه؛ كما إذا قلنا: هذه الثمرة من الشجرة، وهذا الزرع من الأرض؛ بمعنى أنه حدث منها، ومن الله بمعنى أنه خلقه منها، لم يكن بينهما تناقض..."انتهى.
وقال السفاريني: "والحاصل أن مذهب أهل السلف ومحققي أهل السنة أن الله تعالى خلق قدرة العبد وإرادته وفعله، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة ومحدث لفعله، والله سبحانه جعله فاعلا له محدثا له؛ قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }...؛ فأثبت مشيئة العبد، وأخبر أنها لا تكون إلا بمشيئة الله، وهذا صريح قول أهل السنة في إثبات مشيئة العبد، وأنها لا تكون إلا بمشيئة الله..."انتهى.
وأقول: إن مما يؤيد هذا أن الله أعطى الإنسان عقلا وقدرة واختيارا، ولا يحتسب فعله له أو عليه؛ إلا إذا توفرت فيه هذه القوى.
فالمجنون والمعتوه أو المكره لا اعتبار لما يصدر منهم من الأقوال والأفعال، ولا يؤاخذون عليها، مما يدل على أنه ليس بمجبر ولا مستقل بنفسه. والله المستعان.
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
إن من أعظم ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر صحة إيمان الشخص بتكامل أركانه؛ لأن الإيمان بذلك من أركان الإيمان الستة التي لا يتحقق إلا بها؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر طمأنينة القلب وارتياحه وعدم القلق في هذه الحياة عندما يتعرض الإنسان لمشاق الحياة؛ لأن العبد إذا علم أن ما يصيبه فهو مقدر لا بد منه ولا راد له، واستشعر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك )؛ فإنه عند ذلك تسكن نفسه ويطمئن باله؛ بخلاف من لا يؤمن بالقضاء والقدر؛ فإنه تأخذه الهموم والأحزان، ويزعجه القلق حتى يتبرم بالحياة ويحاول الخلاص منها ولو بالانتحار؛ كما هو مشاهد من كثرة الذين ينتحرون فرارا من واقعهم وتشاؤما من مستقبلهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالقضاء والقدر، فكان تصرفهم ذلك نتيجة حتمية لسوء اعتقادهم.
وقد قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فأخبرنا سبحانه أنه قدر ما يجري من المصائب في الأرض وفي الأنفس؛ فهو مقدر ومكتوب لا بد من وقوعه مهما حاولنا دفعه، ثم بين أن الحكمة من إخباره لنا بذلك لأجل أن نطمئن فلا نجزع ولا نأسف عند المصائب ولا نفرح عند حصول النعم فرحا ينسينا العواقب، بل الواجب علينا الصبر عند المصائب وعدم اليأس من روح الله، والشكر عند الرخاء وعدم الأمن من مكر الله، ونكون مرتبطين بالله في الحالتين.
قال عكرمة رحمه الله: "ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن؛ ولكن جعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا".
وليس معنى هذا أن العبد لا يتخذ الأسباب الواقية من الشر والجالبة للخير، وإنما يتكل على القضاء والقدر؛ كما يظن بعض الجهال، هذا من أكبر الغلط والجهل؛ فإن الله أمرنا باتخاذ الأسباب، ونهانا عن التكاسل والإهمال، ولكن إذا اتخذنا السبب وحصل لنا عكس المطلوب؛ فعلينا أن لا نجزع؛ لأن هذا هو القضاء المقدر، ولو قدر غيره؛ لكان، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تجزعن، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل لو أني فعلت كذا؛ كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ). رواه مسلم.
وعلى العبد مع هذا أن يحاسب نفسه ويصحح أخطاءه؛ فإنه لا يصيبه شيء إلا بسبب ذنوبه؛ قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الثبات عند مواجهة الأزمات، واستقبال مشاق الحياة بقلب ثابت ويقين صادق لا تزلزله الأحداث ولا تهزه الأعاصير؛ لأنه يعلم أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان وتقلب؛ كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}
كم جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته من المحن والشدائد، لكنهم واجهوها بالإيمان الصادق والعزم الثابت حتى اجتازوها بنجاح باهر، وما ذاك إلا لإيمانهم بقضاء الله وقدره، واستشعارهم لقوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر تحويل المحن إلى منح، والمصائب إلى أجر؛ كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
قال علقمة: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم".
ومعنى الآية الكريمة: من أصابته مصيبة، فعلم أنها من قدر الله، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله؛ هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدًى في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف الله عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه، وهذا في نزول المصائب التي هي من قضاء الله وقدره، لا دخل للعبد في إيجادها إلا من ناحية أنه تسبب في نزولها به، حيث قصر في حق الله عليه بفعل أمره وترك نهيه؛ فعليه أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويصحح خطأه الذي أصيب بسببه.
وبعض الناس يخطئون خطأ فاحشا عندما يحتجون بالقضاء والقدر على فعلهم للمعاصي وتركهم للواجبات، ويقولون: هذا مقدر علينا! ولا يتوبون من ذنوبهم؛ كما قال المشركون: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} وهذا فهم سيئ للقضاء والقدر؛ لأنه لا يحتج بهما على فعل المعاصي والمصائب، وإنما يحتج بهما على نزول المصائب؛ فالاحتجاج بهما على فعل المعاصي قبيح؛ لأنه ترك للتوبة وترك للعمل الصالح المأمور بهما، والاحتجاج بهما على المصائب حسن؛ لأنه يحمل على الصبر والاحتساب.
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر أنه يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والقوة والشهامة؛ فالمجاهد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموت؛ لأنه يعلم أنه لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخر، لا يمنع منه حصون ولا جنود، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وهكذا حينما يستشعر المجاهد هذه الدفعات القوية من الإيمان بالقدر؛ يمضي في جهاده حتى يتحقق النصر على الأعداء وتتوفر القوة للإسلام والمسلمين.
