التَّعْلِيقُ عَلَى بَابٍ مِنْ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ للإِمَامِ الآجُرِّيّ
ذمّ الخوارج وسوء مذاهبهم وإباحة قتالهم وثواب من قتلهم أو قتلوه
للشيخ: ربيع بن هادي المدخلي
- حفظه الله تعالى -
- حفظه الله تعالى -
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
- فقال الإمام محمد بن الحسين الآجريّ-رحمه الله-: " لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أنَّ الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن صلوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم، لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين. وقد حذرنا الله -عز وجل- منهم، وحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان -رحمة الله تعالى- عليهم.
والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين.
وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هو رجل طعن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يقسم الغنائم بالجعرانة، فقال: اعدل يا محمد، فما أراك تعدل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ويلك، فمن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ فأراد عمر -رضي الله عنه- قتله، فمنعه النبي -صلى الله عليه وسلم- من قتله، وأخبر عليه الصلاة والسلام: أن هذا وأصحاباً له يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون في الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأمر -عليه الصلاة والسلام- في غير حديث بقتالهم، وبين فضل من قتلهم أو قتلوه.
ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى قدموا المدينة، فقتلوا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه-.
وقد اجتهد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن كان في المدينة في أن لا يقتل عثمان، فما أطاقوا ذلك.
ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولم يرضوا بحكمه، وأظهروا قولهم، وقالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي -رضي الله عنه-: كلمة حق أرادوا بها الباطل، فقاتلهم علي -رضي الله عنه- فأكرمه الله -عز وجل- بقتلهم، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضل من قتلهم أو قتلوه، وقاتل معه الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-؛ فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة"(1) اهـ .
الشرح والتعليق
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله وصحبه و من اتّبع هداه.
بدأ المؤلف كتابه هذا بدعوة المسلمين إلى الاعتصام بكتاب ربهم و سنة نبيهم -صلى الله عليه و سلم- و ساق في ذلك آيات و أحاديث، و ثنّى بوجوب لزوم السنة، وثلّث بتحريم الفرقة و الاختلاف، والآن بدأ يذكر أول طائفة فارقت المنهج الإسلامي وخرجت على أمّة الإسلام و على ولاة أمور المسلمين، عثمان ثم عليّ ثم من بعدهم.
تعلق الخوارج بقضايا الأموال منذ ذرّ قرنهم إلى اليوم
و قد أشار إلى الأحاديث التي بينت صفاتهم و شرّهم وخبثهم و فتنتهم للأمّة و سفكهم للدّماء، يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان.
وكل هذه الصفات التي وصفهم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظهرت فيهم جليّة واضحة وهكذا من سار على دربهم إلى يوم القيامة.
فهذا ذو الخويصرة أول شيء أنكره على الرسول -صلى الله عليه و سلم- و طعن في عدالته قضية المال، والخوارج وخاصة في هذا العصر يتعلقون بقضايا الأموال.
والرسول أخبر أنّ ولاة الأمر يستأثرون بالأموال و المناصب، فأمر بالصبر -عليه الصلاة و السلام- أخبره الله أنّ الولاة يستأثرون بالمال و بالمناصب و أول ما وصّى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- بالصبر على الأثرة أصحابه من الأنصار.
فأهل السنة ما يثيرون قضية مال، قضية عدالة، و قضية شيء . . .إلخ، بل يصبرون حتى يروا الكفر البواح كما أمرهم رسول الله -صلى الله عليه و سلم-.
فأول رئيس للخوارج بدأ يدندن حول الاقتصاد، والخوارج الآن في عصرنا: إحصائيات للأموال وعدّها من البترول وكذا وكذا وكذا . . . و يُهَيِّجون الناس بهذه القضايا ويتظاهرون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو شأن الخوارج، هذه طريقتهم، أول ما خرجوا في عهد عثمان في مصر و في غيرها بدؤوا يهيّجون الناس على الخليفة بالمناصب وبالأموال و بكذا و بكذا و . . . و يتظاهرون بالغيرة على الإسلام والأمر بالمعروف، فالتاريخ يعيد نفسه كما يقال.
فالأمور و القضايا التي يدندن حولها الخوارج منذ ذرّ قرنُ فتنتهم، هي هي إلى يوم القيامة، هي نفسها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قضايا المال و قضايا المناصب و هذه الأشياء.
الصبر على ولاة الأمر وإن جاروا هو أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وهو منهج أئمة السنّة بعده
وهو منهج أئمة السنّة بعده
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بهذه الأشياء كلّها، الرسول الرحيم المجاهد الذي لا يطيق الباطل أبداً ينظر إلى ما يصلح المسلمين وإلى ما يفسدهم، ويرجح بين المصالح والمفاسد، فظلم الحكام وانحرافهم مفسدة كبيرة، لكن الرسول أمر بالصبر عليهم مهما بلغ فسادهم إلى أن يخرجوا من دائرة الإسلام خروجاً واضحاً لا غبار عليه ولا ضباب.
