الدين يؤخذ من الكتاب والسنة لا من مجرد الفطرة
ثم قال الكاتب عن جدته، كانت تقرأ في كتاب تحرص عليه. كتب على غلافه الأصفر [دلائل الخيرات] فيه صيغ من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء للأحياء والأموات وقد رأيت من يصادر هذا الكتاب في المسجد الحرام وفي الأسواق ويقول: إنه بدعة لا تجوز القراءة فيه، ونقول للكاتب هذا الكتاب الذي ذكرته فيه صيغ صلوات مبتدعة وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نصلي عليه فقال: "قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد"، وقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] فنقول: اللهم صل وسلم على نبينا محمد ولسنا بحاجة إلى ما في كتاب دليل الخيرات وما في غيره مما يخالف ما جاء في الكتاب والسنة من صيغ الصلاة على النبي، قال الكاتب: وكانت جدتي تسمع الغناء وتطرب لدانات المطربة وتميل إلى الحدري والمجرور والصهبة وتدمع عينها عندما تسمع الشحرورة تغني، إلى آخر ما ذكر من أحوال جدته مع الغناء إلى أن قال: لم تصادر ولم يحرم عليها أحد الغناء ويسمعهم أن الله سيصب في أذانهم براميل من رصاص، كذا قال، ونقول للكاتب: قولك لم يحرم عليها أحد الغناء نقول: بلى قد حرم الله الغناء في القرآن الكريم وحرمه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة قال الله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [لقمان: 6]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: لما ذكر الله تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [لقمان: 6] قال: هو والله الغناء انتهى كلام ابن كثير.
وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن قوم يأتون في آخر الزمان يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف تعزف على رؤوسهم القينات يخسف الله بهم الأرض عقوبة لهم على صنيعهم وقال البغوي رحمه الله في تفسيره: (يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث) أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن قال أبو الصباء البكري: سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وذكر البغوي مثل ذلك عن ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا: لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه وقول الكاتب ولم يحرم أحد عليها الغناء ويسمعهم أن الله سيصب في آذانهم براميل من رصاص نقول بل حرم الله ورسوله الغناء كما سبق وأما صب الرصاص في أذان المستمعين للغناء فقد جاء ذكره في حديث: "من استمع إلى قينه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة"، وكأن الكاتب يذكر هذا الحديث أو لم يعلم به، ثم قال الكاتب عن جدته: كانت لديها آلة صغيرة تسميها المشفرة تحف بها الشعرات الزائدة في الحاجب، ولم يقل لها أحد: لعن الله النامصة والمتنمصة وعلمت بفطرتها أنه قول ضعيف لابن مسعود موقوف عليه لا يرقى إلى مرتبة المرفوع هكذا قال الكاتب عن قوله: "لعن الله النامصة"، إنه قول ضعيف وهذا يرده قول ابن كثير رحمه الله: وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن والمغيرات خلق الله عز وجل"، ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل يعني قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7] انتهى قول ابن كثير فابن مسعود رضي الله عنه نسب لعن النامصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن النامصة فقد لعنها الله لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]، وفي سنن أبي داوود (4/399) عن ابن عباس:
(لعنت النامصة والمتنمصة) وهذا له حكم الرفع كما هو معلوم أن قول الصحابي حرم كذا أو لعن من فعل كذا في حكم المرفوع.
ثم قال الكاتب عن جدته: كانت تحكي لنا قبل النوم عن الصحابة وأخلاقهم وكيف أن سيدنا عمر ندم واستغفر عندما تسلق سور أحد المنازل ليكشف المنكر وأفهمه أهل المنزل أنا ما فعله هو المنكر فللبيوت حرمات مصانة وأقول للكاتب: أولاً عليك أن تثبت هذه القصة ولا يكفي أن ترويها عن جدتك، ثانياً: دخول البيوت لأجل إنكار المنكر على قسمين:
القسم الأول: من كان ضرر ذنبه قاصراً عليه فهذا إذا استتر لم يفتش عليه.
والقسم الثاني: من كان ضرر ذنبه يتعدى إلى الناس مثل المخربين والمفجرين وأصحاب المخدرات ومصانع الخمور وبيوت الدعارة وغيرهم فأصحاب هذه الجرائم لا بد من متابعتهم والدخول إلى محلاتهم لتلافي شرهم عن الناس وذلك لا يتم إلا بمهاجمتهم في بيوتهم وتسورها عليهم ولا حرمة لبيوتهم، ثم قال الكاتب عن جدته أنها قالت عن مدرستها الفقيهه سعاد أنها كانت تتسلى بالودع نجتمع حولها وتقول تعالوا نشوف من حيزرونا اليوم وأبوكم ويش جايب معاه، نضحك ونتسلى حتى إذا انتهت وضعت الودع في علبة قال الكاتب: ولم يكفرها أحد ويقول عنها صوفية تحيي البدع، هكذا قال عن جدته أنها تستعمل الودع لتعرف به من سيزورهم وما سيأتي به أبوهم وهذا من ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، والذي هو من أمور الجاهلية وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلق ودعة فلا ودع الله له"، أي لا جعله في دعة وسكون وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستعمل الودع لكشف ما يجري في المستقبل وهو من عمل الشياطين ثم استمر الكاتب في مروياته العجيبة عن جدته فقال: كانت تصنع لنا العرائس والتماثيل كانت كل جمعة تبخر المنزل باللبان والحبة السوداء والكزبرة تشرد الشياطين وتذهب العين والحسد ونقول للكاتب: ما فعلته جدتك من التصوير لا سيما التماثيل مخالف لما صح في الأحاديث من تحريم التصوير والوعيد عليه وما كانت تفعله من تبخير البيت لطرد الشياطين ومنع العين والحسد أمر مبتدع ومخالف لما شرعه الله لطرد الشياطين والوقاية من العين والحسد من ذكر الله والاستعاذة به وحده واستعمال الأوراد الشرعية ثم ختم الكاتب مقاله بأن جدته تقول عن عزل النساء عن الرجال في المسجد الحرام وعن تغطية المرأة وجهها عن الرجال وعن منع النساء من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأمور من تغير الحال بعد جهيمان وكأن الكاتب وجدته يرون سفاهة وجهل أعظم من هذا ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم اهدنا لمعرفة الحق والعمل به وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.