وكذلك بالإيمان بالقضاء والقدر يتوفر الإنتاج والثراء؛ لأن المؤمن إذا علم أن الناس لا يضرونه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، ولا ينفعونه إلا بشيء قد كتبه الله له؛ فإنه لن يتواكل، ولا يهاب المخلوقين، ولا يعتمد عليهم، وإنما يتوكل على الله، ويمضي في طريق الكسب، وإذا أصيب بنكسة، ولم يتوفر له مطلوبه؛ فإن ذلك لا يثنيه عن مواصلة الجهود، ولا يقطع منه باب الأمل، ولا يقول: لو أنني فعلت كذا؛ كان كذا وكذا! ولكنه يقول: قدر الله وما شاء فعل. ويمضي في طريقه متوكلا على الله، مع تصحيح خطئه، ومحاسبته لنفسه، وبهذا يقوم كيان المجتمع، وتنتظم مصالحه، وصدق الله حيث يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}
والحمد لله رب العالمين.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الولاء والبراء
هذا؛ وبعد انتهائنا من هذا البيان المختصر لأصول العقيدة الإسلامية نشير إلى أنه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها؛ فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم.
وذلك من ملة إبراهيم والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وهو من دين محمد عليه الصلاة والسلام:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وهذه في تحريم موالاة أهل الكتاب خصوصا.
وقال في تحريم موالاة الكفار عموما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
بل لقد حرم الله على المؤمن موالاة الكفار ولو كانوا من أقرب الناس نسبا؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
وقد جهل كثير من الناس هذا الأصل العظيم، حتى لقد سمعت بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة في إذاعة عربية يقول عن النصارى: إنهم إخواننا! ويا لها من كلمة خطيرة!!
وكما أن الله سبحانه حرم موالاة الكفار أعداء العقيدة الإسلامية؛ فقد أوجب سبحانه موالاة المؤمنين ومحبتهم؛ قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}
فالمؤمنون إخوة في الدين والعقيدة، وإن تباعدت أنسابهم وأوطانهم وأزمانهم؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
فالمؤمنون من أول الخليقة إلى آخرها مهما تباعدت أوطانهم وامتدت أزمانهم إخوة متحابون؛ يقتدي آخرهم بأولهم، ويدعوا بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض.
وللولاء والبراء مظاهر تدل عليهما:
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*--*-*-*-*-*-*--**-*-*-
الشفاعة
الشفاعة لغة: الوسيلة والطلب، وعرفا: سؤال الخير للغير، وقيل: هي من الشفع الذي هو ضد الوتر، فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له.
والشفاعة حق إذا تحققت شروطها، وهي: أن تكون بإذن الله تعالى، ورضاه عن المشفوع له.
قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
ففي هذه الآية الكريمة أن الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين:
الأول: إذن الله للشافع أن يشفع؛ لأن الشفاعة ملكه سبحانه؛ {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}.
الثاني: رضاه عن المشفوع فيه بأن يكون من أهل التوحيد؛ لأن المشرك لا تنفعه الشفاعة؛ كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
فتبين بهذا بطلان ما عليه القبوريون اليوم الذين يطلبون الشفاعة من الأموات ويتقربون إليهم بأنواع القربات:
كما قال الله في سلفهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}.
وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم الشفاعة، فيشفع لمن أذن الله له فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات:
أما الشفاعة الأولى؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن تتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها".
وقال رحمه الله: "وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته؛ فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء: من يدخل النار؛ لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها! وعند هؤلاء ما ثَمَّ إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلا يدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم في الشخص الواحد ثواب وعقاب...".
إلى أن قال: "واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}، وبقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}، وبقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}، وبقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
وجواب أهل السنة: أن هذا يراد به شيئان:
أحدهما: أنها لا تنفع المشركين؛ كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}؛ فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارا.
والثاني: أنه يراد بذلك الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه كما يشفع الناس في بعضهم عند بعض".
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الحوض
قال الحافظ السيوطي: "ورد ذكر الحوض من رواية بضعة وخمسين صحابيا، منهم الخلفاء الأربعة الراشدون، وحفاظ الصحابة المكثرون، وغيرهم؛ رضوان الله عليهم أجمعين"انتهى.
وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه؛ لا يظمأ أبدا) .
وروى مسلم في "صحيحه"عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقال إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها؛ قال هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم، فأقول يا رب! إنه من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك). ومعنى يختلج: يطرد عن ورود الحوض.
قال القرطبي: "قال علماؤنا: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به؛ فهو من المطرودين عن الحوض، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين؛ كالخوارج والروافض والمعتزلة على اختلاف فرقهم؛ فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذا الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وإذلال أهله، والمعلنون بكبائر الذنوب، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والبدع، ثم الطرد قد يكون في حال، ثم يقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد..." انتهى.
وقد خالفت المعتزلة؛ فلم تقل بإثبات الحوض مع ثبوته بالسنة الصحيحة الصريحة؛ فكل من خالف في إثباته؛ فهو مبتدع وأحرى أن يطرد عنه
والحمد لله رب العالمين.
هذا الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ينبني على أركان هي دعائمه، وكذلك ينبني على قربات وطاعات مكملة لهذه الأركان، فكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي فإنه هو الإسلام. لكن هناك أشياء هي دعائم للإسلام وأركان له، بيّنها حديث جبريل عليه السلام لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أخبرني عن الإسلام، قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) رواه مسلم، ففسر الإسلام بهذه الأركان؛ لأن الإسلام يقوم عليها كما يقوم البناء على أركانه وعلى دعائمه، وليست هي الإسلام كله، إنما هي دعائمه، والإسلام: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي.