الرسول غيور على الدين، بل هو أكثر الناس غيرة بعد الله على محارمه، و مع ذلك يأمر بالصبر -عليه الصلاة و السلام-، وأهل السنة والجماعة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا موقفهم لا يختلف ولا يخرج عن توجيهات الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الذي أخبر بانحراف الحكام وأمر بالصبر عليهم.
فعن عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا قلنا يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة)) [صحيح مسلم (3/1482)].
الصحابة -رضوان الله عليهم- رأوا انحراف الحجاج، عبد الله بن عمر و جابر وأبو سعيد، وأنس بن مالك، أمثالهم رأوا انحراف يزيد، فما كانوا يزيدون على أن يأمروا الأمّة بالصبر، وبعض الناس خالفوا الصحابة، خالفوهم وثاروا، فأريقت الدّماء و انتهكت الأعراض وحصل من المفاسد ما لا يعلمه إلاّ الله تبارك و تعالى، حتى القرَّاء خرجوا ولكنهم ندموا بعد ذلك.
تحريم الخروج ليس عمالة ولا جاسوسية كما يقوله الخوارج الآن، وإنّما هو امتثال لأوامر الله سيراً على منهج الله والمنهج الذي شرعه هذا الرسول الكريم وسار عليه أئمة الهدى في كل زمان و مكان.
أحمد بن حنبل، الحاكم والخليفة في زمانه أعلن الدعوة إلى القول بخلق القرآن، وهو كفر، يأتيه العلماء يستشيرونه في الخروج فيأبى، يقول هذا سيهلك المسلمين، سيضر بالمسلمين، سيسفك دماءهم، وينتهك أعراضهم، وكذا وكذا وأبى الخروج.
هل أحمد بن حنبل عميل؟ هل هو جاسوس؟!
لقد سُجن و ضُرب، و سُجِن إخوانه، وامتُحنوا أشدّ الامتحان، وقُتل بعضهم، وهو مع ذلك كلّه يأمر بالصبر.
هذا هو المنهج الصحيح، حتى لو ظهر الكفر البواح و في خروجك ضرر بالمسلمين لا تخرج، إذا كانت المفسدة أكبر من المصلحة و لو كان كافراً كفراً بواحاً؛ مادام الخروج يضر بالمسلمين ويؤدي إلى سفك دمائهم وانتهاك أعراضهم؛ فلا تتسبب في هذه المفاسد.
فأهل السنة و الجماعة ملتزمون بهذا المنهج، لا من منطلق عمالة و جاسوسية وكلام فارغ كما يصفهم أعداء السنة و أعداء هذا المنهج.
غلوّ خوارج زماننا في الحاكمية ورثوه من إمامهم ذي الخويصرة ومن خرج من ضئضئه
والشعارات اليوم هي شعارات ذي الخويصرة ومن بعده.
ذو الخويصرة انتقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المال، وأتباعه الذين خرجوا من ضئضئه انتقدوا عليا في الحكم و المال، وخوارج اليوم حرّفوا الدين كله، وحصروه في الحاكمية، التوحيد نسوه تماماً وأنسوا الناس عنه، وأغفلوا الناس عن الشرك وعن السحر والبدع والضلالات التي تنخر في كيان المسلمين وقد يهلك كثير منهم فيدخل النار -والعياذ بالله-؛ ولا يمسّون هذه العقائد المنحرفة التي حاربها الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وبدؤوا بحربها.
همّهم الوحيد الحاكمية، الحاكمية، وإذا حاربوا العلمانيين وغيرهم، إنّما يحاربونهم من أجل التنافس على الكراسي، يحاربون من يصارعهم على الكراسي، العلمانيون يريدون كراسي وهم يريدون كراسي، فيشتدّون على العلمانيين إذا حاربوهم على الكراسي، وإذا اتفقوا يتحالفون معهم ويتعاونون معهم ومع غيرهم من شيوعيين ونصارى ومع كل نحلة، هذا واقعهم الآن للأسف.
أمّا أهل السنة فثابتون على منهج معيّن، في عقيدتهم، في منهجهم، في تعاملهم مع أهل البدع، في تعاملهم مع الحكام، ينطلقون في ذلك كلّه من منهج صحيح، هذا كتاب الله، وهذه سنة رسول الله، وهذا فقه السلف الصالح بيننا وبينهم - بارك الله فيكم-.
فالآن شغلتهم الحاكمية و الحكام، والذي يُبَصِّر المسلمين ويدلهم على المنهج الصحيح - الذي يَسْلَمُ فيه دينهم وتسلم فيه أعراضهم، وتصان فيه دماءهم- هو جاسوس وعميل للغرب.
