إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

التحذير من اعتقاد الأشاعرة في تكليف ما لا يطاق والتنبيه على زلة للشاطبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التحذير من اعتقاد الأشاعرة في تكليف ما لا يطاق والتنبيه على زلة للشاطبي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

    أما بعد :


    قال الشاطبي في الموافقات (2/107) :" ثبت في الأصول أن شرط التكليف أو سببه القدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا وإن جاز عقلا "


    قلت : هذه كبوة من هذا العالم الجليل ، فإن القول بجواز تكليف ما لا يطاق عقلاً هو قول الأشاعرة نسبه لهم الزبيدي إتحاف السادة المتقين (2/182) وقبله ابن أبي العز في شرح الطحاوية وسيأتي ذكر كلامه وكذلك القرطبي المفسر حيث قال في تفسيره (3/430) :" قال أبو الحسن الاشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع " ونصوصهم في ذلك كثيرة ، وقد بنى الأشاعرة قولهم في هذه المسألة على أصلهم في منع التعليل في أفعال الله عز وجل ومنع التحسين والتقبيح العقليين ومما تفرع على هذا الأصل قولهم بجواز تعذيب المطيعين ( عقلاً ) وإثابة الكفار (عقلاً ) ، وقد خالفهم في هذا كله أصحابهم الماتردية و قبلهم المعتزلة فهذه من المسائل التي شذ بها الأشاعرة عن جمهور ( العقلاء ) ، ويكفي في رد هذا القول أنه قول مبتدع لم يقل به أحدٌ من السلف بل هو من شماطيط المتكلمين المبنية على الأصول الفاسدة


    قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (1/29 :". وعندأبي الحسن الأشعري أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ، ثم تردد أصحابه [ أنه ] : هل وردبه الشرع أم لا ؟ واحتج من قال بوروده بأمر أبي لهب بالإيمان ، فإنه تعالى أخبر بأنه لا يؤمن ، [ وانه سيصلى ناراً ذات لهب ، فكان مأموراً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن .وهذا تكليف بالجمع بين الضدين ، وهو محال . والجواب عن هذا بالمنع : فلا نسلم بأنه مأمور] بأن يؤمن [ بأنه لا يؤمن ] ، والاستطاعة التي بها يقدر على الإيمان كانت حاصلة ، فهو غير عاجز عن تحصيل الإيمان ، فما كلف إلا ما يطيقه كما تقدم في تفسير الاستطاعة . ولا يلزم قوله تعالى للملائكة : نبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. مع عدم علمهم بذلك ، ولا للمصورين يوم القيامة :احيوا ما خلقتم، وأمثال ذلك - لأنه ليس بتكليف طلب فعل يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، بل هو خطاب تعجيز. وكذا لا يلزم دعاء المؤمنين في قوله تعالى : ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، لأن تحميل ما لايطاق ليس تكليفاً ، بل يجوز أن يحمله جبلاً لا يطيقه فيموت . وقال ابن الأنباري: أي لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه ، قال : فخاطب العرب على حسب ما تعقل ، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه : ما أطيق النظر إليك ، وهو مطيق لذلك ، لكنه يثقل عليه .ولا يجوز في الحكمة أن يكلفه بحمل جبل بحيث لو فعل يثاب ولو امتنع يعاقب ، كما أخبر سبحانه عن نفسه أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها .

    ومنهم من يقول : يجوز تكليف الممتنع عادة ، دون الممتنع لذاته ، لأن ذلك لا يتصور وجوده ، فلا يعقل الأمر به ،بخلاف هذا .
    ومنهم من يقول : ما لا يطاق للعجز عنه لا يجوز تكليفه ، بخلاف مالا يطاق للاشتغال بضده ، فإنه يجوز تكليفه . وهؤلاء موافقون للسلف والأئمة في المعنى ، لكن كونهم جعلوا ما يتركه العبد لا يطاق لكونه تاركاً له مشتغلاً بضده - بدعة في الشرع واللغة . فإن مضمونه أن فعل ما لا يفعله العبد لا يطيقه ! وهم التزموا هذا ، لقولهم : إن الطاقة - التي هي الاستطاعة وهي القدرة - لا تكون إلا مع الفعل ! فقالوا : كل من لم يفعل فعلاً فإنه لا يطيقه ! وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف ، وخلاف ما عليه عامة العقلاء ، كما تقدمت الإشارة إليه عند ذكر الاستطاعة "