والدليل على ذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) متفق عليه.
فقوله: "بني" يدل على أن هذه الخمس هي الدعائم التي بني عليها وقام عليها. وحديث ابن عمر هذا مفسر لحديث عمر في قصة جبريل عليه السلام، ومبين أن هذه الأمور التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، إنما هي أركان الإسلام ومبانيه، وهناك شرائع مكملة لهذه المباني، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو: كتاب الرقاق.
فكل الطاعات سواء كانت واجبة أم مستحبة كلها من الإسلام، وتجنب كل المحرمات التي نهى الله عنها هو من الإسلام، فترك الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأكل الربا، والغيبة والنميمة، وكل ما نهى الله عنه، تركه هو الإسلام، لكن هذه الخمس هي دعائمه، وما زاد عنها فإنه يكون متممًا ومكملاً لها.
وهذه الأركان الخمسة ذكرها الله في القرآن في آيات كثيرة.
--------------------------------------------------------------------------------
الركن الأول الشهادتان
الركن الثاني الصلاة
الركن الثالث الزكاة
الركن الرابع الصيام
الركن الخامس الحج
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
نواقض الإسلام
نواقض الإسلام كثيرة وخطيرة جدًا – أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها – وقد يكون بعضها خفيًا يحتاج إلى عناية وتنبيه، وقد ذكر الشيخ محمد ابن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – عشرة من نواقض الإسلام، وهي رسالة مستقلة مطبوعة ضمن "مجموعة التوحيد"، وكذلك من أراد التوسع في معرفة هذا الباب المهم فليرجع إلى باب الردة في "كشاف القناع" في الفقه الحنبلي أو في غيره من كتب الفقه في المذاهب الأخرى، فإن باب الردة يتضمن بيان الأسباب التي يرتد بها الشخص بعد إسلامه.
وهذه النواقض العشرة التي ذكرها الشيخ رحمه الله:
الأول منها: الشرك في عبادة الله عز وجل، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القبر.
والثاني: من نواقض الإسلام: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم.
والثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم.
والرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه صلى الله عليه وسلم.
والخامس: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يرتد ولو عمل به.
والسادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [سورة التوبة: الآيتين 65، 66.].
السابع: السحر تعلمه وتعليمه فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [سورة البقرة: آية 102.].
والثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة: آية 51.].
والتاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهذا كافر.
والعاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [سورة السجدة: آية 22.] قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، وأكثر ما يكون وقوعًا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالله عز وجل
وهو أساسها وأصلها، وهو يعني الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه؛ فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب.
وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
--------------------------------------------------------------------------------
توحيد الربوبية
توحيد الألوهية
توحيد الأسماء والصفات
*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة هو أحد أركان الإيمان الستة؛ كما جاء في حديث جبريل؛ حيث قال: "الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".
وقد جاء ذكر الإيمان بالملائكة مقرونا بالإيمان بالله في كثير من الآيات القرآنية:
كما قال تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
وكما في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}.
والإيمان بالملائكة يتضمن التصديق بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون، خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره، والإيمان بأصنافهم وأوصافهم وأعمالهم التي يقومون بها حسبما ورد في الكتاب والسنة، والإيمان بفضلهم ومكانتهم عند الله عز وجل.
وقد ورد في "صحيح مسلم": أن الله خلقهم من نور. ومما يدل على فضلهم وشرفهم:
أن الله يضيفهم إليه إضافة تشريف؛ كقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، وقوله: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ}، وقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ}، وقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ}.
ويقرن سبحانه شهادتهم مع شهادته وصلاتهم مع صلاته؛ كقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ}، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}.
ويصفهم سبحانه بالكرم والإكرام؛ قال تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ}، وقوله: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}.
ويصفهم بالعلو والتقريب؛ كما في قوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}، وفي قوله: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}.
ويذكر حملهم للعرش وحفهم به؛ كما في قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقوله: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}.
ويذكر سبحانه أنهم عنده ويعبدونه ويسبحونه؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}، وقوله: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}.
وهم بالنسبة إلى الأعمال التي يقومون بها أصناف:
فمنهم حملة العرش؛ قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}.
ومنهم المقربون؛ كما قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}.
ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرام؛ لأهلها.
ومنهم الموكلون بالنار وتعذيب أهلها، وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر، وخازنها مالك، وهو مقدم الخزنة؛ كما قال تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}، وقوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، وقوله {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ}، وقال تعالى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم في الدنيا؛ قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} الآية؛ أي: معه ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه؛ فإذا جاء قدر الله؛ خلوا عنه.
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد وكتابتها؛ قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار)؛ فمع الإنسان ملائكة يحفظونه من المؤذيات، وملائكة يحفظون عليه أعماله وما يصدر منه.
ومن الملائكة من هو موكل بالرحم وشأن النطفة؛ كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات؛ يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد".
ومنهم ملائكة موكلون بقبض الأرواح؛ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}؛ فملك الموت له أعوان من الملائكة؛ يستخرجون روح العبد من جسمه حتى تبلغ الحلقوم، فيتناولها ملك الموت.
والمقصود أن الله وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة تدبر شئونهما بإذنه وأمره ومشيئته سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}، وقوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}؛ فلهذا يضيف سبحانه التدبير إلى الملائكة تارة لكونهم المباشرين له؛ كقوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، ويضيف إليه التدبير تارة؛ كقوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}.