وهم ما الذي جعلهم يعيشون في أوروبا ويشيدون هناك القصور والمباني ويدخلون أولادهم في مدارسهم و يعيشون في ظل " تاتشر" و في ظل " كلنتن " و" بوش " و أمثالهم؟ اللهمّ إلاّ العلاقات الوطيدة بينهم، فهذه الزلازل والمحن التي تنصب على المسلمين من الغرب كلها من تدبير و خطط أعداء الإسلام، ويفرحون بهذه الزلازل والأعاصير والمحن هنا وهناك، في أفغانستان، في الجزائر، في كل مكان تجد فتن هؤلاء، والله . . يَفرَح بها أعداء الإسلام.
من يموّل هذه الحركات الآن؟ هذه الحركات التي تسمى جهادية من يموّلها؟ من الذي موّل جيش الإخوان في أفغانستان؟ ومن الذي يموّل الثوار في الجزائر؟ من أين تأتيهم الأموال هذه؟ تأتيهم من أعداء الإسلام، ويضحكون على الناس -بارك الله فيكم-.
هذا مذهب الخوارج وأشرس وأنجس من مذهب الخوارج الأولين، يتعلقون به ويربون عليه الشباب، فيجب أن يفقه المسلمون في كل زمان ومكان مشكلة الخوارج وخطرها.
ثم هؤلاء . . يضمون إلى مشكلة الخوارج مشكلة الإرجاء الغالي، رؤوس البدع والضلال الذين عندهم كفريات كبرى، يدافعون عنهم ولو سبّوا الأنبياء و لو سبّوا الصحابة ولو كفّروهم ولو . . ولو . . فهُم مقدسون عندهم.
المرجئ الغالي يرى الذنوب ذنوباً، ولا يطبق على المذنبين نصوص الوعيد وهذا ضلال مبين، ولكن أضلّ منهم هؤلاء الذين يرون أهل وحدة الوجود ومن يسب الأنبياء والصحابة . . .إلخ: مجددين وخير عندهم من أئمة السنة.
وأهل السنة ليسوا بشيء عندهم، بل يحاربونهم وينبزونهم بالألقاب الشنيعة، فجمعوا بين سوءات - و العياذ بالله - .
فيجب أن ينتبه لهم الشباب المسلم، وأن يبحث عن المنهج السلفي المتمثل في هذا الكتاب وفي غيره "الشريعة " للآجري، "السنة" للخلال، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي، " الإبانتين " لابن بطة، هذه هي التي تمثل منهج السلف؛ ليس كتب سيد قطب، كتب الضلال، كتب أهل البدع، كتب الروافض، كتب الخوارج المندسّين والمعلنين منهم.
فنحن ما عندنا إلاّ كتاب الله و سنة رسول الله -صلى الله عليه و سلم- و ما انبثق عنهما من حقّ ومن فقه، نعضّ على ذلك بالنّواجذ كما أمرنا بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالآن لوثّوا أهل السنة و شوّهوهم بهذه الطعون الخبيثة التي ما كانت تصدر من الخوارج ولا من الروافض، الخوارج الآن والروافض لا يؤذون أهل السنّة كما يؤذيهم هؤلاء، فهم ورّاث للخوارج والروافض والمرجئة في حرب أهل السنة.
ويسمّون أنفسهم أهل السنة، ويسمّون أنفسهم سلفييّن!! والله! لا يجتمع منهج سيد قطب والبنا والمودودي مع المنهج السلفي أبداً، لا يجتمعان أبداً، لا يجتمع الضلال والهدى - بارك الله فيكم- فافهموا يا أيّها الشباب، وعليكم بمنهج السلف الصالح، والله لا تخرج الأمّة من مشاكلها وما تعيش فيه من ذلّ وهوان إلاّ بالرجوع إلى كتاب الله وسنة الرسول وفقه السلف الصالح في قضايا الخوارج وقضايا غيرهم – بارك الله فيكم – .
يقول الآجُرِّي -رحمه الله -: " لم يختلف العلماء قديما و حديثا في أنّ الخوارج قوم سوء ، عصاة لله ولرسوله وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة".
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكر عنهم أنّكم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم إلى قراءتهم وصيامكم إلى صيامهم، لغلوّهم في العبادة، غلوّهم في العبادة جرّهم إلى هذا الانحراف، أوقعهم في الغرور و الانحراف، فأهلكهم، فصاروا شرّ الخلق والخليقة على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاروا كلاب أهل النّار والعياذ بالله.
هذا فكر الخوارج الذي يرفع رايته الآن سيد قطب ومن تبعه، سيد قطب رفع راية الخوارج والروافض وراية ملاحدة الصوفية، وهو مقدس عند هؤلاء، فهم في حالة سيّئة جدّاً . . في أسوأ الأحوال، و يحسبون أنفسهم أنّهم هم الذين يمثلون الإسلام، وهذا هو الضلال، الخوارج كانوا يواجهون عليّا، يواجهون الصحابة على أنّهم هم الذين يمثلون الإسلام وأنّ الصحابة قد ضلّوا وكفروا، وهم الذين يمثلون الإسلام.