    قلت : كلام ابن أبي العز هذا هو تلخيص جيد لكلام شيخ الإسلام في الفتاوى (8/293_ 29 ومما جاء في كلامه :" قد كتبنا فى غير هذا المو ضع ما قاله الأو زاعي و سفيان الثو ري و عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل و غيرهم من الأئمة من كراهة إطلاق الجبر و من منع إطلاق نفيه أيضا

    و كذلك أيضا القول بتكليف ما لا يطاق لم تطلق الأئمة فيه و احدا من الطرفين قال أبو بكر عبد العزيز صاحب الخلال فى كتاب القدر الذي فى مقدمة كتاب المقنع له لم يبلغنا عن أبي عبد الله فى هذه المسألة قو ل فنتبعه و الناس فيه قد إختلفوا فقال قائلون بتكليف مالا يطاق و نفاه " وملخص كلام أن تكليف ما لا يطاق على قسمين

    الأول : ما لا يقدر عليه لاستحالته إما لامتناعه في نفسه كالجمع بين الضدين أو امتناعه عادةً كالمشي على الوجه فهذا المستحيل لا يجوز إطلاق جواز وقوع التكليف به عقلاً


    الثاني : ما لا يقدر عليه لا لامتناعه ولا لعجز المكلف عنه ولكن لاشتغال المحل بضده مثل تكليف الكافر الإيمان في حال كفره، فهذا جائز خلافا للمعتزلة، لأنه من التكليف الذي اتفق المسلمون على وقوعه في الشريعة. ولكن إطلاق تكليف ما لا يطاق على هذا بدعة في الشرع واللغة كما قال ابن أبي العز متابعاً لشيخ الإسلام _ فذكره هنا من باب التنزل _


    ومن أراد الإستزادة فليراجع كلام شيخ الإسلام ، واعلم أن داعي كتابة هذه السطور أنني وجدت الشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي _ وفقه الله _ نقل في كتابه النافع تجريد الإتباع ص102 كلام الشاطبي الآنف الذكر ولم يتعقبه بشيء فخشيت أن يأخذ هذا الكلام بعض إخواننا ويعتقده ثقةً منه في الناقل والمنقول عنه


    هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    عبدالله الخليفي
    شبكة سحاب السلفية

  • #2
    شرح الطحاوية للشيخ صالح آل شيخ - حفظه الله -
    [ الشرح عبارة عن اشرطة مفرغة و نقلت النص من الشاملة ]

    :[[الشريط الأربعون]]:


    وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَا يُطِيقُونَ، وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ.
    ________________________________________________
    قال رحمه الله (وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَا يُطِيقُونَ، وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ)
    يعني العباد المُكَلَّفِين؛ لأنَّهُ لما ذَكَرَ أفعال العباد وأنَّهَا خَلْقُ الله وكَسْبٌ من العباد، ذَكَرَ هذه المسألة وهي أنّه - عز وجل - لم يكلفهم إلا ما يطيقون (وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ") إلى آخره، يريد بهذا الكلام أن:
    - يَرُدَّ على طائفة ممن يقولون: إنَّ الله - عز وجل - كَلَّفَ العباد بما فوق طاقتهم، وأنَّ بعض الأوامر أو النواهي فوق طاقة العبد.
    - ويَرُدَّ على طائفة أخرى يقولون: إنَّ العباد لم يكونوا ليقدِرُوا على أكثر مما أمرهم الله - عز وجل - به.
    وهذا معنى كلامه هنا، وسيأتي ما فيه من الصواب والخلل في المسائل إن شاء الله تعالى.
    والذي دَلَّت عليه النصوص أنَّ الرب - جل جلاله - رحيم بعباده، يَسَّرَ لهم، وما جعل عليهم في الدين من حرج، ولم يُكَلِّفْهُمْ فوق ما يستطيعون، والآيات في هذا الباب كثيرة كقوله - عز وجل - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:286] وكقوله - عز وجل - {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[البقرة:286]، وكقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]، وكقوله - عز وجل - {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]، وكقوله - عز وجل - {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:158]، وكقوله صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ الدين إلى الله الحنيفية السَّمحة»(1)، وكقوله «لن يشادَّ الدِّيْنَ أحد إلا غلبه»(2)، وكقوله في الحديث الحسن «إنَّ هذا الدين متين فأوغل فيه برفقٍ فإن الْمُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهرا أبقى»(3) ونحو ذلك من الأحاديث التي فيها صفة الله - عز وجل - في تحريمه الظلم على نفسه وإقامته للعدل في ملكوته وفي أمره ونهيه.