فالملائكة رسل الله في خلقه وأمره، واسم الملك يتضمن أنه رسول؛ لأنه من الألوكة؛ بمعنى الرسالة، وقال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، وقال تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}؛ فهم رسل الله في تنفيذ أمره الكوني الذي يدبر به السماء والأرض، وهم رسله في تدبير أمره الديني الذي تنزل به على الرسل من البشر؛ قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، وقال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
وأعظمهم جبريل عليه السلام، وهو أمين الوحي؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، وقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}.
وقد أعطى الله الملائكة قدرة على التشكل بأشكال مختلفة؛ فقد جاءوا إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام بصورة أضياف، وكان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة: تارة يأتي في صورة دحية الكلبي، وتارة في صورة أعرابي، وتارة في صورته التي خلق عليها، وقد وقع منه هذا مرتين، وذلك لأن البشر لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته، ولما اقترح المشركون أن يرسل الله إليهم ملكا؛ قال تعالى: {وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}؛ أي: لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيا؛ لكان على هيئة الرجل؛ ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه؛ لأن كل جنس يأنس بجنسه، وينفر من غير جنسه.
هذا، وبالله التوفيق.
*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل أحد أصول الإيمان؛ لأنهم الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ رسالاته وإقامته حجته على خلقه.
والإيمان بهم يعني: التصديق برسالتهم، والإقرار بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله، وقد بلغوا الرسالات، وبينوا للناس ما لا يسع أحدا جهله.
والأدلة على وجوب الإيمان بالرسل كثيرة؛ منها:
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}. وقوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}.
ففي هذه الآيات قرن الله الإيمان بالرسل بالإيمان به سبحانه وبملائكته وكتبه، وحكم بكفر من فرق بين الله ورسله؛ فآمن ببعض وكفر ببعض.
وبعث الرسل نعمة من الله على البشرية؛ لأن حاجة البشرية إليهم ضرورية؛ فلا تنتظم لهم حال ولا يستقيم لهم دين إلا بهم؛ فهم يحتاجون إلى الرسل أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الله سبحانه جعل الرسل وسائط بينه وبين خلقه في تعريفهم بالله وبما ينفعهم وما يضرهم، وفي تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه؛ فلا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من جهة الرسل؛ فإن العقل لا يهتدي إلى تفصيل هذه الأمور، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة.
قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}.
وحاجة العباد إلى الرسالات أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطبيب؛ فإن غاية ما يحصل بعدم وجود طبيب تضرر البدن، والذي يحصل من عدم الرسالة هو تضرر القلوب، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة فيهم؛ فإذا ذهبت آثار الرسالة من الأرض؛ أقام الله القيامة.
والرسل الذين ذكر الله أسماءهم في القرآن يجب الإيمان بأعيانهم وهم خمسة وعشرون، منهم ثمانية عشر ذكرهم الله في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} إلى قوله: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}، والباقون- وهم سبعة- ذكروا في آيات متفرقة.
ومن لم يسم في القرآن من الرسل؛ وجب الإيمان به إجمالا؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، وقال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}.
وهنا مسألة تحتاج إلى بيان وهي: الفرق بين النبي والرسول:
فالفرق بين النبي والرسول على المشهور: أن الرسول إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه. والنبي إنسان ذكر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
وكل من النبي والرسول يوحى إليه، لكن النبي قد يبعث في قوم مؤمنين بشرائع سابقة؛ كأنبياء بني إسرائيل؛ يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة. وأما الرسل؛ فإنهم يبعثون في قوم كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته؛ فهم يرسلون إلى مخالفين فيكذبهم بعضهم. والرسول أفضل من النبي. والرسل يتفاضلون؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
وأفضل الرسل أولو العزم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، وفي قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى}.
وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما وعليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
وأفضل الخليلين محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا؛ والنبوة تفضُّل واختيار من الله تعالى؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
وليست النبوة كسبا يناله العبد بالجد، والاجتهاد، وتكلف أنواع العبادات، واقتحام أشق الطاعات، والدأب في تهذيب النفس وتنقية الخاطر وتطهير الأخلاق ورياضة النفس؛ كما يقول الفلاسفة: إنه يجوز اكتساب النبوة؛ حيث يزعمون أن من لازم المشاهدة بعد كمال ظاهره وباطنه بالتهذيب والرياضة؛ فإنها تنصقل مرآة باطنه، وتفتح له بصيرة لبه، ويتهيأ له ما لا يتهيأ لغيره!!
فللنبوة عند الفلاسفة ثلاث خصائص:
الأولى. القوة العلمية؛ بحيث ينال العلم بدون تعلم بل بطريق القوة.
الثانية. قوة التخيل؛ بحيث يتخيل في نفسه أشكالا نورانية تخاطبه ويسمع الخطاب منها.
الثالثة. قوة التأثير في الناس، وهي التي يسمونها التصرف في هيولى العالم.
وهذه الصفات عندهم تحصل بالاكتساب.
ولهذا طلب النبوة بعض المتصوفة؛ فهي عندهم صنعة من الصنائع، وهذا قول باطل، يرد عليه قول الله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
فالنبوة اصطفاء من الله حسب حكمته وعلمه بمن يصلح لها، وليست اكتسابا من قبل العبد.
صحيح أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اختصوا بفضائل يمتازون بها عن غيرهم، ولكن ليست على النحو الذي يقوله الفلاسفة الضلَّال.
**--*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالكتب
الإيمان بالكتب الإلهية هو أحد أصول الإيمان وأركانه
والإيمان بها هو التصديق الجازم بأنها حق وصدق، وأنها كلام الله عز وجل؛ فيها الهدى والنور والكفاية لمن أنزلت عليهم. نؤمن بما سمى الله منها، وهي القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وما لم يسم منها؛ فإن لله كتبا لا يعلمها إلا هو سبحانه. وإنزال الكتب من رحمة الله بعباده لحاجة البشرية إليها؛ لأن عقل الإنسان محدود، لا يدرك تفاصيل النفع والضرر، وإن كان يدرك الفرق بين الضار والنافع إجمالا.
