الحمدلله الذي خلق الليل والنهار والظلمات والنور، والصلاة والسلام على من أنار الله به القلوب وهدى العقول محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تَبِع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنِّ هذه المشاركة تعتبر الثالثة بعد:
وفي هذه المشاركة أشير إلى تفصيلٍ ربما غفل عنه كثيرٌ من صغار طلبة العلم، نتيجة لعبارة تداولوها عن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- وهي إما نُقلت إليهم محرفةً أو فهموها على إطلاقها وعلى غير مراده –رحمه الله-، والعبارة هي:
"أنَّ قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد" ا.هـ[1]
- فهي إما أنْ تُنقل إليهم مع حذف كلمة "مِنْ" فيقال : شر أقوال أهل البدع والإلحاد".
- أو تُنقل إليهم صحيحة لكن يفهمون منها الإطلاق وأنَّ التفويض شرٌ من التحريف = (التأويل) بإطلاق وهذا خطأ.
- وهناك بعض العلماء أطلق العبارة من عنده في كون التفويض شرٌ من التعطيل بتخصيص ذكره.[2]
وعند التحقيق فإطلاق القول خطأ بل الصواب هو التفصيل أو أن تكون العبارة في سياق يبين قيودها.
وعند التحقيق فإطلاق القول خطأ بل الصواب هو التفصيل أو أن تكون العبارة في سياق يبين قيودها.
ولذا فقد قال ابن القيم –رحمه الله- في الجهة الأخرى والمقابلة:
"الفصل العاشر في أنَّ التأويل شرٌ من التعطيل فإنَّه يتضمن التشبيه والتعطيل"[3]
"الفصل العاشر في أنَّ التأويل شرٌ من التعطيل فإنَّه يتضمن التشبيه والتعطيل"[3]
فلا بد من التوفيق بين كلام العلماء ما زال متيسرًا ممكنًا ولله الحمد وبيانه باختصار:
1- أنَّ التفويض[4] شرٌ من (التحريف)= (التأويل) من حيث الأثر والنتيجة واللوازم.
1- أنَّ التفويض[4] شرٌ من (التحريف)= (التأويل) من حيث الأثر والنتيجة واللوازم.
2- أنَّ (التحريف) = (التأويل) شرٌ من التعطيل من حيث الحقيقة.
* فالتفويض شرٌ من التعطيلحيث إنَّه هو الباب الذي دخل منه الملاحدة والفلاسفة في إنكار الشريعة، حيث إنهم استعملوا هذه الحجة في إنكار بقية الشريعة وقالوا للمفوضة إنْ كنتم لا تعلمون معاني هذه النصوص فنحن نعلمها.
قال العثيمين –رحمه الله-:ذكر أدلة وقال : هذا الذي فتح علينا باب الفلاسفة ، هذا الذي جعل أهل التخييل ينكرون اليوم الآخر والجنة والنار ، وقالوا : إذا كنتم لا تعلمون معاني هذه الصفات فنحن أصحابها نحن الذين نعرف أنتم لا تعرفون ما يتعلق بالرب ، نحن الذين نعرف ما يتعلق بالرب ،
قال العثيمين –رحمه الله-:ذكر أدلة وقال : هذا الذي فتح علينا باب الفلاسفة ، هذا الذي جعل أهل التخييل ينكرون اليوم الآخر والجنة والنار ، وقالوا : إذا كنتم لا تعلمون معاني هذه الصفات فنحن أصحابها نحن الذين نعرف أنتم لا تعرفون ما يتعلق بالرب ، نحن الذين نعرف ما يتعلق بالرب ،
الرب كله ليس له أصل وإنما هو تخويف من عباقرة من البشر من أجل أنْ يستقيم الناس على ما طلب منهم ،فشيخ الإسلام رحمه الله صدق فيما قال .
يعني ينزل الله علينا كتاباً ورسوله عليه الصلاة والسلام يخبرنا بأخبار فيما يتعلق بذات الرب عز وجل وصفاته ،كله ليس له معنى ولا يجوز أن نتكلم بمعناه ، هذا من أعظم ما يكون من الإلحاد والكفر ،وفيه من الاستهانة بالقرآن الكريم والذم له ما لا يعلمه إلا من تأمل هذا القول الفاسد الباطل ا.هـ[5]
بخلاف المؤولة فقد ذكروا أمورًا معيَّنة ومعاني محدودة صرفوا إليها تلك النصوص، ثم إنَّهم–بحسب زعمهم – قد وضعوا قيودًا فيما يجوز تأويله وما لا يجوز فاحترزوا عن هذا، وعند التحقيق تلك القواعد تعود على ما أوَّلوه بالنقض.
* و(التحريف) = (التأويل) شرٌ من التفويض من حيث الحقيقة، فهو تعطيل للمعنى وزيادة، فالمعطل عطل المعنى الذي أراده الله من النص ثم سكت عن الإتيان بمعنىً جديدٍ له، بينما المحرف أبطل المعنى الحق المراد من النص ثم زاد عليه فتألى على الله وتكلف ما ليس له بعلم، فهو تعطيل وزيادة.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى-:
الفصل العاشر في أن التأويل شر من التعطيل فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها، فإنَّ المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات.
وامتاز المؤول:
1- بتلاعبه بالنصوص
2- وانتهاكه لحرمتها،
3- وإساءة الظن بها
4-ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال.
فجمعوا بين أربعة محاذير:
1- بتلاعبه بالنصوص
2- وانتهاكه لحرمتها،
3- وإساءة الظن بها
4-ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال.
فجمعوا بين أربعة محاذير:
اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله المحال الباطل ففهموا التشبيه أولا ثم انتقلوا عنه إلى
المحذور الثاني وهو التعطيل فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم ولا يليق بالرب جل جلاله
المحذور الثالث نسبة المتكلم الكامل العلم الكامل البيان التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد وإن المتحيرين المتهوكين أجادوا العبادة في هذا الباب وعبروا بعبارة لا توهم من الباطل ما أوهمته عبارة المتكلم بتلك النصوص ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه أو أفصح أو أنصح للناس
المحذور الرابع تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها فلو رأيتها وهم يلوكونها بأفواههم وقد حلت بها المثلات وتلاعبت بها أمواج التأويلات وتقاذفت بها رياح الآراء واحتوشتها رماح الأهواء ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد فلو شاهدتها بينهم وقد تخطفتها أيدي الاحتمالات ثم قيدت بعدما كانت مطلقة بأنواع الإشكالات وعزلت عن سلطنة اليقين وجعلت تحت حكم تأويل الجاهلين هذا وطالما نصبت لها حبائل الإلحاد وبقيت عرضة للمطاعن والإفساد وقعد النفاة على صراطها المستقيم بالدفع في صدورها والأعجاز وقالوا لا طريق لك علينا وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز ا.هــ[6]
فبهذا يتبين أنَّ الصواب هو التفصيل في هذه المسألة فليست التحريف شرٌ من التعطيل بإطلاق، ولا العكس بل هذا من وجه و هذا من وجه والحمدلله رب العالمين.
كتبه: أبوصهيب عاصم بن علي الأغبري.
الهامش:
[2]انظر شرح الحموية للشيخ صالح آل الشيخ –حفظه الله-.
[3]الصواعق المرسلة.
[4] التفويض الذي نريده هنا هو تفويض المعنى لا الكيفية.
والتأويل الذي نريده هو التأويل عن غير دليل صحيح وهو الذي بمعنى التحريف
[5] مقدمة شرح السفارينية.
[6]الصواعق المرسلة، الموضع السابق.
تعليق