    __________
    (1) البخاري (30)/ المعجم الأوسط (7351)
    (2) البخاري (39)/ النسائي (5034)
    (3) المسند (13074)/ شعب الإيمان (3885)/ سنن البهقي الكبرى (4520)

    تعليق


    • #3

      وفي هذه الجملة مسائل:

      [المسألة الأولى]:

      قوله (وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ) التكليف جاء في نصوص الكتاب والسنة كقوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، ويَصِحُّ أن يُقَال على هذا عن العبادات الشرعية أنَّهَا تكليف لأجل هذه الآية، فالأوامر والنواهي فيما يجب الإيمان به وفيما يجب عمله ويجب تركه ونحو ذلك، هذا تكليف.
      ومعنى التكليف أنَّ الامتثال له يحتاج إلى كَلَفَةْ لِمُضَادَّتِهِ أصل الطَّبْعْ في استرسال النفس مع هواها.
      ولهذا كان المؤمنون قليلين {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبإ:13].
      فيسوغ أن يقال عن التكاليف الشرعية -يعني عن الأوامر الشرعية- إنها تكاليف لا بمعنى أنَّهَا فوق الطاقة أو أنها غير مرغوب فيها؛ لكن تمشياً مع قول الله - عز وجل - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} يعني أنَّ ما تَسَعَهُ النفوس وما يمكنها أن تعمله فإنَّ الله - عز وجل - كَلَّفَهَا به.

      [المسألة الثانية]:

      في قوله (إِلَّا مَا يُطِيقُونَ) الطاقة هنا بمعنى الوُسْعْ والتَمَكُنْ؛ يعني ما يمكن أن يفعله وما يَسَعُهُ أن يفعله من جهة قدرته على ذلك.
      فيكون معنى الكلام أنَّ الرب - عز وجل - لا يطلب من الإنسان، لا يطلب من الناس؛ بل من الجن والإنس؛ من المكلفين، لا يطلب منهم شيئاً فوق وسعهم؛ بل إنَّ بعض الأوامر والنواهي قد تكون في حق البعض خارجة عن الوُسْعْ فتسقط في حقهم لقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]، وقوله {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[النور:61].
      فبعض التكاليف -بعض الأوامر- تكون في حقِ بَعْضٍ في الوُسْعِ والطَّاقَةْ وفي حق بعضٍ خارجة عن الوسع والطاقة فتسقط عن بعضٍ وتجب على بعض.
      فيكون إذاً عدم تكليف ما لا يُطَاقْ فيه التفصيل: بأنه - عز وجل - لا يُكَلِّفُ الفرد المؤمن فوق طاقته.
      وهذا يعني أنَّ إطلاق الكلمة (لا يكلف الله - عز وجل - بما لا يُطاق) يعني في جهتين:
      - الجهة الأولى: في أصل التشريع فهو - عز وجل - الأعلم بخلقه.
      - الجهة الثانية: في التشريع المُتَوَجِّهْ إلى الفرد بعينه، فإنَّه - عز وجل - لا يُكَلِّفُ المسلم المُعَيَّنْ بما لا يطيق، وقد يكون ما لا يطيقه فلان يطيقه الآخر.