والعقل الإنساني أيضا تغلب عليه الشهوات، وتلعب به الأغراض والأهواء؛ فلو وكلت البشرية إلى عقولها القاصرة؛ لضلت وتاهت، فاقتضت حكمة الله ورحمته أن ينزل هذه الكتب على المصطفين من رسله؛ ليبينوا للناس ما تدل عليه هذه الكتب وما تتضمنه من أحكامه العادلة ووصاياه النافعة وأوامره ونواهيه الكفيلة بإصلاح البشرية.
قال تعالى حين أهبط آدم أبي البشرية من الجنة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقد انقسم الناس حيال الكتب السماوية إلى ثلاثة أقسام:
قسم كذب بها كلها، وهم أعداء الرسل من الكفار والمشركين والفلاسفة.
وقسم آمن بها كلها، وهم المؤمنون الذين آمنوا بجميع الرسل وما أنزل إليهم؛ كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
وقسم آمن ببعض الكتب وكفر ببعضها، وهم اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم، الذين يقولون: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}، بل هؤلاء يؤمنون ببعض كتابهم ويكفرون ببعضه؛ كما قال تعالى فيهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
ولا شك أن الإيمان ببعض الكتاب أو ببعض الكتب والكفر بالبعض الآخر كفر بالجميع؛ لأنه لابد من الإيمان بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل؛ لأن الإيمان لابد أن يكون مؤتلفا جامعا لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف، والله تعالى ذم الذين تفرقوا واختلفوا في الكتاب؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.
وسبب كفر من كفر بالكتب أو كفر ببعضها أو ببعض الكتاب الواحد هو اتباع الهوى والظنون الكاذبة، وزعمهم أن لهم العقل والرأي والقياس العقلي، ويسمون أنفسهم بالحكماء والفلاسفة، ويسخرون من الرسل وأتباعهم، ويصفونهم بالسفه؛ كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
وأما أتباع الرسل فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، لا يفرقون بينها.
والإيمان بالكتب السابقة إيمان مجمل؛ يكون بالإقرار به بالقلب واللسان، أما الإيمان بالقرآن؛ فإنه إيمان مفصل؛ يكون بالإقرار به بالقلب واللسان، واتباع ما جاء فيه، وتحكيمه في كل كبيرة وصغيرة، والإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وقد اقتضت حكمة الله أن تكون الكتب السابقة لآجال معينة ولأوقات محددة، ووكل حفظها إلى الذين استحفظوا عليها من البشر؛ كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}، أما القرآن الكريم؛ فقد أنزله الله لكل الأجيال من الأمم في كل الأوطان إلى يوم القيامة، وتولى حفظه بنفسه؛ لأن وظيفة هذا الكتاب لا تنتهي إلا بنهاية حياة البشر على الأرض؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
ويجب تحكيم هذا القرآن في جميع الخلافات، ويجب رد جميع النزاعات إليه.
وقد جعل الله التحاكم إلى غير كتابه تحاكما إلى الطاغوت؛ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}، والطاغوت: فعلوت من الطغيان، وهو مجاوزة الحد.
وقد ذم الله المدعين للإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما حكم قوم بغير ما أنزل الله؛ إلا وقع بأسهم بينهم". وهذا من أعظم تغيير الدول ونشوب الفتن والتناحر بين الشعوب؛ لأن الإيمان بالكتاب يوجب التحاكم إليه؛ فمن ادعى الإيمان بالكتاب وهو يتحاكم إلى غيره؛ فهو متناقض في دعواه، والكتاب لا يتجزأ؛ فيجب تطبيقه كله والعمل به كله في كل المجالات؛ في العقائد والعبادات والمعاملات، وفي الأحوال الشخصية والجنايات والحدود، وفي الآداب والسلوك.
قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}؛ فنفى الإيمان نفيا مؤكدا بالقسم عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، مع انشراح صدره وانقياده لحكم الله؛ كما وصف من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق، وإن ادعى الإيمان والعدالة والعدل.
فتبا لقوم استبدلوا كتاب الله بالقوانين الوضعية الطاغوتية وهم يدعون الإيمان؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
الإيمان باليوم الآخر
ذكر شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية أن الإيمان باليوم الآخر يدخل فيه كل ما بعد الموت من عذاب القبر ونعيمه ومن البعث ومن العرض والحساب والميزان وتطاير الصحف والجنة والنار، ومن أنكر شيئاً منها فإنه لا يكون مؤمناً باليوم الآخر.
واليوم الآخر وما فيه من أمور الغيب التي لا ندخل فيها بعقولنا وأفكارنا، إنما نعتمد على ما جاء في الكتاب والسنة، ولا نتدخل في هذه الأمور، ولا نقول فيها إلا بالدليل .
والقبر برزخ بين الدنيا والآخرة والبرزخ معناه الفاصل بين شيئين {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون:100].
القبر محطة انتظار، وينتقل الناس بعده إلى البعث والحساب، وذكر ابن القيم رحمه الله أن الدور ثلاث:
الأولى: دار الدنيا: وهي محل العمل والكسب من خير أو شرف.
الثانية: دار البرزخ، وهي دار مؤقتة، ولهذا يخطئ من يقول مثواه الأخير.
الثالثة: دار القرار، وهي الجنة أو النار: {وإن الآخرة هي دار القرار} [غافر:39].
