بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تكون مِنْ دُعاة التوحيد
الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
الدعوة إلى التوحيد كانت من أوليات مهام الأنبياء و الرسل , و ذلك لأهميته , و مكانته في نفوس الناس , و هو الأصل الذي تُبنى عليه الأقوال و الأفعال , و لا يَقبل الله أي قول أو عمل إلا على أساس التوحيد الخالص ,وهذا منهج رباني . فمَن أراد الفلاح و النجاح في دعوته ,و الفوز بجنات النعيم , عليه أن يسير على هذا المنهج ,و هو تقرير العقيدة الصحيحة , عقيد الأنبياء و الرسل , و بمنهاج واحد , و هو منهج السلف الصالح , بعيد كل البعد عن المناهج الكلامية , الفلسفية , لأنها عقيدة ربانية , و لم يتركها الله – عز و جل – للعقل البشري يستنتجها و يخوض فيها تلقائيا , بل هي عقيدة تخاطب القلب و الحس و العقل و الفرد و المجتمع .
فهذه العقيدة لابد مِنْ غرسها في النفوس بأسلوب علمي مِن الكتاب و السنة الصحيحة , و بأسلوب يؤثر في العقل و القلب , و هذا يحتاج مِن الداعية إلى العلم النافع , و الفهم السليم , و الإيمان العميق , حتى يستطيع أن يؤدي وظيفته و مهمته , و التي هي في الأصل وظيفة ومهمة أنبياء الله و رسله .
قال تعالى :" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ"
(19سورة محمد)
* و هذه الدعوة لابد أن تكون على بصيرة , و علم بما يدعو إليه , قال تعالى :" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين" (108سورة يوسف).
فأتْباع الرسول , هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة .
و البصيرة : هي العلم بما يدعو إليه , و ما ينهى عنه , و أحوج الناس إلى هذه البصيـرة هم العلمـاء و الدعــاة , فهم ينفعون أنفسهم بالعلم , و ينفعون غيرهم بالدعوة , و هو أهم سلاح يتسلح به العلماء و الدعاة .
* فإذا تحقق هذا العلم , و تمكَّن منه الداعية , قام بواجبه الدعوي , المَنوط به .
قال تعالى :" ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (125 سورة النحل)
و الحكمة هي الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق , و الداحضة للباطل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله:" الحكمة هي معرفة الحق و العمل به , فالقلوب التي لها فهم و قصد تُدعى بالحكمة , فيُبَيَّنُ لها الحق علماً , و عملاً , فتُبلّغه و تعمل به , و آخرون يعترفون بالحق , لكن لهم أهواء تصدهم عن اتِّباعه , فهؤلاء يُدعَوْن بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق , و الترهيب مِن الباطل .
و الدعوة بهذين الطريقين لمَن قَبِل الحق , و مَنْ لم يقبله , فإنَّه يُجادَل بالتي هي أحسن "
( مجموع الفتاوى 19 / 164 )
و بهذا يُعلم أنّ الأسلوب الحكيم , و الطريق المستقيم في الدعوة , أن يكون الداعية حليماً في دعوته , حكيماً فيما يأمر و ينهى , بصيراً بأسلوبها .
قال تعالى :"يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"
(269 سورة البقرة)
فالعلم و الفقه في الدين , و الورع , كله من الحكمة , و مَن ضلَ طريق الحكمة , فقد أخطأ الطريق , و لم يُحسِن دعوته , فحينئذًٍ لا ثمرة لجهوده الدعوية.
*و الداعية إلى التوحيد الخالص , لابد أنْ يتيقن أنَّ هذه العقيدة , هي عقيدة الحق , وما عداها باطل , لا يحتاج إلى نقاش أو جدال أو شك .
قال تعالى :" قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى " (120 سورة البقرة )
و قال تعالى :" فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" (32سورة يونس)
و قال تعالى :" قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ" (56 سورة الأنعام)
هذا الإيمان العميق بهذه العقيدة , قائم على العلم القطعي , الذي لا شك فيه , فلا يتأثر أو يضـعف أو يزول , لأي مؤثر خارجي , بل هو ثابت لا يتزعزع . مهما تعرض المؤمن للمحن و الفتن و الشدائد و المصائب , و مهما كانت حالته مِن ضعف أو قلة بالنسبة لقوة و كثرة أهل الباطل .