      [المسألة الثالثة]:

      قوله (وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ) هذه العبارة أدخَلَهَا هنا لأجل تتمة الكلام السّابق في أنَّ العبد لا يطيق أكثر مما أُمِرَ به.
      وهو أراد بذلك أنَّ الأصل في الإنسان التَّعَبُّدْ وأنَّهُ عَبْدٌ لله - عز وجل -، وأنَّ الملائكة لمَّا كانت تطيق كذا وكذا من الأعمال والعبادات جعلهم الله - عز وجل - يقومون بذلك أمراً لا اختياراً، والإنسان بحكم أنَّهُ عَبْدْ لله - عز وجل -، ومربوب ومُكَلَّفْ، فإنه يجب عليه أن يُمْضِيَ عمره وجميع وقته في طاعة الله - عز وجل -.
      فَنَظَرَ إلى هذا -يعني نَظَرَ إلى جانب العبودية- وقال: إنَّ العباد لا يطيقون إلا ما كَلَّفَهُمْ، ويعني به أصل التشريع وجملة الشريعة، في أنَّ الناس لا يطيقون أكثر من هذا في التَّعُبُّدْ.
      وكأنَّهُ نظر إلى قصة فرض الصلاة أيضاً وما جاء من التردّد أو الحديث بين موسى عليه السلام وبين النبي صلى الله عليه وسلم حتى خُفِّفَتْ إلى خمس صلوات.
      وكأنَّهُ نَظَرَ أيضاً إلى جهةٍ ثالثة وهي أنَّ (لَا يُطِيقُونَ) هنا بمعنى أنَّهُ سبحانه لم يجعل عليهم شيئاً في فعله بالنسبة لهم تكليف فوق ما كُلِّفُوا به.
      يعني أنَّ نَفْسَ التشريع هو موافق لما كُلِّفُوا به من جهة الأصل العام.
      فيتفق جهة الفرد مع جهة التشريع ويدخل في ذلك حينئذ معنى التوفيق.
      وهذا التوجيه الذي ذكرته لك من باب حمل كلام الطحاوي رحمه الله على موافقة كلام أهل السنة والقُرب من كلامهم، وإلا ففي الحقيقة فإنَّ الكلام هذا مُشْكِلْ، وقد رَدَّ عليه جمعٌ من العلماء ومن الشُّرَاحْ.

      ولهذا نقول: إنَّ هذا التخريج الذي ذَكَرْنَاه وهذا التوجيه من باب إحسان الظن وتوجيه كلام العلماء بما يتفق مع الأصول لا بما يخالفها ما وُجِدَ إلى ذلك سبيل.
      وإلا فإنَّ العبارة ليست بصحيحة وهي موافقة لبعض كلام أهل البدع من القدرية ونحوهم؛ في:
      - أنَّ العبد لا يَسَعُهُ ولا يَقْدِرُ إلا على ما كُلِّفَ به وأكثر من ذلك لا يستطيع.
      - وأنه لا يطيق إلا ما كُلِّفْ ولو كُلِّفَ بأكثر لما استطاع.
      وهذا بالنظر منهم إلا أنَّ الاستطاعة تكون مع الفعل، ولا يُدْخِلُونَ سلامة الآلات وما يكون قبل الفعل في ذلك كما فَصَّلْنَا لكم فيما سبق.
      ولهذا نقول: إنَّ الأولى بل الصواب أن لا تُستعمل هذه الكلمة؛ لأنها مخالفة لما دلَّتْ عليه النصوص من الكتاب والسنة في أنَّ الله - عز وجل - خَفَّفَ عن العباد، فانظر مثلاً إلى الصيام في السّفر فإنه لو كُلِّفَ به العباد لأطاقوه ولكن فيه مشقة شديدة يَسَّرَ الله - عز وجل - وخَفَّفْ فقال - عز وجل - {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185]، وكذلك مسألة التيمم والتخفيفات الشرعية من قصر الصلاة ونحو ذلك، وقد قال - عز وجل - {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ}[النساء:101]، والنبي صلى الله عليه وسلم قَصَرَ في الخوف وقَصَرَ في الأمن، ومعلوم أنَّ قَصْرَ الصلاة في الأمن كونه يصلي ركعتين لو كُلِّفْ فرضاً بأن يصلي أربع ركعات كل صلاة في وقتها كما في الحضر لكان في وسعه أن يعمل وفي طاقته أن يعمل؛ لكنه فيه مشقة عليه، لهذا خُفِّفَ عنه، وهو يطيق أكثر من قصر الصلاة، يطيق لو صَلَّى كل صلاةٍ في وقتها أربع ركعات؛ لكن فيه مشقة.
      ولهذا النصوص الكثيرة التي في تخفيف العبادة وفي الرُّخَصْ وفي التيسير كلها تَرُدُّ هذه الجملة من كلامه؛ بل العبد في بعض الأحكام يطيق أكثر مما كَلَّفَه، صَلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعداً، عدم الاستطاعة هنا لا تعني أنَّهُ إذا قام يَسْقُطْ وإلا يكون مستطيعاً بل إذا كان يُخْشَى عليه أن يزداد في مرضه أو يتعب أو قيامه يُذهب بخشوعه فإنَّه لأجل ما معه من المرض وعدم الاستطاعة النسبية فإنه يجلس، وهكذا.
      فإذاً هذه الجملة (وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ) ظاهرها غير صحيح، وإن كان إحسان الظن بالمؤلف رحمه الله يمكن معه أن تُحمَلَ بِتَكَلُّف على محملٍ صحيح.