والآن نفس الشيء، التاريخ يعيد نفسه كما يقال، الآن علماء السنة ضلاّل، عبّاد الحكام ، وجواسيس، وعملاء، وأهل الصحون والتّباسي و . . . و . . . إلى آخر التشويهات التي يصدّون بها شباب الأمّة عن الحقّ، وعن سبيل الله تبارك و تعالى .
فالحق في هذا كلّه، في قضايا السياسة والصراع السياسي القائم الآن، أن نرجع إلى توجيهات الرسول الكريم -صلى الله عليه و سلم- وإلى فقه سلفنا الصالح فنتشبث به مهما طعنوا ومهما شوهوا، وسيجعل الله للحقّ وأهله فرجاً ومخرجاً.
ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز
والله إننّا لنبرأ من أخطاء الحكام و غيرهم، ونحب من يطبق شريعة الله، ونكره مخالفة هذه الشريعة، ولا نؤيّد أيّ خطأ أبداً، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول -كما في حديث أم سلمة-: ((ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بَرِئ، ومن أنكر سَلِمَ، ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا ) [صحيح مسلم (3/1480)].
فنحن ننكر المنكرات -إن شاء الله- بقدر ما نستطيع، بقلوبنا وبألسنتنا وبأقلامنا في حدود طاقتنا، وإذا عجزنا عن شيء ننكره بقلوبنا و لا نرضاه أبداً ((ولكن من رضي و تابع)).
فنحن على هذا المنهج الذي وضّحه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتركنا -في كل القضايا بما فيها قضايا الأمراء والحكام- على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
فنحن إن شاء الله متشبثّون بهذا، عاضّون عليه بالنّواجذ، لا نتزحزح عنه، و لو كثرت سهام هؤلاء؛ فإنّها طائشة إن شاء الله، ولن تصيب - إن شاء الله - إلاّ نحورهم في الدنيا والآخرة.
قال الآجري: " فليس ذلك بنافع لهم" ماذا يريد؟ هل يريد أنّ أعمالهم حابطة؟ الله أعلم، لأنّ أكثر أعمالهم بدع، عباداتهم قائمة على غير الوجوه المشروعة.
قد يخلصون من الكفر وينجون من النّار بعد أن يعاقبهم الله أو يعفو عنهم كما يشاء سبحانه و تعالى، نحن لا نتدخل في الجنّة و النّار، في الجملة نؤمن أنّهم من أهل النّار لكن الأفراد والآحاد لا نستطيع أن نحكم عليهم.
وقوله: " ليس بنافع لهم" هل هي حابطة؟ هل قصد هذا؟ إن كان يكفرهم فهو يقصد الحبوط، وإن كان لا يكفرهم، فتكون فائدتها قليلة، وجدوى هذه العبادة قليلة لأنّها قائمة على الهوى، وقائمة على الجهل وعلى غير اتّباع الرسول الكريم -عليه الصلاة و السلام-.
البدع الكبرى و المنكرات العظمى عند الخوارج ليست بشيء أمام الحاكمية
و ذكر - الإمام الآجري - من عيوبهم: " ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
كما هو حال الخوارج الآن، يدندنون كثيراً حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن البدع الكبرى ليست منكراً عندهم، البدع الشركية التي ركّز أهل السنة عليها أكثر من المعاصي و قضايا الحكام، وركزوا على البدع، لماذا؟
لأنّ الذي يقع في البدع الشركية شرّ من الحاكم المنحرف وشرّ من العصاة، لماذا؟ لأنّ هذا يفسد دين الله و يحرفه و يقدمه للنّاس على أنّه دين الله، بينما الحاكم يقول: و الله أنا هذا أخذته من أوروبا وهذا من أمريكا وهذا . . . ولا يقول لك: أخذته من عند الله، لكن هؤلاء يقولون دينهم من عند الله.
ولهذا أنا لفتّ أنظار المسلمين غير مرّة إلى أنّ الله تبارك و تعالى لمّا أنزل القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- ما كان يقول له: كسرى، قيصر، النجاشي . . . كما يقول هؤلاء الآن: فلان وفلان وفلان، ما يقول هذا الكلام، وإنّما صبّ غضبه على اليهود الذين حرّفوا الدين، وعلى النصارى الذين حرَّفوا الدين وأفسدوا الرسالات.
فهؤلاء المبتدعون المنحرفون الذي تؤدّي بهم بدعهم إلى الخروج من الإسلام، هم أخطر الأخطار على الإسلام، هؤلاء الخوارج الآن على صلح معهم، مع الروافض، مع الخوارج، مع غلاة الصوفية الباطنية، مع القبورييّن، ما شاء الله على صلح ووفاق، وقلّ ما يتعرّضون لهم، اللهمّ إلاّ من باب ذرّ الرماد في العيون، حتى يبقى لهم ستارة من ملابس أهل السنة، وإلاّ هم سائرون على طريقة الخوارج، على المنهج الذي رسمه لهم سيد قطب الذي يفسّر لا إله إلاّ الله بـ: لا حاكم إلاّ الله، ليس هناك إلاّ الحاكمية.
