الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الشاطبي في الموافقات (2/107) :" ثبت في الأصول أن شرط التكليف أو سببه القدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا وإن جاز عقلا "
قلت : هذه كبوة من هذا العالم الجليل ، فإن القول بجواز تكليف ما لا يطاق عقلاً هو قول الأشاعرة نسبه لهم الزبيدي إتحاف السادة المتقين (2/182) وقبله ابن أبي العز في شرح الطحاوية وسيأتي ذكر كلامه وكذلك القرطبي المفسر حيث قال في تفسيره (3/430) :" قال أبو الحسن الاشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع " ونصوصهم في ذلك كثيرة ، وقد بنى الأشاعرة قولهم في هذه المسألة على أصلهم في منع التعليل في أفعال الله عز وجل ومنع التحسين والتقبيح العقليين ومما تفرع على هذا الأصل قولهم بجواز تعذيب المطيعين ( عقلاً ) وإثابة الكفار (عقلاً ) ، وقد خالفهم في هذا كله أصحابهم الماتردية و قبلهم المعتزلة فهذه من المسائل التي شذ بها الأشاعرة عن جمهور ( العقلاء ) ، ويكفي في رد هذا القول أنه قول مبتدع لم يقل به أحدٌ من السلف بل هو من شماطيط المتكلمين المبنية على الأصول الفاسدة
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (1/29 :". وعندأبي الحسن الأشعري أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ، ثم تردد أصحابه [ أنه ] : هل وردبه الشرع أم لا ؟ واحتج من قال بوروده بأمر أبي لهب بالإيمان ، فإنه تعالى أخبر بأنه لا يؤمن ، [ وانه سيصلى ناراً ذات لهب ، فكان مأموراً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن .وهذا تكليف بالجمع بين الضدين ، وهو محال . والجواب عن هذا بالمنع : فلا نسلم بأنه مأمور] بأن يؤمن [ بأنه لا يؤمن ] ، والاستطاعة التي بها يقدر على الإيمان كانت حاصلة ، فهو غير عاجز عن تحصيل الإيمان ، فما كلف إلا ما يطيقه كما تقدم في تفسير الاستطاعة . ولا يلزم قوله تعالى للملائكة : نبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. مع عدم علمهم بذلك ، ولا للمصورين يوم القيامة :احيوا ما خلقتم، وأمثال ذلك - لأنه ليس بتكليف طلب فعل يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، بل هو خطاب تعجيز. وكذا لا يلزم دعاء المؤمنين في قوله تعالى : ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، لأن تحميل ما لايطاق ليس تكليفاً ، بل يجوز أن يحمله جبلاً لا يطيقه فيموت . وقال ابن الأنباري: أي لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه ، قال : فخاطب العرب على حسب ما تعقل ، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه : ما أطيق النظر إليك ، وهو مطيق لذلك ، لكنه يثقل عليه .ولا يجوز في الحكمة أن يكلفه بحمل جبل بحيث لو فعل يثاب ولو امتنع يعاقب ، كما أخبر سبحانه عن نفسه أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها .
ومنهم من يقول : يجوز تكليف الممتنع عادة ، دون الممتنع لذاته ، لأن ذلك لا يتصور وجوده ، فلا يعقل الأمر به ،بخلاف هذا .