      [ انتهى النقل ]

      تعليق


      • #4
        شرح العقيدة الطحاوية
        الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي
        [وهو عبارة عن أشرطة مفرغة ضمن الدورة العلمية التي أقيمت بجامع شيخ الإسلام ابن تيمية
        ]




        ولم يكلفهم الله -تعالى- إلا ما يطيقون

        ___________________________________________
        ولم يكلفهم الله -سبحانه وتعالى- إلا ما يطيقون، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، أن الله - تعالى- لا يكلف العبد إلا ما يطيق، إلا ما يستطيع قال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وهل يكلف الله العبد بشيء لا يطيقه؟
        اختلف الناس في هذا، في التكليف فيما لا يطاق على مذاهب:
        المذهب الأول: مذهب الأشعرية وبعض المعتزلة ببغداد، والبكرية أتباع بكر بن زياد الباهي، فقالوا: إن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، وذلك كالجمع بين الضدين، وقلب الأجناس كجعل الشجر فرسا، أو الفرس إنسانا، أو الحيوان نباتا، وإيجاد القديم وإعدامه، قالوا: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، لكن هل ورد به الشرع، تردد أصحاب أبي الحسن الأشعري هل ورد به الشرع فوقع أم لا ؟ على قولين .
        استدل من قال: إنه وقع بقصة أبي لهب قالوا: فإن الله أمر أبا لهب بالإيمان مع أن الله أخبر بأنه لا يؤمن وأنه سيصلى نارا ذات لهب، فأبو لهب مكلف بأن يؤمن بالقرآن، وفى ضمن القرآن أن يؤمن بأنه لا يؤمن، فكان أبو لهب مأمورا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين الضدين، وهو محال لا يطاق هذا جوابه.
        والجواب عن هذا بالمنع، لا نسلم بأن أبا لهب مأمور بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، بل هو مأمور بالإيمان والاستطاعة التي بها يقدر على الإيمان التي هي بمعنى توفر الأسباب، والآلات كانت حاصلة له فهو غير عاجز على تحصيل الإيمان فما كلف إلا ما يطيقه، واستدلوا بقول الله تعالى عن الملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} وقول الله تعالى للمصورين في الحديث القدسي: (أحيوا ما خلقتم)
        قالوا: هذا تكليف ما لا يطاق ، أجيب بأن الأمر في الآية والحديث ليس بتكليف بطلب فعل يثاب فاعله ويعاقب تاركه بل هو خطاب تعجيز، واستدلوا بدعاء المؤمنين في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} وأجيب بأنه لا يلزم من ذلك أن يكلف الإنسان ما لا يستطيعه، والمعنى لا تصبنا بشيء يهلكنا أي تصبنا بما نعجز عن طاقته فنهلك.
        المذهب الثاني قالوا: يجوز التكليف بالمستحيل العادي دون المستحيل العقلي أي يجوز تكليف الممتنع عادة، وهو ما يتصور العقل وجوده مع خارق للعادة على يد نبي أو ولي دون الممتنع لذاته أي عقلا، وهو ما لا يتصور العقل وجوده أصلا كالجمع بين الضدين؛ لأنه ممتنع لذاته لا يتصور وجوده فلا يعقل الأمر به بخلاف الممتنع عادة فيتصور العقل وجوده فيعقل الأمر به.
        المذهب الثالث: قالوا ما لا يطاق للعجز عنه، وهو المستحيل العادي والعقلي لا يجوز التكليف به، وما لا يطاق للاشتغال بضده كاشتغاله بلعب القمار أو الكرة عن الصلاة، فإنه يجوز التكليف به.
        هؤلاء موافقون للسلف والأئمة في المعنى لكن تسميتهم ما يتركه العبد ما لا يطاق؛ لكونه مشتغلا بضده بدعة في الشرع واللغة، فإن مضمونه أن فعل ما لا يفعله العبد لا يطيقه، وهم قد التزموا هذا لقولهم: إن الطاقة والاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فقالوا: كل من لم يفعل فعلا فإنه لا يطيقه.
        وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف وخلاف ما عليه عامة العقلاء؛ لأن ما يقدر الإنسان على فعله وتركه هو مناط التكليف، بخلاف ما لا يكون إلا مقارنا للفعل فذلك ليس شرطا في التكليف، والتعبير السليم أن يقال ما لا يطاق للعجز عنه لا يجوز التكليف به ، وما عداه فيجوز التكليف به.
        ومن أدلة هذا القول قول الله -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (بعثت بالحنفية السمحة ليلها كنهارها) وقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) نعم.
        ولم يكلفهم الله -تعالى- إلا ما يطيقون .
        هذا معتقد أهل السنة والجماعة أن الله -تعالى- ما كلف العباد إلا ما يطيقون، رحمة منه وإحسانا كما قال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} نعم .