فإذا وضع الميت في قبره ودفن وانصرف الناس عنه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، كما في الحديث، فإنه تُعاد روحه في جسده، وهذه حياة برزخية لا يعلمها إلا الله، والله على كل شيء قدير، وبعد أن تُعاد روحه في جسده ويُحيى حياة أخرى فيأتيه ملكان فيسألانه ثلاثة أسئلة:
من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ [أخرجه أحمد]
فإن أجاب بجواب صحيح فاز وربح، وصارت حفرته روضة من رياض الجنة، ثم يوم القيامة يصير من أهل الجنة. وإن أخفق في الجواب، ولم يجب، فإن قبره يصير حفرة من حفر النار، ويُضيّقُ عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه، والأول يوسع له في قبره مد بصره، ويفتح له باب من الجنة يأتيه من روحها وريحانها، وهذا يضيق عليه في قبره حتى تختلف عليه أضلاعه، ثم يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها، والعياذ بالله.
فالإجابة الصحيحة والتي يُثبت الله قائلها: أن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيّ محمد صلى الله عليه وسلم {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم:27].
وهذا بسبب الإيمان بالله ورسوله، وليس بسبب التعلم أو الثقافة، فمن ليس عنده إيمان فإنه يتلكأ في الإجابة، وهو المنافق الذي يُظهر الإيمان في الدنيا ويُبطن الكفر، فإنه لا يستطيع الإجابة ويقول: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم:27].
--------------------------------------------------------------------------------
الإيمان بأشراط الساعة
الإيمان بالبعث
الإيمان بعذاب القبر
البعث والنشور
الجنة والنار
الحساب
الصراط
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإيمان بالقضاء والقدر
لا شك أن إثبات القضاء والقدر ووجوب الإيمان بهما وبما تضمناه من أعظم أركان الإيمان؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره )، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
والقدر: مصدر: قدرت الشيء: إذا أحطت بمقداره.
والمراد هنا: تعلق علم الله بالكائنات وإرادته لها أزلا قبل وجودها؛ فلا يحدث شيء إلا وقد علمه الله وقدره وأراده.
ومذهب أهل السنة والجماعة هو الإيمان بالقدر خيره وشره.
والإيمان بالقدر يتضمن أربع درجات:
الأولى: الإيمان بعلم الله الأزلي بكل شيء قبل وجوده، ومن ذلك علمه بأعمال العباد قبل أن يعملوها.
الثانية: الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ.
الثالثة: الإيمان بمشيئة الله الشاملة لكل حادث وقدرته التامة عليه.
الرابعة: الإيمان بإيجاد الله لكل المخلوقات، وأنه الخالق وحده، وما سواه مخلوق.
ومن أدلة المرتبة الأولى والثانية: قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}
ومن أدلة المرتبة الثالثة: قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }
من أدلة المرتبة الرابعة: قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}وقوله تعالى: {وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}
والتقدير نوعان:
1. تقدير عام شامل لكل كائن، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ؛ فقد كتب الله فيه مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، كما في الحديث الذي رواه أبو داوود في "سننه"عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول ما خلق الله القلم، قال له اكتب! قال وما أكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ). وهذا التقدير يعم جميع المخلوقات.
2. وتقدير مفصل للتقدير العام، وهو أنواع:
النوع الأول: التقدير العمري؛ كما في حديث ابن مسعود في شأن ما يكتب على الجنين وهو في بطن أمه من كتابة أجله ورزقه وعمله وشقاوته أو سعادته.
النوع الثاني: التقدير الحولي، وهو ما يقدر في ليلة القدر من وقائع العام؛ كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
النوع الثالث: التقدير اليومي، وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعز وذل... إلى غير ذلك؛ كما في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}
ولا بد للمسلم من الإيمان بالقدر العام وتفاصيله؛ فمن جحد شيئا منهما؛ لم يكن مؤمنا بالقدر، ومن لم يؤمن بالقدر؛ فقد جحد ركنا من أركان الإيمان؛ كما عليه الفرقة القدرية الضالة التي تنكر القدر، وهم في هذا الإنكار على قسمين:
القسم الأول:
القدرية الغلاة الذين ينكرون علم الله بالأشياء قبل كونها، وينكرون كتابته لها في اللوح المحفوظ، ويقولون: إن الله أمر ونهى، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه؛ فالأمر أنف (أي: مستأنف)، لم يسبق في علم الله وتقديره. وهذه الفرقة قد انقرضت أو كادت.
القسم الثاني:
تقر بالعلم، ولكنها تنفي دخول أفعال العباد في القدر، وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالا، لم يخلقها الله ولم يردها، وهذا مذهب المعتزلة.
وقابلتهم طائفة غلت في إثبات القدر حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، وقالوا: إن العبد مجبر على فعله، ولذلك سموا بالجبرية.
وكلا المذهبين باطل لأدلة كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} لأن قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}: يرد على الجبرية؛ لأن الله تعالى أثبت للعباد مشيئة، وهم يقولون: إنهم مجبورون لا مشيئة لهم. وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}: فيه الرد على القدرية القائلين بأن مشيئة العبد مستقلة بإيجاد الفعل من غير توقف على مشيئة الله، وهذا قول باطل؛ لأن الله علق مشيئة العبد على مشيئته سبحانه، ربطها بها.
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية، فلم يُفَرِّطوا تفريط القدرية النفاة، ولم يُفَرِّطوا إفراط الجبرية الغلاة.
