السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه قصة فريدة ذكرها الشيخ المصلح المجدد عبد الحميد بن باديس
ضمن آثاره (الجزء الثالث،ص155-158 )من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية بالجزائر
سنة 1405هـ/1984م، نترككم مع القصة
ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ[الحج]
ضمن آثاره (الجزء الثالث،ص155-158 )من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية بالجزائر
سنة 1405هـ/1984م، نترككم مع القصة
ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ[الحج]
أنبه إخواني أنني نقلتها من الكتاب كما هي ولم أتصرف في النص إلا في أمور يسيرة جدا لا تؤثر في المضمون،
بل أحيانا تزيده وضوحا، وهذا يتمثل في الهمزة، إذ إن في الأصل كل الهمزات مرسومة على أنها همزة وصل،
فأصلحتها بما رأيته صوابا، والله الهادي إلى سواء السبيل.
بل أحيانا تزيده وضوحا، وهذا يتمثل في الهمزة، إذ إن في الأصل كل الهمزات مرسومة على أنها همزة وصل،
فأصلحتها بما رأيته صوابا، والله الهادي إلى سواء السبيل.
مناظرة بين سلفي ومعتزلي
في مجلس الواثق
إن اختلاف الأفكار والطباع، مع اختلاط الأمم في الزمن الطويل- أدى الفرق الإسلامية إلى كثير من الاختلاف، وكان من بين ذلك-لا محالة- بدع دينية في الاعتقادات والأعمال، وكل ذي بدعة-لابد- معتقد فيها صوابا، وملتمس لها دليلا.
ولا يقف بالجميع عند حد واحد، إلا دليل واحد، وهو التزام الصحيح الصريح مما كان عليه النبي r وكان عليه أصحابه، فكل قول يراد به إثبات معنى ديني لم نجده في كلام أهل ذلك العصر نكون في سعة من رده وطرحه وإماتته وإعدامه، كما وسعهم عدمه، ولا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم، وكذلك كل فعل ديني لم نجده عندهم وكذلك كل عقيدة، فلا نقول في ديننا إلا ما قالوا، ولا نعتقد فيه إلا ما اعتقدوا ولا نعمل فيه إلا ما عملوا، ونسكت عما سكتوا، فهم-كما قال الشافعي في رسالته البغدادية-: ((أدوا إلينا سنن رسول الله r وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله r عاما وخاصا وعزما وإرشادا وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا)).
ونرى كل فتنة بين الفرق الإسلامية ناشئة عن مخالفة هذا الأصل، ومنها فتنة القول بخلق القرآن التي نقلها في المناظرة عليها القصة التالية عن كتاب ((الاعتصام)) للإمام الشاطبي، وقد كان الفلج فيها لمن التزم هذا الأصل على من خالفه.
ذكر أبو إسحق الشاطبي أن هذه القصة حكاها المسعودي، وحكاها الآجري -في كتاب الشريعة- بأبسط مما ذكره المسعودي، ونقلها هو عن المسعودي-قال- مع إصلاح بعض الألفاظ، قال:
((ذكر صالح بن علي الهاشمي قال: حضرت يوما من الأيام جلوس المهتدي للمظالم، فرأيت من سهولة الوصول ونفوذ الكتب عنه إلى النواحي فيما يتظلم به إليه ما استحسنته، فأقبلت أرمقه ببصري إذا نظر في القصص، فإذا رفع طرفه إلي أطرقت، فكأنه علم ما في نفسي.
فقال لي: يا صالح أحسب أن في نفسك شيئا تحب أن تذكره-قال- فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فأمسك، فلما فرغ من جلوسه أمر أن لا أبرح، ونهض فجلست جلوسا طويلا، فقمت إليه وهو على حصير الصلاة فقال لي: يا صالح أتحدثني بما في نفسك؟ أم أحدثك؟ فقلت: بل هو من أمير المؤمنين أحسن.
فقال: كأنني بك وقد استحسنت من مجلسنا، فقلت: أي خليفة خليفتنا! إن لم يكن يقول بقول أبيه من القول بخلق القرآن، فقال(المهتدي): قد كنت على ذلك برهة من الدهر، حتى أقدم علي الواثق شيخا من أهل الفقه والحديث من ((اذنه)) من الثغر الشامي، مقيدا طوالا، حسن الشيبة، فسلم غير هائب، ودعا فأوجز، فرأيت الحياء منه في حماليق عيني الواثق والرحمة عليه.