        ولا يطيقون إلا ما كلفهم

        ___________________________________________
        وهذا باطل، قوله: لا يطيقون إلا ما كلفهم هذا ليس بصحيح بل العباد يطيقون أكثر مما كلفهم.

        معنى هذا الكلام أن الإنسان لا يستطيع أكثر مما كلف به، يعني لا يستطيع الإنسان الزيادة على الصلوات الخمس ، كلفنا الله بالزيادة، كلفنا الله بالصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وكلفنا الله بصيام رمضان، وكلفنا الله بالحج في العمر مرة.فمعنى قول الطحاوي: "ولا يطيقون إلا ما كلفهم" يعني: العباد لا يستطيعون أن يأتوا بأكثر من خمس صلوات، ولا يستطيعون أن يصوموا أكثر من شهر، ولا يستطيعون أن يحجوا إلا مرة واحدة في العمر، هل هذا صحيح ؟ ليس بصحيح نستطيع أكثر من صلاة.
        لو كلف الله بست صلوات أو سبع عشر استطعنا لو كلفنا الله بأكثر من صيام ثلاثين يوم استطعنا، لو كلفنا الله بأكثر من حج بأكثر من مرة في الحج استطعنا، لكن الله لطف بنا ويسر وسهل.
        قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (إن هذا الدين يسر) فقول الطحاوي: "لا يطيقون إلا ما كلفهم"، هذا غلط يتمشى مع مذهب الجبرية الذين يقولون: إن الطاقة والوسع لا تكون إلا مع الفعل فهذا من أخطائه عفى الله عنا وعنه ، والجواب أن نقول: إن العباد يطيقون أكثر مما كلفهم ولكن الله يسّر وسهّل ، نعم.

        [ انتهى النقل ]

        تعليق


        • #5
          الشاطبي - رحمه الله - موافق للأشاعرة وإن كان لم يصنف في عقيدته كتابا مستقلا إلا أنه نص عليها في كتبه كالموافقات والاعتصام بما هو مخالف لمذهب السلف .
          وهاك طرفا من ذلك لتكون على بينة ، وليضاف إلى ما كتبه أخونا الخليفي ، بما يعلم به أن ما نقل أخونا الخليفي عنه ليس من ( زلات ) علماء أهل السنة ، وإنما هو ناتج عن اعتقاد خاطئ مخالف لمعتقد السلف :