فمذهب سلف الأمة وأئمتها أن جميع أنواع الطاعات والمعاصي والكفر والفساد واقع بقضاء الله وقدره، لا خالق سواه؛ فأفعال العباد كلها مخلوقة لله؛ خيرها وشرها، حسنها وقبيحها، والعبد غير مجبور على أفعاله، بل هو قادر عليها وقاصد لها وفاعل لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي هي من العبد، بمعنى أنها قائمة بالعبد وحاصلة بمشيئته وقدرته، وهو المتصف بها والمتحرك بها الذي يعود حكمها عليه، وهي من الله، بمعنى أنه خلقها قائمة بالعبد، وجعلها عملا له وكسبا؛ كما يخلق المسببات بأسبابها؛ فهي من الله مخلوقة له، ومن العبد صفة قائمة به واقعة بقدرته وكسبه؛ كما إذا قلنا: هذه الثمرة من الشجرة، وهذا الزرع من الأرض؛ بمعنى أنه حدث منها، ومن الله بمعنى أنه خلقه منها، لم يكن بينهما تناقض..."انتهى.
وقال السفاريني: "والحاصل أن مذهب أهل السلف ومحققي أهل السنة أن الله تعالى خلق قدرة العبد وإرادته وفعله، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة ومحدث لفعله، والله سبحانه جعله فاعلا له محدثا له؛ قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }...؛ فأثبت مشيئة العبد، وأخبر أنها لا تكون إلا بمشيئة الله، وهذا صريح قول أهل السنة في إثبات مشيئة العبد، وأنها لا تكون إلا بمشيئة الله..."انتهى.
وأقول: إن مما يؤيد هذا أن الله أعطى الإنسان عقلا وقدرة واختيارا، ولا يحتسب فعله له أو عليه؛ إلا إذا توفرت فيه هذه القوى.
فالمجنون والمعتوه أو المكره لا اعتبار لما يصدر منهم من الأقوال والأفعال، ولا يؤاخذون عليها، مما يدل على أنه ليس بمجبر ولا مستقل بنفسه. والله المستعان.
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
إن من أعظم ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر صحة إيمان الشخص بتكامل أركانه؛ لأن الإيمان بذلك من أركان الإيمان الستة التي لا يتحقق إلا بها؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر طمأنينة القلب وارتياحه وعدم القلق في هذه الحياة عندما يتعرض الإنسان لمشاق الحياة؛ لأن العبد إذا علم أن ما يصيبه فهو مقدر لا بد منه ولا راد له، واستشعر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك )؛ فإنه عند ذلك تسكن نفسه ويطمئن باله؛ بخلاف من لا يؤمن بالقضاء والقدر؛ فإنه تأخذه الهموم والأحزان، ويزعجه القلق حتى يتبرم بالحياة ويحاول الخلاص منها ولو بالانتحار؛ كما هو مشاهد من كثرة الذين ينتحرون فرارا من واقعهم وتشاؤما من مستقبلهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالقضاء والقدر، فكان تصرفهم ذلك نتيجة حتمية لسوء اعتقادهم.
وقد قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فأخبرنا سبحانه أنه قدر ما يجري من المصائب في الأرض وفي الأنفس؛ فهو مقدر ومكتوب لا بد من وقوعه مهما حاولنا دفعه، ثم بين أن الحكمة من إخباره لنا بذلك لأجل أن نطمئن فلا نجزع ولا نأسف عند المصائب ولا نفرح عند حصول النعم فرحا ينسينا العواقب، بل الواجب علينا الصبر عند المصائب وعدم اليأس من روح الله، والشكر عند الرخاء وعدم الأمن من مكر الله، ونكون مرتبطين بالله في الحالتين.
قال عكرمة رحمه الله: "ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن؛ ولكن جعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا".
وليس معنى هذا أن العبد لا يتخذ الأسباب الواقية من الشر والجالبة للخير، وإنما يتكل على القضاء والقدر؛ كما يظن بعض الجهال، هذا من أكبر الغلط والجهل؛ فإن الله أمرنا باتخاذ الأسباب، ونهانا عن التكاسل والإهمال، ولكن إذا اتخذنا السبب وحصل لنا عكس المطلوب؛ فعلينا أن لا نجزع؛ لأن هذا هو القضاء المقدر، ولو قدر غيره؛ لكان، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تجزعن، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل لو أني فعلت كذا؛ كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ). رواه مسلم.
وعلى العبد مع هذا أن يحاسب نفسه ويصحح أخطاءه؛ فإنه لا يصيبه شيء إلا بسبب ذنوبه؛ قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الثبات عند مواجهة الأزمات، واستقبال مشاق الحياة بقلب ثابت ويقين صادق لا تزلزله الأحداث ولا تهزه الأعاصير؛ لأنه يعلم أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان وتقلب؛ كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}
كم جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته من المحن والشدائد، لكنهم واجهوها بالإيمان الصادق والعزم الثابت حتى اجتازوها بنجاح باهر، وما ذاك إلا لإيمانهم بقضاء الله وقدره، واستشعارهم لقوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر تحويل المحن إلى منح، والمصائب إلى أجر؛ كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
قال علقمة: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم".
ومعنى الآية الكريمة: من أصابته مصيبة، فعلم أنها من قدر الله، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله؛ هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدًى في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف الله عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه، وهذا في نزول المصائب التي هي من قضاء الله وقدره، لا دخل للعبد في إيجادها إلا من ناحية أنه تسبب في نزولها به، حيث قصر في حق الله عليه بفعل أمره وترك نهيه؛ فعليه أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويصحح خطأه الذي أصيب بسببه.
وبعض الناس يخطئون خطأ فاحشا عندما يحتجون بالقضاء والقدر على فعلهم للمعاصي وتركهم للواجبات، ويقولون: هذا مقدر علينا! ولا يتوبون من ذنوبهم؛ كما قال المشركون: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} وهذا فهم سيئ للقضاء والقدر؛ لأنه لا يحتج بهما على فعل المعاصي والمصائب، وإنما يحتج بهما على نزول المصائب؛ فالاحتجاج بهما على فعل المعاصي قبيح؛ لأنه ترك للتوبة وترك للعمل الصالح المأمور بهما، والاحتجاج بهما على المصائب حسن؛ لأنه يحمل على الصبر والاحتساب.