جاريناهم على الحاكمية، وقلنا لهم: إذا قلنا بالحاكمية يجب أن نبدأ بالعبادة، يجب أن نبيّن للنّاس توحيد العبادة، نحارب الشرك الذي يقع فيه الحاكم والمحكوم، و نوجّه دعوتنا إلى الحكام والمحكومين، أوّل ما نصلح عقائدهم قبل أن نصلح سياستهم، نبدأ بإصلاح عقائدهم قبل إصلاح سياستهم كما فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
الأنبياء جاءوا والحكام منحرفون، ليس عندهم شيء من شرائع الإسلام ليسوسوا به أممهم، إنّما يسوسونهم بالأباطيل والضلالات والانحرافات التي تخالف منهج الرسل، ما جاءوا يقولون: والله أنتم عندكم انحراف في الحاكمية، ولا حكم إلاّ لله، و تعالوا نصارعكم على الحاكمية(!) لا! إنما يبدؤون بالعقائد، بهداية الحاكم هذا إلى العقيدة الصحيحة.
يا أخي: إذا صلحت عقيدة الحاكم وصلحت عقيدة المحكوم، استقامت الأمور، إذا صلحت عقيدته التزم أمر الله، عرف قدر الله وعظمته وجلاله وحقّه عليه، ومن حقوقه على عباده أن يحكموا بشريعته.
لكن تأتي تناوشه في الحاكمية، وتجمّع الشعب من خلفك، هذا خرافي وهذا رافضي ويمكن هذا نصراني وهذا يهودي، وهذا شيوعي، تجمع الشعب و تحشد الأمة وراءك فقط حتى تسقط هذا الحاكم لتصل إلى الكرسيّ، وإذا وصلت لن تطبق شريعة الله. وهذا قائم الآن، موجود لماذا؟ لأنّ البداية فاسدة والنهاية أفسد.
قد يبدأ الإنسان بداية صحيحة وينحرف، كيف إذا كان من البداية منحرفاً؟ ماذا ينتظر منه؟ فالانحراف عن دعوة الأنبياء انحراف خطير كبير جدّاً.
هل أنت أعلم من الله؟ هل أنت أعلم من الأنبياء؟ هل أنت أحرص على سعادة الأمة من ربّ العالمين ومن رسول ربّ العالمين ومن الأنبياء أجمعين؟ هذا منهج واضح في القرآن، عرضه الله من عهد نوح إلى عهد محمد -صلى الله عليه وسلم-، ما اختلف فيه الأنبياء أبداً، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25].
يا أخي الآن يكفرون الشعوب لماذا؟ لأنّهم يعبدون الحكام، تقول لهم: كيف يعبدون الحكام؟ يقولون لك: يقنّنون لهم قوانين وهم يطيعون هذه القوانين.
أنا أقول: إنّ الشعوب الإسلامية بريئة من هذه التهمة، هذا كذب، لأنّهم ليسوا راضين عن هذه القوانين، التي فيها ضرائب ومشاكل تصيبهم في دمائهم وأموالهم، وتنهب أموالهم، فهم لا يريدون هذه القوانين ويكرهونها حتى من النّاحية الدنيوية لا يحبونها فضلاً عن الناحية الدينية، كثير من الخرافيين يكره هذه القوانين من الناحية الدينية ومن الناحية الدنيوية فهم لا يعبدون الحكام إذن.
العبادة يشترط فيها أمران: الحب والخضوع، قد يخضعون لسلطانهم لكن لا يحبونهم فليسوا بعابدين، كيف تكفرهم يا أخي بحجة أنهم عبدوا الحكام، وتقول عبدوا الحكام وهم ما يعبدونهم؟!
الحقيقة أنّ كثيرا منهم يعبدون القبور، لماذا لا تحاول القضاء على عبادة القبور قيل عبادة الحكام المزعومة؟ فهم أخطأوا طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
والخطأ هذا من البداية ولا يكون في النهاية إلاّ أفسد وأفسد.
ولهذا يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((والله إنّا لا نعطي هذا الأمر أحدا سأله ولا أحداً حرص عليه)).
الآن هؤلاء كلهم حريصون على الكراسي، ويسلكون طرق فظيعة جداً للوصول إلى الكراسي، بطريقة "ميكيافلي" وغيرها من الطرق السيّئة، فكيف يؤتمن هؤلاء على أموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم وهذه هي أهدافهم؟!
وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوء نيّة من يبدأ من هذا المنطلق، فيجب أن يحذرهم الناس ويتهموهم، ولا يقولوا: و الله لا ندخل في نوايا الناس!!
مادام أعماله هكذا واضحة مخالفة لمنهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الحرص الشديد على الكراسي والدعوة إلى الديمقراطية وتعدد الحزبية، و يؤيّد كلّ هذه الضلالات التي جاءت من الغرب الذي يتظاهرون بحربه!! بدع الغرب وضلالاتهم، من ديمقراطية و غيرها، هم أول الناس ركضاً إليها، وأكثر الناس حرصاً عليها، وأكثر الناس تشبثا بها، أين حربكم للغرب؟
أُمُّ الكفر هي الديمقراطية، وهم ما شاء الله، روح الإسلام عندهم.