          فالشاطبي رحمه الله موافق للأشاعرة في العقيدة بلا شك وأخطاؤه فيها كثيرة من ذلك :
          1-مسألة التحسين والتقبيح العقلي :
          يقول في الموافقات - (ج 1 / ص 87) موافقا للأشاعرة : " والثاني ما تبين في علم الكلام والأصول من أن العقل لا يحسن ولا يقبح ولو فرضناه متعديا لما حده الشرع لكان محسنا ومقبحا هذا خلف "اهـ

          وقد رد شيخ الإسلام وتلميذه على هذه المقولة في كتبهم المطولة ، ومن ذلك قول الإمام ابن القيم في مدارج السالكين - (ج 1 / ص 230) : " فاعلم أن هذا مقام عظيم زلت فيه أقدام طائفتين من الناس طائفة من أهل الكلام والنظر وطائفة من أهل السلوك والإرادة
          فنفى لأجله كثير من النظار التحسين والتقبيح العقليين وجعلوا الأفعال كلها سواء في نفس الأمر وأنها غير منقسمة في ذواتها إلى حسن وقبيح ولا يميز القبيح بصفة اقتضت قبحه بحيث يكون منشأ القبح وكذلك الحسن فليس للفعل عندهم منشأ حسن ولا قبح ولا مصلحة ولا مفسدة ولا فرق بين السجود للشيطان والسجود للرحمن في نفس الأمر ولا بين الصدق والكذب ولا بين السفاح والنكاح إلا أن الشارع حرم هذا وأوجب هذا فمعنى حسنه كونه مأمورا به لا أنه منشأ مصلحة ومعنى قبحه كونه منهيا عنه لا أنه منشأ مفسدة ولا فيه صفة اقتضت قبحه ومعنى حسنه أن الشارع أمر به لا أنه منشأ مصلحة ولا فيه صفة اقتضت حسنه
          وقد بينا بطلان هذا المذهب من ستين وجها في كتابنا المسمى تحفة النازلين بجوار رب العالمين وأشبعنا الكلام في هذه المسألة هناك وذكرنا جميع ما احتج به أرباب هذا المذهب وبينا بطلانه
          فإن هذا المذهب بعد تصوره وتصور لوازمه يجزم العقل ببطلانه وقد دل القرآن على فساده في غير موضع والفطرة أيضا وصريح العقل


          2-موافقته للأشاعرة في كلام الله تعالى :
          يقول في الموافقات - (ج 3 / ص 420) : " وهل للقرآن مأخذ فى النظر على أن جميع سوره كلام واحد بحسب خطاب العباد لا بحسبه فى نفسه فإن كلام الله فى نفسه كلام واحد لا تعدد فيه بوجه ولا باعتبار حسبما تبين فى علم الكلام"اهـ
          ويقول في الموافقات - (ج 3 / ص 43) : " فكتاب الله تعالى هو أصل الأصول والغاية التي تنتهي إليها أنظار النظار ومدارك أهل الاجتهاد وليس وراءه مرمى لأنه كلام الله القديم "
          والرد عليه في هذا ينظر في كتب الإمامين .

          3-موافقته لهم في رؤية الله تعالى :
          يقول في كتاب الاعتصام - (ج 2 / ص 80) : " رؤية الله في الآخرة جائزة ، إذ لا دليل في العقل يدل على أنه لا رؤية إلا على الوجه المعتاد عندنا ، إذ يمكن أن تصح الرؤية على أوجه صحيحة ليس فيها اتصال أشعة ولا مقابلة ولا تصور جهة ولا فضل جسم شفاف ولا غير ذلك ، والعقل لا يجزم بامتناع ذلك بديهة ، وهو إلى القصور في النظر أميل ، والشرع قد جاء بإثباتها فلا معدل عن التصديق ."اهـ

          وقد رد شيخ الإسلام هذا الكلام في مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 84)
          فقال : " قَوْلُ هَؤُلَاءِ : " إنَّ اللَّهَ يُرَى مِنْ غَيْرِ مُعَايَنَةٍ وَمُوَاجَهَةٍ " قَوْلٌ انْفَرَدُوا بِهِ دُونَ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ . وَالْأَخْبَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ "
          وقال أيضا في درء تعارض العقل والنقل - (ج 1 / ص 145) : " وهذا هو البحث المشهور بين المعتزلة والأشعرية فلهذا صار الحذاق من متأخري الأشعرية على نفي الرؤية وموافقة المعتزلة فإذا أطلقوها موافقة لأهل السنة فسروها بما تفسرها به المعتزلة وقالوا : النزاع بيننا وبين المعتزلة لفظي
          "

