تابع الفوائد السلفية من كتاب (مدارك النظر في السياسة)
* قال ابن تيمية: " يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ... إلى أن قال: لأنَّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي: (( أن السلطان ظل الله في الأرض ))([1]) ويقال:
( ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان ) والتجربة تبيِّن ذلك، ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان ... فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرئاسة أو المال بها ". (السياسة الشرعية).
*قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: " العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله e: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها
دينها ".(إعلام الموقعين)
* وقال الشاطبي: " بل إذا عرضت النوازل روجع بها أصولها فوُجدَت فيها، ولا يجدها مَن ليس بمجتهد، وإنما يجدها المجتهدون الموصوفون في علم أصول الفقه ". (الاعتصام)
*وقد مثَّل ابن رجب لهذا بالإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ؛ فقد بيَّن وجه استحقاقه لمنصب الفتوى في الحوادث ـ أي النوازل ـ بأن وَصَفه ببلوغ النهاية في معرفته بالقرآن والسنة والآثار، فمِنَ القرآن: ناسخه ومنسوخه، ومُقدَّمه ومُؤَخَّره، وجَمْعه في تفسيره مِن أقوال الصحابة والتابِعين الشيءَ الكبير. ومِنَ السنة: حِفْظُه لها، ومعرفته بصحيحها من سقيمها، ومعرفته بالثقات من المجروحين، وبطُرق الحديث وعلله، ليس في المرفوع منه فحسب، بل وفي الموقوف منه! وبفقهه. وبعلوم الأئمة: ذَكر أنه عُرِض عليه عامّة أقوالهم ... إلى أن قال: " ومعلوم أنَّ مَن فَهِمَ عِلْم هذه العلوم كلّها وبرع فيها، فأسهلُ شيء عنده معرفةُ الحوادث والجواب عنها".
* كلمة عظيمة لابن تيمية ـ رحمه الله ـ قالها في معرض كلامه عن الجهاد، فقال: " وفي الجملة فالبحثُ في هذه الدَّقائق من وظيفة خَواصّ أهل العلم ".
* وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّوَيْبِضة ، قيل: وما الرويبضة؟ قال:
الرجل التافه يتكلم في أمر العامة رواه ابن ماجه وهو صحيح.
قال أبو شامة: " وأكثر ما أُتي الناس في البدع بهذا السبب؛ يُظَنُّ في شخص أنه من أهل العلم والتقوى، وليس هو في نفس الأمر كذلك، فيَرْمقون أقواله وأفعاله، فيَتَّبِعونه في ذلك، فتفسد أمورهم؛ ففي الحديث عن ثوبان t أن النبي e قال: (( إنّ مما أتخوَّف على أمتي الأئمةَ المُضلِّين )) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث صحيح، وفي (( الصحيح )) أن النبي e قال: (( إنّ
الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يَقبض
العلم بقبض العلماء، وحتى إذا لم يَبق عالمٌ اتَّخذ الناسُ رؤوساً
جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا ))، قال الإمام الطرطوشي
ـ رحمه الله ـ: فتدبَّروا هذا الحديث؛ فإنه يدلّ على أنه لا يُؤتَى الناسُ قط من قِبَل علمائهم، وإنما يُؤتَوْن من قِبل أنه إذا مات علماؤهم أفتَى مَن ليس بعالم، فيُؤتَى الناسُ من قِبَله، قال: وقد صرَّف عمر t هذا المعنى تصريفاً فقال: ( ما خان أمين قط، ولكن ائتُمن غير أمين فخان ).
* قال مالك: بكى ربيعةُ يوماً بكاءً شديداً، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: ( لا! ولكن استُفتي مَن لا عِلم عنده وظهر في الإسلام أمر
عظيم ).
* قال ابن مسعود t: " لايزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا ".
*وقال الشعبي ـ رحمه الله ـ: " ما جاءك من أصحاب محمدٍ e فخذه، ودع عنك ما يقول هؤلاء الصعافقة "، قيل الصعافقة: الذين يدخلون السوق بلا رأس مال، أراد الذين لا علم لهم ".
* .. وعلى هذا كان أصحاب رسول الله e؛ ألا ترى كيف لم يختلفوا في تولية أبي بكر t إلا في جلسة واحدة تحت سقيفة، الأمر الذي لا تعرفه الديمقراطيات على الرغم من أنها مدعومة بالحديد، واختاروا أبا بكر لأنه كان كما جاء وصفه في حديث أبي سعيد قال: " وكان أبو بكر أعلمنا " متفق عليه.