كم من الكفريات تنبثق من الديمقراطية وهم يطبلون لها إرضاءً للغرب، وتحقيقا لأهداف الغرب.
هم يروّجون الآن بضاعة الغرب في بلاد المسلمين، كيف تحاربون الحكام في السياسة المنحرفة و أنتم تدعون إلى قاعدة الانحراف هذه ؟!
هؤلاء الحكام المنحرفون الآن عندكم ما انحرفوا إلاّ بالديمقراطية هذه، فكيف تؤيّدونها؟ كلام فارغ - بارك الله فيكم - .
الشاهد: أنّ الخوارج الأوائل كان تعلقهم بالمال والحكم، وهؤلاء اليوم نفس الشيء متعلقون بالاقتصاد و بالحكم، فترى دندنتهم حول الاقتصاد، ويتخصصون في الاقتصاد ويتخصصون في السياسة، ولا يعرفون فقهاً إسلامياً، ولا يعرفون عقيدة، وإذا عرفوها همّشوها، وهكذا نفس البلاء.
وقد سُئلنا: ما رأيك في الذي يقول: عقيدتي سلفية وأنا على المنهج الفلاني؟
أنا عقيدتي سلفي ومنهجي إخواني؟
طيّب: كيف تفرّق الدين، الدين عقيدة و منهج، كيف تفرق بينهما؟
ثم هذا المنهج الذي اخترته معناه: أنّ السلفيين منهجهم فاسد في الدعوة، وفي التفقه، وفي الاستدلال، وفي الولاء والبراء، يعني منهجهم فاسد، الذي هو منهج السلف.
لو أخذت بمنهج السلف الأولين، منهج أحمد وابن تيمية وغيرهما، لالتقيت مع إخوانك الذين تسميهم جواسيس وعملاء، إذا نظرت إليهم من خلال هذا المنهج تبددت هذه التهم الكاذبة، ولكن أنت تنظر إلى السلفيين من خلال مذهب الخوارج، وتنظر إليهم من خلال سياسة الغرب وتنظر إليهم من مِنظارات خبيثة، فترى صورتهم شوهاء، لكن لو نظرت إليهم من منظار هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن خلال ما كان عليه السلف لوجدتهم أحسن الناس صورة، وأنّهم هم أهل الحقّ، وأنّك أنت على ضلال وانحراف، سواء في العقيدة أو العقيدة والمنهج.
والذي ينحرف في المنهج فقد وقع في انحراف خطير.
وقلنا: إنّ الخوارج الذين قتلهم علي -رضي الله عنه - وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقتلهم لم يكن عندهم تعطيل في الأسماء والصفات، فهم في باب الأسماء والصفات على منهج السلف وعلى منهج الصحابة وعلى منهج القرآن.
وكذلك ما كانوا يعبدون القبور، فهم في توحيد العبادة وفي مفهوم لا إله إلاّ الله على منهج السلف، وعلى ما جاء به القرآن، ومع ذلك لمّا انحرفوا في الفهم أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقتلهم، وسمّاهم شرّ الخلق والخليقة، ولو أدركهم لقتلهم قتل عاد و إرم، ووعد بالثواب الجزيل لمن قتلهم، وهم أقلّ انحرافاً من هؤلاء، هؤلاء عندهم انحراف عقائدي وانحراف منهجي وانحرافات كثيرة - بارك الله فيكم - .
- فأنا أقول لهم : اتّقوا الله و ارجعوا إلى كتاب الله و إلى سنة رسول الله و إلى اتّباع سبيل المؤمنين , الذين من فارقهم فموعده النّار - و العياذ بالله - .
ارجع إلى هذه الأشياء، وانظر إلى السلفية الموجودة الآن من خلال الكتاب والسنّة ومن خلال منهج السلف الصّالح، الذي أنت تدّعي أنّ أهله على الحقّ، انظر نظرة صحيحة إليهم تجدهم على الحقّ والصواب وأنّك على انحراف وضلال.
إعلانهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس بنافعهم، لماذا؟ "لأنّهم يتأوّلون القرآن على ما يهوون" أي والله هذا موجود "ويموهون على المسلمين"؛ ما شاء الله ، إيش يأتي تمويه الخوارج في العهد السابق من تمويه هؤلاء الآن؟!
المعاصرون تخصصوا في التمويه، وعندهم دربة هائلة في التمويه والتلبيس.
نفس المرض موجود وهو : سوء الفهم لكتاب الله وسنّة الرسول -صلى الله عليه و سلم- والتمويه، وكل ذلك ناشئ عن الهوى – والعياذ بالله - .
قال المصنف: "وقد حَذَّرَنَا الله تعالى منهم"؛ ما المقصود بحذرنا الله تعالى منهم؟ هل لفظ الخوارج مذكور في القرآن؟
العصاة الذين يعصون الله ورسوله: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن : 23].