          4-يقول في صفة الاستواء بمذهب التفويض :
          في الموافقات - (ج 3 / ص 94) : " وأما مسائل الخلاف وإن كثرت فليست من المتشابهات بإطلاق بل فيها ما هو منها وهو نادر كالخلاف الواقع فيما أمسك عنه السلف الصالح فلم يتكلموا فيه بغير التسليم له والإيمان بغيبه المحجوب أمره عن العباد كمسائل الاستواء والنزول والضحك واليد والقدم والوجه وأشباه ذلك وحين سلك الأولون فيها مسلك التسليم وترك الخوض في معانيها دل على أن ذلك هو الحكم عندهم فيها وهو ظاهر القرآن لأن الكلام فيما لا يحاط به جهل ولا تكليف يتعلق بمعناها"اهـ

          يقول شيخ الإسلام ردا على هذا الكلام في درء تعارض العقل والنقل - (ج 1 / ص 11)
          ولهذا لما ظن طائفة من المتأخرين أن لفظ التأويل في القرآن والحديث في مثل قوله تعالي { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } آل عمران : 7 أريد به هذا المعني الاصطلاحي الخاص واعتقدوا أن الوقف في الآية عند قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } لزم من ذلك أن يعتقدوا أن لهذه الآيات والأحاديث معاني تخالف مدلولها المفهوم منها وأن ذلك المعني المراد بها لا يعلمه إلا الله لا يعلمه الملك الذي نزل بالقرآن وهو جبريل ولا يعلمه محمدا صلي الله عليه وسلم ولا غيره من الأنبياء ولا تعلمه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأن محمدا كان يقرأ قوله تعالي { الرحمن على العرش استوى } طه : 5 قوله { إليه يصعد الكلم الطيب } فاطر : 10 وقوله { بل يداه مبسوطتان } المائدة : 64 وغير ذلك من آيات الصفات بل ويقول ينزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا ونحو ذلك وهو لا يعرف معاني هذه الأقوال بل معناها الذي دلت عليه لا يعلمه إلا الله ويظنون أن هذه طريقة السلف .
          وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم : إن الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء
          ثم هؤلاء منهم من يقول : المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم ولا يعرف أحد من الأنبياء والملائكة والصحابة والعلماء ما أراد الله بها كما لا يعلمون وقت الساعة
          ومنهم من يقول : بل تجري علي ظاهرها وتحمل علي ظاهرها ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها وقالوا ـ مع هذا ـ إنها تحمل علي ظاهرها"اهـ

          ويقول تلميذه ابن القيم في الصواعق المرسلة -
          (ج 2 / ص 422)
          والصنف الثالث أصحاب التجهيل الذين قالوا نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها ولكن نقرأها ألفاظا لا معاني لها ونعلم أن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله وهي عندنا بمنزلة : { كهيعص }، و { حم عسق }، و { المص }
          فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلا ولا تشبيها ولم نعرف معناه وننكر على من تأوله ونكل علمه إلى الله وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ولا يفهمون معنى قوله : لما خلقت بيدي ص75 وقوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الزمر67 وقوله الرحمن على العرش استوى طه5 وأمثال ذلك من نصوص الصفات
          وبنوا هذا المذهب على أصلين :
          أحدهما أن هذه النصوص من المتشابه
          والثاني أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأنهم كانوا يقرأون : الرحمن على العرش استوى طه5 و بل يداه مبسوطتان المائدة64 ويروون ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يعرفون معنى ذلك ولا ما أريد به ولازم قولهم إن الرسول كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه ثم تناقضوا أقبح تناقض فقالوا تجري على ظواهرها وتأويلها مما يخالف الظواهر باطل ومع ذلك فلها تأويل لا يعمله إلا الله فكيف يثبتون لها تأويلا ويقولون تجر على ظواهرها ويقولون الظاهر منها غير مراد والرب منفرد بعلم تأويلها وهل في التناقض أقبح من هذا.

          تعليق

          يعمل...
          X