*فإذا تحقق هذا الإيمان العميق في قلب داعية التوحيد , ازداد توكله على ربه في جميع أموره لاعتقاده بأنَّ الله تعالى هو المتفرد بالخلق و التدبير , , و الضرر و النفع بيده , و المنع و العطاء بيده وحده ,و ما شاء الله كان , وما لم يشأ لم يَكن ,بل يزداد هذا التوكل على الله إذا أيقن أنَّ الخلق لا يملكون لأنفسهم و لا لغيرهم ضراً و لا نفعاً. قال تعالى :" وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (3سورة الطلاق)
* و داعية التوحيد , يواجه في دعوته الجاهل , و المجادل , و المبتدع , و المشرك , و الضال , و المنحرف , ففي هذه الحالة لابد أن يستعين بالصبر , و أن يحبس نفسه عن ردة الفعل و التسخط , و ترك الشكوى للناس .
قال تعالى :" {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ " (35 سورة الأحقاف)
و قال تعالى :"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" (24 سورة السجدة) و قال – صلى الله عليه و سلم - :"عجبا لأمر المؤمن , إنّ أمره كله له خير , و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , إنْ أصابته سراء شكر فكان خيراً له , و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " ( رواه مسلم )
و أحق الناس بالصبر هم العلماء و الدعاة , لدورهم و حاجة الناس إليهم , إذ بدونه لا يستطيع بلوغ ما يريد , لأنّ المُراد لا يُنال غالبا إلا بتحمل المكاره و الشدائد , و حبس النفس عليها .
*و حتى تكون دعوة التوحيد مؤثرة في نفوس دعاتها , لابد لهم مِن التواضع للناس , و عدم التكبّر عليهم , و هذا يرفع من مكانة الداعية , و يزداد به عزاً , لقوله – صلى الله عليه و سلم - : " ما نقصت صدقة من مال , و ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً , و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " ( رواه مسلم )
فلا يمكن لإنسان عرف ربه , و عرف قدر نفسه , أن يتكبر و لا يتواضع للناس , لأن المتكبر جـاهـل بربه , و المتواضع عارف بربه , فهو يخفض جناحه للناس , و يدعوهم إلى التوحيد , ثم إنّه مِن طبيعة الناس أنّهم لا يقبلون قول مَن يتكبر عليهم , و يحتقرهم , و يستضعفهم , و إن كان قولُه حقا , و هذا يؤدي إلى صدِّ الناس عن دعوة التوحيد .فعلى داعية التوحيد أن يتفطّن لهذا , و لا يكون سبباً لنُفرة الناس عن الدعوة.
*فبهذه الطرق و الأساليب , الدعوية و الإخلاص لله , يتقيد داعية التوحيد بالمنهج الرباني في تقرير العقائد و تثبيتها , و الابتعاد عن التعقيدات الكلامية التي تثير الشبهات و المشكلات , مما وقع فيه مَن يعتقدون العقيدة الباطلة , المخالفة لعقيدة السلف الصالح , و العمل على تنقيح كتب العقيدة مِن تلك الأساليب , و الرجوع إلى أسلوب السلف الصالح في عرض العقيدة و توضيحها للناس , حتى يسهُل عليهم فهمها و اعتقادها .
*و هذا يحتاج إلى جهد العلماء للكتابة بأساليب تناسب الجميع , ووضع القواعد السليمة و الأسس الصحيحة لفهم التوحيد .
و أي دعوة لا تقوم على قواعد سليمة و أسس صحيحة , لهي دعوة باطلة و هي دعوة على غير بصيرة , و هذا حال أصحاب العقائد الفاسدة و المناهج الدعوية المنحرفة , التي خالف أصحابها ما كان عليه الأنبياء و الرسل , فيتخبطون في دعوتهم خبط عشواء , فلا نفعوا أنفسهم ,و لا نفعوا غيرهم , فهم بحاجة إلى تعلم العقيدة الصحيحة , حتى يحققوا التوحيد في أنفسهم , و ينقذوها من الشرك و الخرافات و البدع , و بهذا يستطيع الداعية منهم أن يرُدّ على أصحاب العقائد الباطلة , و يفنِّد شبهاتهم و يرد عليها , فحينئذٍ , تكون العقـيدة الصحيـحة ,
-عقيدة السلف الصالح – هي العقيدة السائدة التي يعتقدها المجتمع , و هذا ما نسعى إليه ,و ندعو الناس إليه , وفق منهج الأنبياء و الرسل .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
كتبه
سمير المبحوح
26 / رجب / 1431 هـ