ومنهم من يقول : ما لا يطاق للعجز عنه لا يجوز تكليفه ، بخلاف مالا يطاق للاشتغال بضده ، فإنه يجوز تكليفه . وهؤلاء موافقون للسلف والأئمة في المعنى ، لكن كونهم جعلوا ما يتركه العبد لا يطاق لكونه تاركاً له مشتغلاً بضده - بدعة في الشرع واللغة . فإن مضمونه أن فعل ما لا يفعله العبد لا يطيقه ! وهم التزموا هذا ، لقولهم : إن الطاقة - التي هي الاستطاعة وهي القدرة - لا تكون إلا مع الفعل ! فقالوا : كل من لم يفعل فعلاً فإنه لا يطيقه ! وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف ، وخلاف ما عليه عامة العقلاء ، كما تقدمت الإشارة إليه عند ذكر الاستطاعة "
قلت : كلام ابن أبي العز هذا هو تلخيص جيد لكلام شيخ الإسلام في الفتاوى (8/293_ 29 ومما جاء في كلامه :" قد كتبنا فى غير هذا المو ضع ما قاله الأو زاعي و سفيان الثو ري و عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل و غيرهم من الأئمة من كراهة إطلاق الجبر و من منع إطلاق نفيه أيضا
و كذلك أيضا القول بتكليف ما لا يطاق لم تطلق الأئمة فيه و احدا من الطرفين قال أبو بكر عبد العزيز صاحب الخلال فى كتاب القدر الذي فى مقدمة كتاب المقنع له لم يبلغنا عن أبي عبد الله فى هذه المسألة قو ل فنتبعه و الناس فيه قد إختلفوا فقال قائلون بتكليف مالا يطاق و نفاه " وملخص كلام أن تكليف ما لا يطاق على قسمين
الأول : ما لا يقدر عليه لاستحالته إما لامتناعه في نفسه كالجمع بين الضدين أو امتناعه عادةً كالمشي على الوجه فهذا المستحيل لا يجوز إطلاق جواز وقوع التكليف به عقلاً
الثاني : ما لا يقدر عليه لا لامتناعه ولا لعجز المكلف عنه ولكن لاشتغال المحل بضده مثل تكليف الكافر الإيمان في حال كفره، فهذا جائز خلافا للمعتزلة، لأنه من التكليف الذي اتفق المسلمون على وقوعه في الشريعة. ولكن إطلاق تكليف ما لا يطاق على هذا بدعة في الشرع واللغة كما قال ابن أبي العز متابعاً لشيخ الإسلام _ فذكره هنا من باب التنزل _
ومن أراد الإستزادة فليراجع كلام شيخ الإسلام ، واعلم أن داعي كتابة هذه السطور أنني وجدت الشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي _ وفقه الله _ نقل في كتابه النافع تجريد الإتباع ص102 كلام الشاطبي الآنف الذكر ولم يتعقبه بشيء فخشيت أن يأخذ هذا الكلام بعض إخواننا ويعتقده ثقةً منه في الناقل والمنقول عنه
أما بعد :
قال الشاطبي في الموافقات (2/107) :" ثبت في الأصول أن شرط التكليف أو سببه القدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا وإن جاز عقلا "
قلت : هذه كبوة من هذا العالم الجليل ، فإن القول بجواز تكليف ما لا يطاق عقلاً هو قول الأشاعرة نسبه لهم الزبيدي إتحاف السادة المتقين (2/182) وقبله ابن أبي العز في شرح الطحاوية وسيأتي ذكر كلامه وكذلك القرطبي المفسر حيث قال في تفسيره (3/430) :" قال أبو الحسن الاشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع " ونصوصهم في ذلك كثيرة ، وقد بنى الأشاعرة قولهم في هذه المسألة على أصلهم في منع التعليل في أفعال الله عز وجل ومنع التحسين والتقبيح العقليين ومما تفرع على هذا الأصل قولهم بجواز تعذيب المطيعين ( عقلاً ) وإثابة الكفار (عقلاً ) ، وقد خالفهم في هذا كله أصحابهم الماتردية و قبلهم المعتزلة فهذه من المسائل التي شذ بها الأشاعرة عن جمهور ( العقلاء ) ، ويكفي في رد هذا القول أنه قول مبتدع لم يقل به أحدٌ من السلف بل هو من شماطيط المتكلمين المبنية على الأصول الفاسدة
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (1/29 :". وعندأبي الحسن الأشعري أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ، ثم تردد أصحابه [ أنه ] : هل وردبه الشرع أم لا ؟ واحتج من قال بوروده بأمر أبي لهب بالإيمان ، فإنه تعالى أخبر بأنه لا يؤمن ، [ وانه سيصلى ناراً ذات لهب ، فكان مأموراً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن .وهذا تكليف بالجمع بين الضدين ، وهو محال . والجواب عن هذا بالمنع : فلا نسلم بأنه مأمور] بأن يؤمن [ بأنه لا يؤمن ] ، والاستطاعة التي بها يقدر على الإيمان كانت حاصلة ، فهو غير عاجز عن تحصيل الإيمان ، فما كلف إلا ما يطيقه كما تقدم في تفسير الاستطاعة . ولا يلزم قوله تعالى للملائكة : نبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. مع عدم علمهم بذلك ، ولا للمصورين يوم القيامة :احيوا ما خلقتم، وأمثال ذلك - لأنه ليس بتكليف طلب فعل يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، بل هو خطاب تعجيز. وكذا لا يلزم دعاء المؤمنين في قوله تعالى : ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، لأن تحميل ما لايطاق ليس تكليفاً ، بل يجوز أن يحمله جبلاً لا يطيقه فيموت . وقال ابن الأنباري: أي لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه ، قال : فخاطب العرب على حسب ما تعقل ، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه : ما أطيق النظر إليك ، وهو مطيق لذلك ، لكنه يثقل عليه .ولا يجوز في الحكمة أن يكلفه بحمل جبل بحيث لو فعل يثاب ولو امتنع يعاقب ، كما أخبر سبحانه عن نفسه أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها .