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر أنه يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والقوة والشهامة؛ فالمجاهد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموت؛ لأنه يعلم أنه لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخر، لا يمنع منه حصون ولا جنود، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وهكذا حينما يستشعر المجاهد هذه الدفعات القوية من الإيمان بالقدر؛ يمضي في جهاده حتى يتحقق النصر على الأعداء وتتوفر القوة للإسلام والمسلمين.
وكذلك بالإيمان بالقضاء والقدر يتوفر الإنتاج والثراء؛ لأن المؤمن إذا علم أن الناس لا يضرونه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، ولا ينفعونه إلا بشيء قد كتبه الله له؛ فإنه لن يتواكل، ولا يهاب المخلوقين، ولا يعتمد عليهم، وإنما يتوكل على الله، ويمضي في طريق الكسب، وإذا أصيب بنكسة، ولم يتوفر له مطلوبه؛ فإن ذلك لا يثنيه عن مواصلة الجهود، ولا يقطع منه باب الأمل، ولا يقول: لو أنني فعلت كذا؛ كان كذا وكذا! ولكنه يقول: قدر الله وما شاء فعل. ويمضي في طريقه متوكلا على الله، مع تصحيح خطئه، ومحاسبته لنفسه، وبهذا يقوم كيان المجتمع، وتنتظم مصالحه، وصدق الله حيث يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}
والحمد لله رب العالمين.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الولاء والبراء
هذا؛ وبعد انتهائنا من هذا البيان المختصر لأصول العقيدة الإسلامية نشير إلى أنه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها؛ فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم.
وذلك من ملة إبراهيم والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وهو من دين محمد عليه الصلاة والسلام:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وهذه في تحريم موالاة أهل الكتاب خصوصا.
وقال في تحريم موالاة الكفار عموما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
بل لقد حرم الله على المؤمن موالاة الكفار ولو كانوا من أقرب الناس نسبا؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
وقد جهل كثير من الناس هذا الأصل العظيم، حتى لقد سمعت بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة في إذاعة عربية يقول عن النصارى: إنهم إخواننا! ويا لها من كلمة خطيرة!!
وكما أن الله سبحانه حرم موالاة الكفار أعداء العقيدة الإسلامية؛ فقد أوجب سبحانه موالاة المؤمنين ومحبتهم؛ قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}
فالمؤمنون إخوة في الدين والعقيدة، وإن تباعدت أنسابهم وأوطانهم وأزمانهم؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
فالمؤمنون من أول الخليقة إلى آخرها مهما تباعدت أوطانهم وامتدت أزمانهم إخوة متحابون؛ يقتدي آخرهم بأولهم، ويدعوا بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض.
وللولاء والبراء مظاهر تدل عليهما:
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*--*-*-*-*-*-*--**-*-*-
الشفاعة
الشفاعة لغة: الوسيلة والطلب، وعرفا: سؤال الخير للغير، وقيل: هي من الشفع الذي هو ضد الوتر، فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له.
والشفاعة حق إذا تحققت شروطها، وهي: أن تكون بإذن الله تعالى، ورضاه عن المشفوع له.
قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
ففي هذه الآية الكريمة أن الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين:
الأول: إذن الله للشافع أن يشفع؛ لأن الشفاعة ملكه سبحانه؛ {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}.
الثاني: رضاه عن المشفوع فيه بأن يكون من أهل التوحيد؛ لأن المشرك لا تنفعه الشفاعة؛ كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
فتبين بهذا بطلان ما عليه القبوريون اليوم الذين يطلبون الشفاعة من الأموات ويتقربون إليهم بأنواع القربات:
كما قال الله في سلفهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}.
وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم الشفاعة، فيشفع لمن أذن الله له فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات:
أما الشفاعة الأولى؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن تتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها".
وقال رحمه الله: "وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته؛ فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء: من يدخل النار؛ لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها! وعند هؤلاء ما ثَمَّ إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلا يدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم في الشخص الواحد ثواب وعقاب...".
إلى أن قال: "واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}، وبقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}، وبقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}، وبقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
وجواب أهل السنة: أن هذا يراد به شيئان:
أحدهما: أنها لا تنفع المشركين؛ كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}؛ فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارا.
والثاني: أنه يراد بذلك الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه كما يشفع الناس في بعضهم عند بعض".
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الحوض
قال الحافظ السيوطي: "ورد ذكر الحوض من رواية بضعة وخمسين صحابيا، منهم الخلفاء الأربعة الراشدون، وحفاظ الصحابة المكثرون، وغيرهم؛ رضوان الله عليهم أجمعين"انتهى.
وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه؛ لا يظمأ أبدا) .
وروى مسلم في "صحيحه"عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقال إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها؛ قال هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم، فأقول يا رب! إنه من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك). ومعنى يختلج: يطرد عن ورود الحوض.
قال القرطبي: "قال علماؤنا: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به؛ فهو من المطرودين عن الحوض، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين؛ كالخوارج والروافض والمعتزلة على اختلاف فرقهم؛ فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذا الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وإذلال أهله، والمعلنون بكبائر الذنوب، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والبدع، ثم الطرد قد يكون في حال، ثم يقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد..." انتهى.
وقد خالفت المعتزلة؛ فلم تقل بإثبات الحوض مع ثبوته بالسنة الصحيحة الصريحة؛ فكل من خالف في إثباته؛ فهو مبتدع وأحرى أن يطرد عنه
والحمد لله رب العالمين.