وقد كان رسول الله e لا يشاور في القضايا السياسية إلا أبا بكر وعمر ومن هم على مستواهما، وما قصة أسرى بدر عنكم ببعيد.(من كلام مؤلف الكتاب).
* قال ابن القيم: " ودعا النبي e لعبدالله بن عباس أن يُفقِّهه في الدين ويُعَلِّمه التأويل، والفرق بين الفقه والتأويل: أن الفقه هو فهْم المعنى المراد، والتأويل إدراك الحقيقة التي يَؤول إليها المعنى التي هي أخيّته وأصله، وليس كل مَن فَقه في الدين عَرَف التأويل، فمعرفة التأويل يَختص به الراسخون في العلم ".
قلت(المؤلف) : تأمل هذا تفهم سبب عدم الاكتفاء في أمر السياسة بالعلم، بل لا بدّ من الرسوخ فيه،
* ، ألا فهاكم كلمة حكيمة للشيخ ابن عثيمين ـ حفظه الله ـ لما سأله بعض المستعجلين في جرأة سخيفة: لماذا لا تردون على الحكام وتُبَيِّنوا ذلك للناس؟
قال الشيخ في وقاره وحلمه: " .. ولكن النصح مبذول ... والله! أنا أعلمتُك يا أخ ( فلان! ) وأعلمتُ الإخوان أن بيان ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان:
المفسدة الأولى: أن الإنسان يَخشى على نفسه من الرياء، فيبطل عمله.
المفسدة الثانية: أن الولاة لو لم يُطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا، وحصَل مفسدة أكبر "([2]).
فتأمّلوا هذا الجواب الحكيم فإنه مستوحى من جواب بعض السلف حيث طلب منه بعض الثائرين أن ينكر على الخليفة عثمان بن عفان t، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: " أترون أني لا أكلمه إلا أُسمِعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه ". وفي رواية: " إني أكلمه في السر ".
_ _ _ _ _ _ _
(1) هو في صحيح سنن الترمذي للألباني مرفوعا
(2) من شريط أسئلة حول لجنة الحقوق الشرعية في موضعين منه.
يتبع بإذن الله
* قال ابن تيمية: " يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ... إلى أن قال: لأنَّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي: (( أن السلطان ظل الله في الأرض ))([1]) ويقال:
( ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان ) والتجربة تبيِّن ذلك، ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان ... فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرئاسة أو المال بها ". (السياسة الشرعية).
*قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: " العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله e: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها
دينها ".(إعلام الموقعين)
* وقال الشاطبي: " بل إذا عرضت النوازل روجع بها أصولها فوُجدَت فيها، ولا يجدها مَن ليس بمجتهد، وإنما يجدها المجتهدون الموصوفون في علم أصول الفقه ". (الاعتصام)
*وقد مثَّل ابن رجب لهذا بالإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ؛ فقد بيَّن وجه استحقاقه لمنصب الفتوى في الحوادث ـ أي النوازل ـ بأن وَصَفه ببلوغ النهاية في معرفته بالقرآن والسنة والآثار، فمِنَ القرآن: ناسخه ومنسوخه، ومُقدَّمه ومُؤَخَّره، وجَمْعه في تفسيره مِن أقوال الصحابة والتابِعين الشيءَ الكبير. ومِنَ السنة: حِفْظُه لها، ومعرفته بصحيحها من سقيمها، ومعرفته بالثقات من المجروحين، وبطُرق الحديث وعلله، ليس في المرفوع منه فحسب، بل وفي الموقوف منه! وبفقهه. وبعلوم الأئمة: ذَكر أنه عُرِض عليه عامّة أقوالهم ... إلى أن قال: " ومعلوم أنَّ مَن فَهِمَ عِلْم هذه العلوم كلّها وبرع فيها، فأسهلُ شيء عنده معرفةُ الحوادث والجواب عنها".
* كلمة عظيمة لابن تيمية ـ رحمه الله ـ قالها في معرض كلامه عن الجهاد، فقال: " وفي الجملة فالبحثُ في هذه الدَّقائق من وظيفة خَواصّ أهل العلم ".
* وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّوَيْبِضة ، قيل: وما الرويبضة؟ قال:
الرجل التافه يتكلم في أمر العامة رواه ابن ماجه وهو صحيح.