ومنهم من يقول : يجوز تكليف الممتنع عادة ، دون الممتنع لذاته ، لأن ذلك لا يتصور وجوده ، فلا يعقل الأمر به ،بخلاف هذا .
ومنهم من يقول : ما لا يطاق للعجز عنه لا يجوز تكليفه ، بخلاف مالا يطاق للاشتغال بضده ، فإنه يجوز تكليفه . وهؤلاء موافقون للسلف والأئمة في المعنى ، لكن كونهم جعلوا ما يتركه العبد لا يطاق لكونه تاركاً له مشتغلاً بضده - بدعة في الشرع واللغة . فإن مضمونه أن فعل ما لا يفعله العبد لا يطيقه ! وهم التزموا هذا ، لقولهم : إن الطاقة - التي هي الاستطاعة وهي القدرة - لا تكون إلا مع الفعل ! فقالوا : كل من لم يفعل فعلاً فإنه لا يطيقه ! وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف ، وخلاف ما عليه عامة العقلاء ، كما تقدمت الإشارة إليه عند ذكر الاستطاعة "
قلت : كلام ابن أبي العز هذا هو تلخيص جيد لكلام شيخ الإسلام في الفتاوى (8/293_ 29 ومما جاء في كلامه :" قد كتبنا فى غير هذا المو ضع ما قاله الأو زاعي و سفيان الثو ري و عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل و غيرهم من الأئمة من كراهة إطلاق الجبر و من منع إطلاق نفيه أيضا
و كذلك أيضا القول بتكليف ما لا يطاق لم تطلق الأئمة فيه و احدا من الطرفين قال أبو بكر عبد العزيز صاحب الخلال فى كتاب القدر الذي فى مقدمة كتاب المقنع له لم يبلغنا عن أبي عبد الله فى هذه المسألة قو ل فنتبعه و الناس فيه قد إختلفوا فقال قائلون بتكليف مالا يطاق و نفاه " وملخص كلام أن تكليف ما لا يطاق على قسمين
الأول : ما لا يقدر عليه لاستحالته إما لامتناعه في نفسه كالجمع بين الضدين أو امتناعه عادةً كالمشي على الوجه فهذا المستحيل لا يجوز إطلاق جواز وقوع التكليف به عقلاً
الثاني : ما لا يقدر عليه لا لامتناعه ولا لعجز المكلف عنه ولكن لاشتغال المحل بضده مثل تكليف الكافر الإيمان في حال كفره، فهذا جائز خلافا للمعتزلة، لأنه من التكليف الذي اتفق المسلمون على وقوعه في الشريعة. ولكن إطلاق تكليف ما لا يطاق على هذا بدعة في الشرع واللغة كما قال ابن أبي العز متابعاً لشيخ الإسلام _ فذكره هنا من باب التنزل _
ومن أراد الإستزادة فليراجع كلام شيخ الإسلام ، واعلم أن داعي كتابة هذه السطور أنني وجدت الشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي _ وفقه الله _ نقل في كتابه النافع تجريد الإتباع ص102 كلام الشاطبي الآنف الذكر ولم يتعقبه بشيء فخشيت أن يأخذ هذا الكلام بعض إخواننا ويعتقده ثقةً منه في الناقل والمنقول عنه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تعليق