فقال (الواثق): يا شيخ أجب أبا عبد الله أحمد بن دؤاد عما يسألك عنه، فقال: يا أمير المؤمنين أحمد يصغر ويضعف ويقل عند المناظرة، فرأيت الواثق وقد صار مكان الرحمة غضبا عليه، فقال: أبو عبد الله يصغر ويضعف ويقل عند مناظرتك؟ فقال: هون عليك يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في كلامه؟ فقال له الواثق: قد أذنت لك.
فأقبل الشيخ على أحمد فقال: يا أحمد إلى مَ دعوت الناس؟ فقال أحمد: إلى القول بخلق القرآن، فقال له الشيخ: مقالتك (1) هذه التي دعوت الناس إليها من القول بخلق القرآن أداخلة في الدين فلا يكون الدين تاما إلا بالقول بها؟ قال: نعم، قال الشيخ: فرسول الله r دعا الناس إليها أم تركهم؟ قال: لا، قال له: يعلمها أم لم يعلمها؟ قال: علمها، قال: فلم دعوت الناس إلى ما لم يدعهم إليه رسول الله r وتركهم منه؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه واحدة.
ثم قال له: أخبرني يا أحمد، قال الله تعالى في كتابه العزيز:ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ[المائدة: ٣] الآية. فقلت أنت: الدين لا يكون تاما إلا بمقالتك بخلق القرآن، فالله تعالى Uصدق في تمامه وكماله أم أنت في نقصانك؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين! وهذه ثانية.
ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد، قال الله Uﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮊ [المائدة: ٦٧] فمقالتك هذه التي دعوت الناس إليها، فيما بلغه رسول الله rإلى الأمة أم لا؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين! وهذه ثالثة.
ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد! لما علم رسول الله r مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها: أتسع له من أن أمسك عنهم أم لا؟ قال أحمد: بل اتسع له ذلك، فقال الشيخ: وكذلك لأبي بكر؟ وكذلك لعمر؟ وكذلك لعثمان؟ وكذلك لعلي؟ رحمة الله عليهم، قال: نعم، فصرف (الشيخ) وجهه إلى الواثق وقال: يا أمير المؤمنين! إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله r ولأصحابه فلا وسع الله علينا، فقال الواثق: نعم! لا وسع الله علينا إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله r ولأصحابه فلا وسع الله علينا.
ثم قال الواثق: اقطعوا قيوده، فلما فكت جاذب (2) عليها فقال الواثق: دعوه، ثم قال: يا شيخ لم جاذبت عليها؟ قال لأني عقدت في نيتي أن أجاذب عليها، فإذا أخذتها أوصيت أن تجعل بين يدي (3) وكفني، ثم أقول: يا ربي! سل عبدك: لم قيدني ظلما وارتاع (4) بي أهلي؟ فبكى الواثق والشيخ وكل من حضر، ثم قال له: يا شيخ! اجعلني في حل، فقال: يا أمير المؤمنين! ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل إعظاما لرسول الله r، ولقرابتك منه، فتهلل وجه الواثق وسر، ثم قال له: أقم عندي آنس بك، فقال له: مكاني في ذلك الثغر أنفع، وأنا شيخ كبير، ولي حاجة، قال: سل ما بدا لك، قال: يأذن أمير المؤمنين في رجوعي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم (5)، قال: قد أذنت لك، وأمر له بجائزة فلم يقبلها (6) : فرجعت من ذلك الوقت عن تلك المقالة، وأحسب أيضا أن الواثق رجع عنها.
قال أبو إسحق الشاطبي بعد نقل ما تقدم:
((فتأملوا هذه الحكاية ففيها عبرة لأولي الألباب، وانظروا كيف مأخذ الخصوم (7) في إحجامهم لخصومهم بالرد عليهم بكتاب الله وسنة نبيه r(.
ــــــــــــــــــ
1- ((ش)):كلام الشيخ على مقالة ابن أبي دؤاد ينطبق على كل مقالة لم يدع إليها النبي r، وقام لها من بعده دعاة.
2- ((ش)): أبي أن يتركها. قلت (أبو مالك): كذا بالأصل وأظنها: أبى.
3- كذا بالأصل والظاهر بين بدني وكفني.
4- الصواب أراع أو روع.
5- يعني ابن أبي دؤاد.
6- هذا قول المهتدي بعد تمام الحكاية.
7- كذا بالأصل والظاهر افخامهم. قلت (أبو مالك): كذا بالأصل والظاهر إفحامهم.
8- ش: ج 11، م5، غرة رجب 1348 هـ ديسمبر 1929 م.