قال أبو شامة: " وأكثر ما أُتي الناس في البدع بهذا السبب؛ يُظَنُّ في شخص أنه من أهل العلم والتقوى، وليس هو في نفس الأمر كذلك، فيَرْمقون أقواله وأفعاله، فيَتَّبِعونه في ذلك، فتفسد أمورهم؛ ففي الحديث عن ثوبان t أن النبي e قال: (( إنّ مما أتخوَّف على أمتي الأئمةَ المُضلِّين )) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث صحيح، وفي (( الصحيح )) أن النبي e قال: (( إنّ
الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يَقبض
العلم بقبض العلماء، وحتى إذا لم يَبق عالمٌ اتَّخذ الناسُ رؤوساً
جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا ))، قال الإمام الطرطوشي
ـ رحمه الله ـ: فتدبَّروا هذا الحديث؛ فإنه يدلّ على أنه لا يُؤتَى الناسُ قط من قِبَل علمائهم، وإنما يُؤتَوْن من قِبل أنه إذا مات علماؤهم أفتَى مَن ليس بعالم، فيُؤتَى الناسُ من قِبَله، قال: وقد صرَّف عمر t هذا المعنى تصريفاً فقال: ( ما خان أمين قط، ولكن ائتُمن غير أمين فخان ).
* قال مالك: بكى ربيعةُ يوماً بكاءً شديداً، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: ( لا! ولكن استُفتي مَن لا عِلم عنده وظهر في الإسلام أمر
عظيم ).
* قال ابن مسعود t: " لايزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا ".
*وقال الشعبي ـ رحمه الله ـ: " ما جاءك من أصحاب محمدٍ e فخذه، ودع عنك ما يقول هؤلاء الصعافقة "، قيل الصعافقة: الذين يدخلون السوق بلا رأس مال، أراد الذين لا علم لهم ".
* .. وعلى هذا كان أصحاب رسول الله e؛ ألا ترى كيف لم يختلفوا في تولية أبي بكر t إلا في جلسة واحدة تحت سقيفة، الأمر الذي لا تعرفه الديمقراطيات على الرغم من أنها مدعومة بالحديد، واختاروا أبا بكر لأنه كان كما جاء وصفه في حديث أبي سعيد قال: " وكان أبو بكر أعلمنا " متفق عليه.
وقد كان رسول الله e لا يشاور في القضايا السياسية إلا أبا بكر وعمر ومن هم على مستواهما، وما قصة أسرى بدر عنكم ببعيد.(من كلام مؤلف الكتاب).
* قال ابن القيم: " ودعا النبي e لعبدالله بن عباس أن يُفقِّهه في الدين ويُعَلِّمه التأويل، والفرق بين الفقه والتأويل: أن الفقه هو فهْم المعنى المراد، والتأويل إدراك الحقيقة التي يَؤول إليها المعنى التي هي أخيّته وأصله، وليس كل مَن فَقه في الدين عَرَف التأويل، فمعرفة التأويل يَختص به الراسخون في العلم ".
قلت(المؤلف) : تأمل هذا تفهم سبب عدم الاكتفاء في أمر السياسة بالعلم، بل لا بدّ من الرسوخ فيه،
* ، ألا فهاكم كلمة حكيمة للشيخ ابن عثيمين ـ حفظه الله ـ لما سأله بعض المستعجلين في جرأة سخيفة: لماذا لا تردون على الحكام وتُبَيِّنوا ذلك للناس؟
قال الشيخ في وقاره وحلمه: " .. ولكن النصح مبذول ... والله! أنا أعلمتُك يا أخ ( فلان! ) وأعلمتُ الإخوان أن بيان ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان:
المفسدة الأولى: أن الإنسان يَخشى على نفسه من الرياء، فيبطل عمله.
المفسدة الثانية: أن الولاة لو لم يُطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا، وحصَل مفسدة أكبر "([2]).
فتأمّلوا هذا الجواب الحكيم فإنه مستوحى من جواب بعض السلف حيث طلب منه بعض الثائرين أن ينكر على الخليفة عثمان بن عفان t، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: " أترون أني لا أكلمه إلا أُسمِعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه ". وفي رواية: " إني أكلمه في السر ".
_ _ _ _ _ _ _
(1) هو في صحيح سنن الترمذي للألباني مرفوعا
(2) من شريط أسئلة حول لجنة الحقوق الشرعية في موضعين منه.
يتبع بإذن الله
تعليق