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء : 59].
الخوارج ما كانوا يردون إلى الله والرسول، وإنما كانوا يردون إلى أهوائهم وتفسيراتهم الفاسدة، هؤلاء الآن وقعوا في هذا: {وَ َمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء : 115].
شاقّوا الله ورسوله واتّبعوا غير سبيل المؤمنين، نفس طريقة الخوارج.
فهذا تحذير من الله بهذه الأصول العامّة، ويدخل فيها كلّ عاص وكلّ منحرف في المنهج وكل منحرف في العقيدة، لا يحتكم إلى الله ولا إلى رسول الله لا في عقيدته ولا في منهجه ولا في خلافاته.
قال الآجري - رحمه الله - : " وحذرنا الخلفاء الرّاشدون بعده وحذّرناهم الصحابة -رضي الله عنهم-"؛ فعمر - رضي الله عنه- ضرب صبيغ بن عسل، وقال: هات رأسك، كيف هو؟ كشفه، فإذا به عنده وفرة، فقال: لو رأيت رأسك محلوقا لضربت هذا.
يعني: لأنه يكون حينذاك من الخوارج، فهذا من تحذيره منهم، ثم نفى هذا الرجل.
وعثمان - رضي الله عنه - أنكر عليهم.
كذلك ابن عمر تبرأ من أهل القدر، وتبرأ من الخوارج أيضاً، وقد عاصرهم - رضي الله عنه - .
ابن عبّاس وغيره وجابر وأبو سعيد وغيرهم تبرؤوا من هؤلاء وكشفوا عوار الخوارج وعليّ قاتلهم وقتلهم - رضي الله عن الصحابة جميعاً -.
مذهب الخوارج في التكفير يتضاءل مرّات عديدة أمام تكفير سيد قطب
قال الإمام الآجري: "والخوارج هم الشّراة الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج . . .".
الذي يقول: إنّ الذي يطيع الحاكم المشرّع في جزئية واحدة، خرج من دائرة الإسلام! وهو بهذا -سيد قطب- يحكم على نفسه بالكفر، لأنّه أطاع في كثير من الأشياء، ليس في جزئيّة واحدة بل في جزئيّات.
هذا الرجل يحلق لحيته، فمن أطاع؟ هل أطاع الله في حلق لحيته؟ ويلبس الكرافتا و أشياء كثيرة من أفكاره وعقائده، أطاع من؟ فهو مسكين يحكم على نفسه بالكفر من حيث لا يدري، هذا مذهب خطير يا إخوة.
من أطاع الحاكم في جزئيّة واحدة خرج من دائرة الإسلام، يعني راضٍ أو غير راضٍ، مستحل أو غير مستحل فهو مرتد بمجرد ما يطيعه.
طيّب: هل الناس من عهد الحجّاج إلى اليوم كفّار، لأنّهم أطاعوا الحكام في معاصي الله؟ ما أحد كفّرهم، حتّى الخوارج يمكن ما يكفّرون هذا التكفير، الخوارج ما وصل بهم الحدّ إلى هذه الدرجة، عندهم الكبيرة هي التي تخرج من دائرة الإسلام، أمّا الصغيرة فلا تخرج عندهم، ولو عشرات المعاصي.
لكن هذا - يعني سيد قطب - عنده ولو أطاع في أيّ جزئيّة، يخرج من دائرة الإسلام تماماً، يعني تكفير لا نظير له، ثم يزعم أتباعه أنه لا يكفر!! مع أن كتبه مليئة بالتكفير، فهذه من مغالطاتهم وتمويهاتهم.
المهم، إنّ فتنة هذا الرجل و من معه هي فتنة العصر، أشدّ فتنة في هذا العصر هي هذه الفتنة، وهي تلبس لباس المنهج السلفي.
فاحذروهم يا إخوة، عندهم من التلبيس ومن التمويه ومن المكر والحيل مالا يعلمه إلا الله، وشغلهم جلّه في تصيّد الشباب السلفي، ولا يهتمون بدعوة النصارى ولا اليهود ولا الروافض ولا الصوفية إلى المنهج الحقّ، لماذا؟
لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، فشغلهم الآن إفساد الصالحين ومن هداه الله إلى منهج ربّ العالمين، شغلهم الآن في العالم جلّه تصيّد الشباب السلفي، ويلبسون له اللباس السلفي ليتمكنوا من زحزحته وإبعاده عن هذا المنهج، ويستخدمون أساليب شتى في تشويه علماء هذا المنهج وتشويه المنهج نفسه - و العياذ بالله - .
ويلمّعون منهج سيّد قطب ولو كان فيه سبّ للأنبياء، ولو كان فيه تكفير لبعض الصحابة ولو كان فيه تكفير للأمّة . . .إلخ من العقائد الضالّة!!
هذا كلّه لا ينافي التجديد، فهو عندهم مجدّد !!
نحن نقول: نعم هو مجدّد، مجدّد كلّ البدع الكبرى، من مذهب الخوارج ومذهب الروافض ومذهب المرجئة ومذهب الجبرية ومذاهب الصوفية والفلسفات الشرقية والغربية كلّها جدّدها، وبيننا وبينهم كتب سيّد قطب ومؤلفاته.
فهذا مجدد عندهم وإمام، يوالون ويعادون عليه! فأيّ بلاء على الإسلام أشدّ من هذا البلاء؟
فعرّف المصنف الخوارج فقال: " . . . الخوارج ومن سار على دربهم إلى يوم القيامة يتوارثون هذا المذهب قديماً و حديثاً، ويخرجون على الأئمّة والأمراء، ويستحلّون قتل المؤمنين".
يعني يقولون لك -خوارج العصر-: بني أميّة وبني العبّاس كانوا مسلمين، أما حكام اليوم فهم كفّار.
يا أخي: أنت ربّ المسلمين على التّوحيد قبل مصادمة الحكام، كفّاراً أو مسلمين، ربّ المسلمين على منهج الأنبياء، وسيتربّى الحاكم والمحكوم على هذا المنهج، وغايتك التي تنشدها: (الوصول إلى الكرسيّ) وإن كانت غير محمودة، يمكن أن تصل إليها بسهولة، أسهل من الطريق التي تسلكها أنت الآن.
أولا: تحقق شيئا ينفع المسلمين.
وثانياً: تحقق غايتك التي أنت تطمح إليها، و هذا الطريق أسهل وأيسر.
وأمّا من أول مرة تناوش الحاكم، فيحصل ما حصل في سوريا، ويحصل ما حصل في مصر وما حصل في العراق وما حصل في الجزائر وما حصل من الدمار والدمار على هذه الأمّة، كلّ هذا الدمار لصالح أعداء الإسلام، لا ينفع الإسلام والمسلمين بشيء.
ابتعَدوا عن قاعدة الأنبياء، و قاعدة قواعدهم التوحيد، و كل ما جاء به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إنّما كان يخدم هذا التوحيد، فابدأ به يا أخي، سر على نهجهم ويحقق الله لك ما تريد، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور : 55].
إيمان، عمل صالح، هل يوجد إيمان وعمل صالح بدون عقيدة ومنهج الأنبياء؟
هل يصلح أن نسمي دعوة من الدعوات ونصفها بأنّها عندها إيمان وعمل صالح إذا تخلّت عن منهج الأنبياء؟ بل شوهت من يرفع هذه الرّاية، شوّهته وحاربته ووالت من يعادي هذا المنهج! كيف يتحقق هذا الوعد؟ لا يتحقق أبداً، هذا الوعد للمؤمنين الصادقين الذين عملوا الصالحات، الذين وعدهم الله -عزّ و جلَّ- لا تجد شيئا منه عند هؤلاء.
فعلى المسلمين جميعا حكاماً ومحكومين أن يؤمنوا بكتاب الله وسنّة رسول الله، وأن يأمروا بالمعروف و ينهوا عن المنكر، ويقيموا شريعة الله بدءاً بالعقيدة ونهاية بالحاكمية، فالحاكمية هي آخر المراحل حتى والله عند سيّد قطب، والله عند سيّد قطب هي آخر المراحل، وهؤلاء يجعلونها هي أول المراحل.
سيّد قطب على ضلاله أدرك ما لا يدركه هؤلاء، فيرى أنّا نربّي الناس على العقيدة، لكن أيّ عقيدة؟ عقيدة الحلول ووحدة الوجود، ضلالات، تعطيل صفات وبلايا يراها هي الإسلام.
نحن نقول: هذا كلام حق تريد به باطلاً، فنقول لهم: خذوا الحق من كلام هذا الرجل إذا ما تسمعون لغيره من السلفيين، اسمعوا له وابدؤوا بالعقيدة الصحيحة وانتهوا بالسياسة، لا تبدؤوا بالسياسة، أدرك بشيء من العقل عنده أنّ هذه آخر مرحلة، و نحن نقول لهم: إنّ هذه هي آخر مرحلة، ابدؤوا بالعقيدة والمنهج وربّوا الناس عليها، ويتوّج الله جهادكم وتربيتكم هذه بهذه الغاية كما وعد سبحانه و تعالى، هذا وعد من الله لمن سلك هذا الطريق أن يتوج له هذا الجهاد وهذا العمل الصالح بالدولة الإسلامية والتمكين في الأرض.
فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفق المسلمين جميعا حكّاماً ومحكومين أن يهتدوا بهدي الكتاب والسنة وأن يتّبعوا سنن الخلفاء الرّاشدين المهدييّن ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدّين.
وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم(2).
-----------------------------------------
(1) من كتاب الشريعة(1/325) ط الدميجي.
(2) قام بتفريغ ِهذه المادة وعرضِها على الشيخ - حفظه الله -: الأخ فواّز الجزائري - غفر الله له ولوالديه - ليلة الأربعاء 20 جمادى الثانية لعام 1426هـ.
تعليق