قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوي :
وَلِلنَّاسِ فِي الشَّفَاعَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ الضَّلَالِ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ : يَظُنُّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ هِيَ بِسَبَبِ اتِّصَالِ رُوحِ الشَّافِعِ بِرُوحِ الْمَشْفُوعِ لَهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ . وَيَقُولُونَ : مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحْسَنَ ظَنًّا بِشَخْصِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ : كَانَ أَحَقَّ بِشَفَاعَتِهِ .
وَهَذَا غَلَطٌ . بَلْ هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : نَتَوَلَّى الْمَلَائِكَةَ لِيَشْفَعُوا لَنَا . يَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا - مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَتَوَلَّاهُ - كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَفَاعَتِهِ لَهُ . وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . بَلْ الشَّفَاعَةُ : سَبَبُهَا تَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ وَالْعِبَادَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ إخْلَاصًا كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ . فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ : مِنْ اللَّهِ مَبْدَؤُهَا وَعَلَى اللَّهِ تَمَامُهَا فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ . وَهُوَ الَّذِي يَأْذَنُ لِلشَّافِعِ . وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ فِي الْمَشْفُوعِ لَهُ . وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ . وَأَحَقُّ النَّاسِ بِرَحْمَتِهِ : هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي تَحْقِيقِ إخْلَاصِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " عِلْمًا وَعَقِيدَةً وَعَمَلًا وَبَرَاءَةً وَمُوَالَاةً وَمُعَادَاةً : كَانَ أَحَقَّ بِالرَّحْمَةِ . وَالْمُذْنِبُونَ - الَّذِينَ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَخَفَّتْ مَوَازِينُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا النَّارَ - : مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَإِنَّ النَّارَ تُصِيبُهُ بِذُنُوبِهِ . وَيُمِيتُهُ اللَّهُ فِي النَّارِ إمَاتَةً . فَتُحَرِّقُهُ النَّارُ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ . ثُمَّ يُخْرِجُهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ . وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ . فَبَيَّنَ أَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ كُلِّهِ : عَلَى تَحْقِيقِ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَهِيَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لَا عَلَى الشِّرْكِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْمَوْتَى وَعِبَادَتِهِمْ كَمَا ظَنَّهُ الْجَاهِلِيُّونَ . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .أهـ
قلت : ومما يدل على ما ذكره ـ رحمه الله ـ ما ثبت في صحيح البخاري ـ رحمه الله ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : « لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ »
وَلِلنَّاسِ فِي الشَّفَاعَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ الضَّلَالِ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ : يَظُنُّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ هِيَ بِسَبَبِ اتِّصَالِ رُوحِ الشَّافِعِ بِرُوحِ الْمَشْفُوعِ لَهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ . وَيَقُولُونَ : مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحْسَنَ ظَنًّا بِشَخْصِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ : كَانَ أَحَقَّ بِشَفَاعَتِهِ .
وَهَذَا غَلَطٌ . بَلْ هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : نَتَوَلَّى الْمَلَائِكَةَ لِيَشْفَعُوا لَنَا . يَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا - مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَتَوَلَّاهُ - كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَفَاعَتِهِ لَهُ . وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . بَلْ الشَّفَاعَةُ : سَبَبُهَا تَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ وَالْعِبَادَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ إخْلَاصًا كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ . فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ : مِنْ اللَّهِ مَبْدَؤُهَا وَعَلَى اللَّهِ تَمَامُهَا فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ . وَهُوَ الَّذِي يَأْذَنُ لِلشَّافِعِ . وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ فِي الْمَشْفُوعِ لَهُ . وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ . وَأَحَقُّ النَّاسِ بِرَحْمَتِهِ : هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي تَحْقِيقِ إخْلَاصِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " عِلْمًا وَعَقِيدَةً وَعَمَلًا وَبَرَاءَةً وَمُوَالَاةً وَمُعَادَاةً : كَانَ أَحَقَّ بِالرَّحْمَةِ . وَالْمُذْنِبُونَ - الَّذِينَ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَخَفَّتْ مَوَازِينُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا النَّارَ - : مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَإِنَّ النَّارَ تُصِيبُهُ بِذُنُوبِهِ . وَيُمِيتُهُ اللَّهُ فِي النَّارِ إمَاتَةً . فَتُحَرِّقُهُ النَّارُ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ . ثُمَّ يُخْرِجُهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ . وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ . فَبَيَّنَ أَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ كُلِّهِ : عَلَى تَحْقِيقِ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَهِيَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لَا عَلَى الشِّرْكِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْمَوْتَى وَعِبَادَتِهِمْ كَمَا ظَنَّهُ الْجَاهِلِيُّونَ . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .أهـ
قلت : ومما يدل على ما ذكره ـ رحمه الله ـ ما ثبت في صحيح البخاري ـ رحمه الله ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : « لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ »